الوفد: 10-3-1987
فى مسألة الانتخابات: (صورة خيالية)
”ويل للمطففين”
(الحزب الوطنى فى المعارضة!!!)
ذكرت فيما سبق ونشر لى “هنا” و “هناك” (وبفضل سماح الحكومة والحق يقال) ان المعركة الحقيقية والصعبة، هى التى تجرى بين الحكومة وكل الناس، ومع ذلك فالاعلان المرتقب فى مؤتمر صحفى مهيب، يعقد قريبا جدا، هو ان الناس (نفس هؤلاء الناس) قد انتخبوا الحكومة “جدا” جدا انتخبوها بنسبة سوف تدل على انها تملأ وجدان الشعب المصرى بدرجة أكبر من شعبية ريجان” عند الامريكان، و “تاتشر” عند الانجليز، و “كول” عند الألمان، و”شيراك”عند الفرنساوية.
وبعد…..
فإما أن هذا صحيح وإما ان شعبنا والعياذ بالله – هو مجموعة من ضعاف العقول، حيث ينطبق عليه المثل القائل، جابوا عدوتى عملوا مغسلتى، وبما انى أؤمن بهذا الشعب، واثق بحكمته ولا أشك فى بعد نظرة، فقد رفضت كل ذلك ورحت أتأمل الحكاية من بعد أعمق، فوجدت انى انتمى لشعب عاقل شديد العقل حكيم طويل الصبر، ينظر فيما حوله فى اناة وتأمل، فإذا كان له من الأمر شيء، اسهم ورجح واختار وقبل ورفض وإذا وجد ان المسألة تحصيل حاصل، فإنه ببعد نظرة يتركهم يشربونها كما يتصورون، فما دامت الحكومة من واقع الخبرة السابقة تخيره بقولها:
”إن انتخبتونا نجحنا وامر الكمبيوتر نافذ.
وإن لم نتنخبونا انجحنا وأمر الكمبيوتر نافذ
مادامت الحكومة كذلك، فإن الشعب يبادر بتجرع هذه الحقيقة المرة، فيتركهم من عمق معين يخبطون رأسهم فى الحائط، ويمضى هو فى طريقه – رغم المرارة وهو يبتسم هامسا بالمثل الآخر: “إن فات عليك الغضب إعمه جودة”.
ذلك أنه مادام السؤال المطروح هو هل تنتخب “الحكومة”، أم “حزب الحكومة، فإن الشعب يدعها تلاعب نفسها حتى تنهزم، إذ لابد من منهزم، فشعبنا بحكمته هذه ليس سلبيا ولا هو متراخ غير ناضج بعد قرن وبضع قرن من الممارسة الديمقراطية، وإذا اردتم ان تصدقونى فاسمحوا لى أن اعرض عليكم صورة رسمها خيالى من وحى، غيظة، لعلها تنفى عن شعبنا أى وصمة تخلف أو سلبية.
وقد استوحيت هذه الصورة ابتداء من حماس الحكومة وهى ترفض – بإباء وشمم – ان تجرى الانتخابات وزارة محايدة – فقلت لنفسى ياللشجاعة والأمانة، واستبعدت ان تكون الحكومة من المطففين، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، وحتى اتأكد من حسن ظنى هذا، رحت أتصور لو أن حزب الحكومة كان هو الذى يمثل المعارضة، هل كانت سترضى لحزبها أن يديدر معركة الانتخابات خصم حاكم وابتسمت، لكن ملامح الصورة الخيالية ظلت تطاردنى فظهرت لى محددة المعالم على الوجه التالي:
الصورة الخيالية:
الحكومة يتولاها ائتلاف مكون من حزب “إنتاج الخبز” وحزب “الحرية” (مثلا)، فتقوم هذه الحكومة الائتلافية باجراء الانتخابات رغم الحاح المعارضة (الحزب الوطني) فى طلب حكومة محايدة ثم توافق المعارضة على الوضع الراهن بعد أن تتذكر توصياتها السابقة وانها ليست من المطففين، ثم أنها (المعارضة) اقوى من الائتلاف الحاكم وتأمل ان تحصل على الغالبية المطلقة فلا تحتاج لائتلاف مثل الحزبين القائمين، فلتكن الانتخابات هى المحك.
