نبذة: تنبيه إلى أن مع كل موت بعث جديد، وأن فشل تطبيق قيمة رائعة ليس مبرر للتخلف عنها “شوف يبقى حلم العدل من انهيار الاتحاد السوفيتى، وحق الشعوب فى المشاركة فى اتخاذ القرار بعد تشوية الديمقراطية… الخ، الحياة أقوى والفشل مجرد علامات طريق.
الأهرام 7-4-2003
حلم يموت وحلم يولد
… وهذا حلم آخر يموت. لكن حلما أروع يولد.
ليس جديدا – من حيث المبدأ – أن يصل الأمر بغباء من عينوا أنفسهم قادة للعالم إلي هذه الدرجة. إن ما يسمي فشل الخطة المبدئية التي بنيت علي أساس معلومات خاطئة، من مخابرات خائبة، مزورة، لا ينبغي أن يخدعنا فنتصور أن فشلهم هو انتصار لنا بشكل تلقائى. الحروب عادة هي فشل حتمي علي الجانبين. هي فشل للمنتصر والمهزوم جميعا. هي نكسة إنسانية مهما كان تبريرها. ليست نكسة إلي الحيوانية، فالحيوانات أرقي مما يفعلون.
أريد أن أعترف أنني تصورت – مثلهم – أن شعب العراق سوف يهتف لهم. من فرط رفضي لما يمثله صدام، كان أخشي ما أخشاه أن أسمع هتافا واحدا بحياة الغزاة، تمنيت الموت فعلا قبل ذلك. الحمد لله. ما حدث كان العكس تماما. كم كنت غبيا مثلهم حين تصورت أن التحالف مع الشيطان وارد، لم أكن أتصور أن تثور في إخوتي في العراق كل هذه النخوة، والكرامة، وحب الحياة حتي الموت الشريف هكذا، هذه التضحيات المتدفقة وهذه الشجاعة الجسور أحيوا في أملا رائعا فزاد خجلي من سوء ظنى.
هؤلاء المتغطرسون الأمريكيون وبطانتهم ليس لهم تاريخ، ليس لهم جذور. هم لا يعرفون معني ثقافة شعوب مازال نبض الحضارة الغائر يشع من نخاع عظامهم. هذه السلطة الغاشمة لا تتصور أن هناك ما يحرص الإنسان عليه غير الوفرة والدعة والاستهلاك، علي حساب العبيد.
ينتصر في المعركة من يملك السلاح والتكنولوجيا والغباء والأموال، و ينتصر في السياسة من يملك الذكاء الميكيافيلى، وتربيطات السوق، وحسابات الجدوى. لكن الذي ينتصر في الحياة هو من يحب الحياة ويدفع ثمن حبه لها كما دفعه ويدفعه الشعب العراقي والشعب الفلسطيني وكل الشعوب الأبية في كل مكان.
حرمتنا خيبة السوفييت من حلم العدل بالاشتراكية، وحرمنا ساسة العرب من حلم القومية العربية بالخطب العصماء، وها هم ساسة الغباء المالي الأمريكى، وعبر القارات، يحاولون أن يسرقوا منا حلم الحرية بهدم صنم ديمقراطية زائفة، حسبونا نقدسها كما يصدروها لنا، وهم يقتلون أطفالنا، بها، وبضدها.
لتذهب اشتراكية الاتحاد السوفيتتي ويبقي العدل، ولتذهب قومية عبد الناصر، ولتبق اللغة العربية في تجلياتها المتجددة تجمعنا حول ثرواتنا وثقافاتنا وعمق أدياننا وهي تضيف إلينا وإليهم ما نتكامل به دون تبعية مهينة أو سجن تفسير سلفي مغلق.
قد نكفر بديمقراطيتهم بعد أن داسوها بأحذيتهم، ودفنوها في وحل جرائمهم المختلط بدم ضحاياهم، لكننا لن نكفر بالحرية التي لا يكون الإنسان إنسانا إلا بها. كم شككنا في حقيقة ما يصدرون لنا من ديمقراطية مشبوهة سمحوا بها للجيش التركي دون الشعب الجزائرى، لكننا أبدا لم ندرك حجم زيفها إلا بعد أن تعرت هكذا بما فعلوا ويفعلون الآن.
قد نكفر بديمقراطية بوش، وقومية صدام، واشتراكية ستالين، لكن أحدا لا يستطيع أن يكفر بمعني ما حدث من هؤلاء الناس العراقيين أهل الحضارة والتاريخ.
الاحترام شيء آخر. هو الذي يعطي للحياة نكهتها التي لا يعرفها من لا يشم إلا رائحة البارود والبترول والدولار. قل لي من يحترم بوش الآن عبرالعالم ؟ قد ينتخبونه وهم يحتقرونه، ويستعملونه ليستعملهم، لكن الشهيد الذي سال دمه، رغم كرهه لمن عرضه لذلك، سيظل خالدا يعطي لحياة من بقي بعده معني محترما.
لـيكسب بوش ويهرب صدام، ولكن يبقي العراقييون والفلسطينيون أحياء وشهداء يذكروننا بحقنا في الحياة، ويولـدون فينا أحلاما جديدة، لم نكن نحلم أن نحلم بها يوما ما.