عدد أبريل 1982
الاضطراب النفسى والمسئولية الجنائية
والتاريخ الاجتماعى لنظريات الإرادة
بقلم
د. روجر سميث Roger Smith
قسم التاريخ، جامعة لانكستر
ترجمة: د.عماد حمدى غز
إعادة صياغة: د.عادل مصطفى
موجز المقال:
يناقش المقال نظريات القرن التاسع عشر فى الارادة الانسانية، من خلال علاقتها بمفاهيم الجنون والمسئولية. وهو يلفت الأنظار الى اهمية التفسيرات المدلاة حول الارادة بالنسبة للأطباء النفسيين، وكذلك الى تأثير هذه التفسيرات على المناقشة الطبية والعامة لمسألة المسئولية الجنائية.
***
1– أبعاد الارادة:
حيث أن الارادة هى حدث نتوقع الحكم عليه فى حدود من القيم والأغراض، فانها بالتالى تتمتع بحضور شكس فى اللوحة الطبية والعلمية. اما من المنظور الاجتماعى فان الارادة تترجم الى لغة المسئولية. وقد افترض المثاليون من الفلاسفة واصحاب الحس المشترك أن واقعية الأحداث الارادية فى حياة الفرد هى التى تمكن من قيام مجتمع نتوقع فيه وجود المسئولية الفردية بينما أكد كتاب آخرون أنه يمكن صياغة مفهوم المسئولية دون الاشارة الى ارادة الفرد، الا أن هذا الاتجاه الأخير لا يقنع الكثيرين. ولهذه الأمور واقع اجتماعى يتمثل فى القرارات المتعلقة بالمسئولية الجنائية للمضطربين عقليا. ويعتبر هذا مجالا يمكن فيه بوضوح عرض تاريخ اجتماعى للأفكار، حيث أن الأفكار موضع النقاش تمثل توترا انفعاليا شديدا وهاما للغاية داخل المجتمع. وفى نفس الوقت فان القرارات التى تتعلق بالمسئولية الجنائية تتصل باتجاهات فى علم النفس الانسانية تجاهد فى التوفيق بين علم فيزيقى ميكانيكى وبين خبرة ظاهراتية حقيقية للقصد الانسانى.
ولا يتميز السلوك الانسانى الا فى بعضه فقط” بالارادية” وفى وصف فيتز جيمس ستيفنFits James Stephen للقانون الانجليزى فى القرن التاسع عشر لا يوصف السلوك الانسانى بصفة” الفعل” الا حينما يكون اراديا حيث يقول:” الفعل هو مجموعة من الحركات الجسمية مرتبطة بواسطة العقل ومتعلقة بهدف مشترك(ستيفن،1863). وقد جرى العرف على ان الفعل ضرورى للجريمة، غير أن تميز ما اذا كان سلوك معين اراديا ام لا هو أمر لا يمكن ملاحظته بأى مفهوم بسيط. أما تقرير وجود الفعل فهو تصنيف أو حكم بأن حدثا معينا لم يقيد بواسطة ظروف محددة، وأيضا- وبالمعنى الدارج – أن عقل “الفاعل” كان فى حالة معينة بذاتها قبل الفعل. وما يزال وصف الحالة العقلية التى تسبق “الفعل” مباشرة تمثل نقطة خلاف عتيدة لدى علماء النفس. وقد حدث صعوبة مثل هذا السؤال بالسلوكيين الى رفضه بوصفه خلوا من المعنى، مع الاقتصار على استخدام لغة “المثير”و” الاستجابة”(واطسون1913) غير أنه ظل سؤالا وجيها للغاية عند معظم مفكرى القرن التاسع عشر. لقد كان الجميع يدركون أن من شأن أى فعل أن يكون مسبوقا بخبرة ذاتية بوجود دوافع له، أما المشكل فهو تقرير مااذا كان الخيار بين الدوافع هو حساب نفعى بالضرورة أم إن الاختيار الحقيقى هو حدث يجرى فى عالم أخلاقى غير حتمى. على أن اللغة الدراجة الدارجة (والتى أعتقد أنه من المعقول أن نفترض أنها لغة المحلفين) قد قبلت واقعية الاختيار دون أن تقعدها حيرة ميتافيزيقية بين المثالية والحتمية.
أن فعل ” الاختيار” لا يعنى أكثر من مقارنة الدوافع، ويؤدى الاختيار الى العزم على أخذ مسار معين. وهذا العزم ينبثق فى ارادة ما، وهى نوع من المآزق يعيه كل شخص ولكن يستحيل وصفه الا بتسميته، اما طبيعته وأصله الدقيق فهما مجال للعديد من وجهات النظر.(ستيفن 1883).
