نشرة “الإنسان والتطور”
10-8-2009
السنة الثانية
العدد: 710
يوم إبداعى الشخصى
حوار مع الله (15)
المتن: من مختارات موقع توفيق رشد www.philomaroc.com
ثراء حركية الجهل، والخوف من جمود منظومة العلم (3)
مازلت أشعر بأن استيعاب أكثر من فقرة، من متون النفرى، هو أمر صعب، ومسئولية جسيمة،
فأكتفى اليوم بعشر فقرات، والله المعين الستار.
………….
وقال (للنفرى)
(17) وقال لى أُقْعُدْ فى ثُقْبِ الإِبْرَة ولا تَبْرَحْ، وإذا دخل الخيط فى الإبرة فلا تُمْسِكه، وإذا خرج فلا تَمُدّه، وافرح فإِنّى لا أُحِبّ إلاَّ الفَرْحان.
فقلت له:
أقيس رؤيتى لك بفرحتى بك، وبى، وبهم
الفرح علامة الرضا،
والرضا معرفة أخرى،
هى المعرفة الحركية بالجهل وبالعلم إلى المعرفة
وهى تسمح أن يسعنى ثقب إبرة، فإذا دخل شدنى إليك لا زاحمنى فيك،
وإذا خرج لا أمده أكثر،
أسمح أن يمتد إليك، لا يجرجرنى إليه، ولا يصحبنى معه
لست فى حاجة إلى غير ما أنا فيه، شريطة ألا أستقر فيه،
أنت تدعونى للفرح وأنك لا تحب إلا الفرحان
فرحت،
ولكننى حين أحزن، أحزن أيضا إليك فَرِحاً
حزنى الجاد هو فرحة
فأطمئن إلى أنك تحبنى فى الَفَرَحَيْن
الفرح الحزين،
والفرح الفِرِحْ
فأفرح أكثر.
فتحبنى أكثر
فأحبهم
فأفرح أكثر
*****
(18) وقال لى التقط الحِكْمَة من أفواه الغافلين عنها، كما تلتقطها من أفواه العامدين لها؛ إنّك ترانى وحدى فى حكمة الغافلين لا فى حكمة العامدين.
فقلت له:
الحكمة حين تسمى حكمة، لا تعود حكمة،
اتسعت الرؤية علىّ وأنا أنظر من خلال غفلة الغافلين لا بعيـونهم،
فأصبحت مدينا لهم
أحمل أمانتها عنهم حتى يتسلموها إليك.
أراك وحدك فى وحدانيتك، ليس كمثلك شىء،
لكننى أراك أيضا فيهم وبهم، فينا وبنا
*****
(19) وقال لى أكتب حكمة الجاهل كما تكتب حكمة العالم.
فقلت له:
طيب، وحكمة المجنون ؟ !!!
هو أحكم من أن يتنازل عن جهله،
وأجهل من أن يـُملِى حكمته
وأفشل من أن يتحمل مسئوليته إليك
لا أكتب حكمة الجاهل إلا محيطا بما تعدُ حكمته من علم
ولا أكتب حكمة المجنون وأنا على مسافة منه، كما أننى لا أكتبها على حسابه
ثم أننى لا أطمئن لحكمة العالم إلا إذا اطمأننت لجهله
*****
(20) وقال لى الحَرْفُ لا يَلِجُ الجَهْلَ.
فقلت له:
لكنه يزعم محو الجهل وهو لا يمحو إلا نفسه
يطمس نفسه فى نفسه بنفسه،
يلج العلم فيخفيه فيحل محله
يصبح العلم حرفا
ويبقى الحرف خاويا من الجهل ومن العلم ومن الحرف نفسه
*****
(21) وقال لى الحَرْفُ يَعْجِزُ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يُخْبِرُ عَنِّي.
فقلت له:
المصيبة أن من لا يعرف إلا الحرف، يصدّق أنه يحكى عنك،
الحرف الذى يطفو فوق المعنى فيحجبه هو نعش فارغ حتى من جثته
فكيف يخيل إليهم أنه يمكن أن يخبر عنك
إلا إن كانوا يظنون أن ما يحسبونه أنت، هو أنت.
*****
(22) أوقفنى بين يديه وقال لى الحَرْفُ حِجَابٌ. وكلّية الحرف حجاب. وفرعية الحَرْفُ حِجَابٌ.
فقلت له:
علّمتنى كل ذلك وأنا لا أتعلم،
وما زلت فى حاجة إلى حجاب يحمينى من رؤيةٍ قبل الأوان
الحجاب حتى بالحرف سترٌ وغطاء
أختبئ خلفه على شرط ألا يحل محل ما يحجب
وحين أستغنى عنه مطمئنا : أجدك فى انتظارى وانت تعرف شوقى
فلا أعود إليه إلا أحيانا، وبإذن خفى منك
لأعودَ إليك
*****
(23) وقال لى العلم الذى ضده الجهل؛ علم الحرف،
والجهل الذى ضدّه العلم جهل الحرف.
فاخرج من الحرف تعلم علماً لا ضدّ له.
وتجهل جهلا لا ضدّ له.
فقلت له:
وماذا أفعل إن أنا خرجت قبل الأوان فلم أجدنى فلا أجدك،
أمهلنى حتى أستغنى عن الحرف،
وعن العلم الضد،
وعن الجهل الضد،
ساعتها لن أحتاج أصلا إلى حروف
الحروف أعجز عن أن ترسم كل ما لا ضد له
لكننى فى حاجة إليها – كما تعلم – بين الحين والحين
حتى أستطيع أن أواصل.
*****
(24) وقال لى أُخْرُجْ مِنَ العِلْمِ، تَخْرُجْ مِنَ الْجَهْلِ.
فقلت له:
مستعد أنا أن أخرج من العلم شريطة ألا يحرمنى فضله
ولا أريد أن أخرج من الجهل إلا إلى علم يسمح به،
أخشى أن أخرج من الجهل فينقض علىّ العلم الخالص بلا جهل،
فلا أكون
فلا ترضى
فلا أرضى
*****
(25) وقال لى أُخْرُجْ مِن العِلْم الذى ضده الجهل،
ولا تخرج من الجهل الذى ضده العلم تَجِدُنِي.
فقلت له:
نعم ..!! نعم..!!
فما حاجتى إلى علم مغلق
أنا أحوج إلى جهل واعد “أن أكون” فأصير، فأجدك
فإن لم “أكنْ”،
فلسوف أستقر، أهمد، أسكن،
فلا أجدك
وإن “كنتُ” بدونك، لم أجدك، فلا أكون
فأسرع من جدبد أحتمى بالجهل
وأواصل،
فأجدك
فأواصل
لا أخرج من العلم الذى ليس له ضد
ولا أستقر فى الجهل حتى لو اطمأننت أنه ضد العلم الذى هو ليس علما
*****
(26) وقال لى يا عارف أين الجهالة منك، إنّما ذنبك على المعرفة
فقلت له:
ذنبى أننى عرفتُ حتى حسبت أننى استغنيت عن جهلى، فسامحنى
وحين انتبهتُ، استعدتُ حقى فى الجهالة
فاغفر لى ذنب المعرفة اللامعرفة
*****
(27) وقال لى إِن انْحَصَرَ عِلْمُكَ لَمْ تَعْلَمْ
فقلت له:
ينحصر العلم فى العلم،
وينحصر الحرف فى الحرف،
ولا تنحصر أنت فى الجهل،
فهو الطريق الآمن إليك
فيتجرجر العلم وراءنا
يخدمنا، لا يسحبنا، ولا يسجننا
فلا يبرر لنا ما ليس هو
………
*****
(بدءا من هنا ، مختارات “توفيق رشد” من كتاب المخاطبات)
(28) يَا عَبْدُ، إلْقِ عِلْمَكَ وَجَهْلَكَ فِى الْبَحْرِ.
فقلت له:
ومن أضمننى؟
خصوصا لو فعلتـُها قبل الأوان10
فمتى الأوان؟
*****
(29) يا عَبْدُ عَذَرْتُ مَنْ أَجْهَلْتُهُ بِالْجَهْل، مَكَرْتُ بِمَنْ أَجْهَلْتُهُ بِالْعِلْمِ
فقلت له:
عرفت ذلك
فحذرت أن أنهل من العلم إلا حين أطمئن إلى ما به من جهل
أعلم أنك خير الماكرين
وأنت أيضا أرحم الراحمين
خاصة بمن يحاول
وأنا أحاول
فلا تجهّلنى بالعلم
ولا بالجهل
يطمئننى كدحى،
وأخاف الليل إلا وشمسك تضيئنى فى ظلامه إليك.
*****
(30) يا عبد آية معرفتى أن تزهد فى كلِّ مَعْرِفَةٍ
فقلت له:
لأ أزهد فى المعرفة إلا أن أطمئن إلى جهلى،
ولا أطمئن لجهلى إلا حين أزهد فى المعرفة التى لا تهدينى إليك
وحين أزهد فى هذه المعرفة أجد المعرفة التى تتفجر من جهلى نحوك
فأجدك
فأجدنى
فأجدك
وهكذا