الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / عودة إلى ملف الإدمان (6) عن القيم المسئولة عن ترويج الإدمان

عودة إلى ملف الإدمان (6) عن القيم المسئولة عن ترويج الإدمان

“يومياً” الإنسان والتطور

20-4-2008

العدد: 233

عودة إلى ملف الإدمان (6)

عن القيم المسئولة عن ترويج الإدمان

قبل موضوع اليوم

بعد أن وصلتنى احتجاجات غير قليلة تعترض على احتمال توقف هذه النشرة اليومية لحساب أولوية إتمام ما يجب علىّ إتمامه، وكنت فعلا أعد العدّة لإصدار ثلاثة كتب عن الإدمان (ثقافة الإدمان، والوقاية منه، وعلاجه) فبدأت فى مراجعة مسوداتى، ناويا أن أوظف النشرة – باختصار شديد –  للإشارة إلى ما أقوم بتحديثه حالا، وأغلبه فى الموقع فعلا، يمكن أن يلجأ إليه من يهمه الأمر.

أثناء مراجعتى مسودة كتاب الإدمان الأول، وجدت ما يصلح لنشرة اليوم لبداية التجربة، قلت: هل يمكن أن يتم ذلك، شريطة أن تحتفظ النشرة بطابعها، وتكون وظيفتها الأهم هى أن تفتح أبواب الحوار كما تعودنا؟

هل يكون فى ذلك حل جزئى لأغلب الأيام فيما عدا “يوم محفوظ”، “حوار الجمعة”، و”التدريب عن بعد”؟

ليس أمامنا إلا أن نجرب

القيم‏ ‏الجديدة‏ ‏فى ‏عصر‏ ‏الإدمان

فيما يلى عرض محدود، لقيم من عندنا، ومن عند غيرنا، يمكن أن تساهم فى بدء أو دعم أو تكريس ظاهرة الإدمان بكل سلبياتها ومضاعفاتها.

اختلاف القيم المسئولة من ثقافة إلى ثقافة برغم توحد الظاهرة ، يبدو لى من أهم ما أريده توصيله عبر هذه النشرة اليوم:

أولا: من عندنا !!

‏(1) ‏مثال‏ ‏من‏ ‏التربية‏ ‏والتعليم‏ ‏

قيمتا‏: ‏الاستسهال‏ ‏والمباشرة

 أتابع عادة ما يجرى‏ ‏كل‏ ‏عام‏، ‏قبيل وأثناء امتحانات الشهادات العامة، مما  يثار -مثلا‏- ‏حول‏ ‏صعوبة‏ ‏أسئلة‏ ‏الثانوية‏ ‏العامة‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المادة‏ ‏أو‏ ‏تلك‏، ‏وأروح‏ ‏أتابع‏ ‏عناوين‏ ‏الصحف‏ ‏المحتجة‏، ‏مثل‏ “‏عذاب‏ ‏الثانوية‏ ‏العامة‏”، ‏أو‏ “‏اللامعقول‏ ‏فى ‏مسألة‏ ‏الثانوية‏ ‏العامة‏”، ‏ثم‏ “‏هدوء‏ ‏ما‏ ‏بعد‏ ‏الثانوية‏ ‏العامة‏” ‏إلى ‏آخر‏ ‏هذه‏ ‏العناوين‏ ‏الدالة‏ ‏الخطيرة‏، ‏هذا‏ ‏فضلا‏ ‏عن‏ ‏صور‏ ‏البنات‏ ‏المتشنجات‏، ‏والأمهات‏ ‏النائحات‏، ‏والوزير‏ ‏المعتذر‏ (‏أو‏ ‏يكاد‏)….‏وغير‏ ‏ذلك‏ ‏كثير‏ وهو ‏مزعج‏ ‏يغيظ‏، ‏فأسمح للغيظ أن يغمرنى خاصة وأنا ألاحظ مباراة حامية بين صحف المعارضة وصحف الحكومة فى التباهى بالوقوف بجوار الطلبة المساكين والاشفاق على الأهالى “الغلابة”!!‏.‏

 نعم‏ ‏امتلئ‏ غيظا ‏مما يدفعنى للربط ‏بين‏ ‏هذه‏ ‏الظاهرة‏ (‏الصراخ‏ ‏من‏ ‏صعوبة‏ ‏الامتحانات‏، ‏ومن‏ ‏أى ‏صعوبة‏) ‏وبين‏ ‏ظاهرة‏ ‏الإدمان التى استشرت وتتزايد كل يوم‏.‏

 قيل‏ ‏وكيف‏ ‏كان‏ ‏ذلك؟

 فأقول‏:‏

 إننا‏ ‏نروج‏ – ‏ربما‏ ‏بحسن‏ ‏نية‏ – ‏لقيم‏ ‏ومفاهيم‏ ‏لا‏ ‏تتفق‏ ‏مع‏ ‏مرحلة‏ ‏تحضرنا‏ ‏الحالى، ‏ولا‏ ‏هى ‏تناسب‏ ‏إمكانياتنا‏ ‏المادية‏، ‏ثم‏ ‏هى ‏تمثل‏ ‏من‏ ‏وجهة‏ ‏نظرى ‏بعض‏ ‏الأرضية‏ ‏التى ‏تــتـرعرع‏ ‏فيها‏ ‏ظاهرة‏ ‏الإدمان‏.‏

