نشرة “الإنسان والتطور”
9-5-2010
السنة الثالثة
العدد: 982
تعتعة الوفد
فى فقه “التغيير”:
ومن ذا الذى يا “عَـزُّ” لا يتغيّرُ !؟!!!
إقرأ العنوان – من فضلك – بفَتْح العين ، يعنى عَـــز، وليس عِـــز، الله يخليك !!!!، أصل بيت الشعر الذى قاله كَُثير عَزَّةْ هو: وقد زعمتْ أني تغيرتُ بعدها ومن ذا الذي يا عـَــز لا يتغير، وقد قاله كُثَيْر قبل أن يعلم أن الأخ المهندس “أحمد عز” هو أمين التنظيم بالحزب الوطنى وعضو لجنة السياسات.
بصراحة حضرنى هذا البيت وأنا أتابع أخبار “الجمعية الوطنية للتغيير”، ثم ترحيب السادة المسئولين بمبدأ التغيير، على شرط ألا يكون هناك أى تغيير فيه البرادعى أو أى برادعى، ثم بلغتنى تصريحات الأستاذ الدكتور حسام بدراوى (من داخل النظام) الجريئة الواعدة التى يقول فيها: “يجب علي الحزب الوطني الترحيب بالإشراف علي الانتخابات القادمة …. عليه أن يتقبل المراقبة لأنه «مش خايف من حاجة وليس لديه ما يخفيه، لكن الإصرار علي عدم وجود رقابة دولية أمر يثير الشكوك حول الانتخابات القادمة..” ثم يضيف سيادته: “إن طبيعة البشر تميل للتغيير ويجب أن نساعدهم على ذلك، خاصة فى ظل زيادة المطالبات بالتغيير…الخ؟!.. ” هذا كلام مهم، لا اشك أن قائله يعنيه، لكن هل يكفى أن يوجد داخل هذا التجمع المسمى الحزب الوطنى مثل هذا المواطن الشجاع لنتصور أن التغيير محتمل من داخل اللاتغيير الاستقرارى؟ لا أتصور أن أ.د. حسام بدراوى يتكلم اللغة السائدة لمجرد أن يجارى، أو ينافس موجة الحديث عن التغيير، فإذا افترضنا حسن النية، وأنا افترضها، فهل فى داخل هذا التجمع (المسمى الحزب)، أو فى داخل هذه السلطة، آليات تشير إلى أى احتمال أن يؤخذ هذا الكلام مأخذ الجد فيحدث أى تغيير؟ وهل يوجد أصلا دافع للتغيير أو فرصة للتغيير داخل، أو من داخل، هذه المجموعة، فيمتد احتمال التغيير إلى خارجها ، حتى نقترب من الأساس الجوهرى لما يسمى الديمقراطية ، أعنى “تداول السلطة”؟ يكون الأمر كذلك حين يكون الاختلاف عميقا وجذريا ونوعيا، وتكون القوى المختلفة متقاربة القوة، تصارع بعضها بعضا بأساليب نظيفة، فوق خلفية راسخة من العدل وتكافؤ الفرص.
فهل هذا وارد فى داخل هذه المؤسسة، مهما أخلص بعض أفرادها، وأعلنوا رغبتهم فى فعل آخر، بأسلوب آخر؟ أم أن لعبة “المعارضة الديكور” امتدت داخل هذه المؤسسة نفسها، بعد أن أظهرت نجاحا نسبيا خارجها؟
فقه التغيير
ثم تعالوا نتكلم عن بعض “قواعد” (فقه) التغيير من حيث المبدأ:
هل التغيير هدف فى ذاته؟ أم أنه نتيجة طبيعية لحياة إيجابية تسمح بالاختلاف، وتقبل صراع البقاء ليفوز فى مرحلة ما، من هو أصلح وأنفع؟ وهكذا؟
ثم هل التغيير هو دائما إلى أفضل؟ أم أن ثَمَّ احتمال أن تكون نتيجة التغيير اسوأ فى بعض الأحيان، أو فى كثير من الأحوال.
وما هى الشروط الواجب توافرها فى عملية التغيير لتكون النتيجة إيجابية إذا ما كان الاجتهاد سليما؟
وهل يمكن التفرقة بين التغيير الحقيقى، والتغيير الزائف، والتغيير المناور؟
التغيير طبيعة بيولوجية
حين ينام أى منا ويصحو، فى الأحوال العادية، يتم تغيير ما، بإعادة ترتيب المعلومات التى تجمعت بيولوجيا فى الدماغ والجسم أثناء الصحو، (وعبر النمو والتاريخ)، وذلك أثناء نوم حركة العين السريعة (النوم الحالم)، فإذا لم يتم هذا الترتيب، وإعادة التشكيل، يصحو الواحد منا وهو يشكو من أنه لم ينم (برغم احتمال شخيره طول الليل)، أو يتصور فعلا أنه لم ينم، لأنه يشعر أن النوم (والحلم) لم يؤديا وظيفتهما (أتكلم عن الحلم المنتظم كوظيفة وليس كمحتوى)، عمليات التغيير المستمرة هذه، برغم رهافة نتائجها حتى لا نكاد نشعر بها وعياً كاملاً، بسبب ضئلها ورهافتها، هى أصل النمو، وسر التطور، وهى تتم من خلال ظاهرة “الإيقاع الحيوى”، وهى ظاهرة تعلن فى عمقها، أن الإنسان يولد (يبعث) من جديد بانتظام وباستمرار كل يوم وليلة.
