الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى العلاج الجمعى (11) مستويات وأنواع الإشراف على العلاج النفسى (2)

الأساس فى العلاج الجمعى (11) مستويات وأنواع الإشراف على العلاج النفسى (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 24-3-20134-2-2013_1

السنة السادسة

 العدد: 2032

 

كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (11)

 من منظور ثقافة مصرية عربية

مستويات وأنواع الإشراف على العلاج النفسى (2)

مقدمة

ذكرنا الأسبوع الماضى ثلاث مستويات للإشراف على العلاج هى: أولا: إشراف الأكبر، وثانيا: إشراف القرناء، ثم ثالثا: إشراف الشخص العادى، ونواصل اليوم بقية مستويات الإشراف.

 لكن ابتداء أود الاعتذار على أننى نسيت أن اشير فى مستوى “ثالثا” إلى دور المشرف الشخص العادى فى العلاج الجمعى، وهو أمر خاص بخبرتنا فى العلاج الجمعى التدريبى فى قصر العينى، فقد سبق أن أشرنا  كيف أنه يسمح – وبموافقة المرضى مسبقا- بحضور دائرة أكبر من المشاهدين لجلسات العلاج الجمعى بشروط معينة، بغض النظر عن التخصص والاستمرار فى التدريب لاحقا، وقد يكون من بين هؤلاء من ينطبق عليه مواصفات “الشخص العادى” بمعنى أنه غير مختص أصلا، وهؤلاء ، على قلتهم، لهم الحق فى مناقشة ما دار فى الجلسة بشكل تلقائى، وذلك أثناء الوقت المخصص للمناقشة بعد كل جلسة (حوالى نصف ساعة)، ويسمح فى هذه المناقشة لكل من حضر الدائرة الأوسع أن يبدى رأيه ونقده وتساؤلاته بما يحمل فرصة الإشراف خاصة للمعالج الجاهز لتلقى ذلك.

ثم نكمل اليوم:

…….

رابعاً: الإشراف الذاتى Self Supervision

يتم هذا النوع بشكل تلقائى، على مستوى شعورى وأيضا لاشعورى، فيتعلم المعالج باضطراد وهو يمارس العلاج النفسى، ونحن نتذكر أن تعريف التعلم هوالتغير فى السلوك أو التركيب نتيجة للخبرة والممارسة، التدريب على العلاج النفسى ما هو إلا نوع من التعلم، المتعلم الشاطر هو الذى يشرف على نفسه باستمرار بشكل تلقائى،

 من أكثر أنواع هذا الإشراف الذاتى معنى الآية الكريمة ” بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيرة”، والآية الكريمة : “وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه” إلى “كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا”،

 هذه البصيرة، وذلك الحسيب هو المشرف الذاتى،

 وهنا نود أن ننفى أمرين :

الأول: أننا لا نعنى بالإشراف الذاتى “دور الضمير” كما شاع بالمعنى الأخلاقى، فالعلاج ليس محكوما بقيم أخلاقية تقليدية – حتى بما قد يحدث فيه من أخطاء – بحيث نحاسب أنفسنا عليها كأنها ذنب.

 والثانى: هو أننا لا نهدف من خلال التأكيد على الاشراف الذاتى أن نوصى المعالج بأن يحاسب نفسه شعوريا أولا بأول  محاسبة واعية طول الوقت، وإلا أعيق تماما، خاصة إذا ما صاحب هذه المحاسبة موقف أخلاقى معطـّل، مهما بدا مثاليا !!

الحكاية أن المعالج حالة كونه إنسانا يتعلم، عادة ما يحمل همّ مريضه ويفكر فى أمره بعد انتهاء الجلسة العلاجية، يحدث ذلك فى أى وقت ولأى مدة، بشكل إنسانى مباشر غير معطل عادة،

 وحين تتزايد خبرة المعالج: ويعرف أن هذا جزء لا يتجزأ من مسئوليته الإنسانية والمهنية، وحين يعرف كيف يضبط الجرعة بحيث لا تغير محاسبته تلك على مسئولياته الأخرى وعلى حياته الخاصة،

 فإنه يستطيع – بكل ذلك- أن يحقق نوعا من المراجعة لبعض مشاكل ومآزق مهنته من خلال بصيرته الإنسانية الواعية النشطة، التى تحفز مسئوليته الممتدة.

