نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 30-9-2020
السنة الرابعة عشر
العدد: 4778
الأربعاء الحر:
مقتطف من: دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من: قصر العينى (1)
الفصل التاسع: الانفعال والعواطف والوجدان (1)
الطالب: يا خبر!! الحب والعواطف والانفعال؟ يا رب سترك، هذه منطقة حساسة أكثر، لا أعرف كيف سوف تقلبها علما، نحفظه ونسمعِّه.
المعلم: هل مازلت متوقفاً عند الحفظ والتسميع بعد كل ذلك، ألم تتحرك فيك الحاجة إلى المعرفة فى ذاتها.
الطالب: تحركت ونصف، هات ما عندك وأمرى إلى الله.
المعلم: لابد من مدخل عام أولاً عن العواطف والانفعال، وربما الوجدان.
الطالب: وما الفرق؟ وكل هذه الألفاظ تستعمل مكان بعضهما البعض؟
المعلم: قبل أن نتكلم عن الفرق بين الألفاظ دعنا نحدد ماهية الظاهرة التى تجمعهم.
الطالب: سترجعنا إلى تحديد الماهيات ولن نتنهى فى سنتنا.
المعلم: وضوح البداية سيسهل التسلسل حتى التمييز والتحديد.
الطالب: وماذا تريد أن توضح فى البداية؟
المعلم: أريد أولا أن أزيل بعض الشائعات حول هذا الموضوع الحساس.
الطالب: شائعات؟
المعلم: نعم، ذلك أن المعلومات التى على غير أساس تدور أكثر ما تدور حول هذا الموضوع الحساس، وهذه المعلومات التى يتداولها العامة هى للطنبلة (2) وليست لإنارة معرفية، وهى هى – للأسف – المعلومات التى تتناقلها أغلب المحافل العلمية أحيانا دون الرجوع إلى أصولها ومضمونها الموضوعى أو ثباتها الزمنى.
الطالب: إنى ألـِفـْتُ هذه النغمة منذ بداية حوارنا فى هذا الدليل فماذا تريد أن تقول؟ وماذا علىّ أن أعرف؟
المعلم: قد يثبت بالتفكير العميق والتحليل الهادئ والمراجعة أن العواطف والانفعال من حيث المبدأ ليست سوى إشاعة.
الطالب: يا نهار لن يفوت؟ تريد أن تعيدنا ثانية إلى من أنكروها؟ تريد أنت أيضا بجرة قلم أن تصدر فرمانا علميا بإلغاء الحب والود والتعاطف والحنان؟ لا عندكَ حتى لو عدت فاستشهدت برأى فرويد كما فعلت من قبل (3).
المعلم: صبرك بالله، قد تستعيد هذه الألفاظ قيمتها من باب آخر وقد تؤدى وظيفتها بطريقة أرسخ وأوقع.
الطالب: ولو، ولكن لتستمر هى هى ذات الألفاظ.
المعلم: حتى لو كانت قد امتهنت وأفرغت من معانيها وأسئ استعمالها وأخطئ فهمها …؟ هل يعجبك أن يكون “الحب” بجلالة قدره هو ذلك الشئ المتبادل فى الأفلام والمسلسلات إياها، والأغانى إياها؟
الطالب: إذا لم يكن هو ذلك، فما هو الحب؟
المعلم: لا داعى للعودة إلى أحجية التعريفات، ودعنا نحدد ابتداء أساسيات الظاهرة.
الطالب: كيف تدعونى إلى تحديد أساسيات ظاهرة وقد بدأت بإنكارها تقريباً.
المعلم: أنا لم أنكر شيئا، لقد حاولت أن أفاجئك أننا حين نتكلم عن العواطف والانفعال، لن نتناولها بالشائعات حولها، وإنما سنتناولها من منطلق علمى، مرتبط بما تعاهدنا عليه منذ البداية وهو أن الوظائف النفسية هى من عمل المخ أساساً (وليس كلية).
الطالب: ليس أمامى إلا الاستماع حتى نرى آخرتها.
المعلم: أولاً لابد أن أنبهك أن هذا الموضوع هو من الموضوعات الشائكة التى شغلتنى حتى كتبت فيها مبحثا قائما بذاته وصل إلى ما يقرب من تكامل النظرية (4)، وإليك الرابط معها إذا أردت الرجوع إليها (5).
الطالب: لا يا عم، أعدك أنى سأرجع إليها عندما أتخرج على شرط أن توجز لى الآن الأمر ما أمكن.