حين ينام المسلم يسلم نفسه لربه (باسمك ربى وضعت جنبى، وبك أرفعه ، اللهم إن قبضت نفسى فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها..) وحين يستيقظ يبعث من جديد، (الحمد لله الذى أحيانى بعد ما أماتنى وإليه النشور)، طبعا هذه الظاهرة غير قاصرة على المسلم، وإنما هى ظاهرة تعلن أننا – كبشر– نموت ونحيا كل أربع وعشرين ساعة باستمرار.
تغير الفصول هو أيضا نوع من “الإيقاع الحيوى” الذى يذكرنا بحتم التغيير، فإذا تناغمنا مع الطبيعة فى نفس اتجاه عقارب “الإيقاع الحيوى” ، رقص مزاجنا طربا، وانطلقت حيويتنا انبعاثا وإبداعا كما يعلمنا صلاح جاهين:
“مرحب ربيع مرحب ربيع مرحبا،
يا طفل ياللى فْ دمى ناغى وحبا،
عشان عيونك يا صغنن هويت،
حتى ديدان الأرض، والـِّلغربا،”
أما إذا لم يتناغم إيقاعنا الحيوى مع إيقاع الطبيعة، ولم تتفتح الأزهار داخلنا وتتفتح روحنا مع ازدهار الطبيعة فى الربيع ، فإن صلاح أيضا يرسم ذلك بقوله:
“.. تسلم يا غصن الخوخ يا عود الحطب،
ييجى الربيع تطلع زهورك عجب،
وأنا ليه بيمضى ربيع وييجى ربيع،
ولسه برضك قلبى حتة خشب”
نجيب محفوظ فى ملحمة الحرافيش ينبهنا إلى حتمية التغيير ويربط بينه وبين تغير الفصول أيضا:
……لو أن شيئا يمكن أن يدوم على حال فِلمَ تتعاقب الفصول؟ ملحمة الحرافيش، (ص 197)
وفى الملحمة أيضا، (ص 331) يقول: “… (الحياة: زهيرة) …، باطنها يتغير ببطء ولكن بثبات وإصرار، يتمخض كل يوم عن حركة، كل أسبوع عن وثبة، كل شهر عن طفرة،….“.. الخ.
ثم يقول فى الملحمة أيضا: (ص 334) “كل دقيقة تمر بلا تغيير انتصار للذل والتعاسة”.
التغيير من “حزب مصر” إلى “الحزب الوطنى”
للأسف تحضرنى نكتة مصرية شديدة الدلالة، أذكرها –برغم قدمها (بتحوير طفيف): ” ذهب شخص يخطب فتاة من أسرة طيبة، ولم تجد الفتاة فيه عيباً إلا اسم عائلته، فتحرجت أمام أهلها وهى تقدر أن الاسم هو الذى قد يعرقل المشروع، فطلبت منه أن يغير اسمه، وكان اسمه إبراهيم “المِفَشْلْك” (مثلا)، فوافق، وذهب وعاد فرحا وهو يبشرها أنه قد قام بتغيير اسمه، فسألته: غيّره إلى ماذا، فقال: إلى أحمد “المِفَشِلْك”. (قديمة !!، أرجوك لا تربط بين النكتة وعنوان الفقرة. شكراً).
تشكيلات وأنواع أخرى
على أن هناك أنواع وتجليات كثيرة لما هو تغيير (غير التغيير الذى جاء فى النكتة) ، قد يلزم أن أعود إليها فى أكثر من مقال، مثل:
التغيير المشروط (= نعم…ولكن)،
التغيير فى المحل (= محلك سر)
التغيير التآمرى (مثل تسمية احتلال فلسطين وقتل أهلها باسم التدليل: مشكلة الشرق الأوسط)،
والتغيير المغامر إلى أعلى: المخترق للجمود حتى جمود القوانين (= الثورة)
والتغيير إلى المجهول مع القدرة على تشكيله (= الإبداع)
التغيير المتهم بالكفر (= الهرطقة)… وغير ذلك.
آمل أن أعود إلى كل ذلك قريبا، أو بعيدا، حسب حاجة الناس، وإلحاح الفكرة، وفسحة الوقت، والعمرالافتراضى للعبد لله!!
اللهم إنا لا نسألك رد التغيير، ولكن نسألك الصدق فيه، وحسن المآل.