ونظرا للاختلافات الفردية، وتحقيقا لما أسميناه حالا “ضبط الجرعة“‘ فإننا نحذر من الإفراط فى الاعتماد على هذا النوع من الإشراف خشية التمادى فى المثالية الملتبسة فينقلب الشعور بالمسئولية إلى الشعور بالتقصير إلى الشعور بالذنب، وكل هذا معطل معطل،

 وأيضا نحذر من الاعتماد على الإشراف الذاتى وحده متى أتيحت للمتدرب فرص الاستعانة بنوع آخر من الاشراف، إضافة إلى الإنارة والاستنارة الذاتية، وليس بديلا عنها، ذلك أن الإشراف الذاتى يحمل خطر تأثير ما نسميه “النقطة السوداء” فى رؤية الممارس لنفسه، إن لكل واحد فينا منطقة (أو مناطق) فى تركيبه لا يراها (أو لا يحب أن يراها) فى نفسه، وفى أدائه، وحين لا يرى هذه المناطق نعتبر أنه أعمى عنها، ومن ثم تسمية “النقطة السوداء“، هذه النقطة إذا كانت تشمل مساحة كبيرة، أو إنْ تعددت فى مناطق مختلفة من أىٍّ من مناطق ومستويات الوعى، يمكن أن تكون عائقا يحول دون كفاءة الإشراف الذاتى،

 وبرغم ذلك، فإن استمرار الخبرة، واضطراد النمو ، والاستعانة بأنواع أخرى من الاشراف كل ذلك خليق بأن يقلل من مساحة هذه النقط السوداء باستمرار.

وقد تظهر آثار الإشراف الذاتى الإيجابية فى نمو المعالج نفسه دون أن يلحظ ذلك واعيا فى وقت بذاته، ذلك أنه باستمرار الممارسة، وتلقائية التعلم تحتد البصيرة، وتزيد فاعلية الإشراف الذاتى التلقائى، بما يؤكد أهميته من جهة، ويحسن الأداء من جهة أخرى، فتزداد فرص وجدوى الإشراف الذاتى باستمرار

 إن مجرد التغير الإيجابى من خلال الممارسة، هو دليل على أن الإشراف الذاتى قد أدى دوره بكفاءة، ولو من وراء صاحبه، ولعل أشهر مثل للاشراف الذاتى هو اشراف سيجموند فرويد على نفسه، بما فى ذلك تفسيره لأحلامه شخصيا، سواء المتعلقة بنموه الذاتى، أم بحالته، علما بأن نقدا مختلف الدرجات قد وجـِّه لفرويد معتبرا بعض ما وصل إليه بالنسبة لنفسه (لحالته) مسألة فيها نظر، تحتاج لمراجعة من خارجه، وقد تم ذلك حتى من بعض تلاميذه وحوارييه، ومع ذلك فيمكن أن تسرى هذه القاعدة – بحذر شديد – على كل من تقدم فى هذه المهنة بشكل نافع له ولمرضاه دون أن تتاح له فرص الاشراف المنهجى المنظم، وفى هذه الحالة تكون نتائج الخبرة سواء فى المرضى، أو فى نمو المعالج نفسه هى المحك للحكم على كفاءة هذا المستوى من الإشراف، وليس مجرد فرط التأمل، ووفرة التفسير وجاهزيته، فقد يحمل أى من هذا جرعة من العقلنة يحسبها المعالج بصيرة ما لم تتاح له فرصة المراجعة اللاحقة على أى مستوى.

