نشرت فى مجلة الهلال
عدد ديسمبر 1995
[المرأة تفرح راضية، وتفرح زائطة
والرجل يضحك مفارقا، ويضحك ساخرا]
لا يوجد ضحك واحد، بل ضحوك كثيرة:
ويبدو أن الضحك قد شغل كل من فكر فى سبر غور من هو إنسان، وما هو إنسانى، إلا أنه حين شغل الفلاسفة والأدباء كان أكثر عمقا وتنوعا منه حين شغل أهل علم النفس والطب النفسى، وكل من تابع أعمال الفلاسفة العظام لابد أن يعجب كيف عنى بدراسة الضحك كل من أفلاطون وأرسطو وشيشرون وديكارت واسبنيوزا وهوبز ولوك وفولتير وكنت وهيجل وشوبنهور واسبنسر، وبرجسون وفرويد وماكدوجال ودارون وغيرهم, ترى هل يرجع ذلك إلى أن الضحك أقرب إلى السواء من المرض، وبالتالى فالفلاسفة والأدباء هم أهله وأولى به؟ أم لأنه أعقد وأخفى وأعمق وأكثر تنوعا عن غيره من العواطف الإنسانية، وخاصة العواطف العسرة كما تسمى مؤخرا، مثل الاكتئآب والقلق وأمثالهما، أحسب أن هذا بعض سبب هذه الملاحظة البادئة.
وأنواع الضحك – لكثرتها- لابد أن تختلف من موققف لآخر، ومن شخص لآخر، فلا غرو أن تختلف من رجل لامرأة، وهذا ما تصورت أنه مطلوب منى سبر غوره، فإليكم محاولتى فى ذلك:
كلما اقتربنا من كلمة تميز – فيما يخص الرجل والمرأة- تحفز الجانبان، ولا أعنى بهما النساء فى مقابل الرجال، وإنما أعنى بهما فريق التميز والفروق النوعية، فى مقابل فريق المساواة والتعميم لكل ما هو إنسانى على كل من هو إنسان.
وأحسب أن الضحك، بصفته من أعقد العواطف الإنسانية فعلا، قد يكون مدخلا جيدا للنظر فى موقف هذا الزعم بالتميز فى مقابل اللاتميز (الذى يسمى خطأ: المساواة).
فلنبدأ بالنظر فى بعض تنويعات الضحك مما يمكن أن تشمله هذه المقدمة المتواضعة كمنهج بدئى، ثم نرى من خلال هذا البعض ما يمكن أن تتميز به المرأة عن الرجل وبالعكس.
دعونا – ابتداء- نوافق فى حذر أن الضحك صفة بشرية خاصة، صحيح أننا نشاهد ما نحسبه ضحكا عند الحيوان، ولكن ثمة أراء متنوعة تفسر ذلك، أهمها هو إسقاطاتنا نحن على ما نرى وتسميتنا له بالضحك، ولابد أن نميز بين الانفعال الراضى أو المرحب، وبين الضحك، فالكلب حين يهز ذيله ويقفز يمنة ويسرة حين يرى صاحبه إنما يعلن انفعالا مرحبا أكثر منه يضحك مهللا، لكن هذا يقابل-عند بعض الباحثين- ما هو، ومع التأكيد على ضرورة التدقيق والتعمق فى كل ما يسمى ضحكا يمكن أن نتفق بدرجة ما مع ما انتهى إليه جمهرة من الفلاسفة والدارسين من أنه يمكن تعريف الإنسان أنه حيوان ضاحك، مثلما نقول إنه حيوان ناطق أو حيوان مفكر..، وإن كنت شخصيا معترض على كل هذه التسميات المختزلة لما هو إنسان بشكل أو بآخر..
