“يوميا” الإنسان والتطور
5-5-2008
العدد: 248
مقتطفات وأسئلة
من كتاب:
الأسطورة والمعنى
دراسات فى الميثولوجيا والديانات المشرقية
منشورات دار علاء الدين- دمشق
الطبعة الأولى 1997
مقدمة:
من أهم الخبرات التى مررت بها أثناء إصدار مجلة “الإنسان والتطور”، خبرة تحرير باب “مقتطف وموقف” الذى كنت أكتبه دون توقيع، وكانت الفكرة التى حاولنا نشرها وترويجها آنذاك، هى دعوة ضمنية للقارئ أن يتخذ موقفا مما يقرأ، بحيث يعرف كيف وأين هو منه، ثم إنه يمكنه أن يعدله أو يتراجع عنه أو يضيف إليه باستمرار فيما بعد،
ثم توقفت المجلة لكن هوايتى فى رصد المقتطفات لم تتوقف.
بين الحين والحين، مثلما حدث معى اليوم، أجدنى أمارس نفس النشاط فى اقتطاف بعض المقتطفات آمِلاً أن أرجع إليها لأحدد (أو أجدد) موقفى منها،
تعلمت من هذه التجربة أثناء تحرير هذا الباب كيف لا أسارع باتخاذ موقف القبول أو الرفض بمجرد ان يصلنى كلاما مكتوبا، ناهيك عن المشافهة.
حين راجعت نفسى ناظرا فيما كنت أفعله قبل ذلك: اكتشفت أن موقف الإسراع بالقبول أو الرفض فحسب كان يحرمنى من أن أكون أنا القارئ، فهو يجعل النص يصلنى من خلال شبكية (مرشح) معتقداتى المسبقة الجاهزة الجامدة غالبا، (التى هى ليست “أنا” بالضرورة) والتى عادة لا تسمح بدخول ما يزيد عن “قطر” فتحاتها، وإن كانت تقوم بتصغير بعض وحدات المعرفة المطروحة أو اختزالها إلى ما يجوز وما لا يجوز، بحيث لا يمر من “ثقوب” شبكة الترشيح إلى كيانى إلا ما يصير فى حجم “قُطْر” الفتحات، فلا أخرج من النص إلا بما كنت فيه قبل أن أقرأه.
ثم تغير الحال والحمد لله مع كتابتى هذا الباب لمدة سبع عشرة عاما تقريبا.
ثم توقفت المجلة ولم أتوقف عن “الاقتطاف”، واتخاذ المواقف بينى وبين نفسى،
عثرت اليوم على بعض هذه المقتطفات، اخترت منها تلك الفقرات التى أقدمها فى نشرة اليوم من كتاب الأسطورة والمعنى، ولم أجد أننى قد أثبتُّ – كتابة- موقفى منها، كما لم أحاول التعليق عليها.
قلت أقدمها لقارئ هذه النشرة اليوم، ثم أطرح أسئلة متعلقة دارت بخلدى، ليست هى – طبعا- كل الأسئلة، وللقارئ (الزائر) حق ما يشاء قبل وبعد ذلك،
وربما نبدأ من خلال كل ذلك حوارا حقيقيا فيما بعد.
ملحوظة:
تعمدت، ألا أذكر اسم المؤلف أو المترجم ، لأن ذكر الاسم أحيانا يمثل أرضية جاهزة للتحيز مع أو ضد النص. تصور!!! (وعلى من يريد أن يعرف أن يسأل دار النشر المثبتة)
المقتطفات:
صفحة (22)
إن فلاسفة الإغريق الذين تصدوا لإقامة نظم فلسفية عقلانية على أشلاء الأسطورة, لم ينجوا تماما من سحر البيان الأسطوري, لقد ركز أفلاطون بشكل خاص على أن الخبرة بالقدْسى لا يمكن اكتسابها من خلال صوفية يخلقها الطقس، ولا من خلال رؤية ميثولوجية تقدمها الأسطورة……
صفحة (23)
وهو (أفلاطون) يدعو إلى السعى لاكتساب أعلى وأسمى معرفة, وهى معرفة الخير، عن طريق العقل الصاحى الذى يبدأ بمعرفة الجزئيات وترابطاتها, صعودا نحو مبادئها وعللها الأولى.
ورغم محاربته للشعر باعتباره مركبة للأسطورة, وبما هو اكتشاف للخواص السحرية للغة فإنه قد عمد, خارج كتاب الجمهورية, إلى تأليف أساطير من صنعه, مثل أسطورة أسرى الكهف, وأسطورة اختيار النفس لمصيرها, وأسطورة الحساب بعد الموت, وذلك لغاية شرح وتوصيل أفكاره المجردة, ولعلمه بما للأسطورة من سلطان على النفوس .
كما أنه وافق على صناعة أساطير يجرى تلقينها للصغار وفق خطة مدروسة, من شأنها تدريب هؤلاء على تلمس فكرة الخير الكامنة وراء العالم.
على أن مثل هذه الأساطير التى يصنعها شخص بعينه, وفق خطة مدروسة, تفتقد إلى خصيصة النمو التلقائى التى تميز الأسطورة (التى تتخلق) من تجربة جمعية مشتركة.
صفحة (24)
.. إن الاستماع إلى بضع آيات من أى كتاب مقدس (وليكن التاو الصيني, أو الأوبانيشاد الهندى أو الزندافيستا الزردشتى أو المزامير التوراتية أوالإنجيل أو القرآن الكريم) تغنى المؤمن عن قراءة مئات الصفحات اتى تخاطب عقله بالمنطق والبرهان, ذلك أن مثل هذه الآيات هى صيغ رمزية غير خاضعة للنفى أوالإثبات بالتقصى العلمي, والتحليل الفلسفي.
….من هنا (نفهم موقف) بعض النظريات العلمية التى تتستر وراء ستار العلم, وخصوصا فى مجال العلوم الإنسانية, عندما يجرى تصميمها بطريقة لا يمكن إثبات زيفها, ولعلنا واجدين نظريات فرويد فى التحليل النفسى خير مثال على ذلك, فعقدة أوديب التى يرى فرويد أنها متمكنة من كل إنسان ذكر, وأنها تنضوى على الرغبة فى قتل الأب من أجل الاستئثار بالأم, هى شأن لا يمكن دحضه, سواء على المستوى المنطقى أم على المستوى الاختبارى التجريبى.
صفحة (24)
… ثم جاء الأنثروبولوجى البريطانى السير جيمس فريزر ليصوغ نظريته المعروفة حول أصل الدين وعلاقته بالسحر عند جذور التحضر البشري, وقدم لنا وجهة نظر محكمة وجذابة بشأن المراحل الأربعة لتطور الفكر الإنساني, جعلتها في حكم البديهة التى يسوقها معظم الكتاب دون إخضاعها للنقد المسبق, غير أن نظرة فاحصة على مسار الحياة الفكرية للإنسان تظهر لنا بوضوح أن الفلسفة الإغريقية لم تكن سوى بارقا عارضا ما لبث أن انطفأ أمام مد الفكرالدينى والأسطوري, ثم تراجع الفكر الفلسفى قرونا عديدة قبل أن يبعث من جديد فى العصور الحديثة متوكئا عصا عربية أبقت على قبس من الفلسفة متقدا على الأطراف الخارجية لثقافة دينية سائدة, سواء فى الثقافة العربية أم فى الثقافة الأوربى الوسيطة!!
أما العلم, فرغم الأرضية الصلبة التى فرشتها له الفلسفة, مع فترة مدها الأولى, فقد بقى أسير التصورات الدينية والأسطورية إلى أن أينعت ثمار عصر النهضة فى أوربا,
وجاء كوبرنيكوس بنظريته الجديدة عن النظام الشمسى التى كانت فاتحة لاستقلال العلم عن الدين وعن الأسطورة.
صفحة (27)
لقد تراجعت الأسطورة عن مواقعها القديمة كمركز للحياة الفكرية …وقامت الفلسفة والعلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية بالاستيلاء على معظم ميادينها.. ..ولكنها بقيت متحصنة فى ذلك الموقع القوى الذى لم تستطع دولة العلم والعقل الحديثة دكه حتى الآن, وهو الدين.
صفحة (28)
فالأديان القائمة اليوم فى شتى ثقافات العالم ما زالت تحافظ على أساطيرها التقليدية التى حافظت على طاقاتها الإيحائية إلى حد ما.
صفحة (28)
العلم قد قصر دوره على البحث فى ظاهر العالم
………..
يتطلع الدين إلى ما وراء مظهر العالم ويبحث فى المعنى والغايات النهائية, أى أنه يبدأ من حيث ينتهى العلم.
صفحة (28)
العلم عندما يأخذ بتجاوز مظاهر الواقع نحو المعنى والغايات النهائية فإنه يبدأ بالتخلى عن لغته, وينتقل إلى التحدث بما يشبه الرؤى النبوية. ذلك أن المعنى ليس شيئا كامنا فى صميم المظاهر, بل هو شىء متعلق بالوعى الإنساني, ويضاف على المظاهر من خارجها، فالظواهر فقط ” تحدث” ونحن نعطيها ما نشاء من معني. العالم يحدث، أما معناه فكامن فينا, نحن الجنس الحى الوحيد الواعى الذى يتساءل عن المعنى.
صفحة (29)
المشكلة فى أديان اليوم هى تحويل الأساطير إلى دوغما تخدم إيديولوجية جامدة لا تقبل التغيير
ففى مقابل الخلق الدائم والتلقائى للأساطير فى الزمن الماضي, صارت الأساطير إلى حالة ثابتة تعكس جملة من المعتقدات التى تحرسها المؤسسة الدينية وتعمل على عدم تعريضها للتفسير المتفتح أو التأويل.
وهذا ما يهدد بانقطاع الخبرة الروحية الداخلية عن تعبيراتها الخارجية, وتحويلها إلى جملة من القناعات الذهنية السطحية، وإلى جملة من الطقوس التى فقدت فحواها ودورها ومعناها, وهنا يتحول الإيمان الطوعى إلى إيمان مفروض، ويفتح الباب واسعا أمام الهرطقة التى تقطع الأفراد عن تجربتهم الروحية وترميهم فى صحراء من الخواء النفسي.
أسئلة وتساؤلات
(برجاء عدم الإجابة عليها إذا رأيت ذلك أفضل!)
1- كم مقتطف من هذه المقتطفات اتفق مع ما كنت تعتقده أو تعرفه من قبل؟
2- كيف تعاملت مع المقتطف الذى لم يتفق مع ما كنت تعتقده أو تعرفه؟
3- هل أجّلت الحكم على مثل هذا المقتطف؟ أم رفضته ابتداء؟ أم رفضته ورفضت الكتاب برمته، أم ماذا؟
إذا كنت من المشتغلين بالطب النفسى أو العلاج النفسى
4- ماذا يمكن أن يفيدك ما وصلك هذه المعلومات (صدقتْ أم كذبتْ) فى ممارستك مهنتك؟
5- هل واجهت مثل هذه الأفكار أو التساؤلات من مرضاك؟
6- هل شعرت أن مهنتك من الناحية العملية تنتمى أكثر إلى: العلم أم الدين أم الأسطورة؟
7- هل فتحتْ هذه المقتطفات شهيتك لمعرفة أكثر حول ما أثارت من موضوعات؟
8- هل من واجبك وأمانتك، وأنت تمارس مهنتك مع مرضى قد يمرون بمثل هذه الأفكار، أن تعرف عنها أكثر، قبل أن تحكم عليهم؟
9- هل أثارت هذه المقتطفات عندك أسئلة أخرى تريد أن تطرحها؟
10- ما هى ؟
شكرا ، مع التذكرة:
أن الإجابات هى اختيارية كما ذكرنا مسبقا،
وأن الإجابة – مثل التدخين- هى مسئولية كل مجيب
وفقنا الله وإياك إلى ما فيه خيرنا وخيرهم.