الصـــــمت
الحالات من واحد خمسة
عصمت دواستاشى
الحالة رقم “1”
الحركة الأولى:
تمهيد موسيقى: السمفونية الخامسة لبيتهوفن ( الحركة الأولى)
ظهور: على شاشة خلفية بالشرائح الضوئية على التوالى:
عبارة ” الحركة الأولى “
عنوان ” المطب المستمر أبدا “
صورة ” ضخمة لأهرامات الجيزة الثلاثة “
أضاءة: تدريجية حتى تتركز على بقعة تتوسط المكان
المكان: مساحة خالية تماما من الديكور باستثناء كرسى له مسندان وظهر مرتفع بشكل غير عادى يقترب تصميمه من سورياليه مستوحاه من الطراز المصرى القديم …
حركة: تبدو الاضاءة مركزة على المقعد الذى يجلس عليه شاب شبه عار، تغلب على ملامحه روح الطفولة .. توحى جلسته تحت الضوء الواهن ووسط عتمة المكان أنه يواجه قضاة قد شرعوا فى محاكمته. بعد لحظة تبرق عيناه فى دهشة بما يوحى انه يسمع الآن حكما غريبا بادانته … يبتسم ببراءة ثم ينظر حوله مرتين .
صوت: مؤثرات صوتية لأصوات بشرية غليظة خالية من التجانس متداخلة مع موسيقى اليكترونية .
أظلام: سريع بعد مرور فترة مناسبة من الوقت
الحركة الثانية:
ظهور: عبارة ” الحركة الثانية “
عنوان ” المعرفة …. بأسلوب ساذج”
صورة ” ثعبان من النوع المصرى السام “
اضاءة: تدريجية حتى تتركز على بؤرة المكان …. يبدو الشاب جالسا مرتديا ملابس بيضاء بينما رأسه مغطى بكيس اسود …. بصعوبة يحاول أن يفتح عينيه وسط بقعة الضوء التى تسبب له ضيقا وتوترا … تبدأ عيناه أخيرا فى الارتياح الى الضوء. يتنبه الى غطاء الراس الأسود فى يده . يتأمله باستنكار ثم يقذف به بعيدا عنه . يتحسس راسه ثم ذراعيه ثم باقى جسمه، ثم يستغرق فى استكشاف المكان . يتوقف أمام الشجرة، يلمسها بحذر شديد فى البداية، ثم ينحنى على الأرض يلتقط احدى أوراق الشجرة المتساقط. يتفحصها ويشمها ثم يتذوقها . يبصق فى اشمئزاز . يعود فيلتقط قطعة حجر. ويكرر معها ما فعله بورقة الشجرة. ينفض يديه . يحاول تسلق الشجرة .
موسيقى: ناعمة تتصاعد ثم تهدأ مع ايقاع حركة الحدث
حركة: “راقصة” الشاب يفشل فى تسلق الشجرة. يتوقف من جديد .. يكتشف خربشات أظافره فوق لحاء الشجرة، يلتقط قطعة من الحجر ويروح يخدش بها سطح الشجرة محاولا تقليد وتكرار خربشاته.يبتعد عن الشجرة، يتأمل خطوطه العشوائية، يدور حول الشجرة، يمعن النظر. يقترب من جديد ويشرع فى وضع خطوط قصيرة متصارعة. يتوقف ثم يعود الى العمل ثم يتوقف: كل هذا فى ايقاع يزداد حدة حتى يغطى كافة مساحة الشجرة التى يمكنه أن يصل اليها. يبدوو عليه ارتياح من ينجز عملا عظيما. مع ايقاع حركته تتساقط طوال الوقت أوراق الشجرة الخضراء حتى تملأ أرضيه المكان وتتكوم حول جذع الشجرة وحول الشاب المستغرق فى نشوة العمل والذى يبدو عليه الارهاق فى النهاية ولكنه ينهار حتى تغطيه أوراق الشجر تماما الا يده التى لا تكف عن الخربشة فوق جذع الشجرة. وبالتدريج يتغير لون الجذع والأوراق المتساقطة والمكان كله الى أحمر قانى .. لون الدم .
الحركة الثالثة:
تمهيد موسيقى: مقتطف من الدانوب الأزرق لشترواس
ظهور: عبارة ” الحركة الثالثة “
عنوان” طريق يؤدى الى نهاية تقليدية “
صورة ” محطة فضائية خارج مجال الجاذبية الأرضية من فيلم ” 2001 أوديسا الفضاء” للمخرج الأمريكى “ستانلى كوبريك “
اضاءة: حادة ساخنة
حركة: الشاب يتوسط حافة المكان الأمامية، تحيط به مجموعة من الشباب والفتيات على هيئة نصف دائرة، وكل فتى وفتاة فى وضع عاطفى وفى حركة ثابتة…. ملامح الشاب خلال المشهد توحى بالشيخوخة .
