نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 5-2-2014
السنة السابعة
العدد: 2350
متى يحب هؤلاء أنفسهم وقد عجزوا عن حب الله!؟ (1)
ما هذا بالضبط؟ هل هذا هو الإنسان الذى خلقه الله وأكرمه وجعله فى أحسن تقويم؟ هذا القاتل (أو القاتلة) التى ذبحت بشرا مثلها فى عرض الشارع هل الذى قتل جنودا شبابه يحمون حدود بلده أثناء عودتهم فى إجازة ليروا ذويهم، هذا الذى فجر تراث بلده ودينه بالمرة مثل من تيسر من مواطنيه من المجندين الذين كانوا يقفون أمام المتحف الاسلامى، ومديرية أمن القاهرة، هل هو إنسان مثل البشر؟ هل هو يعرف معنى كلمة إنسان؟ هل هو يعرف الله؟ (مهما قالوا له) هل هو يحب الله؟ هل هو يسجد له ويقول مثلنا سبحان ربى الأعلى؟ هل هو يحب ابنه أو ابنته أو أخته الصغرى، هل يقبل يد أمه؟ هل هو يحب نفسه؟
هناك من لا يعرف الفرق بين الأنانية وحب النفس، الأولى هى تحوصل حول الذات ومنافعها الأقرب والأسرع هى منافع ما بين اللذة والامتلاك على حساب الآخرين، بل مع إلغاء الآخرين عادة، والثانية، “أن يحب المرء نفسه”: هى نوع من حمد الله أننى “إنسان”، وأنه خلقنى وأكرمنى بكل هذه الصفات التى تجعل الإنسان بشرا سويا، وأن هذه نعمة فى حدّ ذاتها على الفرد أن يحملها أمانة كما خلقها الله، وأن يحافظ عليها ليس فقط من الشر الخارجى عنه، ولكن من تشويهها بنفسه حين ينسى ما خلقت به، وما خلقت له،
مهنتى تضطرنى معظم الوقت أن أتقمص مرضاى لأفهمهم أكثر، حين أحاول أن أتقمص هذا الشاب فى الجامعة وقد مال بجسمه كله إلى ناحية، وفتح فاه حتى كأنه حوت يونس، وفتح أزرار قميصه أو سترته فى زهو غبى، أو عقص رأسه بمنديل القرصان، أو أخفى وجهه بقناع قطاع الطرق، حين أشاهد أيا من هؤلاء وهو ممسك بشمروخ ملتهب يلوح به فى الهواء وهو يواصل حرق بلده، أفشل تماما فى تقمصه.
تقتحمنى أسئلة أخرى أصعب من الأسئلة التى يلقيها علىّ شباب وشابات الإعلام عن “ماذا حدث للمصريين؟” أسئلة مثل: كيف استطاع هذا الشاب المسكين أن يوجه كل هذه الكراهية التى خلقها له الله ليحافظ بها على بقائة، ويكره بها كارهى الحياة والعدل والرحمة؟ من أين جاء بكل هذه البشاعة والقسوة، لا استطيع أن أتصور أنه قادر على أن يحمد ربه. أو حتى أن يستغفره،
يا ترى ماذا جرى للإنسان فى داخله وليس ماذا جرى للإخوان أو المصريين؟
كيف استحال إلى هذا المسخ القاسى البشع هكذا؟ هل يستطيع هذا المسخ أن يحب نفسه قبل أن ينام هذه الليلة؟ كيف يمكن أن يطرد من مخيلته صورة ابن هذه الذبيحة أو أن يسمح صرخة هذه الجميلة المحترقة أو أن يشعر بمشاعر أم كانت تنتظر ابنها المجند عائدا من واجبه، فلم يعد لها إلا جثمانه، كيف يغيب كل ذلك من ذاكرته وهو يصلى العشاء (إن كان يصلى) هذه الليلة.
حين دعوت للطيبيين من الإخوان، خاصة الشبان منهم بالهداية والتعلّم من الخبرات، بمناسبة فشلهم فى نقابة الأطباء لامنى أحد الأصدقاء القراء أننى أرجو منهم أو لهم الخير، وتعجبت من هذا القارئ مثلما تعجبت من سفهاء الإخوان شيوخهم وشبابهم، كيف يأخذ علىّ هذا الصديق الطيب أننى أدعو لهم بالهداية؟ فهو يرى أنهم يستحيل أن يهتدوا؟ رحت الناحية الأخرى وأنا أتساءل أيضا:من الذى عينه – مع كل احترامى – وصيا على رحمة ربنا؟ حتى هذا القارئ العزيز دعوت له أن يحب الله، وأن يثق فى عدله، وأن يحب نفسه لعله يشاركنى الدعاء، ونترك لربنا السميع المجيب الاستجابة بعدله ورحمته جميعا.
الدعاء من حقوق الانسان الأعلى والأجمل من كل الحقوق المكتوبة المستوردة.
[1] – نشرت أصل هذا المقال فى موقع اليوم السابع بتاريخ: 20-12-2013، وتم تحديثها بتحويل طفيف لتواكب الأحداث.