نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 13-11-2012
السنة السادسة
العدد: 1901
الثلاثاء الحرّ:
حوار آخر: حول ما جرى، ومازال!
مقدمة واعتذار جديد:
ذكرت الثلاثاء الماضى كيف أنه قد وصلنى احتجاج رقيق أن تخصيص ثلاثة أيام فى الأسبوع لموضوع واحد هو “الإدراك”، باعتبار أنها جرعة زائدة فوق احتمال الهضم والتمثل المناسبين، وقد تأكد لى ذلك من موافقات شفهية كثيرة، وكتابية أقل، ثم إنى أنهيت المقدمة باقتراح أن يكون هذا اليوم حرا يستقبل المفاجآت إذْ يسمح بنشر اجتهادات سياسية قديمة أيضا، دون تحديث، لعلنا نستطيع قراءة الحاضر من رؤية الماضى، وإن كانت ثمة حركة أم لا!! …الخ.
وقد استُقبل هذا الاقتراح أيضا بالترحيب، وإن كان غموض الاقتراح، قد قلل من الحماس له مقارنة بتأييد الملاحظة الأولى، وقد بدأنا فعلا الأسبوع الماضى بإعادة نشر الحديث الذى ظهر فى صحيفة الأخبار اليومية بتاريخ الإثنين 5 نوفمبر 2012.
ثم خطر لى اليوم أن يخصص هذا اليوم الحر – الثلاثاء– ، الذى تخلّق نتيجة اعتذارى عن عدم الكتابة الأسبوعية فى صحيفة الوفد اليومية، لأى من الموضوعات التالية:
أولاً: مقال قديم له أهمية حالية، لاستمرار جدته، أو لتجديد الاحتياج إليه فامتدت دلالته، أو غير ذلك.
ثانياً: حديث قديم أو جديد، نشر للكاتب فى مكان آخر (مثلما حدث الأسبوع الماضى فى الأخبار، ومثل حوار هذا الأسبوع الذى نشر منذ شهور فى الأهرام) وأغلب الظن أنه لم يصل فى موقعه الأصلى لأصدقاء الموقع وزائريه.
ثالثاً: مقتطف وموقف، (وقد كان بابا ثابتا فى المجلة الأم الفصلية “الإنسان والتطور 1980 – 2003) ويختص بنشر ما يساير الغرض من النشرة بأقلام أخرى، ثم تعقيب صاحب الموقع على ما اقتطف.
رابعاً: تعقيب أو رأى مطول على بعض ما يصل الكاتب، ويحتاج لذلك، ويخشى أن يشغل مساحة أكبر من احتمال بريد الجمعة، مع الرد عليه أو بدون رد مع دعوة مجددة لمن يشاء أن يعقب أو ينقد أو يضيف على الأصل والرد.
خامساً: مناقشة لآراء بعض الزملاء الذين يتفضلون بإدلاء آراء ورؤى وأطروحات فى الشبكة العربية النفسية بوجه خاص، مما يحتاج مساحة أكبر من بريد الجمعة، وفى نفس الوقت يظهر – غالبا- فى الشبكة فى نفس الوقت، مادام الأمر منفتح للجميع، آملين فى تحريك موجات المعرفة والتعرف فى كل اتجاه، مع الشكر.
سادساً: ما يستجد من اقتراحات.
وبعد
ما رأيكم دام فضلكم؟
اليوم نواصل تحقيق الفكرة بنشر حديث أجرته الفاضلة المحررة “مديحة النحراوى” معى ونشر معظمه!! فى الأهرام بتاريخ 15 مارس2012، أى بعد عام وشهر واحد تقريبا من 25 يناير2011، وقد نشر مع مقدمة لم أرتح لها إذ وصف بأنه تحليل نفسى، وأيضا حذف كثير منه وأعيد ترتيبه، وأخذ عنوانا لا أوافق عليه!!
