الوفد:9-7-1992
40عاما على حركة يوليو 1952
لأول مرة: قراءة نفسية فى شخصية عبد الناصر (1)
التقارير الطبية كانت تقطع بأن صحته تدهورت.. كان مريضا حتى الموت ولكنه كان عنيدا حتى الجنون.. ورفض أن يتنحى.. وفضل أن يبقى فى السلطة حتى آخر نفس فى حياته.
الأوامر التى صدرت اليه من أطباء مصحة تسخالطوبو السوفيتية التى عولج فيها قبل وفاته طالبته بالإقلال من التدخين.. والعمل ولكنه غادر المصحة عائدا الى عابدين.. ليتخلص من اثار هزيمة يونيو 67 !
الوقائع تقول ان الرئيس جمال عبد الناصر مات قبل ان يحقق هذا الهدف.. فى الساعة السادسة من مساء يوم 28 سبتمبر 1970.
والحيثيات تؤكد أنه مات إثر أزمة قلبية لم تكن الأولى من نوعها.
والأوراق تشهد ان عبد الناصر كان مريضا بالسكر وتصلب الشرايين والمعلومات بعضها يشير الى ان عبدالناصر دون ان يعرف خضع للكشف الطبى على ايدى طبيب نرويجى متخصص فى الأمراض النفسية والعصبية عام 1961 وكان السبب تعرضه لإنفعالات نفسية ساعدت على ارتفاع نسبة السكر فى الدم مما دفع بالمشير – المنتحر. عبد الحكيم عامر – قائد القوات المسلحة العام – لإحضار الطبيب سرا.. وأخفى حتى عن عبد الناصر تخصصه الطبى (!!)
والكتب بعضها يحدثنا عن أن د.أنور المفتى – كبير أطباء الباطنة والمعالج لعبد الناصر – عرف بـ سر الطبيب النرويجى.. وحقيقة مرض الزعيم وتأكد له أن نوع السكر الذى أصيب به هو مرض السكر الأحمر أو مرض أديسون.. الذى يؤدى علاجه الطويل بالكورتيزون الى حدوث اضطرابات مخية وهلاوس هيستيرية فقال جملته الشهيرة ان صحة الرئيس تقتضى خروجه من الحكم فورا.. ولكنه لم يخرج.
المصادر تقول لى أن عبد الناصر رفض أن يعالجه طبيب نفسى مصرى مرموق.. من حالة اكتئاب أصيب بها بعد نكسة يونيو 67.. وأنه فضل أن يتهكم على العلاج النفسى..بدلا من الإستشفاد وقال رأيا خاصا لطبيبه هذا ننفرد بنقله لأول مرة: قال عبد الناصر: ان الإشتراكية تقضى على الأمراض النفسية!
والمحللونالنفسيون فى الغرب حاولو التسلل الى طفولة عبد الناصر.. وقالوا ان الإحساس بالغربة تأصل فى نفسه منذ طفولته.. وأن هذا الإحساس لازمه بالإضافة لشعوره بالإنطواء، وقد أراد هؤلاء المحللون النفسانيون أن يصوروه بهذا طفلا ثقيل الظل سوداوى المزاج عنيدا غير دقيق.. يعانى من عقدة أوديب.. (يكره الأب.. ونحب الأم)
والتصنيف النهائى – بواسطة علم النفس – لشخصية جمال عبد الناصر.. يضعه ف يخانة الشخصية (!) التى تتميز بالطموح والعناد والإصرار على النجاح.. وعند السادات تصنيف آخر.. سجلته خطبه.. وقصصه.. وبحثه عن الذات فقد كان عبد الناصر رجلا حقودا مترددا.. شكاكا موسوسا وكان موتور النفس.. تحركه نوازع شخصية.. طبقيه هكذا تحدث السادات عن جمال عبد الناصر.. فأى الرجال كان ؟
د. يحيى الرخاوى: عبد الناصر أمجاده أربعة
أخطاؤه آثمة.. وصفاته ال 16 متناقضة
أى الرجال كان عبد الناصر.. الذى ارتبط اسمه بتنظيم الضباط الأحرار فى الأربعينات.. وبثورة 23 يوليو فى الخمسينات.. والتى تمر هذه الأيام ذكراها الأربعون.. أى الرجال كان هذا الرجل الذى حكم مصر 18عام متصلة.. ورحل عنا منذ 22عاما تكتمل تماما بعد أيام ؟
أى الرجال كان.. هذا الطفل الصعيدى.. الذى ولد لأب بوسطجى.. وأم ريفية.. ولأسرة متواضعة فى أعماق الصعيد والذى كان فى طليعة أبناء الفقراء الذين التحقوا بالكلية الحربية.. وأسسوا تنظيم الضباط الأحرار وقاموا بثورة يوليو وحكموا مصر فى فترة من أصعب فترات تاريخها..