صمت: مع نهاية المقطوعة الراقصة من الدانوب الأزرق
حركة: يبدأ الشاب فى تأمل المجموعة المحيطة به فى بطء شديد وايماءات ثقيلة بأداء راقص
موسيقى: خافتة بما يشبه دقات الطبول ثم تعلو بالتدريج مختلطة بأصوات بشرية تعبر عن شهوات الغرائز ….. مع استخدام موسيقى الكترونية خافتة .
صوت: ” صدى” عزيزى البروفيسور أينشتين .
اليك الطريقة التى ارى بها المشكلة … أن التنمية الثقافية للجنس البشرى، بعض الناس يفضلون تسميتها بالحضارة، تتقدم الى الأمام منذ أزمنة لا تعيها الذاكرة. ونحن مدينون لهذا التقدم بكل ما هو أفضل وأحسن فى تكوينها. ولكن ندين لها أيضا بالكثير من أسباب المعاناة البشريةـ أن أصولها واسبابها مبهمة. ونتيجتها غير مؤكدة، ولكن من السهل ادراك بعض خصائصها. هى فعلا قد تؤدى الى ابادة وانقراض الجنس البشرى لأنها تعطل الوظيفة الجنسية فى أكثر من ناحية … وربما أمكن تشبيه هذه العملية بالآثار التى يتركها الاستئناس على بعض الحيوانات، وواضح أن من بينها حدوث تغيرات جسمانية فى بنيان الانسان، ولكن القول بأن التنمية الثقافية عملية عضوية من هذا القبيل لم يصبح بعد حقيقة مألوفة بصفة عامة .
صوت: طرقة ذات رنين نحاسى .
ظهور: صورة ” لسيجموند فرويد” أسفلها التوقيع التالى بفيلم متحرك ” المخلص ” …..
صوت: سيجموند فرويد .. فيينا سبتمبر 1932
إضاءة: متحركة ملونة فى ايقاعات منسقة مع ايقاعات الموسيقى والحركات الراقصة .
حركة: تبدأ الرقصة الفرويدية المصممة خصيصا لهذا الموقف … الذى يستمر فترة من الوقت. بتعثر الشاب وسط الراقصين … مع عجزه الامساك بفتاة تصاحبه .. حتى يختفى الجميع ـ عدا الشاب ـ تماما من المكان … ينهار الشاب ببطء تجاه الأرض … حيث يبقى ساكنا .
أضاءة: مركزة فى هذا الجزء من الرقصة على الشاب .
حركة: يجاهد الشاب للوقوف، ثم يأخذ فى أداء رقصة جنسية مركزا حركاته فى نصف جسمه الأسفل بما يوحى بالرغبة فى ارضاء ذاتى للشهوة .. يتصاعد … ثم ينهار نهائيا ويسقط أرضا ثم يأخذ فى التكوم متخذا موضع الجنين داخل الرحم .
أظلام: تدريجى مع تلاشى صوت الموسيقى .
صمت:
الحركة الرابعة:
ظهور: عبارة ” الحركة الرابعة “
عنوان ” معرض العد التنازلى “
صورة ” فان جوخ …. بعد أن قطع أذنه ” .
المكان : اشبه بمعرض لوحات…. براويز بدون لوحات . فى وسط المكان برواز ضخم، تحيط به مجموعة براويز فارغة ذات نقوش تقليدية بارزة متنوعة فى أحجامها وموزعة بحيث تتيح فرصة للحركة من حولها .
إضاءة: تبدأ من داخل البرواز الضخم وتتدرج حتى تصبح ناصعة … داخل البرواز أثاث يمثل مقبرة فرعونية فى رؤية سوريالية، التابوت يسمح وضعه باظهار من يرقد بداخله، وغطاؤه موضوع رأسيا بجوار الحائط به نقوش بارزة تمثل جندى ميدان بملابس الحرب المعاصرة .. بعمق البرواز باب …
اختفاء: صورة فان جوخ .
ظهور: صورة ” جوجان فى تاهيتى ” .
حركة: يدخل الشاب من الباب الموجود بعمق البرواز متجها ناحية التابوت ليرقد داخله شبه عار باستثناء قطعة قماش محاطة بثعبان ذهبى تحت الوسط .. تنتصب رأس الثعبان فى مكان عضو الذكورة عند الشاب . يرتدى قناعا لشيخ عجوز .
موسيقى: تبدأ مع دخول الشاب .. ايقاع جنائزى ساخر مطول .
اختفاء: صورة جوجان .
ظهور: صورة ” الأراجوز الشعبى فى موقف هزلى مشهور يضرب فيه شيخا مصمما بسيف خشبى”.
صمت: فترة من الوقت .