أنواع الضحك:
ومجالات التقسيم والتفرقة بين أنوع الضحك كثيرة، حتى قبل أن نخوض فى أعماق أبعاد هذا الوجدان المعقد، ففرق بين الضحك والفرحة، وبين الضحك والابتسام، ثم بين الضحك والسخرية، وأيضا، ولزوما: بين الضحك والإضحاك، (فالله سبحانه وتعالى لا يضحك لكنه، جل شأنه، قد أضحك، ( “…وهو الذى أضحك وأبكى )، وفى نفس الوقت يأتى فى الحديث الشريف أن ” الله أشد فرحة بتوبة عبده”، فيا لضرورة التدقيق وعمق الفحص، ثم خذ عندك ضرورة عدم استسهال ترادف الكلمات الدالة على الضحك مثل السرور، والبهجة، والفرحة، والحبور، والمرح والجذل، ذلك أن هذه التنويعات الرائعة والدقيقة إنما تشكلت فى نبض وجدان الإنسان فى مراحل تكوين اللغة لتشير إلى دلالات شديدة التخصص وكلها أعجز عن الإحاطة بوصف ما يجرى فعلا، ويشتد العجز أكثر فأكثر حين نختزل كل هذه اللغة إلى لغة علمية (وبالذات: طبنفسية) تسمى الأعراض، فأعراض العواطف والانفعالات العالية (كما يسمونها خطأ) هى أعراض شديدة الاختزال والضحالة (تسمى: لوثة المرح، أوفرط البهجة، وأحيانا المرح المرضى ..إلخ)، فما بالك إذا كان الموضوع خاص بالتفريق بين الرجل والمرأة فى هذا الصدد.
وقبل أن نستطرد إلى التمييز الأساسى بين الرجل والمرأة، ومنه إلى التفرقة فى مسألة الضحك تطبيقا على فرض محتمل، أجد من المناسب أن نعرج قليلا إلى بعض التقاسيم على مادة الضحك مع إحالة لازمة إلى السخرية فالعدوان، فالسخرية - بشكل ما- نوع من العدوان، والسخرية ليست دائما عدوانا بمعنى الاعتداء، ذلك لأنه لابد من التمييز بين العدوانية التى تستلزم إيذاء الغير، وبين العدوان الذى يعنى نوعا من الاقتحام والتعرية التى قد تحتمل نوعا من الإبداع إن هى اكتملت فى اتجاه التوليف الخلاق، والسخرية (مثل العدوان) منها ما هو إبداع مقتحم، وتعرية خلاقة، مثلما نرى فى المسرح الكوميدى الاجتماعى الناقد، ومثلما يتكثف فى تلك الجرعة الخاصة المركزة والحادة المتمثلة فى فن الكاريكاتير الذى يعتبر من أجمل وأقسى أنواع السخرية، فالكاريكاتير فى تضخيمه لفروق الملامح، وتأكيده على العلامات المميزة، ثم تصويره للتناقضات، وتعريته للحقائق يعتبر دليلا بائنا على إيجابية السخرية الخلاقة.
على أن التمييز بين السخرية القاتلة والسخرية الناقدة هو أمر ليس سهلا،، بنفس القدر الذى يصعب فيه التمييز بين العدوان الإبداعى والعدوان التحطيمى، ودائما يحضرنى المثل الصينى الذى يقول يقذف الأطفال الضفادع بالحجارة وهم يمزحون، لكن الضفادع تموت جدا لا هزلا”.
ثم هيا نتحسس طريقنا إلى محاولة التفرقة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بمسألة الضحك والإضحاك، والفرحة والسخرية، لكن ألا يجدر بنا أن نرجع إلى موضوع أساسى وهو مبدأ التمييز بين المرأة والرجل، هل هو وارد حالا ومستقبلا، أم أنه مرفوض أساسا ومبدأ، ولما كانت الفروق الواردة هى فروض عنت لى من واقع الممارسة الإكلنيكية والإبداعية، فلا بد من تقديم شديد الإيجاز للفرض الأصلى الخاص بالتفرقة بين الرجل والمرأة:
وهذا الفرض الأصلى يقول: إن بداية مسار التطور عند الجنسين مختلف، دون تفضيل أحدهما على الآخر، فى حين أن المسار الطولى لكل منهما هو مسار ضام فى اتجاه التكامل، وبتعبير آخر، إن بداية مسار كل من الرجل والمرأة مختلفة لكن التوجه والتطور الصحيح يزيل هذه الفروق لصالح كليهما. فالمرأة تبدأ من موقع تأكيد الكينونة (مثل استقرار البويضة)، لأنها الكيان البيولوجى المؤكـد وجوده من حيث قدرتها على احتواء الخلق البيولوجى، ودورها الأساسى والمتفرد فى حفظ النوع، فإذا اكتملت كينونتها تكون منها الفعل الخلاق.