ان الاشارة الى حرية الاختيار عند شخص ما تعد أمرا مفهوما بصفة عامة فى حضارتنا الغربية، وبناء على هذا الفهم فقد اعتبرت الارادة دائما جزءا من تعريف الوجود الانسانى، رغم انه يمكن تقيبمها وبمزيد من المبررات فى ضوء الفردانية السياسية. وهنا ينشأ السؤال التاريخى عن الكيفية التى تمت بها المواءمة بين هذا التعريف وبين العلوم الانسانسة المتطورة.
والتى توصف عادة بأنها تستمد مادتها من مفاهيم تتحدد بمعزل عن الغايات والقيم الانسانية
لم يكن لهذا النوع من المشكلات رواج بين مؤرخى الطب وعلم النفس، فموضوع الارادة ملئ بالحرج لأولئك المنشغلين بخلق محتوى متميز لسيكولوجيا علمية أو طب علمى.
ان الاختيار الارادى – من حيث كونه حالة ذاتية للعقل – يعد امرا عصيا جدا على الاستقصاء فى موقف تجريبى صارم. انه تأكيد للغرضية لا يمكن قياسه، شأنه شأن المسئولية التى هى عنصر اجتماعى غربى أساسى مسقط داخل الفرد.
ورغم ذلك فان تاريخ المرض والاضطراب النفسى فى الغرب الحديث هو تاريخ لقرارات تتعلق بأين نتوقع واين لا نتوقع وجود الارادة. أما من المنظور الاجتماعى فان مفهوم المرض هو مفهوم العجز وبالتالى انعدام المسئولية. وتتجلى حقيقة ذلك فى المحاكمات الجنائية التى تتضمن تذرع الدفاع بوجود الجنون، حيث تناقش مسألة انعدام المسئولية جهارا دون احالة الى كهنوت مهنة الطب.
وفى هذا المقال- أقوم بمحاولة توليف بعض الاقتراحات بغية الوصول الى تاريخ لنظريات الارادة وساذكر أولا بعض البيانات عن الارادة فى أوائل القرن التاسع عشر حتى أظهر مدى المصادر النظرية المتاحة، ثم أبين بعد ذلك تكامل هذه البيانات مع التصنيف الاجتماعى للبشر من خلال النظر الى الجنون والمسئولية.
2– سيكولوجيات الارادة:
كانت جماعة المفكرين المعروفين باسم الأيدلوجيين تفسر محتوي العقل في حدود الأفكار، وذلك كأساس لشبكة اصلاحية فى الأهداف التعليمية والاجتماعية في الجمهورية الفرنسية الجديدة. وقد أدرك هؤلاء المفكرون اتصال مفهومهم الأمثل للمعرفة بمفهوم كوندياك Cadillac ولكنهم انتقدوا بشدة قصورا رئيسيا في نظريته السيكولوجية، ألا وهو الطابع السلبي لمحتوي العقل عنده. وقد حاول ديستات دي تراسيDestutt de Tracy علي أسس تجريبية أن يبرهن علي أن هناك أفكارا معينة تتمثل للوعي الظاهر في شكل ايجابي نشط (ديستات دي تراسي 1804) فقد لاحظ أن هناك أسلوبين لخبرتنا الذاتية للحركة: أحدهما سلبي ناتج عن المقاومة التي تلاقيها حركتنا، والآخر نشط ويتمثل في الجهد نفسه المبذول في الحركة. ورغم أن دي تراسي ثابت علي مبدأ تحليل محتوي العقل الي أفكار، الا أنه تمكن من تأسيس فكرة وجود النفس مستلا أياها- جزئيا- من فكرة ترتكز علي الطابع الظاهراتي للنشاط. وبذلك يتسني قيام منهاج اجتماعي يستلزم وجاهة الاعتقاد بأن الناس يتحكمون بشكل أيجابي في خبرتهم وفي سلوكهم المترتب عليها (ديستات دي تراسي1815، بيكافيتPicavet 1971) ويبدو أن فلسفة كوندياك الحسية قد أقصت هذا الاعتقاد اللهم الا علي سبيل الملاذ بمجازات لاهوتية غير مقنعة(كوندياك1930).
