الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / يوم إبداعى الشخصى: انتهاء العمر الافتراضى لكلمتى الاشتراكية والرأسمالية فماذا عن المضمون؟

يوم إبداعى الشخصى: انتهاء العمر الافتراضى لكلمتى الاشتراكية والرأسمالية فماذا عن المضمون؟

يومياً” الإنسان والتطور

27-10-2008

السنة الثانية

العدد: 423

يوم إبداعى الشخصى:

شعرت وأنا أرد على أسئلة صحفى شاب متحمس حول الجارى حاليا فى العالم، ونحن جزء من هذا العالم على ما أذكر، أننى ابتدع – من منطلق جهلى بالاقتصاد خاصة – نظريات وفروض، يمكن أن أعتبرها من صلب إبداعى الخاص ، فقلت أنتهزها فرصة وأعيد توصيف هذا الباب بأن أعرض فيه أية فكرة جديدة، من أى نوع،  حتى العلمى منها،  أو أى تعديل لفكرة قديمة، حتى من أفكارى، أو فروضى، أو شطحاتى، أن أعرضها فى هذا الباب بين الحين والحين، خاصة وأن بقية الأيام كادت أن تشغل بما  هو “نفسى” و”حالات” و”إشراف” وكلام من هذا.

(أم يا ترى هو استسهال يخرجنى من مأزق الوقت – اليوم على الأقل – حين  أستعمل ما أكتب لخدمة غرضين فى نفس الوقت؟

ربما، أن هذا هو الأرجح” دعونا نرى:)

انتهاء العمر الافتراضى لكلمتى الاشتراكية والرأسمالية

فماذا عن المضمون؟  

سؤال وجواب:

1- الإشتراكية غابت والرأسمالية تاهت.. العالم إلى أين؟

الإشتراكية لم تغب والرأسمالية تائهة طول الوقت بين أوهام التفرد بالساحة، ونهاية التاريخ.

يمكن البدء بالقول بأن الاشتراكية لم تغب، ولم تفشل، وإنما تأجل تطبيقها بما تستحق كما تستحق، حتى يأتى زمان يلائمها، بل حتى نُعِدَّ لها ناسا قادرين على حمل مسئوليتها، ناس من الحكام ومن المحكومين على حد سواء.

هناك قول معاد يتكرر على كل الألسنة يقول: إنه علينا أن نفرق بين النظرية والتطبيق، وألا ندمغ النظرية أو حتى ننتقدها، لمجرد فشل تطبيقها، هذا قول لم يعد يوجد طائل من استعادته طول الوقت، كل المبادئ والنظريات والأيديولوجيات تبدو براقة واعدة على الورق، ونحن لا نتبين مدى مصداقيتها موضوعيا، وإمكانات تفعيل وجودها إلا بعد أن تدخل اختبار الزمن إذا ما انتقلت من الفكر إلى أرض الواقع. كان هذا صحيح دائما، بدءا بأفلاطون حين حلم بالحاكم الفيلسوف، فهو حين حاول تطبيق أفكاره على أرض الواقع، فشل فشلا ذريعا، برغم صحة كثير من أفكاره حتى الآن.

من حقنا أن نحاكِم التطبيق، على ألا يمتد ذلك تلقائيا إلى رفض الأفكار التى حاول حمل مسئوليتها فلم يفلح.

 تنجح الفكرة (أو الفلسفة أو الأيديولوجى) على أرض الواقع بشروط يعرفها التاريخ جيدا، ومن أهمها:

أولا: أن تتناسب النظرية مع اللحظة التاريخية التى يتم فيها التطبيق.

ثانياً: أن تتناسب هذه اللحظة مع احتياجات الناس فى هذا الزمن بالذات.