حركة: مجموعة من المشاهدين تتجه لمكان العرض وتبدأ فى الفرجة كما يحدث فى معارض الفن التشكيلى ..
– شاب ذو لحية كثيفة وشعر طويل مهمل الثياب يقف أمام البرواز الضخم متأملا فى صمت صوفى.
– ثلاثة من بين المجموعة يقومون بحركات كاريكاتيرية لتقليد أوضاع بعض الصور المشهورة داخل البراويز الفارغة .
– فتاة تستخدم مكعبا من الخشب لتقف عليه مستعرضة مهارتها فى التقليد وسط تصفيق متقطع من زملائها .
– فتاة أخرى عصبية المزاج تقترب من البرواز الضخم وتبدأ فى محاولة عبثية للامساك برأس الثعبان المنتصب فوق ملابس الشاب الراقد فى التابوت .. تتمكن أخيرا من لمسه فتنتابها حالة تشنج جنسى ثم تتكوم على الأرض وهى تبكى بكاءا مكتوما .
– تتنوع الحركات الاستعراضية للمتفرجين حول البراويز وفى تفاعل ايجابى معها خالقة أشكالا متنوعة داخل البراويز الفارغة.
– يقطع الشاب الملتحى تأملاته ويستدير ليواجه الناس .. يصعد فوق مكعبات خشبية ليتحدث .. يعانى صعوبة بدء الحديث … يقاوم ضعفه .. اخيرا يتكلم بلغة غير واضحة فى البداية .. ينفعل .. يبدأ الجميع فى الالتفاف حوله والانصات له وتشجيعه على أن يتحدث ويقول شيئا ما .. الشاب يحرك ساعديه ويعبر بوجهه فى مبالغة واضحة … يتجمد الموقف لفترة من الوقت
اختفاء: صورة الأراجوز
ظهور: أرقام متتابعة مكتوبة بأحرف لاتينية تبدأ من رقم1 الى رقم 100 ثم تظهر صورة ضخمة لسهم أحمر متجه الى أعلى .
حركة: يبدأ الشاب حديثه … ثم يكمله شاب آخر ثم فتاة … ثم يقول الجميع فقرة بصوت واحد كالغناء .. ثم يعود الحديث للشاب من جديد وهكذا حتى نهايته .
صوت: سيداتى سادتى
أن التدهور الشامل فى الأخلاق الفردية والعامة، قد مكن بعض البلاد من أن تصمم وتصنع وتنقل الأسلحة الذرية وغيرها من وسائل الدمار الجماعى دون أن تخشى الاستنكار الأدبى او أى رد فعل جماهيرى. ومع ذلك فان أول وأبسط خطوة نحونزع السلاح بشكل كامل ونهائى هى أن تتفق جميع الدول على تحريم الأسلحة الذرية. وهو أمر لا يمكن أن يترك كلية للحكومات بل ينبغى أن يتدخل فيه الناس العاديون أيضا لأنه يتعلق بوجودهم ذاته .
صوت: نعم:: نعم .. لأنه فى حالة وقوع حرب هيدروجينية فان المدن الكبرى سوف تدمر .
صوت: ولكن هذه ليست سوى واحدة فقط من الكوارث الصغرى التى سيتعين علينا مواجهتها. فلو أن كل أنسان فى القاهرة ولندن ونيويورك وموسكو وباريس قضى عليه فالعالم قد يتمكن ـ فى غضون مئات من السنين ـ أن يعانى من الضربة ولكننا نعرف ـ أن القنابل النووية يمكنها أن تنشر الدمار على رقعة أكبر بكثير جدا مما كان يظن .. ومن المقرر ـ استنادا الى مصادر موثوق بها جدا ـ أنه من الممكن الآن صنع قنبلة تبلغ قوتها ألفين وخمسمائة ضعف قوة القنلبة التى دمرت هيروشيما .. مثل هذه القنبلة اذا ما فجرت قريبا من سطح الأرض أو تحت الماء فانها ترسل جزئيات مشعة فى الطبقات العليا من الجو . وهذه الجزئيات تهبط ببطء وتصل الى سطح الأرض على شكل غبار قاتل أو مطر مميت . ماذا قلتم فى هذه الكوراث ؟
صوت: هيا ننضم الى نادى الأسلحة النووية
صوت: كيف .. ولماذا ؟
صوت: البرازيل والأرجنتين ومصر واسرائيل أمثلة قليلة من الدول المرشحة الى نادى الأسلحة النووية .. أما لماذا فلا أعرف … فهل يعرف احدكم ؟
صوت: فى مايو 1974 اصبحت الهند سادس بلد يفجر قنبلة ذرية .. وجاءت بعد عشر سنوات من الصين البلد الخامس الذى جاء بعد تسعة وعشرين عاما عقب الولايات المتحدة أو ل دولة أخرجت الجان من القمقم
أصوات: الجان من القمقم
صوت: نعم
صوت: لماذا … هلا أخبرنى احدكم ؟
أصوات: الأسلحة التقليدية والآلام التى لا موجب لها
صوت: نصت اتفاقية لاهاى التى وقعت فى بداية هذا القرن على أنه
أصوات: ” يحظر بوجه خاص استخدام الأسلحة أو المقذوفات أو المواد التى يمكن أن تؤدى الى آلام لا موجب لها “
” تصفيق “
صوت: لحظة .. لحظة من فضكم .. لقد ابدى أحد المجتمعين فى مؤتمر لوسرن الذى نظمته اللجنة الدولية للصليب الأحمر فى أكتوبر 1974 …. أبدى قلقه من أن تعبير ” آلام لا موجب لها” قد يتضمن أن الآلام الأخرى هناك موجب لها
أصوات: ماذا ..؟؟ ” فترة من الوقت “
غناء: لو انك رأيت الدم
لو أنك رأيت … عند كل حركة
الدم يتدفق من الرئة
أسود مزيدا ،
ولو أنك تذكرت كيف كان وجهه يوما ما … كالبرعم الصغير … كزهرة الريف اليافعة صافيا شابا .
لما استطعت أن تستمر تردد بكل هذه الحماسة للأطفال الذين يتطلعون بشغف الى المجد
تلك الأكذوبة القديمة:
صوت: أنه عذب وجميل
الموت فى سبيل الوطن .
صوت: ” انتكاسة ….. حزن …”
أظلام: تدريجى الى عتمة تامة
أضاءة: باهرة سريعة …
صوت: فى العصور القديمة كانت الشعوب الغنية والمتحضرة تجد صعوبة فى الدفاع عن نفسها ضد الشعوب الفقيرة والمتبربرة. وفى العصور الحديثة تجد الشعوب الفقيرة والمتبربرة صعوبة فى الدفاع عن نفسها ضد الشعوب الغنية والمتحضرة .
صوت: أن الجيش المحترف
أصوات: الجيش المحترف
صوت: نعم .. الجيش المحترف يحمل دائما خطر التدخل الرجعى فى الحياة الداخلية للبلاد، على يد مجموعة عسكرية منعزلة عن الشعب
صوت: إن الاهتمام بحياة الناس وسعادتهم لا القضاء عليهم ، هو الهدف الأول والهدف الوحيد المشروع للحكومة الصالحة .
أصوات: والحروب الألكترونية
صوت: زادت أهميتها بطبيعة الحال ويرجع ذلك الى موجات الثورة التكنولوجية وما تكشف عنها فى ثلاث منازعات رئيسية: هى التدخل السوفيتى فى تشيكوسلوفاكيا وهجوم الطائرات من طراز ب 52 على هانوى وحرب أكتوبر 1973 فى الشرق الأوسط … وكل هذه معلومات قديمة .
أصوات: والحل … الخلاص
صوت: القرار
حركة: تشكل المجموعة مجلس يتزعمه الشاب ذو اللحية الكثفية ليعلن القرار
صوت: نحن ندعو هذا المؤتمر ـ ومن خلاله ندعو علماء العالم والناس كافة للاشتراك فى أتخاذ القرار التالى:
“نظرا لأنه فى أية حرب عالمية تقع فى المستقبل سوف تستخدم ـ بالتأكيد ـ الأسلحة النووية، ونظراً لأن مثل هذه الأسلحة تهدد بقاء واستمرار الجنس البشرى فأننا نستحث حكومات العالم لكى تدرك وتعترف علنا بأن أهدافها لا يمكن ان تتحقق عن طريق حرب عالمية، وأننا نستحثهم ـ بالتالى ـ أن يبحثوا ويجدوا وسائل سلمية لتسوية جميع المسائل المتنازع عليها فيما بينهم “
صمت:
صوت: طلقات رصاص سريعة للغاية من كل مكان ومن كل الأنواع:
زخاف بنادق رشاشة، قنابل تتساقط… صورايخ ارض أرض … الشاب يحاول أن يستلطع ما يحدث …. فجأة تنهال عليه زخات الرصاص من كل مكان … يتهاوى فوق الأرض ويسقط الجميع
أضاءة: متغيرة مع ايقاع سريع حاد لحالة غارة مدمرة
صوت: يخرج من بين تلاشى أصوات الرصاص والانفجارات … رتيبا بليدا يردد أرقاما فى عد تنازلى من 10 الى 1
حركة: يقوم الشاب الراقد داخل التابوت فى حركته السكونية … يقف ويتأمل المذبحة المحيطة به … يخرج من الباب الذى دخل منه
أظلام: تدريجى الى الأسود
24 – 3 – 1969
الاسكندرية