أى الرجال كان بما عرف عن نشأته الفقيرة.. وزهده فى الطعام.. وتفضيله للجبن القريش على اللحوم.. وللبنطلون الرمادى والقميص الأبيض تنصف كم.. وعشق السينما.. وشراهة التدخين وهواية التصوير ولعب الشطرنج.. كما اشتهر بأمراضه الغزيرة.. وكأنها المطر ؟
من هو هذا الرجل الذى حكم مصر 18عاما.. اختلف حولها فمن قائل بأنها عصر المظالم والهزائم.. ومن قائل بأنها عصر الأحلام والأمانى العظام
بالإستفادة من علم النفس يمكن أن نرسم له بورتريه حقيقيا.. يوضح لنا أى رجل كان هذا الزعيم الذى اتهم من أصدقائه تمخاصمة الديمقراطية (هيكل) ومن خصومه بالتنكيل بمعارضيه (أبو الفتح) وتوزيع اشتراكية الفقر (مصطفى أمين) وعشق السلطة الى حد توحد ذاته بذات الوطن حتى انه نكل بأصدقائه رفاق اسلاح لينفرد وحده بالقصر الجمهورى (رشاد مهنا) .
نحن لأول مرة فى الصحافة المصرية نقدم قراءة نفسية لزعيم اسطورى. اشتهر بإنحيازه للبسطاد وكراهية الأغنياء والميل للفقراء.. لم يترك حسابا فى البنك.. لكنه ترك بعض مصر فى الأصفاد.
ومن جذوره نتعقبه.. طفلا.. فضابطا فرئيسا للجمهورية فرجلا مريضا.. مات.. لكن البعض ينتظر عودته للحياة !
* سألت الدكتور يحيى الرخاوى فى البداية – هل له موقف من عبد الناصر.. فقال:
بداية ليس للطب النفسى موقف من عبد الناصر، ولكن يمكن أن يوجد موقف طبيب نفسى ما.. طبيب هو مواطن أولا.. له دراية خاصة بالنفس الإنسانية فى الصحة والمرض وفى نفس الوقت له دوافعه الذاتية وانتماءاته العقائدية.. وكذلك يمكن أن توجد محاولات اجتهادية لتفسير السلوك من منطلق نفسى.. وهذا يحتاج قدرا كبيرا من المعلومات.. وهى حتى الآن ليست متاحة عن عبد الناصر
{ أحكام }
ويضيف
=ليست وظيفة الطبيب النفسى أن يصدر أحكاما فهذا من أكبر أخطائه. لكن بالنسبة لإنسان عام لم يره الطبيب فى موقف التعرى أو الجرح الأعمق فالمسألة صعبة، ولذلك فإن الحديث عنهم هو بالأساس حديث مواطن مشارك، له ثقافة نفسية مهنية.. يقول رأيه فى حدود المتاح من المعلومات بين أيدى العامة قرأها بما يستطيع من واقع وطنيته وذاتيته فى آن واحد.