وحين وصل خيالى إلى هذا الحد من الشطح، رحت أسأل الناس الحقيقيين من حولى سؤالا محددا هو:
”هل تنتخبون الحزب الوطنى لوكان فى المعارضة؟؟؟
ولم يفهم أغلبنخم لأول وهلة
فرحت أعيد عليهم تصوري
* فبعضهم كان يخاف ويمضي.
* وبعضهم كان يظن بعقلى الظنون.
* والبعض كان يرد ردا غاضبا ساخرا من باب “يا عم رووح…..”
* وأقل القليل منهم كانت يتنهد ويعلن رأيه.
فرجعت لخيالى اتصور لو أن هؤلاء الناس الطيبين صدقوا انى لا أمزح ولو أن الحكومة الائتلافية المزعومة لم تتدخل فعلا، أو أنها تركت الانتخابات مختارة لحكومة محايدة، فكيف ستكون النتيجة.
فرحت أحصى – فى خيالى – عدد الأصوات التى سينالها كل حزب من الأحزاب القائمة رسميا وواقعيا ففوجئت وأنا مازلت اتخيل، أن النتيجة لا ترضينى، ومع ذلك فقد ردعت نفسى وقلت ليست الانتخابات بالتمنى، وانما الانتخابات هى واقع الحال لتحديد ما هو موجود فعلا، ثم تطويره بالممارسة والحوار، فبلعت غصتى، ورحت أفض الصناديق دون كمبيوتر، وملك اليمين وملك الشمال على كتفى يراقباننى، ورحمة ربى تهدهد خيالى حتى لا أتمادى، وبعد أن بلعت ريقى مرتين ازاء أرقام النتيجة التى لم تكن فى حسبانى، اضطررت ان أعلنها فى مـؤتمر صحفى عالمى أفخر فيه بأن النتائج هى صورة شعب حقيقى بدا يتحرك، بما هو، إلى “ما يمكن”، وليمسك كل منكم انفاسه فلا ذنب لى فى هذه النتائج التى جاءت على الوجه التالي:
حزب الوفد (الجديد) ….. – 47%
الاخوان (العمل) …… – .19%
التجمع (اليسار) ….. – .10%
المستقلون (وأحزاب أخري) …..- .7%
الحزب الوطنى (الحكومة سابقا) … – .4%
وبما أن احد الأحزاب لم يحصل على الأغلبية المطلقة (يا حلاوة اصبحنا مثل الدول الحقيقية) فإن الأمر ينتظر ائتلافا يسمح بتشكيل حكومة قوية… (ملحوظة: ألغت الحكومة التى أجرت الانتخابات نسبة الـــ 8% كحد أدنى الغتها طواعية).
فاخذت أفيق من خيالى رويدا رويدا، ومازالت الغصة فى حلقى وخاصة بعد أن نما إلى علم خيالى أن حزب الوفد الجديد يحاول أن يقنع فلول الحزب الوطنى بغض حزبهم (حفظا لماء الوجه) والانضمام إليه للحصول على الأغلبية المطلقة، ثم أنى رحت أشفق على الحكومة الجديدة،أيا كانت، من ذلك الميرات الثقيل الذى ينتظرها.
***
وحين اضئت فجأة كل أضواء الواقع وجدتنى أفيق على مرارة ما يجرى، فحمدت الله على السلامه، لكنى لم أستطع أن أطرد صورة راحت تلاحقنى، بلا سبب ظاهر، هى صورة منظر فكاهى كريه – وان كان قد اضحكنى بالرغم مني-هو منظر من مسلسل “زغلول وبكيزة”…..
واستغفر الله العظيم، من كل ذنب عظيم.