لقد أدرج ديستات دي تراسي مسألة الارادة ضمن المسائل المتعلقة بما اذا كان المحتوي المعرفي للعقل مستمدا من الخبرة الحسية. وقد التزم في ذلك برؤية لوك وكوندياك أن المهمة الأساسية للفلسفة التي تبحث في العقل البشري هو بحث محتوي المعرفة ومم تستمد. ورغم هذا فقد كانت مناقشة ديستات دي تراسي أحدي نقاط البداية لمحاولة مين دي بيران Maine de Biran اعادة صياغة كل من الأبعاد الابستمولوجية والسيكولوجية للنظرية التجريبية في القرن الثامن عشر حتي تظهر حقيقة وجود الارادة البشرية. وفي كتاباته المتغيرة والتي لم ينشر الا بعضها فقط (كما ظهر في مور 1970) نجد مين دي بيران متمسكا بالتجريبية كمنهج، محاولا أن يبني نظريته السيكولوجية علي استبطان حقيقي، ناشزا بذلك عن تجريبية القرن الثامن عشر التي كانت في الغائب تعني تحليل العقل الي وحدات بسيطة تحليلا تجريديا وان استخدم المجازات الفيزيائية. وقد حاول دي بيران أن يقرر مشروعية منهج الاستبطان من خلال فحص منطقي لليقين، حيث رد اليقين الي الوجود الواقعي للارادة التي نخبرها داخلنا. وفي القرن التاسع عشر كان عالم مين دي بيران الداخلي المؤسس علي فكرة الوجود الحقيقي للارادة عالما تسهل ترجمته الي عديد من المصطلحات المثالية من قبيلحرية الروح. وقد عبرت هذه المقولات مباشرة عن فلسفة للطبيعة البشرية جعلا القيم مفهومة.
أعتقد جيمس ميل James Mill حين كتب قوانين الحياة العقلية للانسان أنه يقيم الأسس التي تضمن أن برنامج بنتام النفعي هو علم وليس مجرد حملة سياسية(هاليفيHalevy،1952)، وقد أفاد ميل من مناقشة كل من ديستات دي تراسي والفيلسوف الاسكتلندي توماس بروان للحاسة التجريبية التي يستشعر الناس من خلالها أنهم ذوو فاعلية ايجابية. ورغم ذلك فقد كان ميل شديد الوثوق – وهو ما ينبغي من الناحية السياسية -من صحة علم النفس الارتباطي حتي أن علم النفس الذي بناه كان تحليليا تماما وليس تجريبيا (ميل،1829)
جعل ميل الشعور بالمجهود، الذي كان يرتبط عند عامة الناس بخبرة الارادة حاسة سادسة ينبغي معاملتها نفس معاملة الحواس الخمس التقليدية، ورأي أن الحديث عن الارادة علي أنها شئ أكبر من مجرد شعور، يعني ترجمة حالة من الرغبة تسبق الحركة الي قوة ملموسة أو كيان فاعل. وقد أعتقد ميل أن تحليله سوف يفرغ النظريات المثالية في الطبيعة الانسانية من أي مضمون مشروع، تاركا أياها لتظهر في صورة منتجات التحيز المحافظ، وهي الصورة التي كان يري عليها تلك النظريات.
لم يتطرق ميل اطلاقا الي ما كان يعنيه الكثيرون من المثاليين بالارادة. وفي هجوم كولريدج Colridge على ادعاء ديفيد هارتلى David Hartley فى مذهبه الارتباطي بأنه يتحدث عن الآدميين، جادل كولريدج بأن الارادة لابد وأن تكون شيئا مستقلا عن تتابع المشاعر (كولريدج، 1956). لم تكن هذه حجة ضد محاولة بناء معرفة منظمة عن الحياة العقلية، ولكنها كانت حجة ضد ادعاءات التعبيرات المجازية الآلية للمذهب الارتباطى بأنها تشكل تلك المعرفة. وفي حين اختزل ميل الارادة الي فكرة ترتبط بما يشبه القوانين بالأفكار الأخري، فقد رآها كولريدج ارادة موضوعية أحلها في سويداء الطبيعة ومن خلال العقل الفردي الانساني معا.
لقد كانت سيكولوجية كل من ميل وكولريدج مقالين بديلين ذوي لوازم أخلاقية واجتماعية معلنة (انظر حـ. س. ميل J. s. Mill1962) وبقدر ما نُمْعِنْ النظر في مقالي ميل وكولريدج ابتغاء العثور علي مضمون علمي ممكن، بقدر مايتبدي لنا خلوهما من المعني، ولا سيما مقال كولريدج الذي يمكن رفضه بسهولة باعتباره مقالا ميتافيزيقيا. غير أننا يجب ألا ننس لكولريدج أنه هو الذي كشف حاجتنا الي مصطلح سيكولوجيا في اللغة الانجليزية (كولريدج، 1934). واذا كان لنا أن نفهم حججه فيجب أن نأخذ بعين الاعتبار التزامه بأن العلم الانساني ينطوي بالضرورة علي مضمون تقويمي والا ابتعد عن هدفه الحقيقي.
وعلي ذلك فقد توفر للقرن التاسع عشر مصادر ثرية وحيوية للتفكير السيكولوجي عن البشر بوصفهم كائنات مسئولة اجتماعيا.
