نشرة “الإنسان والتطور”
17-8-2010
السنة الثالثة
العدد: 1082
“المواكبة” و”المعيّة” (2)
(استجابات أسوياء من المتدربين والمدرب)
اللعبة:
أنا معاكـ(ى) يا فلانـ(ة) حتى لو…………….
أنا خايفـ(ة) أكون معاكـ(ى) يا فلانـ(ة) بحق وحقيقى لحْسَن…………
* * * *
مقدمة:
هذه مجموعة تجريبية للتدريب، بدأت بفكرة من د. رضوى سعيد المسئولة عن جمعية الأطباء النفسيين الشبان فى مصر ورئيس الجمعية العالمية، وشاركت فى الحماس للفكرة د.ناهد خيرى، كلية طب قصر العينى.
بدأت المجموعة من متدربين دون مرضى بنفس القواعد التى سبقت الإشارة إليها، وكان التعاقد لمدة سنة.
وجهت الدعوة بصفة شخصية لكل من أراد التدريب من الأطباء النفسيين الشبان بهذه الطريقة، واعتبر الجميع من الأسوياء، وهم كذلك، وظلت جلسات التدريب الجمعى تعقد أسبوعيا لمدة ستة أشهر حتى الآن. ومازالت التجربة مستمرة بشكل منتظم، لكن لا يمكن التنبؤ بنتائجها حاليا، وخاصة أن عددا لا بأس به ممن بدأوا معنا انقطعوا لأسباب موضوعية غالبا (وغير واضحة أحيانا).
بعد أن لُعب نفس اللعبة عدد من مرضى المجموعة العلاجية والمعالجان المشتركان (نشرة 10-8-2010) اقترح د. يحيى نفس اللعبة التى نتناولها بالقراءة ومحاولة التفسير منذ أسابيع، على مجموعة التدريب هذه، ولم يخف المدرب أنها يمكن أن تصلح لمقارنة استجابة الأسوياء من المتدربين بالمرضى، وللأمانة، لم يوجد مبرر طبيعى لهذه المحاولة أثناء تفاعل التدريب إلا الأمل فى احتمال المقارنة، وبالصدفة كان عدد الحضور قليلا وربما ثبت أن هذه مزية لإمكان التركيز فى القراءة والتفسير.
وبرغم عزوفى المبدئى عن التمادى فى الشرح والتأويل لعدم رضاى عن المحاولة السابقة الأسبوع الماضى التى شعرت أنها إما اختزلت حقيقة الجارى أو شوهته، أقول برغم ذلك قلت أكمل المحاولة والسلام.
سوف ننشر القراءة لاستجابات مجموعة التدريب اليوم، على أن ننشر استجابات منتقاة من بعض أصدقاء الموقع، لإكمال التجربة، الأسبوع القادم.
(لم يكن حاضراً سوى ثلاثة متدربين والمدرب).
وفيما يلى عرض الاستجابات:
* * * *
د. محمد
د. محمد إلى د. مى
أنا معاكى يا مى لدرجة إنى أسافر معاكى
أنا خايف أبقى معاكى يا مى بحق وحقيقى لحسن أتضرب
د. محمد إلى د. يحيى
أنا معاك يا د. يحيى لدرجة إنى عاوز أبقى معاك العمر كله
أنا خايف أبقى معاك يا د. يحيى بحق وحقيقى لحسن أضيع
د. محمد إلى د. أحمد
أنا معاك يا أحمد لدرجة أنى شايفك أوى
أنا خايف أبقى معاك يا أحمد بحق وحقيقى لحسن أضيع برضه
د. محمد إلى د. محمد (لنفسه ناظرا إلى حقيبة على كرسى أمامه)
أنا معاك يا محمد لدرجة إنى مطمئن
أنا خايف أبقى معاك يا محمد بحق وحقيقى لحسن أضيع
القراءة:
يلاحظ هنا أن د.محمد حين قلب المعية إلى بعد أعمق “بحق وحقيقى” واستحضر احتمالات الخوف من هذا القرب خاف من الضياع حتى “مع” نفسه، الاستثناء الوحيد كان مع د.مَىْ وهى الطبيبة الوحيدة فى هذه الجلسة والباقى أطباء، صرّح أنه إن وجد نفسه مع مّىْ “بحق وحقيقى” فهو يخاف أن يُضرب، ولم أستطع أن أحكم هل كان هذا تهكما أم نوعاً آخر من الضياع استسلاما.
