نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 18-12-2012
السنة السادسة
العدد: 1936
الثلاثاء الحرّ:
حـديثـان أحدث! فى الأحـداث
مرة أخرى: على الرغم من تحفظى على الأسئلة إلا أنى أجبت هكذا:
الحديث الأول:
س1: كيف تحلل تصرفات جماعة الإخوان منذ الثورة حتى الآن؟ وهل تملِّك الزهو قادتها؟
د. يحيى:
أولا: هى ليست تصرفات واحدة طول الوقت، بمعنى أنها تصرفات موقفية، متقلبة، ليست متجانسة بالضرورة، وبالتالى يصعب ضمها إلى بعضها البعض لنجد لها تفسيرا واحدا، كما أن آرائى ليست تحليلا نفسيا كما اعتدت أن أنبه، فأنا لا أحلل تصرفات الجماعات أو الأفراد العموميين، أنا أسمى ما أفعل “قراءة النص البشرى”، تصرفات هذه الجماعة بالنسبة لى، ولأغلب الناس، وحتى بالنسبة لكثير من أعضائها غامضة مناورة معظم الوقت، ويبدو أنهم عندهم ما يبرر ذلك لطول عملهم تحت الأرض، وايضا لطول عمر اضطهادهم كل هذه السنين، وحين يجدون أن كل مؤسسات الدولة أصبحت فى أيديهم من حقهم أن يشعروا بالزهو، لكن الزهو لا يعطيهم الحق فى أن يحتقروا غيرهم، أو يهمشوا شعبهم، أو يظلموا المختلفين معهم، أويقتلوا خصومهم.
س2: هل قضاء أعضائها فترات فى السجن حوّلها من ضحية لجلاد مثلما فعلوا أمام الاتحادية بضرب المعارضة؟
د. يحيى:
وردت الإجابة على هذه الجزئية فى إجابتى على السؤال السابق، وعموما، فإن التحول من ضحية إلى جلاد هى آلية (ميكانزم) نفسية تسمى “التقمص بالمعتدى” مثلما فعلت إسرائيل مع النازى، (برغم أننى لا أعترف بما يسمى الهولوكست لأنه لم يكن مقتصرا على اليهود، رحم الله جارودى).
س3: هل السجن يسبب أزمات نفسية لمن يدخله قد تؤثر على قراراته؟ وهل هناك طريقة معينة للتعامل معهم ؟
د. يحيى:
خبرة السجن خبرة خطيرة فى حياة أى فرد، حتى فى حياة المجرم العادى، فما بالك بالنسبة لمن يعمل بالسياسة ممن يقع تحت لافتة “سجناء الرأى”، كما أن نتيجة خبرة السجن تختلف من شخص لآخر ومن جماعة لأخرى، وهناك ما يسمى “أدب السجن” وهو ما كتبه الأدباء وغير الأدباء ممن عاشوا هذه الخبرة، وقد تناول النقد الأدبى هذا النوع من الأدب وخرج منه بما قلت بعضه حالا، وهو ان نتائج خبرة كل سجين تختلف عن خبرة أى سجين آخر حتى لو كان من نفس الحزب، فى نفس السجن، أو كان يعتنق نفس الأيديولوجيا.
وعلى ذلك فلا يمكن أن نبرر كل تصرفات هذه الجماعة بسجن عدد هائل من أفرادها ظلما وقهرا وكبتا وإهانة.
س4: هل يمكن أن يكون الرئيس مرسى تأثر نفسيا بسبب دخوله السجن ؟ وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على قراراته ؟ وكيف ندلل على ذلك ؟
د. يحيى:
كما ذكرت حالا، إن خبرة السجن ظلما لابد أن تترك أثرا عميقا عند من مرّ بها، فما بالك إذا كان الذى عانى من هذه الخبرة استاذا جامعيا عاش جزءًا من حياته فى الخارج ثم سجن ظلما، فمن الطبيعى أن تكون تصرفاته متأثرة بذلك، لكن هذا لا يبرر تخبطه، ولايمنحه حق الانتقام ممن لم يظلمه، بل أن المتوقع من صاحب المعدن الطيب أن تجعله هذه الخبرة يكره الظلم، ويحترم القضاء العادى الشريف، ويحب شعبه كله دون استثناء، وأن يعمل على أن يجنبهم أن يمروا بمثل ما مرّ به، إذ يأبى عليهم أن يمروا بنفس خبرته المؤلمة بغير وجه حق.