3- الجنـون:
لقد كنت أدعو دائما الي أن فكرة الارادة الإنسانية تشير الي منطقة من التفكير كان يعتقد أنها وصفية وتقييمية في آن واحد. ولايظهر هذا الاجتماع المعقد للنقيضين أكثر وضوحا مما يظهر في كتابات الأطباء العقليين والأطباء النفسيين في القرن التاسع عشر. وقد كانت النظريات التي تفسر الفارق بين أشكال السلوك الارادي والسلوك المجبر تشكل أساسا لمفهوم الاضطراب النفسي. وبالاضافة الي ذلك فأن مفاهيم العلاج افترضت مقدما الامكانية البشرية للسلوك الارادي، حتي لدي أولئك المعروفين بالمجانين.
وقد كانت الافتراضات المسبقة عن الارادة هي المساهمة المحورية في مناقشة فليب بينيلPhilippe Pinel للممارسة في مستشفيات بيستير وسالبتريير. وبينما فسر عمل بينيل كثيرا علي أنه عمل تحريري – كما لو كانالتحرير هو فعل قابل للتجديد الموضوعي- فأن ممارسته في المؤسسات الطبية بباريس وكذا ممارسته الخاصة كانت متنوعة للغاية، فقد حاول بوعي أن يتحاشي المنظومات وأن يرتكز في العلاج علي منهج للخبرة من وحي بيكون Bacon ولم يدع هو نفسه أنه حرر المجانين، ولكن بالأحري أنه جرب بيئة يمكن فيها اجراء العلاج الأخلاقي ( كمقابل للسجن المحض والعدوان الجسماني) (بينيل، 1801).
وكان العنصر المشترك في هذه البيئة هو السلطة الخيرة: سلطة تفترض معرفتها مصلحة المجنون، وتفترض أيضا قدرة المجنون علي تمييز مصلحته. لقد ركز بينيل اهتمامه العلاجي علي خلق علاقة ذات شكل مع المجنون لا يمكن أن تفهم أو أن تنجح الا بممارسة المجنون للأرادة في اختيار المسئولية.
وبالضبط مثلما أنه هو كطبيب ومواطن سليم معافي يتقبل المسئولية تجاههم، فانهم – أي مجانين – بدورهم يظلون مرضي ما بقوا غير قادرين أو غير راغبين في أن يبادلوه المسئولية.
لم يكن لدي بينيل وقت للميتافيزيقا ولكنه كان ذا التزام واضح جدا بصورة مثلي للطبيعة الانسانية تليق بمواطن الجمهورية الفرنسية، وكان ممثلا لسلسلة من الحركات المعاصرة له تعمل الي دمج العلل الفردية بالعلل الاجتماعية.
أن مساهمة بينيل التصنيفية الكبري – علي الأقل طبقا لاعتقاد الأطباء العقليين في أواسط القرن التاسع عشر – وقد رسموا صورة مضادة لأسطورة نظريات القرن الثامن عشر – هي في التأكيد علي اضطراب الملكات الوجدانية والارادية (بينيل، 1809). وأصبح هذا التأكيد مركزيا في أعمال تلميذة اسكيرول Esquirol، وهو ربما يكون الأنبه ذكرا بين كل أطباء العقل بالاضافة الي كونة حجة في أعمال بريتشاردPrichard وراي Ray الانجليزية والأمريكية المعروفة. وقد ارتبط اسكيرول وآخرون في حركة الصحة Hygiene الفرنسية التي قامت لكي توجه الاصلاح الاجتماعي في ضوء الخبرة الطبية. والأكثر عجبا في ادعاءاتهم تحديد أشكال عجز الارادة في علاقتها بالأفعال الاجرامية(اسكيرول 1838,باسBass 1964، فوكوهFoucault 1975 ) هو أن هذه المجموعة أدمجت الأحكام المتعلقة بوجود الارادة والمسئولية الفردية في صميم الطب. لقد وضع هؤلاء الأطباء سابقة تاريخية لفكرة نقل المسئولية من الأفراد الي المجتمع، حيث يتجسد المجتمع في مجموعة تحدد نفسها، الا وهي الأطباء أنفسهم.
كان مفهوم بينيل لأسباب المرض النفسي مفهوما نسبيا، وكان يعارض بصفة عامة التخمين حول أسباب الجنون. مع ذلك فقد وضعت مدارس الطب الجديدة في باريس – والتي كان له فيها نفوذ الزعامة زمنا – نظاما لعلاج الأمراض بأساليب مادية، وأسست برنامجا للبحث في التشريح المرضي (أكرناكت(Achernecht 1967) وأصبح هذا الاطار نموذجا للرأي القائل بأن المرض هو تدخل مادي من خارج الشخص، يأتي ليشل ارادته. والأكثر اثاره بلا اهتمام حول هذه الفلسفة الطبية هو الافتراض المسبق أنه يوجد حقيقة شخص و إرادة يمكن أن تشل. أما في ألمانيا فقد سري تقليد طبي معاكس تمثل في جـ.ك.أ. هينروث J.C.A Heinroth عمل طبقا لمفهوم مثالي للمرض (ماركس 1965) ورغم أن التعبير عن أسباب وطبيعة المرض كان بلغة غريبة عن المدرسة الفرنسية، فأن العلاج والمعني افترضا مسبقا مفهوما للارادة موازيا لمفهوم المدرسة الفرنسية.