وهذا هو الحديث الأصلى كاملاً:
* * *
الحوار: (الأهرام 15 مارس 2012):
1- مزاج الثورة – تعريفه وهل لكل ثورة، حسب شعبها، مزاجاً خاصاً… وكيف تراه وتقيمه مع الشعب المصرى؟؟؟
د. يحيى:
لم أفهم المقصود بتعبير مزاج الثورة، دعينى أعترف أننى لم أطلق على الجارى منذ أكثر من عام حتى الآن لفظ “ثورة” دون تحفظ، صحيح أن التغيير المحتمل نوعى وجذرى وقوى ومفاجئ بدرجة ما، وكل هذا من معالم ما هو ثورة، لكن أى ثورة لا ينبغى أن تسمى كذلك إلا بعد تحقيق إعادة تشكيل لما تفكك، “الثورة إبداع جماعى”، كررت مرارا أن الإبداع هو جنون استطاع أن يحتوى مفرداته ليخلق منها تشكيل جديد، وأن الجنون هو إبداع مجهض، أما البدايات فهى للإبداع والجنون واحدة، وقد وضعت يدى على قلبى طول الوقت خوفا من إجهاض مشروع هذا الإبداع الجماعى، وبينى وبينك، مازال الاحتمال قائما، إما أن نتحمل المسئولية فيكتمل تشكيل الوليد الجيد، أو نتوقع الإجهاض مهما طالت شهور الحمل.
2- الانفلات الجمعى – الاضطرابات المتكرره؟
د. يحيى:
تعبير “الانفلات الجمعى” تعبير جيد، لأنه يميز بين التجمع الهادف، والتسيب العشوائى، أغلب الجارى فعلا هو انفلات أكثر منه توجه، الانفلات يمكن تشبيهه بأنه مثلما يطير الغطاء من فوق إناء به سائل يغلى، لا بد أن نقرأ هذه الاضطرابات المتكررة من خلال محركيها مرة، ومن خلال ضعف التحكم فى تشكيل الإبداع الجمعى أيضا، أو حتى توجيه الأداء الجمعى نحو التشكيل، أما من جهة المحركين المحتملين فهم كثرة، أغلبهم غير مسئول وغافل، وأقدرهم خبثا وتخريبا هو عدو قاصد الفساد والخراب لمصر والإجهاض لحمْل الثورة، وعامتهم مظلومون انتهزوها فرصة ولم يحسبوا المكسب والخسارة بمقياس زمنىّ مناسب، ولا بمقياس جمعى فيه مصلحتهم أيضا ضمن صالح الجميع، تأخر إعادة تشكيل الدولة، وأصبح أقرب إلى الجريمة، وترتب على ذلك خوف المسئولين من مواجهة الانفلات بالضبط والربط والقانون، فأصبح ذلك مبررا لمزيد من مظاهر غياب الدولة وضعفها، وأحيانا خيبتها.
3- الصبر كقيمه كيف نغلبها ومن يؤصلها فى الوقت الحالى فى مواجهة هذه الاضطرابات؟ الحكومة – أم مجلس الشعب- أم الاعلام – أم الدين؟؟
د. يحيى:
الصبر ليس قيمة إيجابية على طول الخط، لا بد أن نفرق بين الصبر، وبين الجبن والخنوع والاستسلام ،علينا أن نعلم الناس دقة الحسابات وليس مجرد الصبر، بمعنى أن نعلم أصحاب المطالب الفئوية مثلا، ألا تقتصر حساباتهم على سرعة الاستجابة لمطالبهم دون النظر فى بقية مطالب الفئات الأخرى، بل وفى إمكانية تحقيق مطالبهم ذاتها دون إفلاس أو خراب من يستطيع أن يستجيب لها، فيكونون هم من أوائل من يحرمون من الاستجابة لمطالبهم، بل من وظائفهم الأساسية أصلا، لا ينبغى أن نركز فى خطابنا مع هؤلاء على ضرورة الصبر، وإنما على حسن الحسابات، وذكاء التوقيت، أما من المسئول عن هذه المهمة مما ذكرتِ، فهم كل من ذكرتِ، أعنى الحكومة، ومجلس الشعب، والإعلام، والمؤسسات الدينية، وكل ما أرجوه من هذه المؤسسات إن لم يستطيعوا أن يساهموا فى توجيه وتعليم الناس ذكاء الحسابات أن يكفوا عن التهييج والإثارة والاستعجال حتى لأداء القضاء، ناسين التزام القضاة واحترامهم.
4- الإنفلات الأمنى ممثلا فى الاجتراء على باب وزارة الدفاع – الداخلية – كمهاجمين؟؟
د. يحيى:
طالما أنه غطاء إناء طار عشوائيا نتيجة لغليان غير منضبط كما ذكرنا، فلا يوجد ضمان إلى أين يتوجه، ولا يوجد ستار واق لهذه المؤسسات أكثر من غيرها، فالغطاء معدنى له حافة دائرية حادة، إذا طار كيفما اتفق قطعت حافتة كل ما تلقاه دون أن تستأذنه أو تسأله “من أنت بالله عليك “، ولا توجد مقدسات أمام الانفلات العشوائى بلا قائد، والأرجح أنه يتمادى تحت إمرة قائد سرى خبيث مخرِّب، لا يهمه من يصيب مادام سيتحقق الخراب.