س5: “الفلول” مصطلح أصبحت الجماعة تطلقه على كل من يعارضها أو اتهامه بالخروج عن المنهج الصحيح للإسلام فماذا تعنى تلك الاتهامات من الناحية النفسية؟
د. يحيى:
أنا أكره صك المصطلحات بهذه السهولة، ثم تعميم استعمالها بهذه البساطة، كلمة “الفلول” يقصد بها أصلا بقايا الجيش المنهزم، الفارين عادة من وجه المعركة، والحمد لله أنه لم تقم فى مصر معركة صريحة بين فريقين، وإنما كان هناك نظام فاسد تآكل واضمحل من فرط غبائه وتحيزه، حتى اختفت إيجابياته وسط هذا الكوم الهائل من الظلم والأخطاء، فسقط من فرط تصدع بنيانه دون الدخول فى معركة، الذى حدث أن هذا النظام لم يحتمل أصلاً أية درجة من الصمود وانهار أمام حركة الشباب فالناس، ثم تدعم ذلك بوقوف الجيش بجوار الشعب، فلم تكن ثمة معركة أصلاً، وبالتالى لم يكن هناك فلول لها، الأولى أن نبحث عن تصنيف آخر لمن يعملون ضد مصلحة الوطن، وأنا أفضل تسميتهم “بالخونة”، فخيانة الوطن يمكن أن يتصف بها فاسد من النظام السابق، أو فاسد ومتآمر فى النظام الحالى، أو فريق يدار بقوى من خارج الوطن بعلمه أو بدون علمه، بمقابل أو بدون مقابل، كل هؤلاء خونة، وعلينا أن نحسن فرزهم، ولا نستسهل صك مصطلح يدمغهم معا دون تمييز، لابد من مقاييس وطنية حالية على مستوى السلطة، وعلى مستوى قوى المعارضة على حد سواء، والأهم على مستوى المواطن العادى، وأن نكف عن استعمال كلمة “الفلول” ونستعمل بدلا منها كلمة “الخونة”.
س6: كيف يمكن مواجهة اتهامات وادعاءات هؤلاء , وما هى الطريقة الأسلم فى التعامل معهم؟
د. يحيى:
هؤلاء مَنْ؟ تقصدين الفلول؟ أم السلطة؟ وكلاهما قد نجد فى صفوفهم من اسميتهم الخونة، أعتقد أن الممارسة على أرض الواقع، ومدى الالتحام بوعى الشعب، ويقظة القضاء وشفافية الإعلام الشريف هى القادرة على إفراز الخائن من الوطنى، وعلينا فى جميع الأحوال ألا نستعجل الحكم، ثم علينا أن نترك الأمر للقضاء الشامخ مادمنا لم نشكل محاكم ثورية قد تعرض بعض الأبرياء لأحكام ظالمة، لكن هذا لا يعنى أن نكف عن النقد والتعرية لكن دون إصدار أحكام ميدانية أو شوارعية دامغة، تحل محل أحكام القضاء أو تنسخها.