فهم هينروث المرض العقلي علي أنه يعني بالضبط: مرض العقل (هينروث، 1975)، وقد تصور أن سبب الحالة المرضية يرجع بالأحري الي نشاط الفرد ككل وليس الي الجوهر المثالي لكون الانسان انسانا هو حالة الحرية الفردية: والجنون هو عدم الحرية، وهو نتاج لفعل فيه استعباد للذات. وبنتج الجنون من التنازل الارادي عن قوة الضمير، مما يفضي الي أن يعامل الفرد ذاته بوصفها موضوعا(يشئ ذاته) ونقصدبالموضوع هنا ذلك الشئ الغفل الذي لا يتصف في نفس الوقت بأنه قوة agent وقد استعمل هينروث اسقاطا مثاليا لملكة الارادة كنقطة بداية لنظرية طبية أخلاقية للغاية. وكانت هذه الأخلاقية في نفس الوقت ذات طابع سياسي واضح: فكل من حالتي الصحة الفردية والحكومة الصحية تعبر – عند هينروث – عن الشروط التي تزدهر فيها الحرية الفردية. وأي قيود تحد من مدي الفعل الشعوري لابد وأن ينتج عنها المرض الفردي والسياسي. ومن ثم فان الجنون هدام من الوجهة السياسية.
وقد كانت هذه أيضا هي النتيجة العملية التي أفضي اليها عمل اسكيرول حين ينظر اليه كبرنامج اجتماعي.
مع تغير الموقف تجاه مكونات النظر العلمي في ألمانيا ابتداء من 1830، فقد رفض تعليل هينروث للجنون كحالة من انعدام الحرية بوصفه خلوا من المعني. لقد أضحي ذلك نوعا من الهراء الذي عمل أخصائيو الفسيولوجيا الطبية علي اقصائه من خلال تأسيسهم لمنهج ردي reductionist وقد غدا من الشائع في ألمانيا وبريطانيا مع أربعينيات القرن التاسع عشر أن تسمع من يحاول البرهنة علي أن ثمة باثولوجيا عقلية علمية جديدة يجري ابداعها من خلال التأكيد علي أن الجنون هو – ببساطة – اضطراب في المخ. ودعم مكانة هذا القول تاريخ ضعيف السند عن رد الفعل الجهول والمشعوذ تجاه المجانين قبل بينيل، والاستجابة الانسانية تجاههم من بعده. لقد ربطت النظرية المادية بمنظور تاريخي يكفل تطابقها مع تقدم القيم الانسانية. ولكن اسنتبع النظرية المادية أيضا ان الحالة المرضية لايمكن ان تكون نتاج الذات بل هى نتاج مؤثرات غريبة المت منطق هذه النظرة ربما يتضمن رد حالتى الصحة والمرض الى مقولات غريبة عن أى وصف ذى معنى يدلى به الشخص. غير أن هذا كان بعيدا عما بقصد اليه معظم الأطباء. لقد عملوا على نشر المادية كيما يدعموا الالتزام فى الصحة بالارادة والمسئولية، بينما يقبلون الحتمية واللامسئولية فى حالة المرض، جاعلين من أنفسهم كأطباء عوضا عن ارادة المريض حيثما فرض المرض نفسه عليه.
وقد أثر فيلهلم جريسنجر Wilhelm Griesinger تأثيرا كبيرا فى هذا الاتجاه من خلال توجيه الطب النفسى الألمانى فى اتجاه موقف أكاديمى واجتماعى(ماركس،1972). وفى كتابه القيم عن المرض النفسى يجزم أن كل مرض نفسى ينطوى على تغير فسيولوجى فى المخ كسبب مباشر للمرض. وبناء عليه فقد قبل رأى الفسيولوجيين الرديين أن اللغة العلمية الوحيدة المتاحة هى لغة الفيزياء والكيمياء. ولذلك فقد كان مثول المرض العقلى كمرض مادى شرطا لابد منه لكى تتوفر المشروعية العلمية للباثولوجيا العقلية. أما ما يدخل فى نطاق موضوعنا فهو أن هذه المادية لم تكن على حساب البناء المثالى للطبيعة الإنسانية. “حين يعزو الإدراك التجريبى ظواهر الإحساس والعقل والإرادة إلى المخ بوصفها وظائفه، لا يترك المحتويات الحقيقية لحياة الروح الإنسانية بكل ثرائها دون أن يمسها فحسب، بل ويؤكد بحرارة على حقيقة حرية الذات فى تقرير أهدافها” (جريسنجر 1967).
