نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 8-12-2012
السنة السادسة
العدد: 1919
حوار مع مولانا النفّرى (5)
موقف “العز”
من موقف “العـز” (1)
وقال له (لمولانا النفـّرى):
أنا أقرب إلى كل شىء من معرفته بنفسه …….(1)
فقلت لمولانا:
يا مولانا، أنا فتحت على نفسى فتحا لست متأكدا إن كان هو من حقى أم لا، لكننى وجدت أنه أكثر أمانة حرصا على كلماتك، وأكثر احتراما لقدراتى التى شطحت بى فى الجزء الأول فجرأتنى على توجيه الخطاب إلى ربى مباشرة، ثم عدلت بفضل الله وهمسك إلى أن أحوّل الخطاب فالحوار إليك ظنا منى أنه أسهل، فوقعت فى محظورين:
الأول: مظنة التفسير والتأويل وكلماتك لا تحتمل ذلك مثل كل شعر أصيل(2)
أما المحظور الثانى فهو أننى سمحت لنفسى بالانتقاء، فسهّلت الأمر على نفسى من ناحية، وزدات شكوكى فى مصداقية الرصد فالنقل من ناحية أخرى.
لم أضع يا مولانا قواعد للانتقاء، كان الفهم – الذى شجبت بشدة أن تكون له الأفضلية على الإدراك الإبداعى/التلقى – هو أول ما قفز وصيّا على انتقائى، فضطبت نفسى أنتقى ما أستطيع فهم بعضُ ما ألقاه ربنا فى وعيك، ثم سرعان ما حذرت من ذلك حتى الرفض تقريبا، لأننى وجدت أننى كلما عجزت عن الفهم اتهمت الذين نقلوا عنك: إيش عرفنى ماذا التقطوا وماذا حفظوا وكيف سجلوا، وماذا فعلت الأيام بالأوراق والخطوط!!؟؟ كنت أفضل أن أعيش الكلمات مستقلة عن ناقليها حتى لا يداخلنى مثل ذلك فتزيد مساحة السماح بعدم الفهم، ربما لحساب الإدراك، وربما لحساب الجهل الذى ليس ضده العلم، لكننى ما إن قرأت تاريخ تسجيل كلامك (نشرة 24-11- 2012 “كيف نقرأ النص بغض النظر عن صاحبه؟!!”) حتى داخلنى ما داخلنى.
ما علينا، برغم أن الانتقاء قد لطف بى قليلا، وبرغم حذرى السابق شرح أبعاده، إلا أننى رضيت أن أغامر بالانتقاء من كلماتك لاعترافى بتواضع قدراتى، خاصة وأنه كان من أسباب عدولى عن منهج الجزء الأول (حوار مع الله) أننى لاحظت استسهالا لمن تصور أنه قادر على مثل ذلك، غفر الله للجميع.
نعود يا مولانا إلى نشرة اليوم من موقف العز، وأنت تقول يا مولانا:
وقال لى:
أنا أقرب إلى كل شىء من معرفته بنفسه …… ( لَمْ أُكْمِل)
فرحت فرحا شديدا، وتوقفت عن تسجيل بقية العبارة، فرحت لمّا أتحتَ لى أن أصور معنى القرب كما يصلنى، فلا أحد فى تصورى يعرف مدى قرب ربنا إلينا فردا فردا، ولا أحد يعرف أين حبل الوريد، ولا أحد يعرف كيف أن العبد حين يتقرب إلى ربه بالنوافل بصدق ومثابرة وكدح، يجد ربنا سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش بها، كنت أحرص دائما أن أرفض كل من يسألنى أن نخاطب ربنا فى السماء فحسب، لأنه وسع كرسيه السماوات والأرض، القرب كما أخبرنا جل شأنه، وكما ألقى فى وعيك هو أصل التعرف عليه سبحانه، أقول التعرف وأعنى به فعل التعرف لا المعرفة ولا الإثبات، حتى بالإدراك، الذى رجحت أن مواقفك كان لها الفضل فى تشجيعى على فتح ملفه كما تعلم، أقول فرحت بهذا الإلهام لأنه أكد لى احتمال قرب ربى إلىّ أقرب من معرفتى بنفسى، ألم يقل لك أنه أقرب إلى كل شئ، من معرفته بنفسه، أقرب من معرفة الطير بنفسه، اقرب من معرفة الجبال بنفسها، أقرب من معرفة الأرض بنفسها، هذا وصلنى حين تذكرت إصرارى على ربط التسبيح بأصله بدءًا من تسبيح الطير وحتى تسبيح المؤمنين حمدًا وشكرا وعشما، مرورا بتسبيح الجبال والرعد.