 كثير‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏القيم‏ ‏والمفاهيم‏ ‏يقع‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏التربية‏، ‏وبعضها‏ ‏يقع‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏السياسة‏، ‏ومنها‏ ‏ما‏ ‏يقع‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏الطب‏ ‏وأحيانا‏ ‏الاقتصاد‏ ‏أو‏ ‏القانون‏ .‏

 فمن‏ ‏مجال‏ ‏التربية‏ ‏دعونا‏ ‏ننظر‏ ‏فى ‏قيمتين‏ ‏فى ‏تزايد‏ ‏مستمر‏ وهما‏ ‏بعض‏ ‏ما تُذكرنا‏ ‏به‏ ‏حكايات موسم امتحانات‏ ‏الثانوية‏ ‏العامة‏ ‏

  ‏إن‏ ‏ما‏ ‏يحدث‏ ‏هكذا‏، ‏إنما‏ ‏هو‏ ‏إعلان‏ ‏أننا‏ ‏إنما‏ ‏نروج‏ ‏لهاتين‏ ‏القيمتين‏ ‏الأساسيتين‏:

(1)  الاستسهال

(2)  ‏والمباشرة‏ ‏

 أما‏ ‏عن‏ ‏الاستسهال‏، ‏فمثلا‏: ‏

 ‏ ‏لقد‏ ‏عودنا‏ ‏أبناءنا‏- ‏فتعودنا‏ ‏معهم‏- ‏أن‏ ‏الامتحانات‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏سهلة‏، ‏حتى ‏يصبح‏ ‏تقدير‏ 100% ‏هو‏ ‏من‏ ‏حق‏ ‏الطالب‏ ‏النجيب‏ (‏وغير‏ ‏النجيب‏ ‏إذا‏ ‏أمكن‏ !!!)، ‏وهذا‏ ‏مبدأ‏ ‏خاطئ‏ ‏تربويا‏ ‏من‏ ‏أساسه‏، ‏فحتى ‏أنبغ‏ ‏النبغاء‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏يتعلم‏ ‏ماهو‏ ‏الممكن‏، ‏وما‏ ‏هى ‏نسبة‏ ‏الخطأ‏ ‏الضرورية‏ ‏فى ‏أى ‏أداء‏ ‏مهما‏ ‏بلغت‏ ‏درجته‏، ‏وما‏ ‏هو‏ ‏الخطأ‏ ‏المحتمل‏، ‏وما‏ ‏هو‏ ‏الخطأ‏ ‏بالصدفة‏، ‏وماهو‏ ‏الخطأ‏ ‏بالإهمال‏، ‏وكل‏ ‏هذا‏ ‏من‏ ‏قوانين‏ ‏الحياة‏ ‏الطبيعية‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏من‏ ‏مبادئ‏ ‏التربية‏ ‏السليمة‏.‏

  ‏أما‏ ‏غير‏ ‏ذلك‏ ‏فهو‏ ‏دعوة‏ ‏ضمنية‏ ‏لتنشئة‏ ‏أولادنا‏ ‏على ‏استحالة‏ ‏الخطأ‏، ‏وعلى ‏تقديس‏ ‏الحلم‏، ‏وعلى ‏لوم‏ ‏الآخرين‏، ‏وفى ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏ما‏ ‏فيه‏ ‏من‏ ‏استسهال‏ ‏ظاهر‏ ‏

 وأما‏ ‏عن‏ ‏المباشرة‏: ‏

 فقد‏ ‏دأبنا‏ ‏على ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏الامتحان‏ ‏لقياس‏ ‏كــم‏ ‏المعلومات‏ ‏المحشورة‏ ‏فى ‏مخزن‏ ‏الذاكرة‏، ‏وليس‏ ‏لقياس‏ ‏القدرة‏ ‏على ‏التصرف‏ ‏إزاء‏ ‏المشكلات‏، ‏يحدث‏ ‏ذلك‏ ‏حتى ‏فى ‏امتحان‏ ‏اللغات‏، ‏فأصبحت‏ ‏الرواية‏ ‏المقررة‏- ‏فى ‏الثانوية‏ ‏العامة‏ ‏مثلا‏- ‏هى ‏بمثابة‏ ‏النصوص‏، ‏تحفظ‏ ‏وتسكب‏ ‏على ‏الورق‏، ‏ولم‏ ‏تعد‏ ‏رواية‏ ‏تقرأ‏ ‏قراءة‏ ‏نقدية‏، ‏تسمح‏ ‏بالتلقى ‏المتجدد‏، ‏وإعادة‏ ‏الصياغة‏ ‏من‏ ‏واقع‏ ‏الحوار‏.‏

 فلماذا‏ ‏هى ‏رواية‏ ‏وليست‏ ‏تاريخا‏ ‏يستعاد‏، ‏أو‏ ‏نصا‏ ‏يحفظ‏ ‏إذن؟

 وحتى ‏مواضيع‏ ‏الإنشاء‏ ‏أصبحت‏ (‏فى ‏الفرنسية‏ ‏مثلا‏) ‏تحفظ‏ ‏عن‏ ‏ظهر‏ ‏قلب‏، ‏وكم‏ ‏كنت‏ ‏أعجب‏ ‏لبعض‏ ‏الطلبة‏ ‏الذين‏ ‏التحقوا‏ ‏بكلية‏ ‏الطب‏ ‏وهم‏ ‏لا‏ ‏يعرفون‏ ‏نطق‏ ‏جملة‏ ‏واحدة‏ ‏بفرنسية‏ ‏سليمة‏ – ‏ناهيك‏ ‏عن‏ ‏الإنجليزية‏ ‏بل‏ ‏والعربية‏ – ‏وهم‏ ‏يخبرونى ‏أنهم‏ ‏حصلوا‏ ‏على 30 ‏على 30 ‏فى ‏الفرنسية‏ (‏تقدير‏ ‏أشك‏ ‏أن‏ ‏مسيو‏ ‏ساركوزى‏ ‏شخصيا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يحصل‏ ‏عليه‏) ‏

ولكن‏ ‏ما‏ ‏علاقة‏ ‏هذا‏ ‏وذاك‏ ‏بتعاطى ‏المخدرات؟

 ‏ ‏إذا‏ ‏نظرنا‏ ‏فى ‏الأمر‏ ‏بأمانة‏ ‏متأنية‏ ‏ولعلنا نلاحظ‏ ‏أن‏ ‏تعاطى ‏المخدرات‏ ‏يمكن أن يكون أحيانا تجسيدا‏ ‏لصورة‏ ‏مبالغة‏‏ ‏لهاتين‏ ‏القيمتين‏ ‏الاستسهال‏، ‏والمباشرة

 ‏ ‏فما‏ ‏أسهل‏ ‏الحصول‏ ‏على ‏اللذة‏ ‏الحسية‏ ‏من‏ ‏تغييب‏ ‏الوعى ‏بالكيمياء‏.‏

 ‏ ‏كما‏ ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏طريق‏ ‏أكثر‏ ‏مباشرة‏ ‏للتخلص‏ ‏من‏ ‏الألم‏ ‏والوحدة‏ ‏مثل‏ ‏طريق‏ ‏تعتيم‏ ‏الوعى ‏وتنويم‏ ‏مراكز‏ ‏المواجهة‏ ‏واليقظة‏.‏

 إذن‏ ‏فتعاطى ‏المخدرات‏ ‏ليس‏ ‏ظاهرة‏ ‏من‏ ‏فراغ‏، ‏وهوليس‏ ‏مجرد‏ ‏سوء‏ ‏خلق‏، ‏أو‏ ‏وفرة‏ ‏مادة‏، ‏وإنما‏ ‏هو – أيضا-‏ ‏تجسيد‏ ‏مرضى ‏لقيم‏ ‏سائدة‏ ‏نغذيها‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏ندرى.

‏(2) ‏مثال‏ ‏من‏ ‏السياسة

‏ ‏قيمتا‏:‏ الإجماع‏ ‏والتعميم

 فى ‏السياسة‏، ‏عودنا‏ ‏الحكم‏ ‏الشمولى الممتد بتشكيلاته المختلفة، ‏كما‏ ‏أضافت‏ ‏الأخلاق‏ ‏القبلية‏، ‏أن‏ ‏نعلى ‏من‏ ‏قيمة‏ ‏الإجماع‏، ‏وأن‏ ‏نحترم‏ ‏النسب‏ ‏الشديدة‏ ‏الارتفاع‏ ‏فى ‏نجاح‏ ‏المرشح‏ ‏الفائز‏ ‏فى ‏أى ‏من‏ ‏الانتخابات‏، ‏وهذا‏ ‏يمثل‏ ‏قيمة‏ ‏المبالغة‏، ‏

 مع‏ ‏أن‏ ‏السياسى ‏الحصيف‏ ‏فى ‏البلد‏ ‏الديمقراطى ‏العريق‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏يخجل‏ ‏إذا‏ ‏حصل‏ ‏هو‏ ‏أو‏ ‏حزبه‏ ‏على ‏نسبة‏ ‏تفوق‏ ‏الستين‏ ‏فى ‏المائة‏ (‏مثلا‏)‏

 ‏ ‏والجامعة‏ ‏العربية‏ ‏نفسها‏ ‏راحت‏ ‏تتبين‏ ‏مؤخرا‏ ‏أنها‏ ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تفخر‏ ‏بمسألة‏ ‏الإجماع‏ ‏تلك‏ ‏التى ‏ظلت‏ ‏تصر‏ ‏عليها‏ ‏منذ‏ ‏أكثر‏ ‏أربعين‏ ‏سنة‏.‏

 يرتبط‏ ‏بهذه‏ ‏المبالغة‏ ‏قيمة‏ ‏التعميم‏، ‏فنحن‏ ‏لا‏ ‏نستطيع‏ ‏أن‏ ‏نتحمل‏ ‏منظر‏ ‏الكسور‏، ‏أو‏ ‏موضوعية‏ ‏النسبية‏، ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏يتعاظم‏ ‏مبدأ‏: ‏الكل‏ ‏أو‏ ‏لا‏ ‏شئ‏ ‏

 علاقة‏ ‏تعاطى ‏المخدرات‏ ‏يمكن أن تكون كما يلى:

 يؤكد ‏تعاطى ‏المخدرات‏ ‏أن‏ ‏وعينا‏ ‏قد‏ ‏تعود‏ – ‏صغارا‏ ‏وكبارا‏ – ‏على ‏هذه‏ ‏الصورة‏ ‏المطلقة‏ ‏من‏ ‏التأكيد‏ ‏المطلق‏، ‏والحسم‏ ‏النهائى، ‏تعود‏ ‏على ‏منطق‏: ‏إما‏ …‏أو‏، ‏على ‏رؤية‏ ‏الأسود‏ ‏أو‏ ‏الأبيض‏، ‏بلا‏ ‏ظلال‏ ‏وسطى، ‏ولاتداخل،‏ فنشأ‏ ‏وعينا‏ ‏فى ‏مأزق‏، ‏فإمـا‏ ‏إفاقة‏ ‏مؤلمة‏ تفرض علينا ‏رؤية مزعجة‏ ‏لكل‏ ‏الأمور كما هى – تقريبا- وهى رؤية‏ ‏شديدة‏ الإيلام لأنها شديدة ‏الوضوح‏، (‏وإلا – إذا لم نحتمل، ونحن لا نحتمل)، فهو ‏فالنوم‏ ‏الزؤام‏ (= ‏غيبوبة‏ ‏التخدير‏).‏