أما الرجل فبدايته قلقة متحركة (مثل نشاط وقلق الحيوان المنوى ولهفته)، فهو فاعل ابتداء، فإذا حقق فاعليته فاكتملت تولدت منها كينونته الخلاقة، ولكى نميز بين المرأة والرجل فى مسألة الضحك والسخرية، لا بد أن ننتقى عددا محدودا من تجليات الضحك، فنكتفى فى هذه المقدمة بالإشارة إلى ثلاث مستويات:
المستوى الأول: هو مستوى الضحك التفريغى، وهو الضحك الانطلاقى (التفجيرى أحيانا) الذى يؤدى إلى خفض الطاقة والتوتر، وهنا لا يفترق الرجل عن المرأة فى قليل أو كثير، فثمة طاقة وتوتر، وثمة مفارقة، وثمة مثير، ثم انفراجة ضاحكة.
والمستوى الثانى: هو مستوى الفرحة، ولا مفر من تحديد نوعين هنا: الأول يشمل ما يمكن أن يسمى فرحة الاستقرار والرضا: وهى ما يشير للإقرار والرغبة فى الحفاظ على الحالة الطيبة التى وصل إليها الشخص، أما الثانى فهو ما أسميه هنا الفرحة الزائطة، وبالرغم ما فيها من رضا أيضا، ورغبة فى الحفاظ على الحالة الراهنة، إلا أن التعبير عن ذلك يكون من خلال التنشيط الوجدانى الذى قد يصل إلى الخفة الطافية ذات الجلبة، ولذا أسميتها الفرحة الزائطة، ومن رأيى أن المرأة تتفوق على الرجل فى كلا النوعين، فالفرحة الحانية الحاوية الأولى أقرب إلى الحمل الخالق الممتد (تسعة أشهر)، والفرحة الزائطة الثانية أقرب إلى النكوص الطفلى التكيفى البهيج الذى يظهر فى سلوك المرأة رقصا وزغردة (مثلا).
أما الرجل الذى أساس وجوده الفعل القلق، فإنه لا يمارس هذا المستوى بنفس الكفاءة، اللهم إلا وهو يقترب من التكامل طوليا.
أما المستوى الثالث: فهو مستوى السخرية والإضحاك الساخر، ولكى نتبين الفرق بين الرجل والمرأة على هذا المستوى يجدر بنا أن نبين العلاقة بين السخرية والعدوان من ناحية، وبين إبداع المرأة والرجل فيما يتعلق بالعدوان من ناحية أخرى، فنقول:
إن عدوان الرجل (الذكر) انبعاثى إنطلاقى مقتحم ظاهر يتعلق ببقاء الفرد أساسا ثم النوع، أما عدوان الأنثى (المرأة) فهو احتوائى ملتهم أساسا يتعلق ببقاء النوع أصلا باعتبار أن الذكر يقوم بالدفاع الأولى عن القطيع عامة، أما الأنثى فهى تحمى صغارها فى بطنها ثم فى حضنها أساسا، ويمكن أن يثبت ذلك من مراجعتنا لظهور أقسى أنواع السلوك العدوانى عند الأنثى (القطة مثلا) عند تهديد أطفالها حديثى الولادة بوجه خاص، أى أن الحفاظ على النوع (أطفالها) يثير لديها العدوان الصريح مباشرة، أما إثبات العدوان الإلتهامى عند الإناث فتاريخ وواقع العناكب أشهر من أن يكرر.