مع د.مَىْ أيضا كان الاختلاف باديا مع الاقتراب التلقائى ولو أن د. محمد استعمل تعبيرا لم أجد له تفسيرا عندى “أسافر” (حتى أننى خشيت أن يكون قد حدث خطأ فى التفريغ)
أما مع زميله المتدرب د.احمد فقد سمح الاقتراب التلقائى، أن يراه أفضل أو أعمق أو أشمل (شايفك قوى)
مع د.يحيى كان الاستعداد للمعيّة فيه اطمئنان للاستمرار الممتد، أو لعل كان بمثابة شرط أن يكون الاقتراب مستمرا العمر كله، أى أن الخوف من حركة الدخول والخروج قائم بوضوح، فالاستمرار ليس مزية فى ذاته، وفى ذلك ما فيه من مظنة الاعتمادية التى لا يمكن إثباتها أو نفيها،
لكن احتمال الضياع – برغم ذلك – تجلَّى واضحا إذا كان القرب “بحق وحقيقى” ، وهذا قد يؤكد أنها اعتمادية أكثر منها طمأنينه، لأنه لما اقترب أكثر “وبحق وحقيقى” خاف من الضياع، وقد تصورت أن خوفه من الضياع مع الزميل الأكبر المدرب كان حقيقيا أكثر من خوفه من الضياع مع زميله د.أحمد.
حين لعب د.محمد مع نفسه واقترب منها تلقائيا اطمأن، لكنه حين اقترب منها “بحق وحقيقى” أحس بالضياع أيضا، ولكننى أعتقد أنه ضياع مختلف عن إحساسه بالضياع مع الزميل القريب أو الزميل المدرب.
كيف يخاف الواحد من الضياع إذا اقترب من نفسه؟
لعله خاف أن يكتشف ضياعها أو ضياعه (أو لعل هناك تفسير آخر).
* * * *
د. أحمد
د. أحمد إلى د. مى
أنا معاكى يا مى لدرجة أنا كمان مش عاجبنى جسمى
أنا خايف ابقى معاكى بحق وحقيقى لحسن اتلخبط جامد
د. أحمد إلى د. يحيى
أنا معاك يا د. يحيى لدرجة إنى أنا ملتزم جدا فى الجروب
أنا خايف ابقى معاك بحق وحقيقى لحسن ماعرفش أنا رايح على فين
د. أحمد إلى د. محمد
أنا معاك يا محمد لدرجة أنى حاخدك على قد عقلك
أنا خايف أبقى معاك يا محمد بحق وحقيقى لحسن أعمل اللى أنا مش عاوزه، أعمل حاجة أنا مش عاوزها
د. أحمد إلى د. أحمد (لنفسه ….. إلخ)
أنا معاك يا أحمد لدرجة أنى بأجى على نفسى
أنا خايف أبقى معاك يا أحمد بحق وحقيقى لحسن تاخذنى عندك خالص
القراءة:
د. أحمد اختلفت استجاباته : ولم يكرر
مع د.مى بدا أنه يتعاطف معها بالنسبه لبعض الملاحظات التى كانت تتلقاها “مى” كنوع من الفكاهه أو التنبيه عن الزيادة التى طرأت على وزنها بعد الولادة، أما حين أصبح الاقتراب منها “بحق وحقيقى”. اتقلبت الحكاية جدا وخاف د. أحمد من قربٍ يُخَلخل استقراره (اتلخبط جامد)
مع د.يحيى كانت علاقة القرب التلقائى علاقة التزام بين الأصغر والأكبر: المتدرب والمدرب، (ملتزم جدا فى الجروب) أما حين أصبحت المعية “بحق وحقيقى” حدث ما حدث مع د.مَىْ وخاف من ضياع معالم الطريق (ما اعرفش انا رايح على فين)
وحين جاء الدور ليلعب مع زميله وصديقه وقرينه د.محمد، شعر بطمأنينه نسبيه، إذن لا مانع أن يسايره وهو يستطيع (حاخدك على قد عقلك) أما على مستوى المعيه “بحق وحقيقى”، فقد زادت الطمأنينه ربما نتيجه لإمكانيه الاحتفاظ بمِقْوَد الحركة، فشعر أنه يستطيع أن يتقدم إلى صحبته، دون حسابات، وأنه قادر على القيام بأفعال حتى وهو لا يريد أن يقدم عليها (اعمل حاجه أنا مش عاوزها)
أما بالنسبة للعبه مع نفسه قلم اسطعْ أن أعرف كيف أنه حين يكون مع نفسه يستطيع أن يضغط عليها أكثر (آجى على نفسى)، ويبدو أن “أحمد” آخراً قد ظهر له فى قربه الـ “بحق وحقيقى” وأنه هذا الأحمد كان جاهزا لأن يسحبه إليه، إلى المجهول أو حتى إلى الرحم (تأخدنى عندك خالص).