خامساً: إشراف الزملاء الأصغر على مدربهم Juniors, Supervision

المِـُـعـَلم (بكسر الميم: عامية، وضمها: فصحى) الحقيقى، هو الذى يسمح (سواء أعلن أم لم يعلن) لتلاميذه والمتدربين على يديه أن يشرفوا عليه، وفى خبرتى أذكر أننى أعرض حالة أو اثنتين بين الحين والحين، وللأمانة فهى ليست حالة علاج نفسى منتظم (اللهم إلا إذا كانت حالة من حالات العلاج الجمعى) أعرضها على زملائى وزميلاتى الأصغر فالأصغر، أثناء قيامى بالاشراف عليهم، فأسترشد برأيهم وأستفيد كما يستفيد مرضاى .

وتتوقف فرصة إشراف الأصغر على شخصية المشرف الأكبر ومدى سماحه الحقيقى بمثل ذلك، ولا يقتصر الإشراف على المثال المتقدم : أى أن يعرض المشرف حالاته شخصيا وبعض صعوباته على من هو أصغر منه، وإنما يمتد إلى الاستفادة من اعتراضات ونقد ومناقشات الأصغر وهم يعرضون عليه حالاتهم، فليس المفروض أن يقبل الأصغر رأى الأكبر على طول الخط، فله الحق أن يناقش توجيهات المشرف من واقع الممارسة مهما كانت بادئة أو محدودة.

وأيضا من الوارد أن يعود المتدرب لمناقشة حالة سابقة، قال فيها المشرف رأيا، أو اشار بمشورة معينة، لكن بتتبع الحالة، أو ربما بعد تنفيذ هذه المشورة وصل للأصغر عكس ما توقع، أو حدث غير ما يستحب، فيرجع إلى الحالة  مع المشرف، ويضيف ما جدَّ من جديد، ويستفيد الجميع من إعادة النظر، بما فى ذلك المشرف نفسه.

وفى العلاج الجمعى يتم الإشراف من الأصغر بشكل مباشر وعلانية ، سواء كان هذا الأصغر متدربا، أو معالجا مساعدا أصغر، وهو يتم بصور مختلفة منها:

  1. أن يشارك الأصغر فى التفاعل الذى يقوده الأكبر، وذلك بشكل تلقائى : مخالفا أو مكملا أو متفاعلا إلخ
  2. أن يتفاعل بشكل مباشر فى مواجهة مباشرة مع المعالج على خلفية الحاضرين أو بمشاركتهم
  3. أن تأتى فرصة الإشراف من خلال الألعاب التى يمارسها المعالج الأكبر إلزاما مثله مثل سائر المرضى، وقد يمارسها المتدرب اختياريا لحين يعلن السماح التام (إنارة النور الأخضر، أنظر بعد)
  4. أن يحدث مثل ذلك أيضا فى المينى دراما التى تمارس أحيانا فى المجموعة بمشاركة أو بتوجيه أى منهما (الأكبر أو الأصغر)
  5. أن يعقب الأصغر ناقدا أو متسائلا أو مضيفا بما يتضمن أحيانا نوعا من التعديل اللاحق لأداء المعالج الأكبر لاحقا بما يحقق درجة من الإشراف بمعناه الأوسع، وذلك أثناء “مناقشة ما بعد الجلسة”، وهى مناقشة ملزمة تستغرق عادة نصف ساعة، (وسوف نعود إليها بالتفصيل)

سادساً: إشراف المريض Patient’s Supervision  (1)

هذا النوع من الاشراف قد لا يجوز أن يسمى كذلك. لكنه كذلك .

