نشرة “الإنسان والتطور”
3-8-2010
السنة الثالثة
العدد: 1068
حالات وأحوال
الفرق بين تقدير المسئولية، وقراءة النص البشرى
اعتذار متكرر:
مازال هذا اليوم “الثلاثاء” مخصص لعرض حالات إكلينيكية سواء إشراف على علاج نفسى، أم تفسير للعبة، أم عرض حالة، أم مقطع من جلسة علاج جمعى.
توقفت عن اكمال تفسير لعبة” أنا معاك حتى لو …..” & “أنا خايف أكون معاك بحق وحقيق لحسن…..”، لعدة أسابيع فلم يسأل عن ذلك أحد من أصدقاء الموقع، ربما قد نسوها، هذا إذا كان للموقع أصدقاء غير من أرغمهم على الصداقة (راجع بريد الجمعة فى الأسابيع الماضية).
موضوع اليوم الذى هو استطراد اضطرارى أيضا: هو محاولة شرح كيف أن تفسير جريمة بجذورها النفسية ليس له علاقة مباشرة بالمسئولية الجنائية، وفيما يلى تفصيل ذلك:
مقدمة:
لم يعقب أحد على نشرة السبت (ثأر”عم محمود” من قتلة “محمود” بالإهانة!!) (برجاء إعادة قراءتها أولا) وأغلب من ناقشنى فيها شفاهة لم يقبل ما قدمت من تفسير بسهولة. تعجبت، فأنا لم (ولن) أصف عم محمود بالجنون، وأرجح اعتباره مسئولا، وأنه سوف يلقى جزاءه إعداما، وفى نفس الوقت أن الله قادر على أن يغفر له بالرغم من كل ذلك، وذلك من واقع قراءتى له نصًّا بشريا صعيديا حساسا شريفا يأخذ بثأره مما أهان طفله بداخله (التفاصيل بالنشرة).
“غلام إلهى”
واجهت مثل هذا الإشكال من قبل،
كان ذلك أثناء انتدابى أستاذا لمدة شهر فى برنامج لمنظمة الصحة العالمية لتدريب الأطباء فى مستشفى “شهار” بالسعودية بالطائف، وقد عرض على لجنة فحص الحالة العقلية (وكنت أحد أعضائها) قضية متهم باكستانى اسمه “غلام إلهى” قتل أخاه الذى كان يعمل معه فى السعودية، وقد تعاطفت بدرجة بالغة، وبعيدا عن الحكم بمسئوليته، وجدت نفسى أقرأه نصًّا – تماما مثل عم محمود– برغم صعوبة أنه قاتل مقر بجريمته مُصر عليها، ورجح لدىّ أنه قتل أخاه لأنه لم يطق حبه له وهو يعينه على ما حل به من شكوك أو لعله كان يصححها بكل الحب.
كان فى خلفية الأعراض المرضية أن “غلام” يشك أن زوجته التى تركها فى باكستان تخونه، أما الربط بين خيانة زوجته وعدم تحمله اقتراب أخيه منه حين حاول مساعدته، يرعاه ويخفف عنه فقد بدا لى أنه ربط مهم، (سيكوباثولوجيا) لكنه لا يعفيه من مسئوليته، ومع ذلك قدمت تفسيرى للزملاء فلم تقبله اللجنة ورأت بأغلبية الأعضاء (كما أتوقع لعم محمود)، أنه مسئول وحكم عليه بالإعدام.
أنا لا أناقش هنا، ولا فى حالة “عم محمود”، المسئولية الجنائية، بل أحاول قراء “نص بشرى” فى ظروف صعبة كما تعودنا،
قرأته تلك المرة منذ ثلاثين سنة شعراً هكذا:
تحملُ سمْرَتَهُ – وبريق العين – التاريخ الألم الملهاه
بلسانٍ ٍ غير لسان القاضى والسجّان
قال المتهم المقتول دفاعاً دون كلام:
[ما بلغ القلب مناه
ما وسعتنىَ أرض الله
سبق السَيف العذَلَ
أكل اليأسٌُ الأملَََ]
مالت رأس “السيد“ نحو الأذن الأخرى:
- مسئول هذا؟
- بل مجنون
قلَّبََ آخرُ فى الأوراق يقول:
- غلامٌ قتل أخاه
ليس صبياً لكنّّ أباه
أسماه غلاماً
سأل السيد من طرْف القاعة:
– لم ذاك ؟
والرجل رعاك
وحماك
عاد غلامٌٌ يحكى دون كلام:
- هو ذاك !
لَمْ يتركْْ عقلى يرتعُ فى أرض اليأس الآمنةِِ الجرداءْ
لِمْ لوَّح لى بالحب ؟
لِمَ أطعمنى وأنا جوعان لا أشبع؟
لِمَ ربّت فوق الساق المبتورة؟
أيقظنى فأطلّ العجز يعايِرُنى
فقتلتُه
أحببته
فقتلت الحب
قال الآخر – نفس الآخر-:
- ُُقلت لكم: مجنون
رد غلامٌ بالصمت الزاعق:
- كنت أنِسْتُ إلى الوَحده
والشك اليقظة
وعلمت بأنَّ امرأتى يأكل من يدها الطير
تسقى العطشان العابر
[وليثبت ذلك فى الأوراق
فالشك النار وقود الوعى لدى العشاق]
عدِّدْ لى كم رجلاًً لاقت؟
لفَّت ساقاه
حول الخصر المّياس؟
صوِّر لى كيف تدلى السروال
لمّا سال لعاب القط النمر الأسودْ؟
كيف تخلخلت الأوصال
إذ فغر الثعلب فاه؟
ما صدَّقنى مقتولى الأبله
- أيقظنى الشك
(وعُىُ المظلوم الميت)
أطلقت الصرخة ْ
لم أطلبْ نجدهْ
هدهدنى،
ورعانى،
أطفأَنى،
هدَّانى،
فقتلْتُه
لم أحمل لمسة كفه
لم أقبل أمْنَ حِمَاه
قال السادة أرباب الحكمة:
“العين (القاع) سليمة
والقتل جريمة ْ
ما أجحده
عضَّّ الكفَّ الحانى
ويهددنا بالحب؟
بالرؤية؟
يا سياف: قدِّم رأس الجانى فوق الصفحة
حالا.
“شكراً”.
لم يعد الطفل غلاماً
لحق أخاه
أغسطس 1980