نشرة “الإنسان والتطور”
7-6-2012
السنة الخامسة
العدد: 1742
ص 79 من الكراسة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
كل من عليها فان
الهاكم التكاثر حتي زرتم المقابر
العفو عند المقدرة
حبل (او حصل) الله ……. (كلمات غير مقروءة!)
نجيب محفوظ
20/ ابريل/1995
القراءة:
لم يرد فى هذه الصفحة مما سبق قراءته إلا نص واحد هو الآيتان الكريمتان: “ألهاكم التكاثر، حتي زرتم المقابر”: ورد هذا النص فى صفحة التدريب رقم (70) بتاريخ: 5 – 4 – 2012 ، وليس عندى ما أضيفه سوى التذكرة بآية كريمة استشهدت بها هناك تدعيما لما وصلنى ، وهى التى تقول : “اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ والأوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا” الأية (20): سورة الحديد،
ثم دعونا نقرأ الجديد معا
1)“كل من عليها فان”:
أية من سورة الرحمن: “كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ”(27)
سبق أن أشرت إلى ورود سورة الرحمن (نشرة19-4-2012، 15-3-2012) بموسيقاها ومحتواها ونبضها وإيحاءاتها مما قد يليق أن يكون تمهيدا للتعليق على هذه الآية تحديدا، فالأرجح عندى أن هذه الآية، وغيرها من آيات هذه السورة، بل ربما من آيات القرآن الكريم كافة، لا يمكن فصلها عن سياقها الموضوعى فى ذات السورة، بل عن السياق الكلى فى القرآن الكريم برمته، خاصة بعد ما وصلنى كيف أن القرآن هو “وعىٌ خالص”، مع التذكرة بأننا لا نتعامل مع الوعى جزءا جزءا إلا ليتجمع فى نفس الوقت..إلخ
قال الشعبي: إذا قرأت” كل من عليها فان” فلا تسكت حتى تقرأ: “ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام “.
ثم إننى أضيف من واقع توجّهى الذى ذكرته حالا أننى وجدت أنه من الافضل أن نكمل “فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30)
فيتأكد لدىّ أن هذه الحركة اللانهائية “كل يوم هو فى شأن” هى النقيض الحقيقى للفناء الذى ينتظر الإنسان إذا لم ينتم وعيه الخاص إلى الوعى الكونى إلى وجه الله، وهذا هو فقط ما يمكن أن يكون فناء، أما الموت “النقلة” فهو إعادة ولادة (أو أزمة نمو كما ذكرنا سابقا)….إلخ
يبدو أن الموت والحياة قضية قد شغلت محفوظ مبدعا، فشغلتنى ناقدا بدرجة مركزة فى ملحمة الحرافيش حيث تصورت أن نجيب محفوظ أبلغنا بإبداعه كيف أن الوعى بالموت هو باعث الحياة، وأن وهم الخلود فى هذه الدنيا هو الموت الحقيقى،
وأفضل أن أقدم للقارئ مقتطفا من مقدمة نقدى كالتالى:
“…يقين الموت ليس وعيا خاصا به، بقدر ما هو الحقيقة الموضوعية الأساسية فى الوجود البشرى، فوق قمة الوجود الحيوى. وما بين طرفى “الموت المصير”، و”التخلق: إعادة الولادة”، تتجدد الحركة، وتبعث الحياة من أبيات القصيدة/الملحمة طولاوعرضا، “دورة وإعادة”، “جدلا وتوليفا”، دون انقطاع”.