قلت.. ماهى دلالة انتماء عبد الناصر بالميلاد الى المكان.. فى قرية بنى مر محافظة أسيوط.. لأب بوسطجى وأم ريفية.. وعائلة متواضعة.. ينتمى أغلب أبنائها لطبقة العمال والفلاحين والأجراء { أجراء }
.. الحقيقة أن المكان هكذا لا يقول شيئا بذاته.. فعبد الناصر مثلا لا يمثل الصعيدى النموذج.. ولا فماذا يمثل عبد الحكيم عامر الصعيدى أيضا.. وماذا عن أنور السادات المنوفى ؟
والقول بأنه ينتمى الى عائلة من الفقراء والأجراء – كما يحلو للبعض أن يردد – هو فى ذاتها لا يعنى شيئا فأبن الموظف الذى قريبه فلاح أجير قد يكون طبقيا من الطراز الأول.. رغم الفارق المادى والمتمادى بينهما.. كم ان الفلاح الأجير لا يمد صفاته الى العائلة دون قيد أو شرط فصفاته الشخصية كفلاح أجير غير قابلة للإستعارة أو التصدير لأقرب الأقربين ولا للمثقفين الذين يتحدثون عنها.. انما هى صفات تنضح عن عرقه النومى شخصيا.. العرق الذى يخرج عبر مسامه هو دون غيره، وهو مايقال عنه أيضا أنه يأكل على ذراعه حقيقة وفعلا.. وكل من اقترب من الفلاح سواء كان قريبه، من دمه أو متعاطفا معه منخلف مكتبه دون أن يمسك الفأس ويعرق، دون أن تصل الروبة (الماء المطين) الى ركبتيه فى منتصف الليل وهو يحول الحوال، هذا أو ذلك ليس فلاحا ولا يحزنون حتى لو كان شقيقة لحما ودما.
[إذلال ]
ويضيف
- لعل هذا الخلط أو الإستعارة والتمحك، هو ماكمن وراء التعريف الكاريكاتيرى المضحك للعمال والفلاحين حين توهم المنظرون (الثوريون) – فيما بعد- انهم يقتربون به من العمال والفلاحين أو يشترطون أن يحتلو نصف المقاعد فى كل المجالس فانظر معى سيدى من يحتلها الآن !!
وهكذا.. فإننى حين أقول ان ابن عمى أجير أو ابن خالى فلاح فإن هذا لا يعنى شيئا فى ذاته.. أما حين يكون والدى بوسطجى وكيل بوسطة بالمعنى القديم.. له مكتب متواضع، ومهمة معروفة، ذات طابع اجتماعى ومهنى مشهور فأننى أعتقد ان هذا عامل مهم فعلا فى نشأة عبد الناصر لأن له دلالاته الإجتماعية والعلاقاتية، ذلك اننى أعرف من واقع طفولتى موقع الموظفين الرسميين فى القرية المصرية مثل، وكيل البوسطة، ناظر محطة الدلتا و الأشرجى وكلهم يلقبون بلقب فلان أفندى حتى الأشرجى الذى قد يكون اميا هو سعد أفندى مثلا اذ نكفى انه يلبس طربوشا أو بقايا طربوش أو حتى يكفى انه يجالس ناظر المحطة وهو ينقر على مقبض التلغراف ليصبح أفنديا
[إرتزاق ]
وهذه الفئة – والكلام للرخاوى – لها وضع خاص فى الريف، وعلى أعيانها بالذات وفى نفس الوقت يعتبر مرتزقا بلا فخر فهو لا ينتمى لعصب أو عرق أو قبيلة كانت أولى بها أن تغنيه عن هذا الإرتزاق.
إذن عبد الناصر مواطن مصرى ابن حسين افندى البوسطجى الذى – فى الأغلب – يريد أن يربى أولاده ليكونوا أحسن منه حتى لا يشعوا مثله ولا يذلوا (لا شعوريا على الأقل) مثله، وهذا هو النموذج المصرى لمكافحى الطقة الوسطى فى ذلك العهد من أدنى مستوياتها، وهى ليست طبقة الأجراء على سواعدهم، كما انها تعد ضمن ما يسمى أحيانا – مع التجاوز – البرجوازية الصغيرة.
