نشرة “الإنسان والتطور”
17-11-2011
السنة الخامسة
العدد: 1539
ص 44 من الكراسة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
الحمد لله رب العالمين
الرحمن الرحيم
مالك يوم الدين
اياك نعبد واياك نستعين
اهدنا الصراط المستقيم
صراط الذين انعمت عليهم
غير المغضوب عليهم
ولا الضالين
نجيب محفوظ
13/3/1995
القراءة:
وهل تحتاج فاتحة الكتاب الكريم إلى قراءة؟
لكن بالله عليك أنظر إلى كل هذا التناسق وكل هذا الجمال فى الخط، وبالذات فى النصف الأعلى من صفحة التدريب.
ثم هل استمعت إلى تلك الموسيقى التى قفزت من كتابة اسمه بهذا الوضوح غير المسبوق تقريبا، كتب اسمه ثلاثا وكأنه يعزف لحن ذواته الواحدة تلو الأخرى، وحين أطمأن إلى كل هذا الهارمونى انطلقت منه “فاتحة الكتاب” ولم يحتج أن يتوقف أو يضيف عليها أو ينتقص منها شيئا.
ثم قارِنْ جمال اسمه فى أعلى الصفحة بهذه الصفات السالفة الذكر، مع كتابة التوقيع قبل التاريخ لنعرف أن المسألة ليست مجرد كتابة “نجيب” ثم “محفوظ”،
لم أتساءل من قبل لماذا يوقع من أول صفحة وأسفل كل صفحة وحتى الآن، باسمه هكذا مهما كانت الكلمات قصيرة أو متنوعة، تعزف عدة أنغام كما لو أن الفرقة الموسيقية تضبط أوتارها، أو هى تنطلق فى نفس واحد معا كما حدث هنا.
الفاتحة
حضرته الفاتحة، أم الكتاب، أو السبع مثانى
فحضرتنى تساؤلات كثيرة كم شغلتنى حول هذه السورة التى يتلوها كل مسلم مصلٍّ فى اليوم 17 مرة على الأقل. لماذا هذه السورة بالذات؟ رجعت إلى فضل الفاتحة، والتوصية بالرقية بها وبركتها وما إلى ذلك ولم أتوقف طويلا فهذا كله على العين والرأس، لكن ليس هو ما حضرنى، ولا أظن أنه هو ما حضر شيخى.
من قديم وأنا أحب هذه السورة
هذه سورة لا نمل من تكرارها أبدا!!
لماذا؟
هذه سورة نقرأها أيضا على الذين رحلوا مع وقبل وبعد أن نترحم عليهم
هذه السورة نفتتح بها كل خير نأمله
فاتحة تدعوك للولوج إلى نوع من الحياة مفتوح النهاية، متسع الأبواب، باهر الأضوء، تبدأ بالحمد على “الآتى”، وليس على أمر تحقق فعلا بذاته أو عن فضل خاص تم أو كرم من ربنا حدث، يصلنى أن الحمد لله اولا إنما يسبق لتحلقه بالرحمة التى تفسر الحمد البدئى
خطر لى مستغفرا أنه كان يمكن أن يكفى أن نذكر وتذكّر السورة أنه الرحمن لنعلم أنه الرحيم، تراجعت فورا وأنا على يقين أنه لا يكفى، ولم يكن ليصلك أو يصلنى ما يصل من ذكرهما معاً بهذا الجمال “الرحمن الرحيم” نحمد الله فتحل رحمته، قيل أن الرحمن رحمة عامة والرحيم رحمة خاصة، كما قيل إن الرحمن صفة مؤقتة، والرحيم صفة دائمة، ولم يهمنى ذلك، ولم أتوقف عنده.
وصلنى من ملكه سبحانه ليوم الدين أنه تعالى مالك كل الزمان وليس فقط يوم القيامة، الدين كل دين هو نوع حياة متكاملة، وكل يوم يمتلئ بهذه النوعية هو يوم الدين “لمن الملك اليوم لله الواحد القهار”، اليوم هنا أيضا هو كل الزمان، وكل يوم به هذا التوحيد المطلق هو يوم الدين وهو لله وحده لا شريك له.
لن أعرج إلى مناقشة التفسيرات التى تيسرت لى قراءتها فكلها تقريبا خارج هذا السياق مع اعتراضى تحديدا على ما تكرر من تخصيص المغضوب عليهم والضالين باليهود والنصارى على التوالى، تصورت – مستغفرا – أن عدم تحديد ما هو الصراط المستقيم يفتح الأفق لكل صراط مستقيم، ما دام صراطا فهو طريق فهو السعى، ومادام مستقيما فهو إليه.
وحين أتوقف متسائلا ياترى ما هو الصراط المستقيم، تلحقنى الِآية بهذا التعميم الذى تصورت أن التفسيرات التى اطلعت عليها خنقته خنقا بغير وجه حق، الصراط المستقيم هو الصراط المستقيم لا أكثر ولا أقل.
أعود إلى شيخى وأعيد ما ذكرته فى كتابى الأول عن صحبتى له “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” حين كنت معه وحدنا فى فلفلة ذات ليلة وأستأذننا النادل أن نمكث فى الحديقة دون الصالة المغلقة للأفراح، وهذا ما جاء عن تلك الليلة حرفيا:(نشرة 11-2-2010 العدد: 895 “فى شرف صحبة نجيب محفوظ”) .
“…ثم وصلتنا أقرب فأقرب بعض أصوات الزفة والدفوف والترديد والزغاريد، فأصاخ السمع وكأنه يدهش لما يصله برغم عدم تمييزه التفاصيل، سألنى عما إذا كانوا يغنون “إتمخطرى يا حلوة يا زينة مثل زمان:، أم ماذا؟ قلت له: إنهم يزفون العروسين بأسماء الله الحسنى، قال لى مندهشا بفرحة ” لا يا شيخ؟!!”، قلت له إن هذا تقليد جديد، يتماشى مع مد السلوك الإسلامى، “بما له” و”ما عليه”، هذه الأيام، تغير وجهه قليلا وقال: خلنا الآن “فيما له”، ثم أخذ يصف لى كيف كان ينجذب من أعماقه مع كل اسم من أسماء الله حين يسمع الشيخ النقشبندى وهو ينشدها، قال ذلك وهو يشير بيده من قلبه إلى السماء، وصمتَ، فصمتُّ.
هذا ما تعلمته من عشرتى له حتى اعتدته: حين تحضره ذكرى، يريد أن يستبقيها مدة أطول بصمته، تكون المشاركة هى صمت مقابل، مفعم بالسماح من الجانبين” (انتهى المقتطف).
شعرت وأنا أقرأ الفاتحة الآن هنا بخطه كأنى اسمعها بصوته وقد انجذب من أعماقه كما وصف، وأيضا انشرح صدره بنفس نوع الانشراح، وإذا بآية “رب اشرح لى صدرى” التى تكررت فى تدريباته تحضرنى من جديد، فيصلنى معنى جديد للانشراح.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ” آمين
هذه الفاتحة لك يا سيدى الآن
إلى الرحمن الرحيم
يا شيخنا الجليل