وعلى نفس المقياس يمكن تصور الفرق بينالإبداع عند الجنسين، فإبداع المرأة أساسا أو بداية: هو إبداع الحياة وإبداع التغير الذاتى وإبداع الإسهام فى التطور، فالمرأة -ابتداء وليس نهاية- تفرز الحياة، ولا تكتفى ببدائل الحياة رمزا أو تشكيلا، ثم يأتى إبداعها حين تتقبل وتطلق ذكورتهافى تضفر متكامل مع أنوثتها لتسهم فى الإبداع الفائق غير المتميز عن إبداع الرجل (إذا تكامل بدوره)، ذلك أن إبداع الرجل يبدأ بالحركة الهادفة لتحقيق كينونته الناقصة ابتداء، ثم هو يتقدم متطورا حتى يقترب من إبداع الحياة ذاتها، وليس بديلا عنها فيصبح خالقا أكثر أنثوية وذكورة معا: أى أكثرتكاملا وإبداعا.
تفوق الرجل:
ثم نعود إلى موضوعنا الحالى فنقول:
إن هذا المستوى الثالث للضحك، وهو السخرية بمعناها الإيجابى (الإبداعى: الكاريكاتير كمثال) والسلبى (العدوانية: المقالب والجرح العلنى مثلا) هى أقرب إلى حركية الرجل ونوع إبداعه الذكرى، فهو مستوى عدوانى رجولى بشكل أو بآخر وعلى هذا الأساس نجد أن الرجل يتفوق على المرأة فى هذا المستوى، وهو تفوق لا يعنى تميزا فوقيا، وإنما هو يشير فحسب إلى تأكيد الفروق المستعرضة المرحلية، كما أنه لا يعنى أن المرأة غير قادرة على هذا النوع من السخرية أو العدوان المبدع،، ولكن لكى تمارس المرأة الإبداع على هذا المستوى لابد أن تحرك الرجل فيها، فرغم ندرة رسامات الكاريكاتير على مستوى العالم، وانعدامهن (على حد علمى)على المستوى العربى، إلا أنهن موجودات، والكاتبات الساخرات الناقدات موجودات كذلك، ومع ذلك فهذا وحده لا هو دليل على صحة هذا الفرض الذى أقدمه، ولا هو نفى له.
وقد يكون مناسبا أن نسترجع بعض السمات الشخصية لبعض الشهيرات من المبدعات لأنواع الضحك الساخر، حتى فى الحياة العامة، مقارنة بالقادرات على التعبير عن الفرحة الزائطة، أو الحاوية، ولقد نجد أن المرأة اللاذعة تتمتع بقدر من الذكورة يظهر فى هذا النوع من الإبداع مثلما يظهر فى سمات أخرى عادية، وغير ذلك، فى حين أننا نجد أن المرأة الفرحـة الحانية الحاوية، والفرحـة الزائطة لها من الصفات الأنثوية الغالبة ما يميزها (قارن أم كلثوم وسهير البابلى على ناحية، وشادية ومارى منيب على ناحية أخرى).
وحتى لا يظن هنا أن ظهور هذا النوع من الذكورة عند بعض المبدعات هو نقيصة تقلل من أنوثة المرأة، نؤكد بداية أن هذا النوع من الضحك المبدع (بما فى ذلك الكاريكاتير) ليس أحسن أنواع الضحك أوالإبداع، حتى يصبح ظهوره مرتبطا بالذكورة مزية له، ثم إن الرجل الذى يصل إلى درجة فائقة من الإبداع لا يمكن أن يحقق تفوقه فى النقد والسخرية إلا إذا حرك، وقــبل، وتآلف مع أنثاه، بنفس القدر الذى تـحرك فيه المرأة ذكورتها لتحقق تفوقها الإبداعى بكل أبعاده.
ولتوضيح ذلك من جديد خوفا من اللبس وإثارة معارك لا لزوم لها أقولها بألفاظ أخرى: إن المبدع الحقيقى، ليس ذكرا ولا أنثى، وإنما هو الذكر الذى تصالح مع أنثاه فى الداخل (والخارج أحيانا)، فأطلق كل قدراته الذكرية والأنثوية فى تكامل إنتاجه الخلاق، وهو كذلك الأنثى التى تصالحت مع ذكورتها فى الداخل والخارج فأصبحت قادرة على التعامل مع إنسانيتها والناس بقدر أكبر من التوليف المتكامل للجانبين، ولهذا قد نجد رجلا (متآلفا) يغلب على إبداعه الصفات الأنثوية الحاوية والحانية، فى حين أن رجلا مبدعا آخر قد تغلب على إبداعه صفات ذكرية وهكذا، ولا بد أن نذكر هنا أننا نستعمل لفظ ذكر وأنثى بالمعنى التكاملى التركيبى، وليس بالمعنى الجنسى أوالهرمونى.
