فى هـدأة الليـل
د. عادل مصطفى
فى هدأة الليل … أغمس ريشتى فى نسم زائر … وعطر رسول استلقى على ذيل نجمة غيداء تخطر غضة ريا على راحة الليل . . تلج بين ندوف سائحة فى متاية الفلك . تمرق بين طيوف رجع تقصف وتمهرج فى علبة الليل .
فى هذا المنسلك الغائم حيث يكف النهار لجاجته . . . وتعود للفانى دنياواته وللسالى صباباته . . وتدلج نغمات أثيرية تتخذ من الهنيهات قواما ومن الاختلاجات مسوحا . . . فى هذا الملك الشفيف الناعس يطيب لى أن أكرز . . أن أنحل كما كنت شعاعا يطرق . . أن أرتد كما كنت حرفا يزرو .
أرايت إلى الأرض كيف رقدت ساكنة الا من غطيط رتيب؟ هذا يوم استرق وغدا يعصر نفسى الزناد بينما تنسرب قافلة الأجيال تحت فلك ما برح يرقص رقصته الأبدية .
إذا كان العمر مفلتا لا محالة . . فلنعجل بالتسامح . . ولنربت على الكائنات بأيدينا قبل أن يطمسها الزمان بقدمه ولتكن شفاهنا للثم لا للتملظ . . وصدورنا للعناق لا للتشفى . . ولنجعل على ألسنتنا حارسا مجالدا لا يأذن للحرف أن يطل الا نسمة تحيى لا حجرا يخدش. أعصى الجروح طرا . . . جرح الحرف . . . يبقى فاغرا يتململ بالنهار ويعوى بالليل .
لنتعلم كيف نغذى التسامح باستكانه العالم بأصابع تسبر وتتلمس وتعرى ما وراء رخام الوقائع من ٍقيمة وتزيح الستار عن الأسباب الخبيئة التى تقذف بما يصدمنا من لقيات وتزج بها كرها إلى مسرح الوجود.
لنتعلم كيف نغذى التسامح بتفريح الجسد . . وترويح الروح . . وتطهير سراديب النفس من الآثام الفعلية والمفتعلة . . والكف عن اضرام حروقنا وأطفائها بدماء الكباش .
إذا كان العمر مفلتا لا محالة فلنعجل بالفهم ! الفهم الذى يشحننا بالتواضع والصفح، ويعيننا على كسر براثن القولة والفعلة. نستعين عليه برأس بارد لايغلى وروح صافية لا تتلبد . . نتوسل إليه بالألباب لا الأصلاب . . نتلمسه على ظهر الطبيعة لا فى بطون الأسفار . . نرمقه من كوة العين لا من سدة القذال.
إذا كان العمر مفلتا لا محالة فلنعجل بالتوبة . . ولتكن توبتنا خروجا لا انكفاء . . عرقا لا شرقا . . ضربا فى آفاق العالم لا دغدغة فى كهف الذات .
إذا كان العمر مفلتا لا محالة فلنعجل بالعطاء . . ولنتعلم المجد من الشمعة . . هى لاتلح ولا تثرثر ولكنها تضئ . . . هى تمنح نفسها وتتصدق بعمرها . . العطاء مجدها . . والعطاء رزقها وقوتها . . هى لا تكون شمعة بحق الا آن تفنى . . هى تعطى أشلاءها فتأخذ كنهها .
المجد ما تشعه لا ما تطفئه . . ما تفيض به شطوطك لا ما يبلعه جوفك . . ما تطبعه على منديل الليل لا ما تدسه تحت ملاءة الليل . . ماتقتطعه من ثوانيك لتزق به كائنا طاويا لا لتضمخ به كائنا متخما.
إذا كان العمر مفلتا لا محالة . . فلنعجل بالحب . . ولنترك ذكرانا فى ضمير الصخور وعلى شفاه الرياح الناغمة.
فى سماء الحب يهطل الغفران سخيا مدرارا . . . وتنفرج للآونة شرفات تطل على الأبد.
فى سماء الحب يعرج النور . . وتهبط السكينة . . ويعرش الحنان .
فى سماء الحب . . بدد مجز
وفناء خالق
وانطفاء مضئ.