لقد حاول جريسنجر أن يوضح ما يقصده بالإرادة مستخدما ما قاله جـ. ف. هربارت J.F. Herart من أن الأفعال الإرادية تستتبع التوازن الديناميكى أو المقارنة بين بدائل من مجموعات المدركات داخل الأنا العقلى. وعموما فإن جريسنجر كان يتخبط وبكثير من عدم وضوح الرؤية بين لغتى الطب النفسى العصبى وعلم نفس الأنا، وفى محاولة للتكامل مع خبرته حاول أن يمد خطوط الاتصال بين حالات الصحة وحالات المرض، كما أنه يمكن تطبيق اللغتين اللتين كان يستعملهما بكفاءة متساوية فى الحالتين، ولكن هذا خلق موضعا من الغموض قابعا فى صميم الباثولوجيا العقلية فى منتصف القرن التاسع عشر، فقد استخدم الأطباء النفسيون اللغة المادية لوصف حالة المرض النفسى بينما استخدموا لغة مثالية لوصف حالة الصحة النفسية (مثل وينسلو Winslow 1854، باكنيل Pucknill وتيوك Tuke، 1858). أنه من السهولة بمكان أن نشير إلى المشكلة المنطقية الماثلة فى توجيه إطارين للفكر – أحدهما مثالى والآخر حتمى – حول تخم تجريبى، أعنى الحد الفاصل بين الصحة والمرض. إن نظم التفكير ليست بالشئ الذى يمكن أن نعطيه موقعا تجريبيا، وبالتالى فإنه من المنطقى أن يظهر أن أولئك الأطباء العقليين كانوا يعبرون عن نظريات على درجة كبيرة من التنافر. ولكن لم يكن الحد الفاصل بين الصحة والمرض هو الشئ الوحيد الذى تحذر تحديده تجريبيا بأى معنى بسيط، بل أيضا النظم الفكرية المتضاربة المتعلقة بمعانى متشعبة. وقد ضمنت هذه المعانى شيئا وهو حكمة التمسك بنظم للتفكير غير متوافقة على السطح. أما النظام الحتمى فى التفكير فقد حمل معه إمكانية الموضوعية والتحكم التكنولوجى بأن وضع الإرادة فى الطبيب وليس فى المريض، أما النظام المثالى فى التفكير فقد تضمن المدى الكامل للقيم المسيحية والفردية لكل عضو فى المجتمع.
إن تاريخ مهنة الطب النفسى يمكن كتابته بلغة ذلك الحد الذى يقع بين هذين النظامين فى التفكير. وقد مكن الالتزام بكلا الأسلوبين فىالتفكير من التطابق مع الأوساط لعامة المسئولة ومع الأوساط العلمية ذاتالحيثية الرفيعة فى آن واحد. وحين ادعى الأطباء أن مجالات هذه البدائل فى نظم التفكير قابلة للفصل من الناحية التجريبية فإنهم انتحلوا لأنفسهم الخبرة التى يمكن من خلالها فصل هذه النظم عن بعضها. وقد قالوا إن التدريب والخبرة والمعرفة التخصصية تعد ضرورات لفصل حالة الصحة من حالة المرض. وفى نفس الوقت فإن القرارات من هذا النوع تعد قرارات حول إمكانية تطبيق مختلف نظم التفكير على الأفراد أو على سلوكهم.
من أجل هذا احتفظت فكرة الإرادة بمكانها كجزء جوهرى من الباثولوجيا العقلية الجديدة. وقد ادعى الأطباء الجسديون مهارة فى تحديد متى تكون الإرادة غير نشطة. وفى نفس الوقت فقد عمل الكثيرون منهم فى مصحات كانت فكرتها الأصلية قائمة على خلق بيئة مناسبة لإثارة الإرادة والمسئولية فى المريض العقلى، وقد طالما حدث صراع قاس بين هذا المفهوم العلاجى وبين التحفظ على المرضى العقليين الناتج من تعريف البشر كموجودات معطلة الإرادة.