س7: المهندس خيرت الشاطر , الدكتور محمد مرسى والدكتور محمد بديع اي من هؤلاء شخصية قيادية وما تصنيف شخصية كلٍّ منهم؟
د. يحيى:
لا أعرف ماذا تقصدين بالضبط بكلمة شخصية قيادية؟ قيادية بمعنى تقود من؟ يقود جماعته أم يقود الناس، عامة الناس من جماهير الشعب المصرى؟ إن كنت تقصدين يقود الجماعة، فالجماعة لا تحتاج إلى شخصية قيادية لأن نظامها يسمح لأية شخصية تشغل منصبا فوقيا أن يصدر أمرا يطيعه الجميع حسب قواعد التنظيم وأدبياته ومنهجه الذى يلزم الجميع بأن يطيعوا الأوامر، بغض النظر عن من أصدرها، ما دام هذا الأمر يصلهم من السلطة الأعلى فالأعلى حسب تنظيماتهم،
أما بالنسبة لهذه الأسماء الثلاثة التى ذكرتها فلا أعتقد أن أى واحد فيهم يصلح شخصية قيادية مثل سعد زغلول أو النحاس باشا أو محمد نجيب أو جمال عبد الناصر، لأنهم جميعا يفتقدون الكاريزما السياسية، وايضا هم بعيدون عن الوعى الجمعى للجماهير الحقيقية، لأنهم لا يلامسون إلا وعى من يحضرون اجتماعاتهم ويأتمرون بأمرهم.
س8: يتهم المتظاهرون “المرشد” بأنه من يدير البلاد، ويتهم رجال السياسة خيرت الشاطر بأنه من يحرك البلاد فهل تصرفات اى منهم توحى بامتلاكه يد عليا في صناعة القرار؟
د. يحيى:
ليس المهم التعرف على من يدير البلاد منهما أو من غيرهما، لأن المهم هو أن الذى وصل كل الناس هو أن هناك حكومة سرية وراء الحكومة العلنية الظاهرة التى تقول الخطب وتصدر القرارات، إن ما جرى ويجرى من التخبط، والتراجع، والتردد حتى التناقض يشير إلى وجود هذه الحكومة السرية سواء برئاسة الشاطر أو د. بديع أو مكتب الإرشاد، كل هذا ضد الشفافية وضد الديمقراطية وضد العدل الذى يأمر به ديننا على كل المستويات.
س9: هل تحركات خيرت الشاطر وتصريحاته تدل على انه المتحكم فى كل شئ بالبلاد ؟ وكيف تحلل شخصيته؟
د. يحيى:
قلت من البداية أنا لا أحلل الشخصيات، كما أننى قليل المشاهدة لهذه الشخصيات فى التليفزيون، وإن كنت أتابع بعض مواقفهم فى الصحف فقط، وما أستطيع أن أعقب به على اللقطات السريعة التى وصلتنى من المهندس الشاطر هو أنه شخص طموح، شديد الذكاء حاسم الفكر ربما لدرجة الغرور، عدوانى التوجه، بالغ الثقة فيما يتصور أنه الحق لدرجة الاستهانة بالآخرين، وربما احتقار المخالفين.
س10: هل تربية الرئيس مرسى داخل جماعة تعيش على مبدأ “السمع والطاعة” سيجعله ولاءه الأول لها دائما؟ وهل يمكن أن يتمرد عليهم فى مرحلة ما؟ وما تلك المرحلة؟
د. يحيى:
ولماذا ننتظر منه أن يتمرد عليهم وهم أصحاب الفضل والعهد فى توليه هذا المنصب؟ أنا أتعجب من هذه الأصوات التى تطالبه بالانفصال عن أصله وعن جذوره، تحت زعم أنه رئيس كل المصريين، لأنه لا يمنع كونه رئيسا لكل المصريين أن يتمسك بلونه الذى يميزه والذى أنتخب لسببه ومن أجله، ثم إنى أتعجب منه أيضا حين يزعم أنه لم يعد ينتمى إلى فصيله، ويفخر بذلك، إن من حقه كما أن من حق جماعته أن يظل منتميا لجماعته علانية بكل شجاعة حتى لا يضطر إلى الاستعانة بما اسميته حالا “الحكومة السرية”، وأيضا من حق الناس أن يقّيموا تصرفات رئاسته وحكومته بوصفها ممثلة لجماعة سياسية بذاتها لها برنامجها وخططها المعلنة، ولها رئيسها الذى يتولى تنفيذ هذا البرنامج، وذلك حتى يمكن أن نحاسبها على أدائها، وأداء رجلها الجالس على كرسى الرئاسة، وخاصة إذا فهمنا مغزى وواقعية مبدأ “تداول السلطة”.