 الشاب‏ ‏يجد‏ ‏نفسه‏ -‏خاصة‏ ‏عند‏ ‏الضيق‏ ‏غير المُفَسّر‏- ‏يجد‏ ‏نفسه‏ ‏أمام‏ ‏وسيلة‏ ‏كيميائية‏ ‏تحقق‏ ‏له‏ ‏مثل‏ ‏ذلك‏ ‏اليقين‏ ‏على ‏أحد‏ ‏الجانبين‏، ‏فتعاطى ‏مخدر‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏إلا‏ ‏وسيلة‏ ‏سريعة‏ ‏ومطلقة‏ ‏أحيانا‏:

للقضاء‏ ‏على ‏اختلافات‏ ‏الغموض‏ ‏أو‏ لتجنب ‏ألم‏ ‏المواجهة‏، ‏وليترتب‏ ‏على ‏ذلك‏ ‏ما‏ ‏يترتب‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏..‏

‏(3) ‏مثال‏ ‏من‏ ‏الطب

‏ ‏قيمتا‏: ‏الميكنة‏ ‏والتسكين

 فى ‏مجال‏ ‏الطب‏، ‏والطب‏ ‏النفسى ‏خاصة‏، ‏دعونا‏ ‏ننظر‏ ‏ماذا يجرى‏: ‏

 ‏ ‏حل‏ ‏الطب‏ ‏الآلاتى، والتكنولوجي‏، ‏والتسكينى، ‏محل‏ ‏فن‏ ‏التعصيب‏ ‏وفن‏ ‏التطبيب‏ ‏وفن‏ ‏اللأم‏ ‏عامة‏، ‏وأصبح‏ ‏المريض‏ ‏يأتى ‏إلى ‏الطبيب‏ ‏ليرتاح‏، ‏لا‏ ‏ليـعـالج‏، ‏وكثيرا‏ ‏ما‏ ‏طلبت‏ ‏من‏ ‏بعض‏ ‏مرضاى ‏اللذين‏ ‏يصرون‏ ‏على ‏أن‏ ‏يعلمونى ‏مهنتى، ‏حين‏ ‏يوجهون‏ ‏إلى ‏اللوم‏ ‏والتقريع‏ ‏قائلين‏: ‏إنت‏ ‏مفروض‏ ‏تريحنا‏ ‏يا دكتور‏، ‏كثيراما‏ ‏أطلب‏ ‏منهم‏ ‏أن‏ ‏يعيدوا‏ ‏قراءة‏ ‏اللافتة‏ ‏على ‏الباب‏ ‏أو‏ ‏على ‏الروشتة‏ ‏ليتأكدوا‏ ‏أن‏ ‏اللقب‏ ‏الذى ‏يسبق‏ ‏إسمى ‏هو‏ ‏الطبيب‏ ‏فلان‏ ‏وليس‏ “‏المريحاتى‏”، ‏وبالتالى ‏فإن‏ ‏وظيفتى ‏هى ‏العلاج‏ ‏وليس‏ ‏الترييح‏ ‏فحسب‏.‏

 ‏ ‏والأطباء‏ ‏عامة‏، ‏وخاصة‏ ‏فى ‏العالم‏ ‏المتقدم‏ ‏حيث‏ ‏القانون‏ ‏يلاحقهم‏- ‏يقعون‏ ‏فريسة‏ ‏عملية‏ ‏غسيل‏ ‏مخ‏ ‏منتظم‏ من قبل شركات الأدوية، وشركات أدوات الفحص المعقدة، ‏بفضل‏ ‏الدعاية‏ ‏المفرطة‏ ‏من‏ ‏ناحية‏، ‏والخوف‏ ‏من‏ ‏الخطأ‏ ‏من ناحية‏ ‏أخرى. ‏حتى ينتهى ‏الحال‏ ‏فى ‏التطبيب‏ ‏النفسى -‏مثلا‏- ‏إلى ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏غاية‏ ‏المراد‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏تطل‏ ‏تلك‏ ‏الإشراقة‏ ‏الغامضة‏ (‏الأقرب‏ ‏للبلاهة‏) ‏على‏ ‏وجه‏ ‏المريض‏ ‏مثلما‏ ‏بدت‏ ‏على ‏وجه‏ ‏الحسناء‏ ‏التى ‏تعاطت‏ ‏هذا‏ ‏الدواء‏ ‏أوذاك‏ ‏والمرسومة‏ ‏على ‏غلاف‏ ‏إحدى ‏المجلات‏ ‏”العلمية‏”.‏

 وعلى ‏ذلك‏ ‏أصبحت‏ ‏ممارسة‏ ‏الطب‏ ‏هى ‏أن‏ ‏يحمى ‏الطبيب‏ ‏نفسه‏ ‏بعمل‏ ‏أكبر‏ ‏قدر‏ ‏من‏ ‏الأبحاث‏ ‏التى ‏لا‏ ‏لزوم‏ ‏لها‏، ‏ثم‏ ‏إعطاء‏ ‏أكبر‏ ‏قدر‏ ‏من‏ ‏السعادة‏ ‏الكيميائية‏ ‏حتى ‏يحقق‏ ‏الابتسام‏ ‏بعد‏ ‏العبوس‏ ‏و‏دمتم‏.‏