5- التقييم لمن شهدوا الموت من هؤلاء ولا يخافونه؟ وحالة الاستثاره بينهم وبين الازمة المفاجئه.. كيف نضبطها؟؟ أو على الأقل نمنع آثارها الجانبية؟
د. يحيى:
من شهد الموت لقرين أو زميل، إن كان صادقا فى اعتباره شهادة، هو أحرص على نيل الشهادة، أما إن كان قد لعبها من الظاهر، واعتبر أن الذى مات هكذا هو قتيل فى معركة مرتبكة بين أطراف أغلبهم ضحايا حتى لو تم القتل على يد فريق منهم دون الآخر، فهو قد يتمادى فى الإقدام نتيجة لمزيد من الغفلة، أو لتصور أن المسألة تحولت إلى مجرد الأخذ بالثأر حتى يكاد يكون الأمر شخصيا،
أما الاحتمال الإيجابى فهو أن يكون المستثار صاحب قضية فعلا تستأهل منه كل هذه الشجاعة، فيواصل المسيرة تحفزه الشهادة أكثر.
6- التراس – بعد حادثه بورسعيد – شباب صغير منظم وغاضب – كيف يتم ضبط إيقاعه ومن يشارك فى ذلك؟
د. يحيى:
أعتقد أن حادث بورسعيد ليس له علاقة قوية أو أولوية بجماعات الألتراس البورسعيدية، أما ألتراس الأهلى فهم الضحايا والمجنى عليهم، لا هؤلاء ولا أولئك مسئولون إلا كأدوات تنفيذ لمن أمسكو بالريموت كونترول لحركة القتل الافتراسى (التى أسميتها أكلة لحوم البشر)، فهذا الحادث – فى رأيى- ليس له علاقة بكرة القدم أصلا، وقد فسرته أنه يهدف إلى مزيد من إعلان ضعف الدولة وغيابها ، والعمل على خراب الوطن، لصالح القوى التى يهمها خراب الوطن، وهى ليست قوى محلية فقط، بل الأرجح أنها قوى خارجية عالمية استغلالية مفترسة، أما كيف يتم ضبط إيقاعه، فهذا لن يكون إلا على مراحل تبدأ بالمواجهة الأمنية الشجاعة، ثم تمتد إلى التربية والتعليم، والأسرة، والثقافة والدين جميعا
7- الحوادث المفزعة – بورسعيد- إنفجار الثائر فى مناطق مختلفة – ولغة السلاح لا الحوار؟
د. يحيى:
بصراحة أنا أفتقد لما يسمى حوار فى المرحلة الحالية، حتى هذا الذى يسمى “التوك شو” زاد فيه الكلام عن حده، حتى أصبح جدلا دائريا أظن أنه أقرب الى الجدال المنهى عنه فى الحج، نحن فى مرحلة إعادة ولادة، والمطلوب هو أن يتحمل كل من يسمى نفسه محاورا مسئولية ما يطرح من أفكار ليس من حيث وجاهتها فحسب، وإنما من حيث ما يمكن أن يتحول منها إلى اقتراح عملى قابل للتنفيذ، حتى هذا الحديث الحالى الذى أجريه معك، أعتقد أنه لا جدوى منه إلا إذا خرجنا بتوصية محددة تساهم فى تدعيم مرحلة تكوين مؤسسات الدولة حتى التقديس، بدءا بإعادة الهيبة والاحترام لمؤسسة القضاء، ثم الداخلية، وهكذا، وأن يصدر مجلس الشعب فورا قانونا بتجريم كل من يعقِّب على حكم قضائى، أو حتى يستعجل إجراء قضائيا، إلا بالطرق القانونية المشروعة، وهكذا. الحوار الحقيقى هو الذى أتقمص فيه محاورى وأضع نفسى مكانه قبل أن أرد عليه، فإذا اختفى هذا الاحتمال وحل محله غلبة الأعلى صوتا، أو الأملك سلطة، ظهر تبادل الأذى وحضرت احتمالات القتل، وأشهر السلاح بديل أغبى وأسرع والعياذ بالله؟
8- دور الأسرة فى السيطرة على الأبناء فى اتجاه صالح المجتمع؟
د. يحيى:
الأسرة هى الدولة الصغيرة ، وحين نتكلم عن غياب الدولة ، يمتد هذا التعبير إلى غياب الدولة داخل الأسرة، وأيضا داخل النفس، الدولة تتخلق داخلى (داخل كل فرد من البداية) فى نفس الوقت الذى تتخلق فيه صورة الأب، وهو يحتل دوره الداخلى من واقع أدائه الخارجى، دور الأب (أو الأم القوية) كممثل أول لما هو أسرة بَهُتَ وتراجع حتى كاد ينعدم، وبالتالى ضاعت هيبة الدولة، وهيبة الكبير، وهيبة السلطة فى كل المجالات على كل المستويات بدءًا بالأسرة.