أخذ ناقدوا “الطريقة الفسيولوجية” (وهم يضمون بعض الأطباء مثل مايو Mayo 1865 وكاسبر Casper 1865) منطق الرد reduction مأخذا جادا على حساب المعنى الذى حافظ عليه الأطباء العقليون بين النطم الحتمية وغير الحتمية، فقد رأوا هشاشة الفصل التجريبى بين هذه النظم، واستطاعوا أن يشيروا إلى منطاق – تظهر بوضوح فى مجال التطبيقات ذات الدوافع السياسية للنظرة العلمية – ينهار عندها هذا الفصل تاركا المجتمع محروما من القيم المتعلقة بالمسئولية الفردية. وربما يمكننا تمييز نوعين من الردود الفكرية لهذا الأمر: فى المقام الأول أعاد المثاليون فحص الأساس الابستمولوجى، وبطرق مختلفة أكدوا على أولوية الذات التى نخبرها فى داخلنا. وفى علم النفس فإن هذه الحركة تضمنت نقد المحتوى العقلى الذى يعبر عنه فى إطار علاقات التداعى بين الأفكار المستمدة كلية من الإحساسات (مثلا: برنتانو Brentano 1874، وارد ward 1886) وأما النوع الثانى من ردود الفعل، وهو ما يتميز به أولئك المتمرسون فىعلم وظائف الأعضاء، فقد كان خليطا من الوضعية positivism والتوازى بين النفس والجسم parallelism وهو فى المترسون فىعلم وظائف الأعضاء الحقيقة محاولة لوضع مشكلة الإرادة على الرف بوصفها مشكلة ميتافيزيقية. غير أنه بقدر ما يفعل ذلك فإن البحث بهذه الطريقة قد سفه البشر عساهم يجدون فى الحصول على مزيد من المعرفة الدقيقة والمفصلة عن تلك الأحداث الفسيولوجية والسيكولوجية المحددة. على أن هذا لا يعنى ضألة ما ربحناه – وذلك لأغراض خاصة – من هذه الطريقة (انظر جاكسون Jackson، 1958).
4– المسئولية الجنائية:
يظهر السياق الاجتماعى للنظريات النفسية فى الإرادة فى دراسة تاريخ القرارات التى اتخذت فى القرن عشر حول ما إذا كانت الإرادة قائمة فى حالات معينة. وتعتبر هذه القرارات جزءا من تاريخ المحاكمات الجنائية التىطرح فيها السؤال عما إذا كان المتهم يعتبر مذنبا، وذلك بسبب احتمال المرض العقلى. وتتطلب الإدانة فى القانون الإنجليزى إثبات أن فعلا معينا قد ارتكب (actus reus)، وأن يكون عقل الفاعل فى حالة معينة (mens rea) وعقل الفاعل المذنب هو عقل معين من شأنها أن تجعل الصاق المسئولية معقولا. ومن الشائع أن تكون هذه الحادثة النفسية التى تسبب الإدانة هى الإرادة، ولذلك فمن الممكن أن تثار بعد الجريمة أسئلة حول حدوث الإرادة أو عدم، وحول الكيفية التى يمكن بها للمرء أن يحدد ذلك.
ومن الأهمية أن نعرف أن محاكم القرن التاسع عشر لم تكن تسأل مباشرة عما إذا كانت الإرادة موجودة أو غير موجودة فى حالة حدوث الجريمة، فالقانون قد عرف أعضاء المجتمع فى إطار قدرتهم على طاعته وبالتالى فإن أى اقتراح يتضمن أن بعض أعضاء المجتمع لا يملكون القدرة الإرادية على طاعة القانون كان يهدد القانون من أساسه. وحاولت المحاكم بدلا من ذلك أن تقدر المسئولية فى حالة الأفعال المحتملة الجنون على أساس معرفة المتهم أو عدم معرفته بطبيعة ونوعية الفعل الذى قام به (وهو الرأى الأكثر شهرة فى أحكام ماك ناتن M’Naghten Rules 1843، ووكر Walker 1968). وآمن المحلفون بأن هذا النوع من الأدلة فى متناول يد الإجراءات القضائية العادية للأطراف المتنازعة. وقد عامل المحلفون ملكة الإرادة بصفتها ذات وضع ثابت فى القانون بعكس ملكة العقل وملكة الذكاء. وطبقا للرأى الطبى فقد كان هذا خاطئا من الناحية التجريبية، حيث أن أطباء العقل كان بمقدورهم أن يوردوا حالات إكلينيكية تظهر إنهيار الإرادة مساوية لتلك التى تظهر إنهيار الذكاء. وحين جادلوا لإثبات هذه النقطة فى الساحة القضائية فإنهم لم يعتقدوا أنهم بذلك يقوضون أساس القانون، لأن القول بأن أشخاصا معينين قد تعطلت إرادتهم يبطل تعريفهم كأشخاص بالطريقة التى يعرفهم بها القانون، إذ أن التماس البراءة بسبب الجنون إذا ما دعمته الأدلة الطبية علىت عطل الإرادة هو بمثابة إعادة للتصنيف. كما أن الأطباء العقليين لم يشككوا فى مدى سلامة افتراض وجود الإرادة والمسئولية فى معظم أفراد المجتمع. ورغم هذا فقد كان القضاة يخشون مغبة ذلك بالاضافة الى اعتقادهم عدم امكان توفر ادلة كافية فيما يتعلق بوجود الارادة أو غيابها.