 ‏ ‏نعم‏ ‏علمونا‏ ‏وعلموا‏ ‏مرضانا‏ (‏وغير‏ ‏مرضانا‏) ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الوجه‏ ‏الباسم‏ ‏هو‏ ‏غاية‏ ‏المراد‏ ‏من‏ ‏رب‏ ‏العباد‏، ‏وعلى ‏ذلك‏ ‏فالغرض‏ ‏من‏ ‏التداوى ‏لا‏ ‏بد‏ ‏وأن‏ ‏يكون‏ ‏هو‏ ‏الحصول‏ ‏على ‏موفور‏ ‏الصحة‏ ‏بأن‏ ‏نحقق‏ ‏للمريض‏ “‏نوما‏ ‏فى ‏العسل‏”، ‏وعسل‏ ‏العصر‏ ‏الحديث‏ ‏هو‏ ‏حبوب‏ ‏كذا‏، ‏وكيمياء‏ ‏كيت.

 هكذا ينقلب‏ ‏مفهوم‏ ‏الإنسان‏، ‏بفضل‏ ‏الطب‏ ‏الحديث،‏ ‏إلى ‏ماكينة‏ ‏ينقصها‏ ‏زيت‏ ‏كذا‏، ‏وشحم‏ ‏كيت‏، ‏وتلميع‏ ‏بالطريقة‏ ‏الفلانية‏، ‏وتوجيه‏ ‏بالعقار‏ ‏العلانى، ‏وكلها‏ ‏كيمياء‏ ‏فى ‏كيمياء‏.‏

 فما‏ ‏علاقة‏ ‏ذلك‏ ‏بظاهرة‏ ‏الإدمان؟

 ‏ ‏إن‏ ‏هذه‏ ‏الصورة‏ ‏للطب‏ ‏التسكينى، ‏الميـكنى، ‏ليست‏ ‏سوى ‏الوجه‏ ‏الطبى ‏لظاهرة‏ ‏المخدرات‏، ‏حتى ‏أن‏ ‏كثيرا‏ ‏من‏ ‏الأبحاث‏ ‏الأمينة‏ ‏أظهرت‏ ‏أن‏ ‏نسبة‏ ‏من‏ ‏المتعاطين‏ ‏للمخدرات‏ ‏إنما‏ ‏يفعلون‏ ‏ذلك‏ ‏كوسيلة‏ ‏من‏ ‏وسائل‏ ‏العلاج‏ ‏الذاتى، ‏حتى ‏أن‏ ‏انتقاء‏ ‏المتعاطى ‏لنوع‏ ‏بذاته‏ ‏من‏ ‏المخدر‏ ‏قد‏ ‏يرتبط‏ ‏بنوع‏ ‏الاضطراب‏ ‏النفسى ‏الذى ‏يعانيه‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏، ‏إشمعنى ‏الطبيب؟ ‏وهل‏ ‏يفعل‏ ‏الطبيب‏ ‏غير‏ ‏ذلك؟‏ ‏واسأل‏ ‏مجرب، (وهذا بعض ما يسمى بـ فرض “التداوى الذاتى“)

ثانيا‏: ‏أمثلة‏ ‏من‏ “‏هناك‏”‏

لكن‏ ‏ثمة‏ ‏رد‏ ‏على ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الأمثلة‏ ‏المحلية‏ ‏يقول‏: ‏

 عندك‏، ‏إن‏ ‏مجتمعات‏ ‏ليست‏ ‏فيها‏ ‏هذه‏ ‏الصفات‏ ‏أصلا‏ ‏تعانى ‏من‏ ‏نفس‏ ‏الظاهرة‏: ‏الإدمان‏،

 ‏ ‏فالمجتمع‏ ‏الغربى ‏(الأمريكى ..الخ) أو الشرق أقصى (اليابان ..الخ) ‏عامة‏ أو الشمالى‏ ‏السوفييتى ‏وتوابعه‏ ‏قديما‏ ‏وحديث‏، ‏وما‏ ‏ينافسه حالا ومستقبلا‏) ‏لا‏ ‏تعانى ‏من‏ ‏الاستسهال‏، ‏بل‏ ‏يستغرق‏ ‏الواحد‏ ‏منهم‏ ‏فى ‏عمله‏ ‏وواجبه‏ ‏كما‏ ‏ينبغى ‏طول‏ ‏الوقت‏، ‏وهى مجتمعات‏ ‏لا‏ ‏تعرف‏ ‏المباشرة‏ ‏بالمعنى ‏السطحى ‏السهل‏، ‏فكل‏ ‏شئ‏ ‏بالحساب‏ ‏الممتد‏ ‏وحساب‏ ‏الجدوى، ‏وهى ‏أيضا‏ ‏مجتمعات‏ ‏تعلم‏ ‏كيف‏ ‏تتحمل‏ ‏الغموض‏، ‏ولا‏ ‏تسير‏ ‏على ‏مبدأ‏: ‏الكل‏ ‏أو‏ ‏لا‏ ‏شئ‏ ‏كما‏ ‏هو الحال لدينا غالبا‏، ‏وهى‏ ‏تعتبر الفائز‏ ‏فى ‏الانتخابات‏ ‏عندهم‏ ‏بسبع‏ ‏وخمسين‏ ‏فى ‏المائة‏ (‏مثلا‏) ‏قد‏ ‏انتصر‏ ‏انتصارا‏ ‏ساحقا‏، ‏وكل‏ ‏هذا‏ ‏خلاف‏ ‏ما‏ ‏ذكرت‏ ‏عندنا‏، ‏صحيح‏ ‏أننا‏ ‏نتبعهم‏ ‏فى ‏تقديس‏ ‏قيم‏ ‏صدّروها‏ ‏إلينا‏ ‏مثل قيمة‏ “‏مجتمع‏ ‏الرفاهية‏” ‏وارتباطه‏ ‏واضح‏ ‏بقيمتى ‏التسكين‏ ‏والميكنة‏..‏مثلا‏، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏الاختلافات‏ ‏الواسعة‏ ‏السالفة‏ ‏الذكر‏ خاصة ‏فى ‏القيم‏ ‏الأربع‏ ‏الأولى‏: ‏الاستسهال‏، ‏والمباشرة‏، ‏الاجماع‏، ‏والتعميم‏، ‏تحتاج‏ ‏منا‏ ‏إلى ‏تساؤل‏ ‏عن‏ ‏القيم‏ ‏التى ‏تسود‏ ‏عندهم‏، ف‏تغذى ‏ظاهرة‏ ‏الإدمان‏ ‏بشكل‏ ‏مختلف‏، ‏مع‏ ‏أن‏ ‏النتيجة‏ ‏واحدة