9- حالة الانقسام والتشرزم القومى المخيف – ليبرالى – ثورى – إسلامى – سلفى – قبطى… كيف تحكم على ذلك نفسياً
د. يحيى:
لماذا نسمى هذا التعدد بالتشرذم هكذا بهذه السهولة، ألم تلاحظى سيادتك الاعتراض شبه الجماعى على فكرة الرئيس التوافقى، هذا اعتراض جيد مع أنها فكرة ضد التشرذم، هذا الاختلاف الذى جاء فى السؤال هو اختلاف مشروع، بل وجيد جدا، وهو دليل على أننا دخلنا فى سنة أولى ديمقراطية، (علما بأننى لا أقدس الديقراطية الحالية ولا أراها إلا حلا اضطراريا مؤقتا)، إن المبالغة فى الحرص على الإجماع، الذى هو ضد الاختلافات الفردية، بل وضد الطبيعة البشرية، هو الذى يمثل ما هو ضد ما جاء فى السؤال تحذيرا من كثرة التعدد، وغيبة المساحات المشتركة بين المختلفين، علينا أن نتعلم ضرورة الاختلاف دون استقطاب، الخطورة التى تسمح لنا بالحذر من الاختلاف هى أن يصاحب أى اختلاف نوع من التعصب والاستقطاب، والأحكام التخوينية أو التكفيرية المتبادلة، هذا هو ما ينبغى الانتباه إليه والحيلولة دونه بكل وسيلة، وهذا لا يتم إلا بالممارسة معا فى حالة من التوحد نحو هدف واحد هو مصلحة البلد المقاسة بمحكات منضبطة، مثل الاقتصاد، والتعليم، والأخلاق، والأمن والنظام، التوحد والاجماع يكون فى التوجّه فقط، وذلك بأن يتجه الجميع إلى هذه الأهداف بهذه المقاييس، ثم نختلف فى طرق الوصول إليها فحسب، كل بطريقته، وفى هذه الحالة يفيد الاختلاف إذا صدق النقد وعرفنا كيف ننصت إلى بعضنا البعض، لا لننبرى للدفاع عن وجهة نظرنا، ولكن لنضيف إلى وجهة نظرنا.
10- الأكثر فزعاً هو الانقسام الإقليمى – محاصرة بورسعيد؟
د. يحيى:
لا أعتقد أنه يوجد انقسام إقليمى فى مسألة بورسعيد، فمن حيث المبدأ لا يوجد صراع أصلا بين النادى المصرى والنادى الأهلى إلا فى حدود الصراع الكروى ، مع التذكرة بأن التافس الرياضى قد نشأ وتدوّل تاريخا ليحل محل القتال بين الدول، أى ليمتص طاقة العدوان والتنافس بطريقة سلمية، أما هذه المقاطعة المؤقتة لبورسعيد، فقد تواكبت مع مبادرات إيجابية أهلية ورسمية حاولت أن تكسر هذا الاحتمال، وأعتقد أن ما بدا من تحفظ نحو بورسعيد كان نتيجة للحرج والخوف أكثر منه نتيجة للكره أو العقاب أو الثأر أو الانتقام فلا يوجد ما يسمى “الانقسام الإقليمى”، مصر لا تعرف أى انقسام أقلميى، ولم ينجح مثل ذلك حتى على مستوى النكت على الصعايدة أو المنايفة، ولا على مستوى التآمر على النوبة .
11- الإنفلات الاخلاقى باتجاه كل الرموز الحاكمه المجلس العسكرى – رئيس الوزراء – مجلس الشعب؟
د. يحيى:
الانفلات الأخلاقى هو جزء من الانفلات العام، بل إنه يعتبر من أول مراحل الانفلات ،وهو متعلق بغياب الدولة الأبوية داخلنا كما اشرت سابقا. وهذا هو ما شرحنا آلياته حالا، وأيضا كما ورد فى الإجابة على سؤال رقم (4) حول “الانفلات الامنى” حيث قدمت تفسير كيف أنه حين يحدث الانفلات العشوائى لا توجد مقدسات
12- كيف يتم جبر كسر رجال الشرطة كيف نعيد ميزان المهابه دون مساس بحقوق الفرد؟
د. يحيى:
هذه مهمة هامة جدا، ولن تتحقق نتائجها إلا بعد وقت طويل، إن انكسار رجال الشرطة تم بفعل فاعل بطريقة فى منتهى النذالة والقبح، ولاأعتقد أن لها علاقة بالثورة نهائيا، بل العكس هو الصحيح غالبا، هذا الجرح غائر جدا، فمن ناحية فيه نكران لجميل الشرطة وتهوين لدورها، صحيح أن الشرطة، أو بعض قيادتها، أو مثلها العليا التى كادت تتمثل فى حكم غبى قاهر كانت قد وصلت إلى درجة من الإهانات والظلم لا تطاق، لكن الصحيح أن الحل لا يكون بما هو أغبى منه وأخطر، هذه المهمة – إعادة الهيبة والاحترام – هى مهمة الإعلام بقدر ما هى مهمة التربية والتعليم وأيضا البيوت، ثم هى مهمة الشرطة نفسها، علينا أن نعلى من قدر شهداء الشرطة بنفس القدر الذى نعلى فيه من قدر شهداء الشعب فالشرطة، مثل الجيش، هى إحدى تجليات الشعب، ولنتذكر أن الله الحق العدل العليم لا يفرق بين شهيد وشهيد، ويدخل جميع الشهداء من الشرطة والشعب الجنة سواء بسواء، دور الشرطة الجديد يشمل إعادة تأهيل كل رجالها، على أنه بقدر ما تحترم الشرطة الناس، (وأعرف منهم الكثيرين يحترمون الناس)، سوف يحترمهم الناس، ويسود الأمن بفضل الفريقين معا وفضل الله، إهانة إنسان خلقه الله، حتى لو كان مجرما، هو تجاوز فى حق خلقه ربنا.
13- السيوله الإعلامية – والتدفق بلا حدود عبر قنوات مفتوحة – يستحيل فيها فصل الخيط الرفيع بين المصالح الخاصة – والقومية؟
د. يحيى:
أقترح ضم هذا السؤال على السؤال التالى رقم 14
14- حاله الاستشاطه النفسية المصاحبه لبعض برامج التوك شو اليوميه – وكيفيه مواجهتها؟؟
د. يحيى:
لقد قام الإعلام وعلى رأسه ما يسمى التوك شو بدور غلبت عليه السلبية حين راح يركز على الإثارة وجذب الأنظار، وكأن المسألة هى مباريات فى إرضاء المشاهد أو إغرائه بالمتابعة لخدمة الإعلانات مثلا، طبعا أنا لا أقصد ذلك تحديدا، لكننى ضربت المثل قياسا لا أكثر، وقد عشت هذا المأزق شخصيا فى كثير من الأحيان حتى فكرت أخيرا أن أعتذر عن المشاركة، حين شعرت أن كلمتى لا تصل إلى المسئولين فى هذه المكْلَماَت بقدر كاف، ومع ذلك فما بلغنى وجعلنى أتراجع عن الاعتذار هو أن كلمتى تصل للناس المشاهدين أكثر من المسئولين، لكننى مازلت فى حيرة حقيقية.
15- روشته للتوازن الانسانى اليومى تحفظه من الانفلات، هناك تأهيل نفسى بعد الحوادث المؤلمه وقد كثرت عندنا – كيف نواجهها؟
د. يحيى:
صحيح أنه يوجد فرع تخصصى دقيق فى الطب النفسى يعتنى بالتأهيل النفسى مع الحوادث، وبعد الحوادث بقليل، وبعد الحوادث بكثير، لكن علينا ألا نعوّل على ذلك كثيرا لأن هذا هو بمثابة الإسعاف للتقليل من المضاعفات، وهو واجب طبى وإنسانى، لكنه فى نهاية النهاية هو عمل تسكينى وفردى، أما حكاية تحقيق التوازن النفسى فأنا أحذر من دعوات مثل “أن ندع القلق”، أو أن نرفض الحزن الطبيعى الواجب هذه الأيام، ونسمى ذلك مرضا، (مثلا: الاكتئاب القومى!!) فحالنا الآن يحتاج دعوة إلى الاحتفاظ بالقلق الخلاق، والحزن الشريف، ليكونا دافعا حقيقيا نحو الفعل اليومى المنتج، بدلا من تعبير التوازن النفسى الذى يحمل عندى أحيانا مظنة البلادة، أو الطمأنينة الرخوة، لأن العمل الملئ بالمعنى، وعائده الملئ بالاستقلال الاقتصادى، هو البنية الأساسية التى يبنى عليها التوازن الحركى الخلاق الذى لا يخلو من قلق وألم رائعين، وهو ما أفضله عن تعبير “التوزان النفسى” الملتبس.