فسر كتاب القانون الفعل الارادى بطرق عديدة تتصل بنظريات نفسية أو جزائية بديلة. فأدخل جون أوستن John Austin فهم جيمس مل للارادة بوصفها سلسلة معينة من الأفكار التى تسبق الحركة العضلية (أوستن 1970). وقال أوستن ان حالة من الرغبة مرتبطة بفكرة توقع أن الرغبة ستتبع بحركة معينة، هى كل ما نعنيه بالارادة. وعلى ذلك فان السيطرة على الارادة أو توجيهها – وهى من وظائف القانون – سوف تتأثر من خلال قيام القوانين الرادعة التى تضع لرغبتنا شروطا. وقد أدمج علم النفس الارتباطى مع برنامج بنتام لبناء الواقع الاجتماعى بحيث نريد، وبالتالى نفعل، ما فيه خير المجموع.
ورغم ذلك ففى ساحات القضاء كان تقرير الذنب بيد المحلف الذى يعتمد على حسه المشترك وليس بيد المفكر النفعى، ولم يكن تقرير المذهب الارتباطى عن الارادة ذا موضوع بالنسبة للمحلفين الذين يتخذون القرارات، فقد كان هؤلاء المحلفون يعتمدون على اللغة الدارجة التى تذهب الى أن الناس يمارسون الاختيار وأنهم اذ يمارسونه يكونون قد قاموا لتوهم بفعل ارادى.
وقد كانت كتابات فيتز جيمس ستيفن عن القانون الجنائى أكثر تمثيلا للممارسة الحقيقية. وربما كان شخصية للارادة على أنها ازمة اختيار أقرب للفهم العملى للمحلف العادى. أراد ستيفن للقانون أن يكون عمليا وليس ميتافيزيقيا، ورغم ذلك فقد كانت رؤيته للارادة تنطوى على مثالية فلسفية طورها البعض كبرادلى F.H.Bradley على سبيل المثال. وكان برهان برادلى على وجود المسئولية الأخلاقية يرتكن الى اعتبار الخبرة الشخصية الدارجة بممارسة الاختيار حقيقة واقعة. ومثلما قال فان هذا ليس بالشئ الذى يمكن معالجته من خلال المجازات الميكانيكية “ان السوقة مقتنعون بأن هوة تفصلهم عن العالم المادى، فهم يعتقدون أن وجودهم يقع خارج نطاق القوانين المادية المحضة، وأن شخصيتهم أو ارادتهم بالنسبة لهم هى تفكيرهم وذاتهم العاقلة، ويشعرون بثقة تامة أنها ليست شيئا فى فراغ يدفع هنا وهناك بواسطة أشياء أخرى خارجها، وبالتالى فانك حين تعالج ارادتهم بصفتها شيئا ماديا، وتفسر أفعالها – أو ربما عدم فعلها كما فى المرض النفسى – بواسطة المجازات الميكانيكية، فانهم يعتقدون أنك لم تعالجها ولم تفسرها على الاطلاق، وانما فسرت شيئا مختلفا تماما عنها. وليس الأمر أنك تقول عنها ما لا يجب أن تقوله، بل انك لتتجاهل صميم وجودهم الأخلاقى، ذلك الذى يعنى الحرية بالنسبة لهم، وهو حقا الحرية” (برادلى 1927).
لقد وضع برادلى يده على لب النظرة المثالية المعدلة عن النظرة الدارجة للطبيعة الانسانية. ولا يخفى ما لهذا الموقف العقلى من نتائج اجتماعية تقويمية. وباختصار فان موقف الاطباء العقليين ازاء هذا الرأى كان ومازال صريحا، سواء فى قولهم بتعطل الارادة فى حالة معينة من جراء عائق مادى، أو فى قولهم أن الارادة بصفة عامة ليست بالشئ الذى يمكن ان يقره العالم. على أن كلا الاختيارين غير مقنع من الوجهة الفكرية، خاصة أنه قد أطرد الاعتقاد بقصورهما العملى فى المحاكمات الجنائية. ولكن لا يوجد حل بدون اعادة فحص طبيعة المعرفة كلها فى مجال العلوم الانسانية، وبدون ممارسة نقدية وتأملية بعيدة عن المطالب اليومية العاجلة للطب النفسى القائم.
ان تاريخ التماس البراءة بسبب الجنون يلفت النظر بصورة درامية للغاية الى المعانى الاجتماعية لنظريات الارادة. ومما يهم البحث التاريخى حول هذه المعانى أن نعامل التاريخ كنظام من المعتقدات والقيم والممارسات المتصلة معا، لا أن ننتلاع “الحقيقة العلمية” أو صفة “الاحتراف” انتزاعا آليا من أحداث أعقد بكثير من هذه النظرة للتاريخ هو أن نعى الطب النفسى بصفته جزءا من ثقافتنا الأخلاقية والسياسية متصلا بأكثر المناقشات اثارة للجدل والاختلاف، وان تكن أبعدها أثرا للجدل والاختلاف، وان تكن أبعدها أثرا فى خلق الطبيعة البشرية.