وبحسب ما سمحت به الذاكرة، تصورت أننى استشهدت بالآية الكريمة “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (سورة تبارك: الآية 2) لأبين من خلالها الترتيب الذى جاء فى التنزيل الحكيم عن خلق الموت والحياة، وكيف أن الموت سابق للحياة لكننى بحثت عنها الآن فلم أجدها فى النص المتاح من نقدى المنشور فى مجلة فصول، قلت لعلها وردت لاحقا فى كتابى “قراءات فى نجيب محفوظ” فلم أجدها أيضالكننى واثق أن هذا المعنى قد انتبهتُ إليه وربما لم أثبته من قبل: وهو أن الله سبحانه أثبت الموت قبل الحياة فى خلقه لهما، وربما هذا هو ما استلهمه نجيب محفوظ وهو يوصل لنا الرسالة فى الملحمة كما ذكرت فى نقدى لها قائلا فى البداية:
“….منذ السطر الأول يعلن محفوظ أن ملمحته تدور”.. فى الممر العابر بين الموت والحياة”، ليس بين الولادة والموت، ولا بين الحياة والموت فالموت هو الأصل، والحياة احتمال قائم. هذه الحقيقة هو سداة الملحمة ولبانتها”.
أما ما طرأ على فكرى بعد ذلك فى فهمى للموت، وأنه نقلةٌ ما بين الوعى الخاص والوعى العام إلى وجه الله، فهو ما حضرنى الآن من جديد حين أستمع إلى توصية “الشعبى” فأُكمل أنا الآية بعدها حتى “كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ” فيصلنى أن هذه الحركية الأبدية هى النقيض الحقيقى للعدم (الفناء) البشرى وغير البشرى (كل من عليها) وبالتالى يكون المنقذ الوحيد من الفناء هو الانتماء إلى هذه الحركة الدائمة، التى تجعل كل يوم غير كل يوم، وحين يصلنا المعنى الأعمق لما هو “كل يوم هو فى شآن”
ياه يا شيخنا،
إلى هذه الدرجة اختلط القرآن الكريم بلحمك ودمك ففاض فى إبداعك
“وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ”
” فَبِأَىِ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ”
- النص الجديد اليوم هو:
“العفو عند المقدرة”
هذا العفو هو شيمة من شيم الكرام ومن أعظم مكارم الأخلاق وله علاقة وثيقة بالآية: “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” والآية الكريمة “وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” وأيضا قوله تعالى: “فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ“(الحجر: 85) وقوله تعالى: “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (النور: 22) وقوله تعالى:” وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” ( آل عمران: 134)
لكن ثمه تنويه لازم فى هذا الصدد وهو أن الشخص الذى يستطيع العفو لا بد أن يتأكد أنه قادر على عدم العفو، ثم عفى، وهذا ما يعنيه “عند المقدرة”، وهذا يحتاج إلى مجاهدة النفس حتى يتحقق الذى يعفوا من قدرته على الناحيتين، مما يجعله -وهو يختار العفو- يتذرع بالصبر، ربما كما تنبهنا الآية الكريمة: “…وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ…” (الشورى:43)
ملحوظة: جاءنى فى بريد الجمعة – الذى سوف ينشر غدًا – من صديق كريم مثابر مؤمن (غير مختص فى العلوم النفسية) معنى حديث هذا نصه:
…. ان الله سبحانه في يوم القيامة يحكم بين رجلين (حالة من حالات كثيرة) فيقول له خذ لي منه حقي فيأخذ من حسناته حتى اذا لم يبق له منه فيقول فليحمل من سيئاتي “فيبكي النبى صلوات ربى ورحمته عليه” فيري الله عز وجل ذلك الشخص (المظلوم) قصور وجنان فيقول له لمن هذا يا رب فيقول لمن يدفع ثمنه وهو عفوك عن أخيك فيقول عفوت عنه فيقول خذ بيد أخيك وادخلا الجنة.
كان ذلك تعليقا للصديق “عمر صديق” على مقال كتبته عن الحكم على مبارك وصحبه، نشرة:”حوار مع الله (65): من موقف “الثوب” وموقف “العهد”
تصورت لو أن الأستاذ كان بيننا وحضر وقائع هذا الحكم، وبلغه ما حدث بعده، لدعا للقاضى والمتهمين والشهداء والشباب وأهلهم بالهداية والغفران جميعا،
“وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ “