نشرة “الإنسان والتطور”
14-9-2009
السنة الثالثة
العدد: 745
يوم إبداعى الشخصى
حوار مع الله (20)
وقال لمولانا النفرى فى موقف: ما لا ينقال (2 من 2)
9) “وقال لى: لا تسمع فىّ من الحرف،
ولا تأخذ خبرى عن الحرف”
فقلت له
الحرف يخرج منه نفورٌ متحوصل
الحرف مغرور برسمه، حتى يحسب أنه قادر أن يحل محل ما يرسمه.
الحرف لا يدل إلا على اسمه
فكيف آخذ عنه ما يعرفنى بك
أنا لا أسمع منه عنك، لأن خبرك ليس فى متناوله
لكنه فى متناولى، حتى من خلال صليل الحرف رغما عنه .
10) وقال للنفرى:
وقال لى: الحرف يعجز أن يخبر عن نفسه فكيف يخبر عنى
فقلت له
يقدسونه صنما
ولو طرقوا بابه ما فتح عن ما بـِهْ
ولو تراقص بين قواميس العرب والعجم ما زاد عن أنه صنم يلبس ثوب من يبحث عنه
فكيف أنتظر منه أن يخبر عنك
أنا لست أبلها
نورك لا ينحبس فى ظلام جوف صنمٍ أجوفٍ ليس له باب ولا كوة
كيف بالله عليهم يخبرنى الحرف عنك
11) وقال للنفرى:
وقال لى: أنا جاعل الحرف والمخبر عنه
فقلت له
صوّروا له أنه يمكن أن يدل عليك، أن يشير إليك، أن يتضمّنك! فاغترّ الحرف من بلاهة تقديسهم حتى انفصل عن نفسه وعنك،
وحين قلّ، واستقل، نسى أنه ما ظهر إلا ليدل على ما فى طوقه
سبحانك وتعالى عما يصفونك به،
للبـُـله عيون عمياء تلمع كأنها جواهر متقنة التزييف
12) وقال للنفرى:
وقال لى: أنا المخبر عنى لمن أشاء أن أخبره
فقلت له
نحتاج إلى آذان أخرى، وقلوب أخرى، نسمع بها خبرك منك
هل يكفى أن نزيح عنها ما انحشر فيها من حروف ورسوم وقول وقولية؟
يكفى
كيف؟
يكفى
كيف؟
يكفى، بأن يكفى، حتى يكفى، وسنعرف – إذ يكفى – كيف
13) وقال للنفرى:
وقال لى: لإخبارى علامة إشهاد،
لاتوجد بسواه ولا يبدو إخبارى إلا فيه
فقلت له
أيهما أوّلا : البصيرة أم الشهادة؟
الشهادة – علامة الإشهاد- تُـجلى البصيرة
والبصيرة تهدى إلى الشهادة
يلتحم إخبارك مع علامة إشهاده
فلا يوجد أحدهما إلا بالآخر
لا أطلب المزيد، لكن أواصل السع
14) وقال للنفرى:
وقال لى: لا تزال تكتبُ ما د متَ تحسب ،
فاذا لم تحسبْ لم تكتبْ
فقلت له
أكتب دون أن أكتب، و أحسب دون أن أحسب،
فلا أملُّ أن أكتب، ولا أخاف أن أحسب
هذا شىء، وذاك شىء
15) وقال للنفرى:
وقال لي:إذا لم تحسب، ولم تكتب، ضربتُ لك بسهم فى الأمية،
لأنّ النبى الأمى لا يكتب ولا يحسب
فقلت له
الأمية! الأمية !!
الأمية معرفة أخرى،
هى غير الجهل وفضله، وغير الغيب ورحابته
الجهل الذى ليس ضد العلم، والغيب الذى ليس ضد الشهادة، يكتملان بالأمية التى هى ليست ضد الكتابة والحساب.
الأمية تحررنا من أصنام بعدد حروف الكتابة وأرقام الحساب
الأمية تعلمنا القراءة الكلية بلا حروف قابلة للانفراط
الأمية الأروع هى أن تعرف الكتابة والحساب، ثم تعمق بهما أميتك فلا يحلان محلها
هل هذا يا إلهى هو ما قلته لمولاىَ؟
لست متأكدا
لكننى متأكد أنك تباركه
قل لى لماذا؟
لأنك تباركه
سهم الأمية هكذا، هو نصيبها فى المعرفة:
هو إعلان المباشرة وتنمية المكاشفة، ومسئولية المجاهدة، ومعاناة الرؤية.
16) وقال للنفرى:
وقال لى: لا تكتب ولا تـهم، ولا تحاسب ولا تطالع
فقلت له
لا..لا..لا..! ؟ لماذا كل ذلك ؟
أخشى أن أجد نفسى مغرورا بالنفى فرحا به،
حين يتعاظم تقديس الحروف الأصنام بالحساب والكتابة والمطالعة، ينقذنى نهيك عنها ولو إلى حين
أما نهيك عن الهم فلم يصلنى منه ما ينبغى
حتى من الفقرة التالية
17) وقال للنفرى:
وقال لى: الهم يكتب الحق والباطل ،
والمطالعة تحسب الأخذ والترك
فقلت له
الحق هو الحق، والباطل هو الباطل، فما حاجتى لكتابتهما.
وحين يصبح الأخذ تركا، والترك أخذا، فما حاجتى إلى المطالعة
18) وقال للنفرى:
وقال لى: ليس منى ولا من نسبتي
من كتب الحق والباطل وحسب الأخذ والترك
فقلت له
إلا هذا هكذا
أكتب الحق والباطل فلا يصلنى عدل ولا رحمة من خلالهما إلا إن كانا وسيلة إليك.
أحسب الأخذ والترك فلا يحوّل أى من ذلك طريقى عنك
لا آخذ إلا منك، ولا أترك إلا ما هو ليس أنت، فلا حاجة بى لحساب أو كتابة
أكتب وأحسب، وأحسب وأكتب، وأنا منك ومن نسبتك مهما خالفتك،
مهما تجاوزت تحذيرك.
علمتنى أن أعشم فيك حتى وأنا أخالفك
19) وقال للنفرى:
وقال لى: كل كاتب يقرأ كتابته، وكل قارئ يحسب قراءته
فقلت له
أخشى التعميم حتى أكاد أختنق
من اكتفى بما كتب، ورضى بما حسب، فهو الكسيح عن السعى بهما، وبدونهما.
وليشبع بما اختار فهو لن يوصله إلا إلى ما اختاره.
وسوف يجد نفسه داخل حلقة ذاته، وظاهر ادعاءاته، وغباء حساباته، وتحوصُلِ معارفه؛ فهو لم يتجاوز، ولم يغامرْ، ولم يستسلمْ، ولم يسلّمْ، ولم يهاجمْ، فلم يشاهدْ ولم يعرفْ.
فليشبع بما كتب، فهو لن يقرأ إلا ما كتب
وليقف عند ما قرأ، فهو لن يعرف إلا ما حسب.
وسوف يظل ليس منا، وليس منك، وليس بشىء.
أما من كانت كتابته مسئولية، وقراءته أمانة ،
فكفى بنفسه عليه حسيبا..اليوم وكل يوم، طول العمر، وبعد العمر