ثم أعود الى معنى الذل الخفى الذى قد يعانى منه البوسطجى، وبشكل أكثر خفاء، أولاد البوسطجى دون أن يدرك أى منهم ذلك فقد يكون مناسبا أن أعزو هذا الإحتمال الى ما أعرف عن علاقة مثل هذا الوكيل، وكيل البوسطة بأعيان القرية أو المدينة الصغيرة فالفأعيان عادة ما يرسلون اليه المواسم بصفته غريبا – يرسلونها عرفا وكرما – حتى يشاركهم الضيف أو الغريب بعض خيرات المحصول فهم يرسلون عينات من الفاكهة وأحيانا الإذرة الطرية أو المشوية ويصل الأمر الى حد ارسال العيش الطرى وبعض الغلال، وكل هذا لا يعتبر اهانة بل واجب وتكريم، هذا من جانب المرسل.
ولكن ماذا يكون الحال من جانب المتلقى ؟
والتساؤل للدكتور يحيى الذى أجاب:
- ان الناس تتصور أن صعوبة العطاء أشد من صعوبة الأخذ وهذا خطأ فسيكولوجية الأخذ مسألة مركبة تحتاج الى استعداد خاص ووعى خاص ويختلف كل واحد ازاءها اختلافا بينا فقد يكون الأخذ حرا وطيبا.. وخاصة حين يكون متبادلا بين اقران اذ يكون الرد ممكنا وواردا (هات وخد) ولكن قد يكون فى الأخذ تنازل ومذلة.
[ آثار ]
فإذا أردنا ان نتحدث عن احتمال آثار قديمة فى نفس عبد الناصر فلا أحسب انها آثار الفقر فى ذاته فمثل أبيه لا يعد فقير بمقاييس العشرينات والثلاثينات وهى ليست آثار شعوره بكدح الفلاحين ن أقاربه الأجراء لكننى ارجح ان تكون مرتبطة بآثار الوضع الإجتماعى السالف.. وضع الأخذ دون مساواة ودون احتمال رد، ويتضاعف الأمر حين يدرك الطفل ان هذه المواسم أصبحت تمثل دخلا ثابتا للأسرة يعتمد عليه فعلا وينتظر فى توقيت بذاته ويخفف من مصروف بذاته وأن المقابل الذى يدفته الوالد هو انحناء سرى أو كسرة نفس وانخفاض صوت
هنا نقول ان ثمة أثرا يتكون.
ربما.
[ارتباط ]
أما عن تأثير بنى مر مسقط رأسه – عليه فبداية لست أعرف المضمون الرمزى والنفسى لكلمتى بنى مر.. والأرجح عندى انه مجرد اسم قرية لا علاقة لها بعائلة ذات تاريخ.. لكن تقديرى ان المكان فى ذاته ليس له تأثير مباشر اللهم الا أذا أخذ فى الإعتبار تفاعل شخص بذاتها فى سن بذاته نشء فى هذا المكان فى وقت خاص وأظن ان أولاد الموظف المصرى المتنقل بحكم وظيفته يعايشون المكان بطريقة مختلفة، مقارنه مثلا بأولاد الفلاح المرتبط بقطعة أرض بعينها أولاد المدرس وضابط الشرطة والبوسطجى حين ينتقلون من مكان الى مكان يرتبط أولادهم أكثر بالإنسان لا بالمكان.
يستطرد يحيى الرخاوى فيقول:
- كان ارتباطه بالناس ومنذ البداية أكثر من ارتباطه بالمكان وبالعرق وأذكر مثلا لذلك من طفولتى حيث مرت على الستة عشر عاما الأولى من حياتى بين القاهر ة وطنطا وزفتى والقاهرة (4سنوات قضيناها فى كل بلد) مارا فى كل صيف بقريتنا، فانمحى المكان لذاته وتأصل معنى الناس والطريق والحل والترحال وهذا هو ما أتصوره عند عبدالناصر اذا صح الإنتقال أو حتى احتمال الإنتقال
[ أوجه ]
* نحن نبحث عن الدلالات هكذا قلت للدكتور الرخاوى وأنا أنقله من طفولج عبد الناصر لرجولته.. ومن تخرجه من الكلية الحربية للمشاركة فى حرب فلسطين.. ومن محاولاته لاغتيال رموز الإحتلال الأجنبى فى بداية شبابه.. الى ان تحول عن الفكرة تماما فقال الدكتور الرخاوى
- للإحتلال فضل على هذا الجيل (جيل رفاق عبدالناصر فى السن) بصفة عامة، وأظن ان أى شاب كان يواجه الوجه الأحمر وجرح السيادة (أمام الإحتلال الإنجليزى لمصر قبل الثورة والذى دام 75 عاما متصلة) كان لابد وأن يتحرك بالغيظ نحو القتل فإذا كان هذا الشاب ضابطا مصريا وكان هذا الضابط قد عانى – طفلا – مما هو سلطة وعرف ما هو قهر.. وذاق – سرا وعلانية ماهو ذل فتفكيره فى اغتيال المحتل ومعاونيه ثم محاولته ذلك هو نتيجة طبيعية لمعاناته ولا أظن أن مثل هذا التفكير الشائع يمكن ان يكون علامة مميزة لبطل قادم.. أو ارهاصا خاصا بمولد زعيم ولكن حين يولد البطل ونبحث فى دفاتره القديمة – فمن عادة بعض المؤرخين – وأكثر منهم – بعض المتحمسين – ان يقلبوا ماهو عادى الى ماهو خارق ولا أحسب أن ذلك فى صالح البطل أو فى صالح الحقيقة.
حصاره فى الفالوجا أدى الى تنازله فى 56 وهزيمته فى 67
[أسر]
أما اصابته شخصا آخر فهذا أمر لانعرف تفصيله (فتحى رضوان – 72 شهر ا مع عبدالناصر) مما يفسد أى محاولة استدلال منه، اللهم الا اذا كان ثمة شعور بالذنب قد واكب اصابة برئ مثلا الأمر الذى لا أدرى عنه شيئا.
* قلت: ذاق عبدالناصر الضابط الشاب الأمرين وهو محاصر فى الفالوجا.. ولم يعرف عنه أنه يئس.
لاأظن ان خبرة حرب فلسطين عام 1948 (والتى حارب فيها وحوصر مع قواته فى معسكر الفالوجا فيها) يمكن ان تنفصل على خبرة حصار الفالوجا، وهناك اقوال مختلفة عن عبدالناصر فى تلك الفترة.. متناقضة لهذا الزعم (عدم اليأس) وأنا لا أقف عندها.. ولا أذكرها أصلا.. اذ ليس عندى دليل عليها ولكن من حقى أن أتساءل.
هل هو ذاق الأمرين فلم ييأس فعلا ؟ وهل هذا أمرخاص به وحده، أى أن من كانوا معه لم يمروا بنفس الظروف.. وهل كان هناك مجال لليأس أصلا.. فإذا كان قد يئس.. فماذا كنا ننتظر ان نرى من مظاهر هذا اليأس ؟ ومادام التسليم التام لم يكن من سلطته، وكان الأسر ينتظره ان فعل هل كان أمامه تعبير عن اليأس الا أحد أمرين الإنتحار أو الخيانة فهل لمجرد انه لم ينتحر.. ولم ينقلب خائنا أو جاسوسا نتصور أنه أتى بما هو خارق.. أو ضد الطبيعة أليس مثله مثل كل من لم ينتحر ولم يخن فى هذا الموقف فى ذلك الموقع.
[ ألـم ]
وأضاف يحيى الرخاوى
ومع هذا فإننى أتصور ان حرب 48 كانت علامة هامة فى تطور عبدالناصر النفسى لامحالة ومع ان هزيمة 67 كانت ومازالت أكبر عارا، وأخبث مرارة، كان حرب 48 كان فيها نفس الشعور بالخدعة، ونفس الم مواجهة الواقع المر، فهزيمة 48 هى للأمة العربية نجتمعة بجيوشها مجتمعة (التى حاربت والتى لم تحارب) وهى تعرية لفساد الكلمة وخيبة الرؤية وجهل الحسابات قبل أن تكون تعبيرا عن فساد الأسلحة وخسارة المعارك ولا شك ان كا أبناء مصر المظلومين خاصة الذين أهينوا بذل الحصار من جنودنا وضباطنا الأكرم لا شك أنهم قد استوعبوا هذه الخبرة مما ترك فيهم أثرا ما.. وعبد الناصر كان أحدهم وأن كانت الثورة – أو حركة الجيش التى لم تكن ثورة بعد هى بل شك بعض نتاة هذا الأثر الإيجابى فاننى أظن ان لهذا الحصار آثاره السلبية.. وأنها ظلت مع عبدالناصر فترة طويلة، وأنها يمكن ان تكون مسئولة نسبيا بشكل أو بآخر عن تنازلات 56 ثم هزيمة 67 فكان ما يسمى عدم اليأس فى الفالوجا ربما ثبت انه – للأسف – يأس غائر مؤجل أطلت علينا بعض معالمه فى 56 ثم 67 ولولا لطف الله وحسابات السياسة الأكبر حينذاك لأودى بنا هذا اليأس المحتمل الى غياهب بلا قرار أكثر مما ذقنا بكثير.
[ أفضال ]
* الناصريون يقولون أنه فى ظل أقسى الظروف.. شكل تنظيم للضباط الأحرار وبقدر هائل من السرية والتنظيم والدقة..
أحذر من حكاية أفعل التفضيل.. وتلك النعوت الضخمة التى تظهر بأثر رجعى، كما أنبه ان التاريخ الذى يكتب بعد ظهور البطل أو انتصاره قد يكون وجها مختلفا تماما عن هذا الذى كان يمكن أن يكتب لو أن هذا البطل لم يظهر ولم ينتصر أو انهزم فلو كان هتلر مثلا قد انتصر فى حربه مع الدنيا لكان تاريخه كتب بطريقة اخرى ولكانت دعوته العنصرية قد أصبحت دليلا على أن الجنس الآرى المتفوق قد استطاع ان يتحمل مسئولية جميع البشر لصالح تقدم الإنسانية جمعاء ! ولربما أعطى هتلر جائزة نوبل للسلام لأنه خلص العالم من جنس النهود القذر الذى لا صلاح له ولا أمل فى اندماجه بسائر البشر.
ويضيف عبدالناصر كون تنظيما، وشارك فى تنظيم وغيره، كون تنظيما أو اشترك فى تنظيم هذا نجح فى ظروف وذالك لم ينجح أو سبقه عبدالناصر الى نجاح ما، هذا مواطن مغتاظ مغامر قلق شجاع وذاك كذلك، فأى فضل لهذا على ذاك، ان الفضل يحسب بعد النجاح ولذلك لا بد ان نحسب المسألة بمقاييم أدق. فليس فضل عبدالناصر انه كون تنظيما مثله مثل غيره، ولكن الفضل يبدأ حقيقة وفعلا حين نجح بشكل ما الى درجة ما وبعد الحركة المباركة لا قبلها نجح ان يتحول بهذا التنظيم الى ثورة اجتماعية بوجه خاص وتحريرية الى درجة أقل ذلك ان المسألة لم تكن من البداية اعدادا لثورة اجتماعية نتويرية شاملة بل كانت تجمعا رافضا مغيظا لبعض شبابنا فى الجيش ممن صفعتهم حرب 48 ولوثت شرف عسكريتهم بوجه خاص، ثم بصق فى وجوههم مجون ملك غائب عن الوعى وعن التاريخ ثم استنكارهم انتخابات نادى الضباط وأدق شبيه لهذه الحركة العشوائية التى أصبحت بفضل تلقى الشعب لها وتثوير عبدالناصر لخطواتها فيما بعد أصبحت ثورة تاريخية أفضل تشبيه لها سمعته من صديق فنان تشكيلى رحمه الله هو كمال خليفة قال:
مثل الذين قاموا بالثورة، كمثل مجموعة شباب حانق كانوا يسيرون معا يتبادلون الهموم والتأسى وفى يوم رطب قائظ، ثم جلست المجموعة تستظل بظل شجرة تفاح، فضايقتهم رائحة تفاحة عطنة يقصد (الملك وبطانته) فنظر أحدهم الى أعلى فلمح التفاحة العاطبة، فقرروا ان يهزوا جذع شجرة التفاح حتى يسقطوا هذه التفاحة بوجه خاص فإذا بكل الثمار تقع لأنهاكانت كلها عاطبة ولكن دون ان يبدو عليها ذلك مثل التفاحة الأولى وكان المرحوم كمال خليفة يعنى ان النظام جميعه من فرط فساده كان معدا للسقوط بأى هزه..