وبكل حذر أقول: قارن إبداع إحسان عبد القدوس بمحمود السعدنى، أو إضحاك إسماعيل يس بعادل إمام، ثم إنه ليس من الضرورى أن تتفق صفات الإبداع مع صفات المبدع، ( قارن يحيى حقى شخصيا – مع اقتحامات إبداعه). وأظن أن نتيجة كل هذه المقارنات سوف توصل للقارئ ما أعنى دون مزيد من التحديد أو التفصيل، لأ ذلك قد يحتاج إلى مقال مستقل.
تعقيب منهجى:
(لو أتى فى بداية المقال لاستحالت كتابته) حين طلب منى الإسهام بالكتابة فى هذا الموضوع قاومت مقامة هائلة، ولعل أهم الأسباب المفسرة لهذه المقاومة هى أننى خشيت أن يؤخذ كلامى باعتباره علما مثبتا، أو شهادة متخصص فكل ما سلف هو اجتهاد فرضى، جمعته من مماراساتى الإكلنيكية، ومن فروض بعضها سبق نشره (ولم تتح الفرصة لتحقيقها)، ثم من خبراتى الشخصية بصفاتى المتعددة، بما فى ذلك صفتى النقدية فى مجال الأدب، ولهذا أجد من المناسب أن أختم هذا المقال بالإشارة إلى بعض مصادر موقفى فى تناول مسألة الضحك، وهو آخر عمل قمت بنقده (دراسة لم تنشر) للكاتب التشيكى المعاصر الشديد التميز ميلان كانديرا; أما العمل فهو روايته بعنوان ” كتاب الضحك والنسيان”، فقد وصف فيهاكانديرا تنويعات الضحك بشكل فائق الدقة، والتداخل، والتقاسيم، بحيث يجعل الحديث بعد قراءة هذا الكتاب عن ضحك واحد أو سخرية واحدة حديثا أقرب إلى المخاطرة، وقد تصورت لو أن الفرصة أتيحت للثقاة من علماء النفس والأطباء النفسيين ليصل إليهم ما وصلنى من هذه القراءة، إذن لراحوا يتأنون أناة شديدة وهم يستعملون أبجدية ألفاظهم التى تصف أعراض هذه المنطقة (منطقة الضحك)، قبل أن يختزلوا أو يعمموا معلوماتهم، ثم يعرضوها على الشخص العادى.
فقد عدد كانديرا من أنواع الضحك ما يكاد يشمل كل طبقات المشاعر الإنسانية، ثم إننى لاحظت أنه خص قدرا أكبر من تقسيمات الضحك على بطلاته من النساء فى السواء وغيره.، صحيح أن ثمة تفاصيل هائلة فى التنويعات التى طرحها، إلا أننى من موقعى هذا، أقر وأعترف، وأحاول أن أبلغ القارئ أننى تعلمت من هذا العمل -ومن مرضاى- أن اختزال هذه المظاهر الوجدانية الشديدة التنوع والتعقيد إلى ظاهرة واحدة، أو إلى عدة مظاهر سلوكية بادية، هو أمر شديد الخطورة، بل إننى حين طـلب منى الكتابة فى هذا الموضوع كان من بين أسباب مقاومتى أننى استرجعت دراستى هذه عن كانديرا، فأعاقتنى إذ تيقنت استحالة تمييز ماهو ضحك رجولى، مما هو سخرية نسائية أو العكس، ولو تماديت فى استرجاع ذلك ابتداء، لعجزت حتما عن خط حرف واحد فى هذا المقال.