16- كيف نضبط بوصلة الوعى العام فى اتجاه الصالح القومى؟؟ وندفعه باتجاه العمل والانجاز…
د. يحيى:
النجاح فى هذه المهمة يحتاج خطة طويلة المدى، تبدأ بالمدرسة، والبيت، ولا تنتهى عند الملاعب والكتاب، وهى مهمة خلق شعب جديد امتدادا لشعب عريق، وحكاية تقديس العمل فى اليابان مثلا لم تتم فى يوم وليلة، لكنها أصبحت سمة قومية وأخلاقية عبر عقود أو قرون، حتى أن المواطن اليابانى الذى يقصر فى أداء عمله ينتحر بشجاعة دالة، علينا أن نبدأ بعد هذه الستين عاما الكبيسة، ونستمر، ولا ننتظر نتائج سريعة، ولا نأمن لأى استيراد لأفكار، ولا نفرح باستدانه أموال مشبوهه، أو استجداء معونات مشروطة، سراً أو علانية، مهما تأخر الحل، علينا أن نتيقن أنه آت لا ريب فيه مادام الفعل صحيحا، فى الاتجاه الصحيح، وهذا وارد، وحينئذ تكون الثورة ثورة .
17- الرئيس مبارك وأسرته فى مواجهة الشعب… كيف تحلل كل طرف منهم الأسرة والشعب مضارين – أهالى شهداء مصابين – متعاطفين – مؤيدين؟؟ وما هو المشهد الأخير كما تراه؟
د. يحيى:
الرئيس مبارك وأسرته ليسوا بدعا من رؤساء أى حكم شمولى عبر التاريخ، وأنا رفضت تعبير “تحلل نفسيا” هذه مرارا، ونبهت زملائى والإعلاميين مرارا إلى ضرورة الحذر من الانسياق وراء الانطباعات التى مصدرها الصحف والكلام المرسل، فى رأيى أن هناك ما يحتاج إلى تنبيه، مثل ضرورة أن يحترم الرئيس نفسه ويجلس على كرسى أمام القضاء، وأن يخلع نظارته المرآة، هذا تنبيه وليس تحليلا، إن من حق الرئيس على نفسه أن يدرك أنه لو كان جالسا على كرسى الرئاسة الآن بنفس حالته الصحية هذه، لقام منتفضا وشوح بيديه ووعدنا وعوده المعتادة، مرة أخرى هذا ليس تحليلا ولكنه تنبيه لحالة راهنة متكررة يمكن تنفيذه حالا ولو بأمر المحكمة، ما لم تكن هناك توصية طبية حاسمة بغير ذلك، ومن حق المحكمة حتى فى هذه الحالة أن تنتدب خبيرا طبيا آخر للتأكد من موضوعية هذه التوصية، هكذا يحترم الرئيس نفسه ويحترم القضاء ويضرب مثلا، ولو كاذبا، للتواضع الظاهر،
ملاحظة أخرى يمكن أن ابديها لابنه، أو ولديه، وهى أن حمل المصحف فى اليد هكذا فى قاعة المحكمة لن يعنى أبدا عند الناس أو عند العامة أى درجة من احترام كتاب الله الكريم، كما أنه لا يفيد فى ترقيق قلب القاضى، أو إعلان التوبة،
هذه ملاحظات آنية ليس لها علاقة بالتحليل النفسى،
وكل التفاصيل السابقة التى تتعلق بأداء أو شخصية المتهم تترك للقضاء لو سمحتم.
(انتهى الحديث).
* * *
وبعد
طبعا سوف نستكمل نقد ومناقشة قصائد “لمحات إدراكية” مع الزميل الشاعر الفاضل أ.د.صادق السامرائى الأسبوع القادم،
فليسامحنى
وأنتم كذلك
أو كما ترون.