 وفى ‏ذلك‏ ‏نقول‏:‏

 إن‏ ‏تواتر‏ ‏الظاهرة‏ ‏هنا وهناك بنسب متزايدة معا‏ ‏لا‏ ‏يعنى ‏بالضرورة‏ ‏توحّد‏ ‏الأسباب‏، ‏ولا‏ ‏وحدة‏ ‏المسار‏، ‏ولا‏ ‏تشابه‏ ‏المضاعفات‏. ‏وهذا‏ ‏ما‏ ‏يجعلنا‏ ‏نحذر‏ ‏ونحن‏ ‏نستورد‏ ‏التفسيرات‏ ‏ومناهج‏ ‏البحث‏.‏

 فإذا‏ ‏كنا‏ ‏نتفق‏ ‏معهم‏ ‏فى ‏الخضوع‏ ‏للقيم‏ ‏الجديدة‏ ‏مثل‏ ‏التسكين‏، ‏والميكنة‏، ‏وإذا‏ ‏كنا‏ ‏نتفق‏ ‏معهم‏ ‏فى ‏الخضوع‏ ‏لتأثير‏ ‏المافيا‏، ‏والتعرض‏ ‏لتلويث‏ ‏الوعى ‏بوسائل‏ ‏الإعلان‏ ‏والاغتراب‏، ‏فإن‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏قد‏ ‏يفسر‏ ‏جانبا‏ ‏واحدا‏ ‏من‏ ‏الاتفاق‏ ‏معهم‏ ‏فى ‏تواتر‏ ‏حدوث‏ ‏ظاهرة‏ ‏الإدمان‏، ‏ثم‏ ‏يبقى ‏علينا‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏البحث‏ ‏عن‏ ‏قيم‏ ‏سلبية‏ مسئولة عن ظهور الظاهرة ‏عندهم‏ ‏مقابل‏ ‏القيم‏ ‏السلبية‏ ‏التى ‏عندنا‏.‏

 هذه‏ ‏المحاولة‏ الآن ‏ليست‏ ‏وظيفتها‏ ‏البحث‏ ‏فيما‏ ‏عندهم‏ ‏من‏ ‏سلبيات‏، ‏بل‏ ‏هى ‏تركز‏ ‏بالضرورة‏ ‏على ‏مصيبتنا‏ ‏الخاصة‏، ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏فسوف‏ ‏أعدد‏ ‏بعض‏ ‏ما‏ ‏عندهم‏ ‏بالمقابل‏ – ‏مجرد‏ ‏تعداد‏ ‏لإظهار‏ ‏اختلاف‏ ‏المنبع‏ ‏رغم‏ ‏توحد‏ ‏المصب‏.‏

‏1- قيمة ‏الغرور‏ ‏البشرى ‏وتقديس‏ ‏الإنسان‏:‏

 فى ‏مقابل‏ ‏الاستسهال‏، ‏والمباشرة‏ ‏عندنا‏….‏نجد‏ ‏قيمة‏ ‏الغرور‏ ‏البشرى ‏عندهم‏ ‏قد‏ ‏وصلت‏ ‏إلى ‏تقديس‏ ‏الإنسان‏ ‏دون‏ ‏سواه‏، ‏فالإنسان‏ ‏لديهم‏ ‏ملك‏ ‏نفسه‏، ‏قادر‏ ‏على ‏كل‏ ‏شئ‏، ‏له‏ ‏الحق‏ ‏فى ‏إنهاء‏ ‏حياته‏ (‏بالانتحار‏) ‏أو‏ ‏تشويهها‏ (‏بالغيبوبة‏). ‏وليس‏ ‏عندنا‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏الفخر‏ ‏بكل‏ ‏هذا‏ ‏الدمار‏.‏

‏2- قيمة ‏فرط‏ ‏التأمين‏ ‏وفرط‏ ‏الحسابات‏:‏

 فى ‏مقابل‏ ‏المبالغة‏ ‏والتعميم‏ ‏عندنا‏، ‏نرى ‏الواحد‏ ‏منهم‏ ‏يفرط‏ ‏فى ‏حساب‏ ‏كل‏ ‏شئ‏، حتى ‏تكاد‏ ‏تختفى ‏الصدفة‏ ‏من‏ ‏حياته‏، ‏كما تجده‏ ‏يكاد‏ ‏يفقد توازنه‏ ‏حتى ‏يصبح‏ ‏بلاحدود‏ ‏ولا‏ ‏كيان‏ ‏إذا‏ ‏فلتت‏ ‏منه‏ ‏حسبة‏ ‏ما‏، ‏إذ‏ ‏لا‏ ‏يسعفه‏ -بسهولة- ‏إيمان‏ ‏بغيب‏ ‏أو‏ ‏تسليم‏ ‏لقدر‏، ‏وبما‏ ‏أن‏ ‏حسابات‏ ‏البشر‏ ‏هى ‏حسابات‏ ‏البشر‏، ‏وكم‏ ‏تفلت‏ ‏بلا‏ ‏مبرر‏ ( ‏كارثة‏ ‏مفاعل‏ ‏نووى ‏أوزلزال‏ ‏أو إعصار)، ‏فإنه‏ ‏يشعر‏ ‏أنه‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏يثلم‏ ‏به‏ ‏وعيه‏ ‏خشية‏ ‏المفاجأة‏، ‏وهات‏ ‏يا‏ ‏تخدير‏.‏

3- قيمة سعار الاستهلاك:

لا تقتصر قيمة الاستهلاك على هذه المجتمعات إلا باعتبارها قادرة على الاستهلاك لارتفاع مستوى المعيشة، بل إن هذه المجتمعات الأكثر ثراء وإنتاجا تصدر إلينا هذه القيمة ضمن ما تصدر ما نستهلكه، لأنها تستعملنا كأسواق وأدوات من مصلحتها زيادة قدرة أفرادها على الاستهلاك

علاقة هذه القيمة بالإدمان علاقة غير مباشرة، لأن كلا من الاستهلاك للاستهلاك، وتغيير الوعى (الإدمان)، يعلنان حركة زائفة للحياة بشكل أو بآخر، وكما أن الاستهلاك يزيد من الرغبة فى الاستهلاك، كذلك الإدمان يغذى سعار الحاجة إليه مزيدا من السعى لتعاطيه. 

 وهكذا‏ ‏نرى ‏أنه‏: ‏تعددت‏ ‏الأسباب‏ ‏والخدر‏ ‏واحد

 ولا‏ ‏أتمادى ‏فى ‏تعداد‏ ‏الفروق‏ ‏ولكننى ‏أكرر‏ ‏ضرورة‏ ‏التأكيد‏ ‏عليها‏، ‏لأنه‏ ‏يترتب‏ ‏على ‏ذلك‏ ‏تحذير‏ ‏لا‏ ‏حق‏ ‏يقول‏: ‏

 إنه‏ ‏ينبغى ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نعلن‏ ‏من‏ ‏موقع‏ ‏مسئوليتنا‏ ‏أننا‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏حرب‏ ‏الإدمان‏ ‏هذه‏، ‏قد‏ ‏نشترك‏ ‏معهم‏ ‏فى ‏ميادين‏ ‏بذاتها‏ (‏مثل‏ ‏محاربة‏ ‏المافيا‏، ‏ومنع‏ ‏التهريب‏)، ‏ولكننا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ننتبه إلى ضرورة أن ‏نختلف‏ ‏معهم‏ ‏تماما‏ ‏ ‏ ‏فى ‏ميادين‏ ‏أخرى مثل الوعى بالقيم السلبية وراء الظاهرة، ومحاولة تطويرها أو إبداليها … الخ، ولا تتوقف ضرورة الوعى بالقيم على القيم السلبية دون غيرها، وإنما يمتد إلى كل القيم.‏ فإذا‏ ‏قيل‏ ‏مثلا‏ ‏أنه‏ ‏بالإخلاص‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نتغلب‏ ‏على ‏الإدمان‏، ‏وقفنا‏ ‏عند‏ ‏مفهوم‏ ‏الإخلاص‏ ‏عندهم‏ ‏ومفهومه‏ ‏عندنا فقد‏ ‏يكون‏ ‏من‏ ‏الإخلاص‏ ‏عندنا‏ ‏أن‏ ‏نسهل‏ ‏مهمة‏ ‏المتعاطى ‏ونتستر‏ ‏عليه‏ (‏مثلما‏ ‏أصبحت‏ ‏الشهامة‏ ‏أن‏ ‏نسهل‏ ‏الغش‏ ‏لأبنائنا‏ ‏فى ‏الامتحانات‏/ ‏من‏ ‏باب‏ ‏الجدعنة‏) ‏

 و‏‏إذا‏ ‏قيل‏ ‏عندنا‏ ‏أنه‏ ‏بالعودة‏ ‏للدين‏ ‏والإيمان‏ ‏قد‏ ‏يستغنى ‏المدمن‏‏ ‏عن‏ ‏حاجته‏ ‏إلى ‏تغييب‏ ‏الوعى، ‏فإنه‏ ‏ينبغى ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نفرق‏ ‏بين‏ ‏التدين‏ ‏عند‏ ‏من يتدين منهم ممن قد يهمه الأمر أحيانا‏، ‏حيث‏ ‏تغلب على قيمة التدين عندهم منظومات اجتماعية اختيارية بعض الوقت، وبعض نشاط نهاية الأسبوع، ودعوات صالحة على الطعام… الخ، (وذلك قبل بزوغ دور الدين الأصولى فى السياسة)، هذا مختلف تماما عن أغلب أشكال الدعوة للتدين عندنا، وهى‏ التى ‏تتراوح‏ ‏ما‏ ‏بين‏ ‏الترويج‏ ‏للنفس‏ ‏المطمئنة‏ ‏بالمعنى ‏السكونى ‏بما‏ ‏يشمل‏ ‏تعميق‏ ‏التسليم‏ ‏دون‏ ‏جهاد‏ ‏ذاتى ‏متصل‏ ‏حملا‏ ‏للأمانة‏، ‏و‏ ‏ما‏ ‏بين‏ ‏الكدح‏ ‏إلى ‏وجه‏ ‏الله‏، ‏وتعميق‏ ‏الإيمان‏ ‏بالغيب‏ ‏المبدع‏ ‏الخلاق‏. ‏

 المهم‏ ‏أن الدين كقيمة لدينا‏ ‏ليس هو هو مفهوم‏ ‏الدين‏ ‏كما‏ ‏يعرفه‏ ‏الغرب‏.‏

 وقس‏ ‏على ‏ذلك‏.‏

تعددت القيم وتجلياتها، والسلبيات المحتملة قائمة على امتداد اغتراب البشر.

 من‏ ‏هنا‏ ‏وجب‏ ‏التحذير‏ ‏فى ‏مواجهتنا‏ ‏للمشكلة‏ ‏وعلاجها‏، ‏حتى ‏لا‏ ‏نقتصر‏ ‏على ‏مجرد‏ ‏الترجمة‏، ‏أو‏ ‏نقل‏ ‏الخبرة‏ ‏كما‏ ‏هى، ‏أو‏ ‏الاكتفاء‏ ‏بالعناوين‏ ‏دون‏ ‏النظر‏ ‏فيما‏ ‏تحتها‏، ‏أو‏ ‏الانخداع‏ ‏بالأرقام‏ ‏إذا‏ ‏تشابهت‏.‏

 ولهذا‏ ‏كله‏ ‏حديث‏ ‏آخر‏.‏

ملحق النشرة

حتى لا تكون المسألة مجرد مقتطف من كتاب، ولتظل النشرة محتفظة بطابعها، فكرت فى آخر لحظة أن ألحق بنشرة اليوم هذا الملحق بأقل قدر من التعليق، حتى تظل محتفظة بغلبة الفكر الإكلينيكى من واقع ممارستنا الثقافية الخاصة

ولنعتبر ذلك ضمن ما نجرب فى مرحلة الانتقال هذه

مقتطفات من “نص” بشرى مدمن:

بعض ما يقوله الإدمان

هو شاب فى الخامسة والعشرين، مازال طالبا بالجامعة، يتعاطى كل شىء من مدة طويلة،

مجرد عينات من نص طويل جدا

من كلام الأم:    هو ما عندوش أى نشاط فى حياته، مالوش أصحاب ومابيخرجش غير علشان يجيب مخدرات وبس ….. إلخ

من كلام الأب – كنت أقعد اقول له “عشان خاطرى” – يقول لى إذا كنت مش قادر أبطل “عشان نفسى” ها أبطل عشان خاطرك؟ سيبنى أنا ما أعرفش أعمل حاجه غير وأنا ضارب

القراءة:

نتعامل مع مشكلة المخدرات، كمصدر للمعرفة، ليس فقط عن المخدرات، لنسبر غورها، ونتعرف على أسبابها، ونتقى شرها، ونعالج ضحاياها، كل هذا وارد بشكل ما، وهو إثراء للتعرف على الإنسان ، ندعوك لقراءة المقتطف السابق لتقوم أنت بالتعليق.

من كلام الشاب

  •  …. دلوقتى  النشاط الوحيد اللى بأعمله فى حياتى إنى بآخذ مخدرات،
  •   أنا مشكلتى الكبيره هى مشكلة كل المدمنين شخصية اعتمادية ، دايما مستسنى حاجة من بره
  •  ،…..، حاسس إن التغيير هايجى من بره مش من جوه، …. وده مش هايحصل،
  • عارف إن مافيش حاجه تخلينى أبطل من بره، تفكيرى سلبى.
  • الواحد كان بيعوض العلاقات الانسانية بالمخدرات، المخدرات مش ها ترفضنى أنا المتحكم فى الموضوع، مش حمل بقى أروح لواحد مثلا يرفضنى،
  • الواحد مش مستحمل ها يروح يدور على ناس تََََجرّح فيه، الواحد مجروج لوحده، المخدرات عمرها ما تقول لأ،
  • على قد ما بأكره وحدتى باحس إنها أحسن من قعدتى مع ناس تخنق فىَّ.
  • المخدرات   الواحد  يضربها ما يقولش (ها) ها تعمل إيه يا واد ،
  • خلاص مافيش حاجة بعد كده، أى حاجة الواحد يعملها تخلص ويدور على بعدها،
  •  البودرة ماكانتش تخلى فيّه (ها) كانت تريح أى مشاعر
  • كنت بأحس إنى مش محتاج بنى آدمين فى الدنيا، مش عايز حاجة بعدها غير بودرة ثانى، هى دخلت من هنا والدنيا سكتت من هنا
  • أنا مش بتاع مبادرات – لازم تتحدف لى الكورة وبعدين أرميها.

 وأحسب أن فى كلام هذا الشاب – أيضا ما – يدعو للتأمل دون تعليق أيضا،

            البركة فى سيادتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *