“يومياً” الإنسان والتطور
العدد: 296
22-6-2008
التدريب عن بعد
الإشراف على العلاج النفسى (10)
هل يخفِىُ عليها أنه يعالج أصلا..؟
د. محمود فواز:…… هو عيان عنده 27 سنة حضرتك حولتهولى من خمس شهور كان جئ بأعراض جسدية كتيرة: بتيجله دوخة كتير قوى، وقلق وتوتر وشد فى العضلات، هو كان شغال فى شغلانة فيها ضغوط كتيرة، وكان لسه خاطب جديد، وخارج من خطوبتين ما نفعوش، وكان فيه مشاكل مترتبة على الخطوبتين دول. اللى حصل إنى لما ابتديت اشتغل معاه الأمور كانت طبيعية، وظهرت حاجات ومواقف يعنى فى العيلة والشغل، ومشى الحال أحسن فى أحسن.
د. يحيى: طيب والأعراض الجسدية ؟
د. محمود فواز: هوا كان عنده خوف من العيا مع ظهور الأعراض دى، وكان بيروح لدكاترة كتير، لكن أنا وهو قدرنا نوقف الموضوع دا خالص، وابتدينا نشتغل باعتبار إن الموجود دا هو نتيجة حاجات نفسية، ابتدا يعنى يحصل شوية تحسن كده، وحتى اتحسن فى الشغل بتاعه، وابتدا يترقى، وابتدأت ثقتة فى نفسة تزيد، وعلاقتة بخطيبتة الجديدة اتحسنت
د. يحيى: ياه كل ده فى خمس شهور، برافو، دا إيه دا كله، فيه إيه بقى بتسأل عن إيه؟
د. محمود فواز: هو بس من حوالى تلات اربع ايام كده كان قابل واحدة زمليته، ما شافهاش من زمان، يعنى قعدوا يتكلموا مع بعض فعرف منها إنها كانت متجوزة واحد واتطلقوا بسبب انه هو بيروح لدكتور نفسى ومخبى عليها، والعيان بتاعى كان طول الوقت كان فى دماغه الموضوع ده، يعنى هو مخبى على خطيبته إنه بيجيلى، واتكلمنا فى الموضوع يعنى هو معارض شوية فكرة انه هو يقول لخطبيته، انا قلت له رأيى إن ماينفعش انهم يبتدوا مع بعض غير لما يعرّفها انه هو بييجى، بس هوا مش مقتنع، وخايف من الموضوع ده.
د. يحيى: طيب، ما اتكلمتش معاه ليه فى تفاصيل أكتر عن حكاية زميلته إللى سابت جوزها عشان بيروح لطبيب نفسانى، ومخبى عليها، مش جايز الحكاية إللى حكتها له هى القشرة إللى على الوش، وفيه حاجات تانية هى السبب الحقيقى للانفصال؟ دا حتى يمكن هى نفسها ما تعرفشى السبب الحقيقى؟
د. محمود فواز: يجوز، طبعا فيه حاجات تانية، ما انا قلت له ما تاخدش المسألة كده بالحرف وتقارن نفسك بيهم.
د. يحيى: طيب ما انت ماشى كويس أهه، بس الحكاية عايزة شوية تفاصيل زيادة كمان، عشان لما تشور تشور وقلبك جامد، ولا إيه؟
د. محمود فواز: هى فعلا بتقول ان هما ماكانوش مستريحين لبعض وان هو كان عنده مشاكل مدكنها ظهرت بعدين، مش بس إنه كان مخبى عليها العلاج
د. يحيى: شفت ازاى، دلوقتى جوز زميلته، أقصد طليقها يعنى، بس انا باتكلم عليه وهيه متجوزاه، هوه عيان نفسى، أو على الأقل عنده حاجة بتخليه يروح يتعالج نفسى، ودا مش عيب ولا وصمة فى حد ذاته، لكن أهو مرض نفسى والسلام، وانت عارف إن أكتر الصعوبات بتاعة مرضانا، سيبك من حكاية إيدى وعينى وفم المعدة وقلق واكتئاب والكلام ده، بافكرك إن أكتر الصعوبات بنقابلها هى حكاية محاولة عمل علاقة حقيقية، دى يا أخى صعوبة فظيعة عند الناس العاديين لوعايزين علاقة بصحيح، أقله المرضى بتوعنا بيقولوا “آه”، إنما المطنش مطنش، المهم فيه صعوبة تواصل، ويمكن وصلت صعوبة التواصل بين الزميلة دى وبين جوزها (اللى اتطلقت منه) إلى صعوبة فى الاتصال الحميم ، ودا حاجة لها دلالتها أكتر من مجرد العجز مثلا، ثم إنها ممكن تبقى خطيرة لما يترتب عليها خجل واهتزاز، ومن ضمن مظاهره إنه يخبى إنه بيروح يتعالج ، وده يصعّب المسألة أكتر، يبقى السبب الأصلى إللى هوه المرض أو الإعاقة موجود ، وفوق منه : شعوره إنه عامل عاملة وبيتعالج، ويا ترى اترتب على ده إيه بعد كده ولمدة قد إيه ؟ كل ده لازم تحطه فى دماغك وانت بتحكم.
د. محمود فواز: ما انا حطيته، بس مش قوى كده.
د. يحيى: إحنا مش فى حالة طليق زميلته دلوقتى، إحنا فى حالة مريضك انت ، ما تنساش إنه خطب مرتين، وفشل، ودى التالتة
د. محمود فواز: ما هو عشان كده
د. يحيى: عشان كده إيه؟ ما قلتلناش، لازم نعرف بالتفصيل برضه أسباب فشله فى كل مرة، هو اللى فركش؟ ولا هما، واحدة ورا التانية؟ ويا ترى سبب الفركشة هو نفس السبب، ولا مختلف، أصل مسألة الرفض دى حاجة مش سهلة بالنسبة للرجالة، يمكن أكتر من الستات غير ما بنتصور.
د. محمود فواز: طيب وهى حا تفرق إيه فى قراره دلوقتى بالنسبة لخطيبته الجديدة، ما هو فى الخطوبتين الأولانيين ما كانشى بيتعالج لسه.
د. يحيى: تفرق كتير، أولا الفشل لأى سبب كان، بيخليه حريص أكتر على استمرار الخطوبة الحالية، يمكن لدرجة تبوظها، وده لوحده دافع إنه يخبى، ثانيا يجوز فعلا إن فيه هوه شخصيا حاجة بتبان للى بيخطبها بعد شوية، فبتسيبه، وده من ضمن مهمتنا فى العلاج إن احنا نشوف الشخص ده بيكرر إيه فى حياته عشان يفشل كده، يعنى احتمال يكون فيه سكريبت كده، ولا كده، وخوفه إنه يقول لخطيبته الجديدة هو مجرد مظهر خارجى لسكريبت داخلى بيتكرر بأشكال أخرى تفشله
د. محمود فواز: يعنى يقول لها ولا ما يقولهاش؟
د. يحيى: بصراحة يمكن أنا زيك، من حيث المبدأ: أنا أفضل إنه يقول لها، بس يعنى ما يبقاش مدب ويقعد يحكى لها عن اللى قالته زميلته، طبعا خطيبته ما تعرفهاش
د. محمود فواز: طبعا
د. يحيى: وبعدين يا أخى هو شخصيا شايف إن مرواحه للعلاج النفسى نقص ولا إيه؟ ما لو كده يبقى ممكن الشعور ده يوصل لخطيبته حتى لو ما قالهاش بصراحة
د. محمود فواز: مش متأكد هو شعوره إيه بالضبط.
د. يحيى: وبعدين فيه حاجة كمان، هو لو وافق على رأيك إنه يقول لها، يبقى فيه فرصة إنه يحكى لها عن علاقته بيك بطريقة بسيطة وواضحة، يمكن تفهم وتطلع أحسن منه، وبعد كده إنت حتكمل معاهم لو وافقت، إنت من حقك فى الحالة دى تشوف خطيبته، وساعتها حتقدر تقدر شخصيتها، وحبها، ومدى نضجها ، وطبعا دى حاجات مش سهلة، لأن أحيانا البنات بيسألوا أسئلة تدل على خوف حقيقى، زى مثلا هو المرض اللى عنده دا وراثى، وساعتها بتكون منشنة على عيالها وكلام من ده
د. محمود فواز: يمكن ده إللى مش مريحه، ومزود الخوف عنده، وهو مش ناقص فركشة تالتة
د. يحيى: هوه عنده حق، وانت عندك حق، لكن المسائل لازم تتوضح بأكبر قدر ممكن، وبشكل مبسط فى نفس الوقت، الناس مش عارفة يعنى إيه مرض نفسى إلا من المسلسلات، دا حتى الدكاترة يا شيخ وهما بيستعملوا أسماء الأمراض، ما بيبقاش فى وعيهم قوى هم قصدهم إيه باليافطة إللى بيعلقوها على العيان ، قال إيه تشخيص، هو فيه مريض زى التانى، حتى لو كان بنفس نفس التشخيص
د. محمود فواز: هى مش مسألة تشخيص، ده مجرد إنه بيروح أو ما بيروحشى، يقولها ولا ما يقولهاش.
د. يحيى: شوف أما أقولك، المسألة مش جدول ضرب، إحنا فى مجتمع طيب وغلبان، والرجالة مهزوزين بجد، وهى مغامرة فى كل الأحول، وإذا كنت شايف إن التجربتين الأولانيين لسة مأثرين فيه جامد، يا أخى استنى شوية، يمكن يكبر بالعلاج، وزى ما اتحسن فى شغله واترقى ، ربنا يسهل وثقته بنفسه تزيد، وساعتها يقول لها ورزقه على الله، ويعرض عليها فى نفس اللحظة إنها تيجى تقابلك، أنا فى الحالات دى باخلى اللى عايز يسأل يسأل كل اللى يخطر على باله بس قدام المريض بتاعى مش من وراه، وانت وشطارتك فى الإجابات، ودى عملية مش سهلة، مش سهل إنك تقول الحقيقة بطريقة ترد على اللى جوا اللى بيسأل، على اللى ورا السؤال، مش بس على السؤال نفسه. وعندنا يا أخى فى بلدنا يقولوا إذا كانت البت شارية حايبان عليها إنها شارية، والأمور تبقى ألسطة، مين يعرف.
د. محمود فواز: يعنى أعمل إيه؟
د. يحيى: يا أخى إنت مستعجل على إيه، هو مش بييجى، وبيتحسن، قول له يطنش شوية حكاية زميلته اللى اتطلقت دى، وفهمه إن المعلومات ناقصة، وإنه ما يقدرشى يحكم على تجربته من خلال معلومات ناقصة سمعها من زميلته وما سمعشى أى حاجة من الطرف التانى، وأديك شايف إن علاقته بشغله عمالة تتحسن زى ما بيقول، وفى نفس الوقت حايحكي لك عن علاقته بخطيبته الجديدة وانت تقدر بذوق من بعيد كده تقارنها بالتجربتين إللى فاتوا، وساعتها يمكن هو يعملها لوحده من غير ما يسألك، ويمكن يسألك وانت تجاوبه ورزقك على الله، ويمكن ترجع لنا تانى نكمل المناقشة
د. محمود فواز: شكرا
د. يحيى: ربنا يخليك
****
تعقيب محدود
من مجمل هذه اللقطة يمكن أن نلاحظ، ونتذاكر، مايلى:
1- إن العلاج النفسى يحتاج إلى وقت كاف
2- إن التفاصيل هى دائما شديدة الأهمية، ليس للتركيز على ما يسمى العقد القديمة لنفكها وكلام من هذا، ولكن للإلمام بما يسمح بالمقارنة، والتعلم من الخبرة السابقة، خصوصا الخبرات القريبة، مما يساعد على اتخاذ قرار موضوعى فى الهنا والآن
3- إن المعالج ليس ملزما بالرد الفورى أو السريع على تساؤلات مريضه (إلا نادرا فى بعض الحالات الحرجة التى قد يترتب على تأجيل القرار بشأنها مضاعفات بلا حل)
4- إن أى قرار أيا كان يحتمل الخطأ والصواب، ولا يحدد هذا من ذاك إلا اختباره عمليا
5- إن كل قرار هو مخاطرة بشكل ما، وهذا لايعنى التخويف من الإقدام، وإنما يؤكد ضرورة الاستعداد لحمل مسئولية ما يترتب على أى قرار
6- إنه على رغم من محاولات رفع الوصمة عما يسمى مرض نفسى، فإن الأمور لا تسير تماما فى هذا الاتجاه عند أغلب الناس، وضحالة وتسطيح الثقافة النفسية، تسأل عنها ليس فقط قلة المعلومات، وإنما تشويه المعلومات ، وتقديمها بشكل سببى حتمى مسطح (ونحن الاطباء النفسيين مشاركون فى ذلك)
7- إن تدارس الخبرات السابقة بين المعالج والمريض مهم جدا للتعلم مما سبق، لكن ليس مهم أن خبرة ما قد حدثت مرة ومرات، أنها سوف تتكرر تلقائيا، اللهم إلا إذا توقف الزمن (وهذا أمر وارد فى بعض الحالات)
8- إن معاودة الاستشارة أمر مطروح فى الإشراف على العلاج النفسى، وقد يتكرر عدة مرات وفيه فائدة للجميع. (ودلالة للمتدرب أيضا).