على الجانب الآخر
د. هناء سليمان
يتكور على نفسه فى جانب الغرفة المظلمة دافنا رأسه بين ركبتيه. أعوام طويلة تلك التى قطعها عائدا الى هناك حيث تحدثه، أوراق الأشجار، تهمس العصافير فى أذنيه بالسر، ويكاشفه له بالحقيقة كاملة، يستطيع الآن أن يتجول عبر الأزمنة، لون السماء له بألوان زرقاء وألوان وردية وتتشكل الأنهار تحت قدميه. كان الكون لغزا ثقيلا فاذا به هو يحتوى الكون بداخله. كان هناك ليل ونهار وفصول تتعاقب فاذا به يحرك الفصول ويستوقفها. كان يضيق بنفسه فاذا بها تتسع بلا نهاية.
ما كان يضايقه حقا هو تلك الأشباح التى تتزاحم حوله فى ملابس الموت البيضاء لتدخل بعض الطعام أو الشراب الى جوفه المغلق، وكبيرهم ينظر اليه من خلف نظارته الكبيرة قائلا أن عليك أن تواجه الواقع. أن يذهب مرة أخرى ليشارك فى الحركات البهلوانية والألوان المبتذلة والأصوات التى لم يستطع أبدا تفسيرها، والأشباح المتفاخرين بمجرد وجودهم هكذا:
هل هذا هو ما تعنيه تلك الكلمة البذيئة الواقع. أن ركلة فى بطن هذا الطبيب هى كل ما يمكن أن يقدمه له. هكذا، يعود من حيث أتى .. إلى الواقع.