لهذا النوع من الاشراف عدة مستويات هى أيضا لا تسمى اشرافا تحديدا، لكنها تقوم بوظيفة الإشراف بشكل رائع، ومن ذلك:  

الأول: حين تحتد بصيرة المريض فى مرضه فيرى غائية (ومعنى، ولغة) المرض (وليس بالضرورة أسبابه) بدرجة أعمق مما يراها الطبيب (المعالج)، فينتبه المعالج إلى هذه الرؤية، ويحترمها، ويستفيد منها ويعدّل نفسه من خلالها ، وحين كررت مرارا أن المرضى هم أساتذتى، ربما كنت أعنى هذا النوع من الإشراف فالتعلم، والمعالج المتفتح الوعى، لا ينبغى أن يثبت المقياس الذى يقيس به مريضه ظاهرا وباطنا، والذى هو عادة أقرب إلى نظريته أو إلى النظرية التى ينتمى إليها أو حتى إلى أيديولوجيته الخاصة، الظاهرة والخفية، وهو حين يحسن الاستماع إلى الخلافات التى تتواتر بينه وبين مريضه، تتاح له الفرصة ليس فقط لتغيير فروضه عن فروض

إمراضية مريضه، وإنما أيضا لتغيير نظريته أو على الأقل بعض تفاصيلها أو تطبيقاتها.

الثانى: يأتى من احترام تقرير المريض عن نتائج العلاج أولا بأول، فيفسرها الطبيب/المعالج بما يعدّل موقفه ويحسنه (وإن كان هذا هو أقرب إلى النوع التالى: اشراف النتائج).

الثالث: حين تحتد بصيرة المريض فلا تتوقف عند رؤيته آليات ولغة مرضه وغائيته، وإنما تمتد إلى رؤية آليات (ميكانزمات) وصعوبات وأعماق (الطبيب / المعالج) ، فيعلنها (أو لا يعلنها) فيتعلم منها الطبيب ما يحفز ليس خبرته فحسب، بل نموه أيضا 

الرابع: حين يمارس المريض إعلان رأيه، وقد يلحقه بتوصية دالة وهادفة وصحيحة مثل الحالتين التاليتين كنموذج.

  • الحالة الأولى: قال لى مريض أثناء محاولاتى دفعه على مسار خطوات نموه بما فى ذلك من مآزق وصعوبات تبدو أحيانا شبه مستحيلة (أو ربما طوبائية)، قال لى هذا المريض: “هو انت عايزنا نحقق لنفسنا اللى انت ما قدرتش تحققه بنفسك أو لنفسك”؟؟
  • الحالة الثانية: نبهنى مريض آخر أننى لا أصلح لعلاجه، وحين سألته وكيف حكم على ذلك هكذا مبكرا (كانت الجلسة الثانية) أوضح لى أنه اكتشف أن رؤيتى –الناتجة من طول ممارستى غالبا– قد جعلت “مساحة وعيى” تتسع حتى تحتوى “مساحة وعيه” (وعى المريض) فهو – على حد قوله- يجد صعوبة فائقة فى أن يتحرك معى داخل دائرة وعيى الممتدة، لأنها تحيط بمعظم مستويات وعيه بما يترتب عليه من إبطاء حتى24-3-2013_2 الشلل، وأن هذا يعوق نموه كما يعوق حركية علاجه، وقد طلب منى هذا المريض أن أحوله لطبيب أصغر تسمح دائرة وعيه أن تتداخل مع دائرة وعى المريض، فتتحرك الدائرتان تقارُبا وابتعادا بما يفيد الاثنين، وقد استجبت لطلبه، وواصل العلاج مع أحد مساعدىّ.

    كان هذا الصديق (المريض!) يعمل مخرجا مبدعا، وراح يشرح لى ما يعنى فى صورة دوائر كما بالشكل الموضح:

وقد نبهنى بذلك إلى ضرورة ضبط جرعة حفز إيقاع النمو، وأيضا تعلمت منه أن فرط الرؤية من جانب المعالج، حتى وإن كانت هى الرؤية الصحيحة، قد لا يساعد حركية أو تلقائية المريض بالقدر الذى يفيد العلاج بمعنى النمو

الخامس: حين يتجاوز نمو المريض درجة نمو الطبيب، وهذا وارد ، لأسباب كثيرة ليس هنا مجال لذكرها تفصيلا، فى هذه الحالة، ومع افتراض مرونة الطبيب واستعداده للتعلم بشكل مباشر أو غير مباشر، قد يحفز نمو مثل هذا المريض الذى تجاوز مرحلة نمو طبيبه، قد يحفز الطبيب أن يلحق به، وقد يتجاوزه الطبيب ليس بالضرورة معه، لكن يمكن مع مريض آخر، ويضطرد التواصل والتجاوز مع مريض ثالث، وهكذا.