حتى لو كان المقصود هز بعض مظاهره وليس اجتثاث جذوره.
اذن – والكلام ما يزال للدكتور يحيى الرخاوى الذى قال – لا مبرر للإعلاء من تلك الفترة السابقة لهذه الهزة، وانما الفضل يبدأ بعد هذه الهزة وبعد استقبال الشعب لسقوط الفساد، الفضل يرجع لعبدالناصر حين بدأ فى انتهاز الفرصة لتثوير الحركة، وهذا مالا ينبغى انكاره ومن ينكر على ثورة يوليو ثوريتها فهو يحاسبها عما قبل الهزة وهذا خطأ.. لأن الثورات بما انتهت اليه وليس بما انتوته أو رسمت له.
قال الدكتور يحيى الرخاوى فى حديثه مع الوفد
عبدالناصر له أربعة أمجاد لا خلاف حولها:
1- تصوير حركة الجيش (وليس قيام الثورة)
2- اختراق الوصاية الأجنبية (بتأميم القناة وليس اخراج الإنجليز)
3-الرؤية المستقبلية من منطلق انتاجى والسد العالى وليم التوظيف الكامل
4- تغيير البنية الإجتماعية (ليس بالإصلاح الزراعى)
وأربع صفات أدت الى جرائم لا تغتفر
1- الجبن أمام تصور احتمال ثورة عسكرية جديدة
2- الكذب بإعلان الهزيمة في 56 انتصارا
03 الهرب – الإنسحاب في يونيه 67
4- القهر والتساهل (وإهدار القانون وسحق الحريات)
وأربعة أدوار تلبسها كانت تنتظر من يلبسها :
1- البطل العربي الأسطورى
2- الإشتراكي الثورى العقائدى
3- المستبد العادل
4-الرمز العالمي لدول الظل (بزوغ فجر عدم الإنحياز)
و17 صفة متناقضة
-الشجاعة (خاصة قبل الحدث وبعده لا اثناؤه )
- الإنسحاب (تحت عنوان الحرص على مصلحة الناس)
- العطف (خاصة من فوق)
- القسوة (خاصة في الظلام)
- الصداقة (وخاصة ردالجميل)
- الشللية (إتقاء للخيانة)
- الجهل خاصة في التاريخ والإقتصاد
- العناد (وخاصة أمام جرح الكرامة)
- الإنهيار (عند المفاجأة)
-الأمانة (خاصج فى مجال النفع الشخصي)
- الكرم ( خاصة من مال الدولة الهبات)
- المناورة (في سبيل المصلحة العامة)
- الصلف (حين يكون قادرا بعد أن يجرح)
- البذاءة (حين يستثار فيهيج الغوغاء)
- الإستهواء – القابلية للإيحاد من الغير خاصة حين يعاشر الأذكياء الخبثاء.
- الإيحاء للغير – خاصة البسطاء
- المثابرة – خاصة حين يتوقف الآخرون
- الإنفراد بالقرار – خاصة اذا صدق حدسه فى خبطة قريبة .