“يوميا” الإنسان والتطور
14-5-2008
العدد: 257
عن الإدمان والإيمان (3 من ؟؟؟)
توضيحٌ لازم وإجابات موجزة
فى نشرة اليوم سوف نحاول أن نقوم بتقديم إجابات موجزة للأسئلة الخمسة التى طرحناها أمس، آملين أن يكون بعض الزائرين قد حاول الاجابة عليها مسبقا أمس، فيقارن إجاباته بما سوف نعرضه حالا:
السؤال الأول:
هل هناك فروق جوهرية (تفضيلية)(1) بين الأديان؟
الإجابة الظاهرة التقليدية العلنية أنه لا توجد فروق جوهرية، وهى إجابة ناعمة هروبية، لا نعنيها عادة فى عمق ضمائرنا، ذلك لأن الواقع المعلن، والواقع الخفى، يؤكدان وجود هذه الفروق بشكل صارخ لا يمكن إنكاره. صحيح أن إعلانات الاجتماعات، وألفاظ الحوارات، تعلن غير ذلك، لكن صحيح أيضا أن فتاوى المفتيين المعلنة والمغلقة تؤكد أن الفروق الحالية فى واقع الممارسة، أكبر من كل ما يعلن على الفرقاء.
أبسط وأطيب الإجابات هى الاعتذار عن الإجابة ثم إن الأمر متروك لله سبحانه وتعالى، وأيضا يقول كل صاحب دين أنه لو أتيحت الفرصة الحقيقية للآخر أن يعرف طبيعة كل دين إذن لاعتنق دينه!! (دين الناصح الأمين!).
أما الإجابات الحاسمة والدامغة فهى لا تُعلْن إلا فى دوائر ضيقة، أو حجرات مغلقه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
السؤال الثانى:
هل ثم فرق بين الدين والإيمان؟
الفرق موجود، ومعترف به، وهام. فمن ناحية هما ليسا مترادفين، “قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا، ولمّا يدخل الإيمان فى قلوبكمً. ومن ناحية أخرى هما ليسا متلازمين: فَثَّم من يتصور أنه متدين وهو ليس فى عمق أعماقه مؤمن (الآية الكريمة السابقة)، وثَمَّ مؤمن فى أعماقه حتى لو كان يمر بفترة شك يسحبه منطُقهُ أثناءها إلى غير ذلك، وبرغم هذه التفرقة الواضحة فإن العلاقة وثيقة بين الدين والإيمان، المفروض أن الإيمان هو العمق الفطرى وراء النزوع الدينى فى معظم الأديان،
كما ان الدين هو التجسيد السلوكى للإيمان، يدعمه ويؤكده كما يحافظ على دفعه.
إن الالتزام بالسلوك والعبادات هو طريق إلى ملء الوعى بالإيمان، شريطة ألا يكون بديلاً اغترابيا أو تسطيحاً شكلياً، عن جوهر الدين = الإيمان.
السؤال الثالث:
3- ما علاقة ما يسمى الروحانية بالدين؟
لعل تناول مسألة الروح (التى هى من أمر ربى) ليست واردة فى هذه المداخلة بالمعنى الشائع عن كلمة”الروحانية”، ومع ذلك يبدو أن المشتغلين بمحاولة التوفيق بين الأديان قد جعلوا ما أسموه الروحانية، نسبة إلى الروح كما صوروها أو تصوروها، هى القاسم المشترك الذى يجمع بين المتدينين.
إن مفهوم الروحانية، هو مفهوم كامن فى غور كل من الدين والإيمان، لكن لا ينبغى أن يكون استعمال هذا المصطلح (الروحانية) بديلاً عن الدين والإيمان، أو ضد احترام الجسد ولغته ودوره فى التعريف إلى الحق تعالى.
أتجنب استعمال كلمة الروح والروحانية احتجاجا بأنها “من أمر ربى” من ناحية، وانتماء منى لدور الجسد (الذى هو فى نظرى أحد تجليات الروح/الوعى وبالعكس) فى المعرفة والإبداع والتواصل والدين والإيمان.
فى مؤتمر عن الصحة النفسية والروحانية عقد فى “سانت كاترين أكتوبر 2003” (الأسس البيولوجية للدين والإيمان)، قدمت فى ورقة عن الأسس البيولوجية للغريزة التوازنية التى تهدى للدين والايمان، وقد رفضت بشدة اقتراحا قُدِّمَ فى هذا المؤتمر أن يضاف إلى تعريف الصحة عامة الذى تتبناه منظمة الصحة العالمية، يضاف تعبير “صحة الروح”، وذلك ليقينى بالاختلاف الجذرى المحتمل حول تعريف ذلك.
السؤال الرابع:
4- ما هى علاقة السلطة الدينية بالدين والإيمان؟
من أهم أسباب عزوف بعض الناس والشباب خاصة عن الدين هو أنهم يتصورون أن فى ذلك نوعاً من مقاومة ما يسمى السلطة الدينية التى استولت حتى احتكرت حق تفسير الأديان باعتبارها من الملكية الخاصة لهذه المؤسسة الفوقية. النتيجة أن معظم الشباب ابتعدوا بغير قصد غالبا، عن حقيقة وظيفة الدين وحقيقة عطاء الإيمان. لا يرجع ذلك الابتعاد إلى رفض للدين أو عدم تقدير عطائه وإنما هو بمثابة تنبيه إلى أن بعض السلطات الدينية – بقصد أو بدون قصد- قد تمادت عبر التاريخ فى تصوير نفسها أنها المصدر الأوحد لكل التفاسير.
ولكن يلاحظ أيضا أنه فى بعض الأحيان يتقمص بعض الناس، بما فى ذلك الشباب السلطة الدينية حتى تصبح قهرا من داخلهم يحرمهم من معايشة خبرة الإيمان إلا بالمقاييس التى توضع لهم، كما قد يصل الأمر إلى امتناعهم تلقائيا عن التفكير الحر وكذا رعبهم من محاولة النقد أصلا، وهذا وذاك له حدود سرعان ما تنهار تلقائيا، أو باستعمال مخدر يقوّضها، أو منبه يكسرها.
السؤال الخامس:
5- هل ثمة علاقة بين الدين والبيولوجيا (بالمعنى الأشمل)؟
الشائع فى ظاهر الأمر، مع التعجل فى الحكم، أن التدين والدين والإيمان يقف على طرف نقيض من الغرائز والجسد، وذلك باعتبار أن الغرائز بدائية حسّية فجة، وأن الدين التزام منضبط، أو أن الغرائز دوافع دونية فى حين أن الإيمان هو روحانية راقية.
هنا نقدم الأمر بطريقة أخرى، طريقة تؤكد أن الفطرة هى البيولوجيا فى أرقى تجلياتها فى العقل والجسم معا، إن المؤمن الحق إنما يخلط الإيمان بلحمه ودمه وليس بروحه فقط، إن نشاط اللحم والدم، لماَ خُلقا له كجزء من الفطرة السليمة، هو من أعظم تجليات الوجود الإبداعى نحو الخالق سبحانه.
هذا النشاط النابض فى حركية جدلية خلاقة هو الذى يسمح باضطراد إبداع الذات للتناسق مع ذوات بشرية أخرى ثم معاً إلى تناسق أعلى فأعلى، كما أشرنا فى بداية يومية أمس.
وبعـد
فى برنامج للوقاية من الإدمان للنشء من سن 6 – 12 طلبوا منى أن أقترح كيف يقدم أساسيات مفهوم الدين والإيمان إلى هذه السن.
كيف بالله عليكم؟
هذا ما قد نراه فى حلقة قادمة.
[1] – نأسف فقد أضيفت هذه الكلمة على سؤال أمس