هذا المستوى بالذات يحتاج إلى تفصيل أذكر أننى شرحته شفاهيا مرات كثيرة أثناء الاشراف، ولست واثقا إن كنت أستطيع أن أضيفه كتابةً أم لا، وسوف أضرب مثلا مبسطا قد لا يقبله أكثر القراء، وبالذات من الأطباء، لتوضيح هذه النقطة بالذات التى وردت فى عبارة ” يتجاوز نمو المريض درجة نمو الطبيب”، كما يلى :

لا يقاس النضج النفسى بالذكاء أو الشهادة أو بالموسوعية أو بالنجاح، وإنما يقاس بمحكات أخرى ليس هنا مجال تعدادها تفصيلا من بينها مثلا : تناسب الرؤية (البصيرة) مع الفعل ذى المعنى والهدف، أو تحمل الغموض، أو احتواء التناقض فى العلاقة بالآخر، ..إلخ، ولنفترض أن مريضا يتمتع بدرجةٍ ما من درجات النمو فى أىٍّ من هذه الأبعاد، ولتكن ثلاث درجات (مجازا)، وأن طبيبا يتمتع فى نفس البعد بأربع درجات أى أكثر نضجا من مريضه  بدرجة واحدة (طبعا كل هذه الدرجات للشرح فحسب، فلا يقاس النضح بداهة بالدرجات). إن ذلك يسمح لنا أن نفترض أن هذا الطبيب يستطيع أن يعالج هذا المريض بكفاءه جيدة، وأن يأخذ بيده إلى قرب مستواه النمائى (نضج الطبيب) على الأقل.

4) ينجح الطبيب فى ذلك، لكن المريض (ربما يكون أصغر سنا أو أنشط حركية) قد يواصل نموه بعد فك الإعاقةunblocking  إلى ما بعد ذلك  فيصل إلى درجة أكثر نضجا مما وصل إليه الطبيب، ولا يزال الطبيب متوقفا عند درجه نموه.

5) على قدر درجة مرونة الطبيب وحركية إبداعه لذاته، قد يستوعب هذه النقلة، فيعيد النظر فى توقفه ويتعلم من مريضه، بل ويستهدى بخطاه (ليس بالضرورة على المستوى الشعورى) فتنشط حركية نموه إلى ان يبلغ درجة نمو مريضه، أو لعله يتخطاه، فيصبح أقدر على استيعاب ومساعدة من هم دون هذه الدرجة سواء كان هذا المريض أو غيره،

ملحوظة: يمكن أن نستتج من هذا المثال الأخير أن المعالج يكون أقدر على ممارسة مهنته بكفاءة، ومع عدد أكبر من المرضى، كلما بلغ درجة من النمو أكثر نضجا من معظم مرضاه، لكن هذا لا يعنى أن يتوقف أبدا مهما تصور مرحلة نوه ، فالنمو ليس له نهاية.

كل أنواع الاشراف، مع جهاد الطبيب على درب النمو، قد تساعد الطبيب على احترام هذا النوع من الإشراف (إشراف المريض)، وهو نوع يتضمن احترام خطى المريض ومسيرته، دون الإعلاء من سلبية المرض أو نكران أن المرض أيا كانت إشراقات بعض جوانبه يظل يمثل الهزيمة إن لم نتداركها.

 كما أن هذه المسيرة “التتابعية” تتيح للطبيب أن تتسع دائرة وعيه، باضطراد ومن ثم تنمو قدراته على مساعدة مرضاه الأصعب فالأصعب، مع تطور نضجه الأكمل فالأكمل، من خلال ملاحقته لخطى مرضاه الأنشط فالأنشط.