* * * *
د. مى
د. مى إلى د. أحمد
أنا معاك يا أحمد لدرجة أنى باستحمل هزارك
أنا خايفة أبقى معاك يا أحمد بحق وحقيقى لحسن تطلع بجد
د. مى إلى د. محمد
أنا معاك يا محمد لدرجة أنى باحس أنى فاهماك أوى
أنا خايفة ابقى معاك يا محمد بحق وحقيقى لحسن أوديك ورا الشمس
د. مى إلى د. يحيى
أنا معاك يا د. يحيى لدرجة أنى ممكن أعمل أى حاجة تطلبها منى
أنا خايفة أبقى معاك يا د. يحيى بحق وحقيقى لحسن أتلهى خالص
د. مى إلى د. مى (لنفسها …..إلخ)
أنا معاكى يا مى لدرجة أنى مدياكى سماح جامد أوى
أنا خايفة أبقى معاكى يا مى بحق وحقيقى لحسن تقلبى كل حاجة من فوق لتحت
القراءة:
ربما تكون مى قد التقطت تهكم د. أحمد وهو يلعب معها على زيادة وزنها، فحين أصبحت أقرب تلقائيا تحملت مزاجه (باستحمل هزارك)، أما حين اقتربت أكثر “بحق وحقيقى” فلعلها اكتشفت أنه لم يكن يمزح، ووضعت احتمال أنها “تطلع بجد”، ولم ترد
مع د. محمد اقتربت منه، وهو الأصغر، حتى رأته أوضح وكأنها استطاعت أن تضع ما وصلها منه داخل دائرة رؤيتها ” باحس أنى فاهماك بحق وحقيقى”، وبرغم ذلك، فهى قد رأته الأصغر والأوضح، وثقة منها بأنها امتلكت قيادة العلاقة فاقتربت (المعية) “بحق وحقيقى”، وهنا خافت أن تزيد منها الجرعة فتشله أو تلغيه (أوديك ورا الشمس)
ثم إنها حين اقتربت من المدرب أعلنت بتلقائية أنها باقترابها التلقائى هذا سلّمت أمرها له مطمئنة إلى خبرته أو تدريبه أو علاقتها به، هذا فى حدود التلميذة بأستاذها، أو المتدربة بمدربها، لكن حين انقلبت المسألة “بحق وحقيقى” ملأها خوف أن تتمادى هذه الطاعة المطمئنة إلى الإلغاء التام “اتلهى خالص”.
وأخيراً حين جاء الدور عليها فاقتربت من نفسها أعلنت تصالحا شديدا مع ذاتها الأخرى بالسماح غير المشروط، (مدياكى سماح جامد) لكنها حين زادت الجرعة وأصبح الاقتراب حقيقيا تبين لها احتمال أن ذاتها الداخلية قد تتخطى حدودها، فتقفز وتخطف عجلة القيادة، وتندفع حتى تقلب الأمور عاليها واطيها (تقلبى كل حاجة من فوق لتحت).
* * * *
د. يحيى
د. يحيى إلى د. أحمد
أنا معاك يا أحمد لدرجة إنى مش حاخاف عليك
أنا خايف ابقى معاك يا أحمد بحق وحقيقى لحسن أضرك
د. يحيى إلى د. مى
أنا معاكى يا مى لدرجة إنى أديكى كل اللى عندى
أنا خايف أبقى معاكى يا مى بحق وحقيقى لحسن أعطّلك
د. يحيى إلى د. محمد
أنا معاك يا محمد لدرجة أنى حامنعك تعمل اللى فى مخك
أنا خايف ابقى معاك يا محمد بحق وحقيقى لحسن تعمل اللى انت مش قده
د. يحيى إلى د. يحيى (لنفسه …إلخ)
أنا معاك يا يحيى لدرجة أنى حاستحمل كل الزبالة اللى بتحطها لى دى كل ثانية والتانية
انا خايف أبقى معاك يا يحيى بحق وحقيقى لحسن ما توصلنيشى لربنا اللى بصحيح
* * * *
القراءة:
كما ذكرنا الأسبوع الماضى فإنه جرى العرف أن يلعب المدرب آخر المجموعة، وقد التزمت الجماعة بهذا العرف هذه المرة أيضا، ومرة أخرى كما أشرت فى الأسبوع الماضى لست متأكدا من جدوى، أو مشروعية أن أقرأ نفسى بنفسى هكذا، لكنها الورطة.