س11: فى قراءتك لتصريحات الرئيس وقراراته خاصة التى يتراجع عنها مثل الضرائب أو التى يثبت عدم صحتها ، فهل الرئيس تملى عليه القرارات ؟
د. يحيى:
تعبير “تملى عليه القرارات” فيه شىء من التعميم وايضا الاستهانة، إن ما يصلنى هو أن هناك مستشارين غير رسميين يشيرون عليه بأمر فيقتنع به ثم يأتى فريق آخر يشير عليه بعكسه وربما يجده رأيا أفضل، أو هو يتبين خطأ الرأى الأول فيتراجع وهكذا، وبرغم من أن الرجوع للحق فضيلة إلا أن تكرار مثل ذلك قد هز صورة الرئيس، وصورة الدولة بحيث لم يعد أحد مطمئن إلى ثبات لون الحكم وتحديد توجهه، ولم يعد من الممكن أن يطمئن الناس إلى حقيقة العمر الافتراضى لأى قرار، وهذا خطر على الدولة عموما وعلى الاقتصاد خاصة، خصوصا حين يكون المقصود بالتغيير لقرارات بذاتها نوعا من الرشوة المؤقتة، وليس تصحيح القرار الخاطئ مثلما حدث فى قرار الرجوع عن رفع الأسعار، وفرض الضرائب الجديدة، لأنه صدر بغرض أن يجمع الرئيس ما يمكن من أصوات الموافقة على الدستور، ثم: “كما كنت”، هذا تصرف لا يليق، وهو استهانة بوعى الناس وذاكرتهم، فضلا عن بعده عن أخلاق الإسلام، ومصداقية المؤمنين، وعدل الرحمن.
* * * *
الحديث الثانى:
س1: بعد الأنقسام الواضح داخل الشارع المصرى بين مؤيد ومعارض أصبح كل شخص يرى نفسه هو ذو الرأى الصائب والآخر غلط ولايفقه شىء وفلول وخائن وأخيرا كافر ولا يريد نصرة الاسلام وكأن هذا البلد كان يعيش فى الكهوف ولا يعرف الدين؛ ولم يقتصر الامر على ذلك بل وصل الامر إلى انشقاق داخل الاسرة فأصبح الاب يكفر ابناءه لمجرد انهم يختلفون معه فى الرأى، فكيف تفسر ذلك وماهى النصائح التى يمكن ان تقدمها لهؤلاء الابناء ؟
د. يحيى:
إن طول الحرمان من الحرية الحقيقية، ولا أقصد بها حرية التعبير فقط، وإنما حرية التفكير أساسا، هو المسئول عن حالة التشنج الفكرى السائد، ومن ثم التهور السلوكى الذى أصبح هو القاعدة فى مواجهة حقيقة أزلية هى اختلاف الناس عن بعضهم البعض، سواء احتراما للعلم القائل بحتمية “الاختلافات الفردية” تماما مثل اختلاف بصمات الأصابع، أو احتراما للدين الذى يخبرنا أن الله لو شاء لخلقنا أمة واحدة “وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً “، “وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”، أقول إن عدم تحمل الاختلاف حتى داخل الأسرة يجمع بين الجهل بالعلم والخروج عن تعاليم ديننا الحنيف، بل وعن توجه أى دين سليم.
ثم إن تصنيف البشر لبعضهم البعض هو دلالة على الموقف “الحُكْمى” الذى نتخذه إزاء بعضنا البعض، فتتسع الهوة ويستحيل التفاهم، لأننى إذا وقفت هذا الموقف مسبقا فإننى أبدأ بإصدار حكمى على المختلف عنى، مع أن المفروض أن يكون هذا الحكم هو نتيجة الحوار وليس شرط الدخول فيه.