لهذا وجدت من الأمانة أن أختم مقالى بما يكاد ينفيه، إلا لمن حاول أن يعيد إبداعه من القرآء على مسئوليته، وذلك بأن أعرض لبعض مقتطفات من هذا العمل حول مسألة الضحك لعلها تظهر مدى العمق والتعقيد للظاهرة التى تناولها المقال، ليس من موقع تفاصيل علمية، وإنما من مصدر إلهام أدبى
وهاك بعض ما قال كانديرا، نعيد قراءة المقال من خلاله، حتى نتواضع أو نتراجع أو نبدع قراءة المتن والتعقيب معا.
يقول كانديرا:
الضحك، (!!) ألا يهتم المرء أبدا للضحك، أعنى بالقول: الضحك بما يتجاوز الدعابة، والهزء، والمضحـك، …..، أو المتعة العارمة واللذيذة، بل كل المتعة (بالله عليكم كيف يمكن لكاتب أو عالم أن يفرق فى هذا المستوى: بين ما هو رجل وما هو امرأة).
ثم تعال نسمعه يقول:
”..إن الموت ذاته هو قطعة فرح، وحده الذكر يخشاها، لأنه شديد التعلق ببؤسه، بأناه وسلطته الوضيعتين”
(هنا يفرق كانديرا بين موقف الذكر وموقف الأنثى من قطعة الفرح التى هى الموت، أليس فى هذا ما يوحى بالتأكيد على علاقة إبداع المرأة -ضحكا أو غير ضحك- بحيوية التطور، ومسئوليتها عنه، مثل وأكثر، مما ذهبنا إليه فى هذا المقال؟) ثم اسمعه وهو يقرن الضحك بالشهوة الجنسية وقمتها ”….ويمثل ما قد يحدث لقبــة معبد الشهوة، ها إن الضحك يوشك على الانفجار فى الأعالى، ارتعاشة لذيذة من السعادة، وذروة قصوى للمتعة، ضحك المتعة ومتعة الضحك..”
(بالله ماذا يميز الرجل عن المرأة فى هذا؟: أظن أن المرأة لا بد أن تتفوق أو تسبق على الأقل فى هذا المضمار)
ثم انظر دقة الرصد واستحالة دراسة الضحك علميا:
”ضحكت، وظل هذا الضحك الذى لم يدم أكثر من نصف ثانية، يرن فى أذنى كمثل وعد حبى بالخلاص (.. كيف أكتب عن فروق بين الجنسين فيما هو ضحك، لأمور أنا على يقين -مثل كانديرا- أن جوهرها الجدير بالبحث فالنشر لا يمكث أكثر من نصف ثانية)
ثم تأمل معى:
”…..وعلى العكس من ذلك، فالضحك هو الانفجار الذى يسلخنا عن العالم ويرمى بنا فى وحدتنا الباردة”
(أليس هذا عكس ما نشيعه عن الضحك العادى، أو الضحك التواصلى، فمن أين لنا حق التعميم ؟)
ثم يقول:
”كانت بضعة سنتيمترات بالكاد تفصل الحب الجسدى عن الضحك، وكان يخشى أن يجتازها”
(هل يجرؤ عالم أن ينكر، وهل يقدر أن يبحث ذلك، – ناهيك عن تمييز الرجل عن المرأة فى هذا ومثله)
وأخيرا:
””..إلا أنهما لم يقدرا سوى على الضحك منه، ومن ثم أتى الضحك الحق، الضحك المتفجر، المستعاد، المتدافع، المطلق العنان، وانفجارات الضحك الرائعة والمجنونة..إلخ”
ثم وصف آخر
”.الضحك الذى ينأى، الضحك المتألق …”
وأخيرا..
أحسب أنه على أن أخلص بعد كل هذا بما أردت بيانه من أن ظاهرة الضحك والسخرية وما إليهما هى ظاهرات من أعقد وأروع ما يمكن أن يعايشهالإنسان، وأن الرجل لا يفترق عن المرأة فى فرص سبر غورها، والإبداع فيها وبها وأن الذى يحدد نوع الإنتاج، ونوع الإبداع، ونوع الأداء هو موقع كل منهما على سلم التطور، وليس مجرد جنسهما وأن الأمريحتاج إلى عودة، وإلى حوار وأنه: عذرا.