أعتقد يا مولانا أن بعض السالكين حين عاش هذا القرب لهذه الدرجة فرح به فرحا عارما حتى اختلطت عليه الأمور: فقال “بالحلول” الذى لم تستوعبه العامة أو تقبله، وحدثت مضاعفات استشهد بسببها عارفون كُثْر بعد أن كفّروهم، القرب الذى ألقاه ربنا فى وعيك يا مولانا حلّ لى هذا الإشكال، لأن ربنا أخبرك المعنى الذى يمكن أن نتفهم من خلاله قربا أقرب من القرب دون أن نضطر إلى شطحات وحدة الوجود أو الحلول، حين يكون سبحانه أقرب لى من معرفتى بنفسى لا أحتاج أن أعرف نفسى منفصلا، فالقرب منه معرفة فى ذاته تُجبُّ كل معرفة أخرى بدءًا بنفسى التى لا أعرفها إلا من خلاله، ونحن فى موقف العز، فما أعز ذلك.
هذا ما وصلنى من أول الجملة فماذا عن بقيتها؟
أستسمحك يا مولانا ألا أكملها للسبب الذى جعلنى لا أنتقيها
لم تسمح؟
إذن لأثبتها وأمرى إلى الله
يقول المقطع مكتملا:
أنا أقرب إلى كل شىء من معرفته بنفسه فما تجاوزه إلى معرفته،
ولا يعرفنى أين تعرفت إليه نفسه.
يا تُرى ما الذى تجاوزه إلى معرفته هذا الذى نال هذا القرب أو سعى إليه؟
ثم يا تُرى هل “ما” هنا نافية توقفنا عن المضى قدما بعد اكتشافنا كل هذا القرب.
(ثم نكمل): من ذا الذى لا يعرفه أين تعرفت إليه نفسه
وهل من الجائز (آسف والله، اعتذر لك وأستغفره) أن يكون الأصل هو ولا يعرفنى “إن” (وليس “أين”) تعرفتْ إليه نفسه،
(هذا مثال قبيح لما يعرض لى أحيانا فأحل مشكلة عجزى بافتراض حدوث خطأ فى النقل!)
ألا تعذرنى يا مولانا لهذا الحرج الذى أوقعت نفسى فيه؟
هل تسمح يا مولانا أن أواصل حقى فى أن أنتقى ما أقدر عليه، وأترك ما هو أكبر منى لمن هو أقدر منى (أو أشجع أو أعقل)؟
هل تسمح لى أن أتوقف عند بعض ما يصلنى فأثبته حبا واحتراما دون أى تعليق، وأكتفى بأن إدراكى الأعمق يكون قد تذوقه مثل أى شعر يتجاوز ويرفض أى اقتراب أو تعليق.
إن سمحت، فأنت صاحب الفضل
وإلا، فإن الله أعلم بضعف قوتى وقلة حيلتى
وهو المستعان،
وسوف أواصل دعوة نفسى إلى مائدتك دون استئذان.
[1] إنتظر: لم تكتمل العبارة
[2] علما بأن أهم كتبى كما تعلم يا مولانا كانا فى علم عندنا يسمى “الإمراضية” السيكوباثولوجى، ثم فى “فن العلاج النفسى” وكان كل منهما تفسيراً لديوانين لى (سر اللعبة & أغوار النفس) ومازلت أشعر أننى جرحت بهذا التفسير قدسية الشعر لحساب فائدة فن الطب ومن العلاج.