نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 21-1-2014
السنة السابعة
العدد: 2335
قليل من الخيّرين المبدعين يحول دون تدهور مصر(1)
- “… وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ “. (البقرة 251)
- “…. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً “. (الحج 40)
أغلب المفسرين قصروا معنى الدفع على الإزالة فالمحو، “دفع الشىء إذا محاه وأزاله بقوة” دون الدفع بالتى هى أحسن، مما أدى إلى أنهم راحوا يصورون المسألة استقطابا على أنها: دفع الحق (أو أهل الحق) للباطل (بل أهل الباطل)، مثلما جاء فى تفسير الجلالين “لولا ما شرعه الله تعالى للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء، لاستولى أهل الشرك وعطلوا أرباب الديانات من مواضع العبادات ولكنه دفع بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة …..، فكأنه قال: أذن فى الناس بالقتال”،…إلخ
هكذا راح أغلب المفسرين يتعاملون مع الحق باعتباره كيانا ساكنا هم من يعرفونه دون غيرهم، وبالتالى فهم الأوصياء عليه حصريا، حتى أن بعضهم استند إلى اجتزاء من اللغة يقول: “….إن “الحق” فى اللغة يقوم على معنى الثبوت والوجوب والصحة. فالحق هو الثابت الواجب والصحيح.“ فأتذكر الخلاف على المادة 219 وأعجب لكل هذا الإصرار التاريخى على أن يكون الثبات هو أهم صفات الحق، ثم أن أغلب المفسرين بعد أن ثبّتوا الحق ساكنا هكذا راحوا يختزلون تدافع الناس ببعضهم ببعض، إلى حث أهل الحق على دفع أهل الباطل حتى إزالتهم. (نص من بعض التفسيرات) مع أن الآية الكريمة بها من المعانى التى توصى بالحرص على رعاية “ذكر الله كثيرا” فى كل مكان، وبكل لسان لكن أغلب المفسرين قسموا الناس إلى أهل الباطل وأهل الحق، ثم راحوا يتبارون فى الاختلاف حول لماذا جاءت الآية فى سورة الحج بالمساجد بعد البيع والصوامع والصلوات وهات يا كلام عن التقديم والتأخير وتفضيل دين على دين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم!
هذا، مع أننى أعلم نفسى وطلبتى من الباحثين طول الوقت أن الحق هو رؤية مرحلية دائمة التجدد، وأن حركية العلم تحترم “الفرض” الذى يثبت عند الفحص بنفس القدر لو لم يثبت، وأفضل النتائج هى القادرة على تخليق فروض أكثر ثراءً وإثراءً.
لكن ثم تفسير آخر صالحنى جزئيا على اجتهاد المفسرين وهو التفسير الذى جعل دفع الناس بعضهم ببعض هو: هو دفع غضب الله عن كافة الناس تكريما ومكافأة لتواجد وفعل الخّيرين منهم وهو المعنى الذى يربط رحمة ربنا بنا، وصرفه البلاء عنا، بوجود فئة منا بيننا تمثل الجانب الخيّر المبدع من الوجود البشرى، وهو تفسير يشجع الأقلية الطيبة النافعة – منا ومن غيرنا – أن تثق فى نفعها لكل الناس بما فيهم الأغلبية الضالة أو الظالمة، فكما أن الله سبحانه يحذرنا من “فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً” فإنه يدفع الإفساد والهدم عن كافة الناس بفضل بعضٍ منهم على كافة الباقيين مهما كانوا أغلبية بلغة العصر.
ثم أجد فى التراث أن “النَّاس الْمَدْفُوع بِهِمْ الْفَسَاد هُمْ الْأَبْدَال” فأروح أبحث عن مفهوم “الْأَبْدَال” الذى جاء فى بعض الأحاديث الشريفة، فأفرح بما ورد من تأكيد فضل الطيبين الخيرين مهما كانوا قلة فضلهم بما يبدعون، ويكشفون، فيكون وجودهم بما هم، وبما يفعلون، وبما يبدعون سببا فى أن يغفر الله لناسهم، ويحفظهم ويعينهم، وأفهم معنى الحديث الشريف: “… إِنَّ الْأَنْبِيَاء كَانُوا أَوْتَاد الْأَرْض، فَلَمَّا اِنْقَطَعَتْ النُّبُوَّة أَبْدَلَ اللَّه مَكَانهمْ قَوْمًا …”، لَمْ يَفْضُلُوا النَّاس بِكَثْرَةِ صَوْم وَلَا صَلَاة وَلَكِنْ بِحُسْنِ الْخُلُق وَصِدْق الْوَرَع وَحُسْن النِّيَّة وَسَلَامَة الْقُلُوب”.
متى يتعلم المسلمون الإسلام ليفيض عليهم وعلى كل الناس بعض نوره؟
[1] – تم نشر هذا المقال فى موقع “اليوم السابع” بتاريخ: 29-11-2013