س2: فهل تصرف الاب مع اولاده بتلك الطريقة يصيبهم بالاكتئاب ؟
د. يحيى:
أنا لا أعرف لماذا نُسْرف فى استعمال لفظ الاكتئاب هكذا بشكل غير مسئول، إن تصرف مثل هذا الأب سواء بالمعنى الحرفى للوالد فى الأسرة، أم بالمعنى المجازى إشارة إلى رئيس الدولة: يصيب بالغم والهم والقلق والغضب والرفض والحيرة والعجز والتمزق، فلماذا نصر على جمع كل هذا تحت لافتة الاكتئاب ونطلب من الطب النفسى أن يتولى الأمر، مع أن الطبيب النفسى الذى يشارك أمته همها لابد وأن يعانى هو شخصيا من كل هذا وهو يصارع الأمر الواقع المتمادى فى التدهور، ثم عليه ألا يتوقف عند آلامه ومعاناته، ولا يكتفى بالتشخيص وإسداء النصائح بل يشارك ويعمل ويبنى…الخ.
س3: يادكتور فيما يخص الاكتئاب هل له رائحة يشعر بها المصاب بالاكتئاب ؟
د. يحيى:
حاسة الشم هى من أدق وأرق الحواس التى تتأثر بالحالة الوجدانية بصفة عامة، ورواية “العطر” التى كتبها زوسكند بالألمانية، وترجمت إلى العربية بواسطة ترجمة رائعة، وذاع صيتها بحق: هى أكبر دليل على ذلك، وأيضا الفص الشمى فى المخ هو أول فص نشأ أثناء تطور الأحياء قبل ظهور بقية أجزاء النصفيين الكروين، وحساسية هذا الفص الشمى هى التى حفظت الحياة لكثير من الأحياء التى تعيش فى الماء مثل كثير من أنواع الأسماك.
فلا غرابة من أن يشعر المكتئب برائحة كريهة ليس لأن الاكتئاب يفرزها، ولكنها الترجمة الحسية للمحيط النتن الذى نعيشه رغما عنا، ومع ذلك فليس الحل هو أن نكتفى بتجسيد حالنا فى رمزٍ دال هكذا، هذه الظاهرة تسمى أحيانا “التعيين النشط”، Active Concretization وتعنى تحويل المعنى “المجرد” إلى تجسيد “عيانى”، وهى آلية مرضية نادرة، لكنها تدل على شدة الغم والرفض معا.
س4: والحزن هل له رائحة أيضا ؟
د. يحيى:
الاكتئاب هو الاسم الحركى للحزن!! وأحيانا يكون اسم التدليل، وأنا أفضل استعمال كلمة الحزن عن كلمة الاكتئاب، برغم أنهما مترادفتان، والرد على هذه الجزئية متضمن فى الرد السابق.
س5: دكتور، إن صاحبة الحالة التى أوحت لى بهذه الأسئلة بدأت الدخول فى حاله إكتئاب، ولاتود الخروج من غرفتها بسبب مايحدث وإذا تحدثت معها قالت لى: أشم رائحة الحزن والموت بداخلى، اتنفس حزنا واتمنى الموت.
د. يحيى:
ليس عندى نصيحة معينة لصاحبة هذه الأسئلة برغم تعاطفى معها، وأنا لا أميل لإسداء النصائح بصفة عامة، وعليها أن تتحمل معنا مسئولية ما يحدث بنا جميعا، فبالرغم من صدقها، وصدق مشاعرها التى تدل على مشاركة عميقة، وإدراك واع بما يحيق بنا، إلا أن الحل لا يوجد فى غرفتها، فمثل هذا الانسحاب هو والموت سواء، وهى مسئولة عنه، وهو يحرمها من شرف الحزن، وبالتالى ينقلها من نتانة الحزن إلى عفن الموت، وهى المسئولة مثلى ومثلك عن كل ذلك، وسوف يحاسبنا الله لو تقاعسنا، ولن ينفعنا أننا حزنا على بلدنا، ولكن ما سيحسب لنا هو ما فعلنا لها فى عز حزننا وانطلاقا منه.