المعلم: سأحاول، لنبدأ بصعوبات دراسة العواطف:
هناك صعوبة حقيقة فى طريقة البحث فى العواطف، حتى أن بعض السلوكيين لم يقتربوا منها أصلا أمانة وعجزاً معاً كما ذكرنا حالا.
(أ) فدراسة العواطف (6) من خلال الملاحظة التتبعية ما هى إلا دراسة السلوك الظاهرى لما نتصوره أنه نابع منها.
(ب) ودراستها من خلال الملاحظة التجريبية هى افتعال لا يـُـظهر إلا جانبا سلوكيا أو تفاعلا جسديا (أتونومى فى العادة) لا يلم بأبعاد الظاهرة.
(جـ) والطريقة الكلينيكية التى تشمل الملاحظة وحدْس الباحث الشخصى والتفاعل بينهما تحتاج لنوع خاص من الباحثين وهى طريقة لها قدرتها لكن عليها تحفظات منهجية لابد أن توضع فى الاعتبار.
(د) وخبرات النكوص الفنية والخبراتية والمرضية بما تشمل من استيعاب ثم وصف لاحق قد تعانى من مآخذ التأمل الذاتى والتشويه الانفعالى (المرضى مثلا)، وعليها نفس تحفظات الطريقة السابقة تقريباً.
الطالب: يا ساتر استر أرجعتنا إلى مشاكل المنهج بكل ثقلها والتى ربما لا حل لها.
المعلم: ألست معى أن علينا أن نعترف بالصعوبات لنواجهها بدلا من أن نستسهل فنشوِّه الحقائق؟
الطالب: إذا قدرنا هذه الصعوبات جميعا فلا داعٍ لدراسة العواطف فتوفر علىّ مذاكرتها.
المعلم: ما هذا؟ هل مازال كل همك هو المذاكرة والامتحان؟ ألم أنجح فى إثارة شغفك بالمعرفة؟ ثم هل أنا الذى أقرر المقرر وأضع الامتحان؟ انت الذى يتجلـّى منك “الشغف بالمعرفة” مع تصاعد حوارنا تلقائيا.
الطالب: وهل الشغف بالمعرفة عليه درجات آخر السنة؟
المعلم: بل أحيانا يصبح مصيبة تؤدى إلى التهلكة.
الطالب: أرأيت كيف، لا عليك: هاتها، ودعها تكمل.
المعلم: ثم تأتى صعوبة اللغة المستعملة فى دراسة الانفعال والعواطف وما لم يتفق العلماء والباحثون على معنى اللفظ الذى يستعمل لتسمية كل ملاحظة رهن الدراسة فلن نصل إلى شئ، وخذ مثالا كنت سألته منذ قليل عن ما هو الحب، ففى حين اعتبره واتسون Watson أنه “الاستجابة للهدهدة والطبطبة” فقد زَعـَـمَ كل من لوجوLugo& وهرشىHershey أن الحب هو “.. الرعاية والمسئولية والمعرفة والاحترام” فكيف ندرس ظاهرة اختلف العلماء فى تعريفها إلى هذه الدرجة ونسميها بنفس الأسم.
الطالب: ألا يمكن الرجوع إلى المعاجم لحل هذا الاشكال.
……………….
ونستكمل الأسبوع القادم
[1] – يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)، والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982 ) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net
[2] – طنبل: البليد الأحمق، ويقال له: تَنْبَل، وهى ما يقابل “طنـّـش” و”تطنيش” بالعامية المصرية
[3] – لم يكتب فرويد نفسه نظرية خاصة بالانفعال، واعتبر ظهور الانفعال نوع من الانشقاق Dissociation رغم أن نظرياته كلها نابعة من الطاقة الجنسية والحيوية والعلاقة بين الناس، وحتى يونج اعتبر الانفعال مظهراً مرضيا.
[4] – النظرية التطورية فى الانفعالات (تطور الانفعال من الإثارة البيولوجية العامة إلى المعنى الفعل) نشرة “الإنسان والتطور” 29-2-2016 www.rakhawy.net.
[5] – ”العدوان .. والابداع” (للكاتب) مجلة الانسان والتطور’ العدد الثالث 1980 (جمعية الطب النفسي التطوري) القاهرة.
[6] – سأستعمل فى هذه المقدمة كلمتى العواطف والانفعال كمنرادفين حتى نحدد الفرق بينهما لاحقا – إن أمكن.