بدأ د. يحيى بأحمد واقترب بحذر المدرب، ويبدو أنه اطمأن إلى أن د. أحمد قد تخطى مرحلة النمو التى كان قد قدرها له فى هذا الوقت، فسمحت المعية التلقائية للمدرب بألا يخاف عليه من زيادة الجرعة، ولكن حين انقلبت المعية إلى احتمال أن يكون القرب “بحق وحقيقى” وليس قرب مدرب لمتدرب قفز الحرص من جديد وعاد أحمد إلى حجمه وخاف المدرب من حجم اقتحامه (لحسن أضرك)
وبالنسبة لمى، وعلاقته بها أقدم كثيراً (عدة سنوات)، بدأ أنه مطمئن إلى مواصلة حركة سيرها على طريق النمو والتدريب، فاقترب تلقائيا دون تردد وسمح بأن يعطيها كل ما عنده من خبرة على الأرجح ومن احترام لمسيرتها وحركيتها المضطردة
لكنه حين تمادى فى القرب “بحق وحقيقى”، رأى أنها تسير بخطاها بنفسها بدرجة كافية، وبالتالى يصبح الاقتراب أكثر من ذلك مهددا بالتدخل غير اللازم (من ثم العطلة: لحسن أعطلك!)
ثم حين لعب د. يحيى مع د. محمد وهو الأصغر وعلاقته به لا تتجاوز شهورا يبدو أنه بلغه من هذا القرب التلقائى مقاومة، أو دفاعات غائرة جاهزة للتجمد أو للتوقف، فأعلن نيته أن يخترقها “حامنعك تعمل اللى فى مخك”، ومن فرط هذا الحرص أن يحول بينه وبين دفاعته وجد نفسه حين اقترب أكثر وأعمق “بحق وحقيقى” خشى أن يكون فى هذا مايعرضه إلى جرعة أكبر من قدرة تحمله “لحسن تعمل اللى انت مش قده”.
أما حين لعب د. يحيى مع نفسه فقد بدت مفاجأة: لأنه من البداية رأى حجم المحتوى الغريب الذى يتحرك بداخله ويفرض عليه تجاوز كل الأسوار والحدود وأسماه “زبالة”، لكنه لم يرفضها ولم يلق بها فى صندوق القمامة، وإنما قرر ما دام هو الذى اقترب أن يتحملها إنى حاستحمل،
أما حين أصبحت معيّة مع نفسه “بحق وحقيقى” فقد وجد نفسه فى بؤرة قضية الوجود الأزلية التى يعيشها منذ عقود أو منذ ولد، وهو يحاول أن يجمع كل ذواته فى تفاعل صعب عنيد آملا أن يصل من مستوى حقيقى إلى مستوى أكثر حقيقية إلى مستوى “بحق وحقيقى” إلى ما يمكن مما لايمكن لأنه ممكن ” ما توصلنيشى لربنا اللى بحق وحقيقى”
وبعد
أنا مازالت غير راض عن قراءة هذه اللعبة ولا أرغب فى الاستمرار فى هذا التفسير هكذا، وقد تغلبت على مقاومتى بأن كتبت كل هذا الشرح فى أقل من 45 دقيقة، وقد تعمدت السرعة حتى لا أمعن التفكير وأتعسف التفسير ولم أراجعه ولن أراجعه.
ثم إنى حمدت الله أننا كنا أربعة فقط إذ ماذا كان يكون الحال لو كان الباقون قد حضروا هذه الجلسة.
* * * *
ومادمت قد تورطت هكذا فى قراءة استجابات مجموعة التدريب اليوم فيبدو أنه لا مفر من أننى سوف أقدم الأسبوع القادم بعض أو كل مشاركات أصدقاء الموقع إن لم تكن مقاومتى قد زادت لدرجة الاعتذار.