سابعاً: إشراف النتائج Results’  Supervision

يتم هذا النوع من الإشراف من خلال كل أنواع الإشراف الأخرى بشكل أو بآخر، ذلك أن نتيجة العلاج، المقيـَّمة نوعيا بمحكات موضوعية ، والتى لا تقتصر على مجرد اختفاء الأعراض، تعتبر محكات هادية متصاعدة باستمرار.

 النتائج التى نعنيها قد تكون تحقيق الأهداف المتوسطة السلوكية الواقعية المتفق عليها عادة أولا بأول، كما قد تكون النتائج القصوى غير المحددة المعالم تماما، والتى ترتبط أساسا بإطلاق حركية النمو، واستعادة تنشيط الحياة بطزاجة واقية. (بصراحة : لكل من الطبيب والمريض على حد سواء)

 النتائج بصفة عامة تشرف على أدائنا من منطلق ما يشبه “التغذية المرتجعة”

لا يقتصر الإشراف الضمنى من واقع النتائج على النتائج الإيجابية، وإنما يشمل أيضا النتائج السلبية المؤقتة التى قد تكون أقدر على تصحيح الخطأ من خلال أى من وسائل الإشراف السالفة الذكر،أو حتى النتائج السلبية الدائمة لبعض المرضى، مما يصب إيجابيا من خلال استمرارية التعلم، فى من بعدهم من مرضى.

ثامناً: إشراف الزمن والتاريخ  

أضفت هذا النوع من الإشراف لأسباب تتعلق بتطور النظريات عامة ونسخها أولا بأول، بل بتطور الأحياء، نظرا لما أنتمى إليه شخصيا عبر عقود (الإنسان والتطور!)

بالنسبة لموضوعنا الخاص هنا –الإشراف- يتعلق “اختبار الزمن” هذا أساسا بالمدارس النفسية، وبما توصى به من طرق علاج (نفسى) يستلهم قواعده وتفسيراته وتقنياته العلاجية  من هذه المدارس.

بصفة عامة يمكن القول بأنه لا تظهر نظرية جديدة من عباءة نظرية قديمة إلا من خلال إشراف الزمن، وهذا يعنى هنا ضرورة النظر ببصيرة نقدية لجماع الممارسة التطبيقية لأية نظرية من النظريات النفسية، تم تطبيق تقنياتها العلاجية لعدد متزايد من السنين.

 إن كل من يسمون “الفرويديون المحدثون”، “واليونيجيون المحدثون”، وحتى تطورات حركات العلاج المعرفى المتتالية، هى النتاج الطبيعى لمثل هذا الإشراف.

إن إشراف الزمن، قادر على أن يفرز:

  • العملى من الطوبائى،
  • الصحيح من الزائف،
  • وما ينفع الناس من الزبد،
  • النظريات الأكثر تلاؤما مع مسيرة الإنسان من النظريات الأخبث أهدافا .

إن هذا النوع من الإشراف هو نتاج جماع الممارسة على فترات زمن طويلة تتبع مبادئ تطورية هامة وبسيطة فى نفس الوقت: مثل

o    أن البقاء للأنفع،

o     وأنه لا يصح إلا الصحيح،

o    وأن كل ما، ومن، يدعم التكافل والتكامل بين الأحياء عامة ، وبين أفراد نوع بذاته، هو الأبقى والأصلح

o    وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض

تاسعا: إشراف الله

وددت لو أننى لم أشر إلى هذا المستوى من الإشراف أصلا، وذلك لأننى تعلمت من الخبرة العلاجية، وخاصة فى العلاج الجمعى، أن استعمال الألفاظ الدينية، والمقدسة، يصل إلى كل واحد من خلال منظومته الخاصة جدا، مهما تصور غير ذلك، حتى مجرد ذكر أن “الله هو المعين”، أو “كله على الله”، يمكن أن تصل بغير ما قصدتُ، حتى حين استشهدتُ بالآية الكريمة “بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره” فى أول هذه النشرة كانت إشارة إلى “الإشراف الذاتى” ، وليس إلى هذا المستوى من الإشراف، “إشراف الله”

لكن كل هذا الحذر، وهذه الخبرة لم تمنعانى الآن من وضع بعض الخطوط العريضة التى قد أرجع لها فيما بعد حين نناقش علاقة العلاج الجمعى بالدين والإيمان، ومن أهم هذه الخطوط العريضة:

  1. إن ما أعنيه بالإشراف هنا ليس مرادفا لمراقبة الضمير، أو حتى ما يسمى الأنا الأعلى
  2. إن الثقافة المصرية عامة، على مستواها الشعبى، والتاريخى، تتعامل مع الوجود الإلهى وجودا حاضرا فى الوعى على مختلف مستوياته
  3. إن النمو الحقيقى يجعل هذا النوع من الإشراف آلية تلقائية أكثر منها محاسبة عقابية
  4. إنه إذا نجحت تنمية هذه الآلية فعلا ، فإن الوعى الشخصى يتسع لدرجة تؤكد حضور الإشراف بصفة دائمة، لأن الله الحقيقى حاضر بصفة دائمة، حين ينقلب كل الأداء الإيجابى لصالح الحياة والأحياء عبادة “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”
  5. إن دوام هذا الإشراف وحضوره باستمرار يتعمق ويتركز حتى يصل إلى أصغر أجزاء الزمن، وهو يتجلى أكثر فى ظاهرة “هنا والآن” المتحركة طول الوقت.
  6. فى مرحلة أكثر نضجا ومسؤولية ، يمكن أن تقاس بقية مستويات الإشراف بمقياس هذا الإشراف الذى تتجاوز فيه الذات مستوى الوعى الشخصى، وبالتالى لا يصبح هذا المستوى مرادفا بالضرورة لما يسمى “الإشراف الذاتى”
  7. يمكن أيضا أن يتحرر المعالج الأنضج فالأنضج من قدر أكثر فأكثر من الميكانزمات التى يبرر بها توقفه عند أهداف مغتربة متوسطة (درء الشــِّرك)
  8. يمكن أن يقيس المعالج المواصل تنمية هذا النوع من الإشراف سائر ما يصله من معلومات تزييفية مهما بلغت قوة السلطة المغتربة التى تسوقها بمقياس هذا الإشراف الذى يشاركه فيه مريضه فى ثقافتنا خاصة التى لم يلوثها الإعلام المستورد
  9. قد يسمح هذا النوع من الإشراف باتساع مساحة السماح الذى تقاس فيه مساعدة البشر بمدى نفع الناس أكثر مما تقاس بمدى اتباع التعليمات المغلقة المكتنوبة، خاصة فى أوقات التدهور المجتمعى، والاغتراب الجماعى
  10. إن هذا النوع من الإشراف لا يرتبط بدين معين، بقدر ما يرتبط بمساحة الوعى، ودرجة الموضوعية، وجاهزية الإبداع، ونفع الناس.

ملحوظة:

أريد أن أعتذر لا ضطرارى لتقديم هذه الخطوط العريضة هكذا، وأكاد أجزم أن كل معالج، مختصا كان أو غير مختص، يمكن أن ينبرى ليجزم بأنه يراعى الله فى كل ما يعمل وما يدع، وأن الله هو المحاسب، وهو المشرف، وأنه واثق من رضاه على ما يفعل ..إلخ

لهذا ، فإما أن أعود لهذه النقطة بالتفصيل حين أتناول علاقة العلاج الجمعى بالدين والإيمان، أو قد أحذفها فى الطبعة الورقية إن لم أستطع أن أتحمل أمانة شرحها بما ينفع.

[1]  – أغلب تشكيلات هذا النوع تأتى من مرضى يعانون من مرض أعمق غوْراً (عقلى، ذهانى، جنونى أو كما تشاء).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *