“يوميا” الإنسان والتطور
28-7-2008
العدد: 332
يوم إبداعى الخاص: قصة قصيرة
الجزء الأول: من الفصل التاسع من “الواقعة”
الجزء الأول: من ثلاثية “المشى على الصراط”
الأرض السابعة
….. تقول يا عم محفوظ أن الله موجود ورحمن ورحيم، فلماذا لا تنشق الأرض لتبتلعنى حتى ينتهى هذا الموال؟. لا يمكن أن يتحمل إنسان كل هذا الخزى والعجز، فكرت فى الاختفاء بأى وسيلة، فكرت فى السعى للعمل فى إحدى الدول العربية، ربنا أمر بالستر سأكتب إلى أخى فى ليبيا. لن أعدم حجة تبرر ترك أولادى وزوجتى هنا.
ثم جاء اليوم الذى عملت له ألف حساب حين تجرأت وحدثتنى فى الموضوع مباشرة:
- أرجو ألا تسئ فهمى.
فلتهبط السماء على الأرض قبل أن تعايرنى صراحة هذه الكتلة من اللحم الأبيض.
- خيرا إن شاء الله.
- لقد بحثت الأمر ودلونى على من “يعرف”.
وقع المحظور، دلوك على من يا امرأة؟. هل أصبحت موضوع حديث الصالونات النسائية؟. من الذين دلوك يا ست هانم؟. هل نسيت كل ما أمتعتـك به قبل ذلك.
طال صمتى حتى أكملت حديثها:
- قالوا لى إن هذه مسائل بسيطة ولابد أن بعض بلدياتك ساءه أن ترث طين المرحومة. استكثروا عليك النعمة رغم أنهما فدانان “عمي”، خافوا أن تأخذ الأرض من مستأجريها، فكادو لنا بذلك حتى يشغلوك عنهم.
ياصلاة النبى اتفضحت يا عبد السلام، وما كان قد كان.
- ماذا تعنين؟.
- كل عقدة ولها حلال،
يتردد نشيد الدوارة فى عقلى من جديد:”لف القيد. قيدى وافى”. هاهم أولاء قد ربطونى حتى لا أقربك ياست الحسن بعد أن تفجرت حيوتك فى هذه السن بلا مناسبة. لماذا تتفتح خلاياك الآن بلا حساب، تريدين أن تغترفى من بحر اللذة فى الوقت بدل الضائع؟. لا مفر من التمادى فى الحديث.
- وما العمل؟.
- سمعت عن بعض من يفكون الربط فى جلسة واحدة، سيدة سودانية تعمل المعجزات.
فحالتى تحتاج إلى “معجزة”،… أين أخدود اللانهاية…
- هذا حقك يا ستي، ليس لى أن أعارض، ولكن كيف السبيل إلى ذلك دون فضيحة.
- لاتخش شيئا فهى سيدة فاضلة تدخل البيوت لترى الطالع وتشفى الأمراض، ولا أحد يسأل عن تفاصيل عملها. كلهم يعتبرونها بركة.
آه لو تعلمين؟. إسألى عم محفوظ. ربما كان هذا هو نهاية المطاف، أمشى فى حب الله مثل عبد الستار النجار، أو أدخل البيوت أساهم فى حل مشكلة العقم بطريقتى الخاصة بعد أن تفكوا ربطى بمعجزة سودانية.
بمهانة لا توصف. ملأنى شعور بالكراهية نحوها ليس له مثيل. فى نفس الوقت دبـت فى شهوة عارمة يصحبها شعور بالقتل. وتحفزت للتجربة بتحد وقسوة. تذكرت خيالاتى فى الحمام أثناء ممارسة اللذة الذاتية وكيف تدور فى كثير من الأحيان حول إحدى السودانيات التى لا يحتاج صدرها إلى رافع، ولا يحتاج إشعالها إلى ثقاب، سال لعابى حين وصلت إلى هذه المرحلة من التفكير، وتوقعت مفاجآت سارة متى أطلقت لجنونى العنان.
قلت فى استسلام خبيث.
- هاتيها، ولكن حدثينى عن التفاصيل.
– أبدا.. تحضر، وتأخذ ”الأثر” وتقرأ بعض ماتعرف، ثم تنفرد بنفسها فى حجرة مغلقة. يقولون أنها تتعرى تماما حتى يحضر خادما من خدام السر، فتطرد الشياطين، وينفك العمل بإذن الله.
ولماذا يحضر خادمها ياست هانم، أنا خادمها بإذن الشيطان، أنت لا تعرفين شيئا عن نشاطى السرى فى الحمام، وربما كنت أنت السبب فى كل هذا. كم أبغضك وأنت تمثلين منظر البريئة المجنى عليها. منذ ماتت أمى وأنا أخاف منك دون سواك، قال لى الأخصائى أن أعضائى سليمة، ولكنه لم يقل لى أنك أنت سليمة. أخاف من الاقتراب منك أنت بالذات. هأنذا أتبين نوازعى بعد أن ثار جنونى نتيجة لامتهانك لى وتحديك. أخاف من شهوتك الوقحة. أخشى أن أبيع لك نفسى دون مقابل. أخشى أن تطلبى حياتى مقابل رضا شياطينك. أخشى أن أدخل فيك فلا أخرج أبدا. هذا بعض ما هدانى إليه عقلى الآخر. ذلك العقل السرى الذى يحلو لكم أن تسمونه جنونا. هاهو يأمره فيرقد فى الخط بلا حراك استخسارا لجهده أن يهدر لمن لا تستحقه، لمن لا يراه أو يرانى.
لم أعد أستطيع التعرف على طبيعتها الحنون وتقبلها الصامت. شككت فى رؤيتى لها حتى ونحن مخطوبان. هل كان ينبغى أن أجرب نفسى مع غيرها؟. ولكن ماذا لو فشلت المحاولة وتخطت الفضيحة أسوار البيت؟. وماذا لو نجحت مع غيرها فزاد فشلى معها؟. ما باليد حيلة. سوف أقبل التحدى. شعور يخامرنى أنها ستدفع ثمن تطاولها بشكل ما. قلت فى نشوة غريبة.
- وهو كذلك.
* * *
جاءت فى اليوم الموعود، هى هى كما صورها خيالي، حول الأربعين، لكنها “هي”. كنت مليئا بالتحدى والرغبة واليقظة. أخذت أنصت إلى ما تقول وأنا أكاد ألتهمها ضاربا عرض الحائط بكل ما تقرأ من آيات، وتعاويذ أغلبها غير واضح المعالم. بدأت بالنظر إلى نظرة أعرفها تماما، تلك النظرة القادرة على إرسال إشعاعاتها من عمق سحيق. تبينت أنها تنبعث من الأرض الخامسة. لم أهتز. لم أغض بصرى. أخذت المبادرة. نفذت إلى أعماقها أسرع منها وأكثر ثقة. وصلت إلى أرضها السابعة وما بعدها، اهتزت تحت هجوم نظراتى حتى كادت تترنح. بدأت تحاول أن تتجنب اقتحامى. التقينا فى ثوان وتيقنت أن المعركة انتهت لصالحى قبل أن تبدأ. أنا أكثر منك جنونا يا امرأة، هات ما عندك وتعالى معى أرفعك إلى السماء السابعة. ملكنى شعور طاغ بالزهو والمقدرة، ما أروع قوة الجنون السرية.
استمرت فى همهمتها وقد بدا عليها الارتباك وظللت أنا ثابتا كالطود واثقا من تفوقى ورجولتى ثقتى من جنونى. ألقيت نظرة على زوجتى ملؤها الحقد والتشفي، انتقلت إلى الخطوات التنفيذية، فعاودت النظر إلى المرأة بلا رحمة ولا تردد. يبدو أنها أدركت تماما أين أنا وما أنوى وأقدر عليه. ارتعدت أكثر ولم ترد، اهتزت هزة خفيفة لا تخلو من أنوثة بالرغم منها. لو سمح لون بشرتها للاحظت زوجتى درجة احمرارها.
قلت لها فى وقاحة:
- هه؟. ماذا تقولين؟.
- يبدو أن حالتك مختلفة.
- أسوأ أم أحسن؟.
- أخطر.
انزعجت زوجتى وبدا أنها على استعداد لعمل أى شئ حتى تنجح المهمة، لم أتوان فى انتهاز الفرصة. كنت أتصرف دون تفكير مستغلا حرص زوجتي، قلت:
- إذا كانت الحالة بهذه الخطورة فلاداعى للمغامرة.
قالت زوجتى فى انزعاج:
- لا تتعجل ولا تخف وسوف يأتى الله بالفرج.
الفرج يا أيتها الأتان سوف يكون على عينك ياتاجر. قلت فى خبث ريفى أصيل:
- أنا على استعداد لأى شئ، حتى للدخول معها إلى خلوتها إذا كان ذلك ضروريا لتخليصى منهم.
أطرقت المرأة وقد بلغتها الرسالة. حاولت أن تسيطر على مشاعرها قدر الإمكان، ثم نظرت إلى زوجتى من طرف خفي، فواصلتُ الهجوم.
- إلا إذا كانت حالتى ميئوس منها إلى الأبد.
قفزت زوجتى -كما توقعت- ترجوها أن تفعل أى شئ أى شئ فيه “الصالح”. حاولت أن أطمئنها بخبث فواصلت الحديث مع المرأة بعد أن اطمأننت أنه قد بلغها من أنا، قلت لها مشيرا إلى حجرة النوم.
- أنا تحت أمرك. والله معنا. طبعا لا داعى للتعرى فى هذه الحالة.
نظرت إلى المرأة فى تحد مستسلم. قررت ألا تراجع مهما كان الثمن فقلت متصنعا:
- أخشى أن يصيب بعض الآخرين أذى من تحت الأرض إذا ما حضروا “بسم الله الرحمن لرحيم”.
ردت زوجتى فى حماس:
- الأولاد فى المدارس، والبنت صرفتها ولن تعود الآن، عملت حسابى خوفا من الشوشرة.
نظرت المرأة إلى الأرض وقالت وكأنها تسألنى:
- والست هانم؟.
- تأكدت أن الخيوط كلها فى يدى فقلت وكأنى أنا الذى أتولى مهمة إخراج الشياطين.
- تلزم حجرتها وتواصل قراءة القرآن دون توقف حتى ينتهى فك العمل، هذا ما فهمته أليس كذلك؟.
أومأت المرأة باطمئنان. فتماديت وسألتها إن كان سوف يحدث ضرر كذا أو كذا إذا توقفت زوجتى عن قراءة القرآن، فانبرت زوجتى أنها لن تتوقف ولن تغادرالحجرة الأخرى ولا ثانية واحدة حتى تنتهى المهمة.
استأذنت زوجتى فى رضا وابتهال وهى تدعو لنا بالتوفيق. قامت المرأة إلى الحجرة المعنية وهى ترتعد وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، تبعتها وكنت واثقا، من كل ما أعمل ثانية بثانية. وكأنى أعددت كل شئ من قبل. أحكمت إغلاق الباب واتجهت إليها فى صمت، وهى لا تستطيع أن ترفع عينهيا في، ألاحقها بنظراتى فتهزم قبل أن تتمكن من مجرد البحث عن مقاومة. أمتلئ قوة ممزوجة بالفخر والنصر والجنون، أحسست أنى أستطيع فى هذه اللحظة أن أصهر الحديد.
قالت وصوتها يرتجف بالخوف والرغبة:
- ماذا تريد مني؟.
- لم أرد وازددت اقترابا، فقالت:
- من أين طلعت لى اليوم؟.
- أنت تنتظريننى من زمان.
قالت وكأنها ضبطت متلبسة:
- أنت إبليس ذاته.
قلت فى فخر.
- أنت تريديننى هكذا، فلن يغرقك فى بحر اللذة المجنونة إلا من هو أجن منك.
- لا حيلة لى معك.
ساد الصمت ولم أبد حراكا ولا تعجلت. وكأنى أتمتع بمشاهدة هذا الأبنوس الحى وهو يغلى رغبة وغيظا.
انتظرت حتى يسيح انصهارا.
قالت وكأنها تصيح:
- هيا وخلصنا…..……..
* * *
قالت وهى مازالت تتفصد عرقا وتحاول أن تفيق من شبه الغيبوبة.
- من أنت؟.
قلت ومازلت فخورا بدرجة جنونى:
- من أنتِ؟.
طأطأت رأسها وقالت وكأنها تحدث نفسها.
- ما كان لى أن أستسلم لك. لن أغفر لنفسى ما حييت،
قلت ومازلت فى نشوة جنونى.
- رحمة الله وسعت كل شئ;;
قالت فى قوة جديدة لا تتناسب مع استكانتها السابقة.
- إخرس يا شيطان.
……