لم تنجح أفكار سيجموند فرويد لأنها أصح وأصلب وأكثر إبداعا من أفكار كارل جوستاف يونج وإنما نجحت لأنها ظهرت بعد، وفى مواجهة القهر الذى فرضه العصر الفكتورى والسلطة الكنسية على الناس فى أوربا قبيل ظهور التحليل النفسى الفرويدى، كان الناس فى أمس الحاجة إلى مساحة من الحرية والسماح (والجنس)، فانتشرت أفكار فرويد دون يونج، الذى كان يحتاج إلى ناس لم يظهروا بعد، ناس فى سعى دائم إلى تخليق بشر جدد يسعون إلا “تفرد تكاملى” ممتد بلا نهاية،

 الفشل الأعظم تمثل أيضا فى أفكار نيتشة، وأغلبها باهر سليم، لكنها ظهرت فى غير أوانها، والحمد لله أن صاحبها –وليس الناس- هو الذى دفع ثمنها منفردا، لنأخذ منها نحن حتى الآن ما تيسر جزءًا جزءًا كما نستطيع، لما ينفعنا.

الإشتراكية كمبدأ وأمل وإيقاظ وحركة وترجيح عدل، مازالت قائمة وحاضرة تتحدى، أما أخطاء التطبيق فلا ينبغى أن تشوه المبدأ أو تهدره، بل الواجب أن تكون حافزا للبحث والمراجعة فمزيد من الإبداع، نظريا وتطبيقيا.

2- هذا رأيك فى الاشتراكية فماذا عن الرأسمالية ، ألا يعلن الجارى حالا أنها  تاهت؟

أنا لا أعرف تعريفا ثابتا لما يسمى الرأسمالية كما لا أعرف قوانينها المتلونة، فهى مرة تركز على حرية أو غريزة التملك، ومرة على ما يسمى سياسة السوق، ومرة على حرية حركية النقود، يخيل إلىّ أن كل هذا يتكشف فى التطبيق أنه ليس إلا غطاء لإطلاق سعار “عدم الأمان” لحساب الأقوى الذى هو فى نفس الوقت الأغبى، هو الأغبى من حيث أنه – غالبا – لا يحسبها لنفسه ولا للناس بما يعود عليه بما يجعله إنسانا بحق،

 إن لم يعد المال على صاحبه بما يملأ وعيه، ويعمق فرحته المسئولة بنفسه وناسه ونوعه، فرحته الممتلئة بزخم الألم الخلاّق، وحفز السعى الدائب للإسهام فيما ينفع الناس، ويعمر الدنيا، ويطلق الإبداع، ويمكث فى الأرض، فهو الغباء بعينه.

3-  نحن نعيش فشلا على الناحيتين أيا كان هذا الفشل فى النظرية أو التطبيق، وبالتالى يحق لنا أن نتساءل الآن: العالم إلى أين؟

هذا  السؤال عن “العالم إلى أين”؟ سؤال مشروع مهما صعبت الإجابة عليه، وأعتقد أنه سؤال مطروح على كل إنسان سواء وصل إلى وعيه الظاهر، أم تحرك فى عمق توجه برامج الحفاظ على نوعه، والإجابة عليه لا ينبغى أن تكون قاصرة على أن تُصدر الصفوة توصية أو فتوى، بقدر ما نحتاج أن تكون المسألة هى مسئولية كل فرد، بقدر ما هى مسئولية أكبر على كل مسئول أو حاكم يتحكم فى أعداد أكبر فأكبر من الناس، وهو يوجههم أو يضللهم، أو يستعملهم.

عموما فرأيى الخاص للإجابة على هذا السؤال “العالم إلى أين؟” هو أننا نحن “الناس”، سوف ننتصر حتماً إذا مارسنا حقنا “معا” فى ساحة الإبداع (ليس بمعنى كتابة شعر أو تشكيل لوحة) لقد اتسعت هذه الساحة مؤخرا لكل الناس، والتواصل بين البشر أصبح قادرا على أن يسهل تجميع نغمات الإبداع من كل مكان فى لحن موحد جديد حفاظاً على هذا النوع البشرى الرائع،

 التواصل بين البشر – عبر الإنترنت وغيره- هو الذى أعنيه باتساع ساحة الإبداع، كل الناس يعرفون أن الديمقراطية المعروضة فى السوق “مضروبة”، لكنهم يصبرون عليها لأن البديل ألعن، ولن يحل هذا الموقف إلا إبداع ديمقراطية أصيلة، وهذا وارد حين تنجح أن تسخر التكنولوجيا الحديثة للتوصيل والتواصل فى خدمة المشاركة فى اتخاذ القرار وتحمل المسئولية على مستويات متصاعدة متجددة،

 نفس الحكاية بالنسبة للاشتراكية التى أسىء استعمالها، حتى تشوهت وهى تحمل نفس الاسم فهى لم تعد الاشتراكية الأصيلة، وبالتالى لم يستطع التطبيق الخاطئ أن يمثّلها فيحافظ على استمرارها برغم اليقين أن البديل ألعن وأخطر، ومن ثَمّ على العالم أن يعمل على إبداع آليات, تربية بشر بشكلٍ أقدر على تخليق اشتراكية قابلة للتطبيق لتحقيق ما تعد به من عدل، وفرص وإبداع، حتى لو لم تظهر بهذا الاسم: “الاشتراكية”، تماما  كما أنه ليس من الضرورى أن تظهر الديمقراطية بنفس الاسم.

وإذا لم ننجح فى الوقت المناسب، لتحقيق ولو بعض ذلك على أرض الواقع، فهى نهاية النوع البشرى، وليست  نهاية التاريخ، كما تصور بعض قصار النظر على الجانب الآخر.

 المصيبة، أو النذير الواجب إبلاغه للمسئولين الأول عن هذا الاحتمال -الانقراض- هو أنهم: قادة الجشع والتوحش الاستغلالى والخداع الشعاراتى، سوف يكونون على رأس قائمة الانقراض،

 (محلوظة: انقرض من سائر الأحياء على مدار التاريخ 99.9 %، والباقى، ومنهم الجنس البشرى، لا يمثل إلا واحد فى الألف، فاحتمال الانقراض وارد، وعلينا أن نسرع فى إبداع الحياة فى الاتجاه السليم، وليسرعوا معنا إذا أفاقوا، فهم فى أول القائمة فى طابور الفناء).

4- آثار الأزمة الاقتصادية، سيكون لها – بتداعيات المشهد- متاعب اجتماعية، من شأنها التأثير على الحالة النفسية للإنسان فى أى مكان، خاصة فى دول العالم النامى؟

حالة نفسية ماذا يا سيدى؟ أصبحتُ حساسا جدا لإدخال مثل هذه التعبيرات: “التفسير النفسى” أو “الحالة النفسية”، للفتوى فى السياسة والاقتصاد والجوع والفقر والقتل والحروب والتطهير العرقى، بما فى ذلك وضع لافتات تشخيصة لعامة الناس على ناحية (الاكتئاب القومى!!) ولقتلة البشر الحكام السفاحين الإرهابيين بلا رادع على ناحية أخرى، (مجانين الحكم!)

  لا بد أن يتواضع النفسيون وهم يتصدون بالفتوى فيما يحتاج لأكثر من علمهم ومعلوماتهم بكثير، أنا أصر دائما أن أرفع صفة “النفسية” عن مثل هذه التساؤلات، مع احترامى للسائل الذى يطمع فى علمنا أكثر مما نملك، ثم إننى أحذر عادة من أن يكون وصفنا لهذا الخراب أو القتل أو النهب بألفاظ نفسية، أن يكون فيه نوع من التبرير وليس التأويل العلمى المتواضع.

أما أن تكون هذه الآثار النفسية أخطر على ناس دول العالم الثالث، فهذا بديهى، ولكنها ليست فقط الآثار النفسية، ولكنها كل أنواع الآثار التى تترتب على الظلم والقهر والإبادة واستعمال البشر للبشر، إن الأضعف والأكثر احتياجا هو الذى يدفع الثمن عادة، فتزداد الهوة حتى يكاد يصبح الجنس البشرى أكثر من نوع من الأحياء.

5- هل فشلت الإشتراكية فى التطبيق – كما ذكرت – أم أنها فشلت لأنها على عكس الرأسمالية  تتخفى وراء ستار حديدى، وبالتالى لا تظهر عيوبها؟

 الإشتراكية لم تتخفَّ وراء الستار الحديدى، ربما يكون الستار الحديدى قد خنقها لفترة تحت زعم الاضطرار، لكنها ترعرعت حين زال الستار الحديدى، وكأنها  رفضت أن تختنق وراء من لم يستوعبوها بحقها، كما أنها رفضت أن يحتكرها غير أصحابها،

 أما أن الرأسمالية لا تتخفى وراء ستار فهذه هى أوهام ما يسمى كذبا بالشفافية، إن  الشفافية المعلنة ليست شفافية على الإطلاق، لقد أصبحت من الحذق والخداع بحيث تقوم بدور ستار أخطر ألف مرة من أى ساتر معلن، الستار الحديدى، اسمه ستار، وحديدى، فأنت تستطيع أن تقف دونه، أو أن تتخيل ما وراءه وتعمل حسابه، أم أن يقال لك إن كل شىء متاح ومباح بدليل أنه أمامك ظاهرا بكل هذه الشفافية، ثم تجرى الصفقات، والتربيطات، والتمثيليات، بين القوى الخفية، حتى على الحكومات الرسمية والمؤسسات الدولية، فهذا هو أخبث أنواع الستائر الشفافة الكاذبة المناورة، وهذا هو الذى يهدد بقاء البشر، بدءًا بالحيلولة دون إقامة العدل بينهم.

6- بالنسبة “للرأسمالية” هل فشلت بسبب تدخل “الليبرالييون الجدد” – المحافظون الجدد الآن – وانقلابهم على أفكار “آدم سميث”؟

جُدد ماذا، وآدم سميث مَنْ؟ هل تسمح لى أن أعلن جهلى بتعريف جامع مانع لهذين المفهمومين تحديدا، أنْ أعترف بجهلى هو بداية استعمال حقى فى الحديث بالمنطق البسيط  الذى هو حق كل مواطن، بل كل إنسان، ولنتذكر قول أينشتاين العظيم أن ” ـ العلم ليس سوى إعادة ترتيب لتفكيرك اليومى”، فاسمح لى أن أعيد ترتيب تفكيرى هكذا:

 بما أنى مواطن إنسان لى عقل بسيط، ومن أصحاب المصلحة، لا أكثر ولا أقل، إسمح لى أن أقول لك إن الرأسمالية، بالمعنى الشائع الذى وصلنى حتى الآن، هى نظام فاشل من أساسه، فهو يعلن غير ما يمارس، وينتهى إلى حيث لا يَعِد،

الأرجح الظاهر  أن الإنسان الفرد – من حيث المبدأ– هو الأقدر على رعاية ما يملك وتنميته أنجح من موظف مرتزق، أو حاكم حالم قاهر، لكن واقع الحال يقول إن هذا الفرد، ما لم تحده من خارجه، ثم من داخله، قيم إنسانية عملية (نفعية أيضا لنفسه ونوعه وناسه) فهو سوف يصبح أخطر من أى موظف أو حاكم حالم قاهر، والألعن حين تجتمع سلبيات هؤلاء الأفراد لتكريس التراكم الاغترابى على حساب عامة الناس، وهم يحسبون أنهم ينمون ثرواتهم الشخصية، التى لاتعود عليهم أصلاً بما هو إنسانى بحق.

7- إذا صح، بإعلان الأزمة الحالية، أن الرأسمالية فشلت، فأين هى مقومات النظرية “الكنزية” التى تضع الضوابط على حرية السوق، ولا تجعله – كما جعلوه – إله يعبد دون سواه؟

قلت لك معتذرا أننى لا أعرف هذه المصطلحات الاقتصادية بما يكفى للرد على هذا السؤال، أنا لا أستطيع أن أعلّق هذه اللافتات لأزين بها كلامى من أول “آدم سميث” حتى “النظرية الكنزية”، أنا لا أفهم فى الاقتصاد عموما، هذه هى انطباعات مواطن مجتهد، حتى الماركسية فإن بعض ما أعرفه عنها هو ما يقع تحت لافتة “الفلسفة” أكثر من الاقتصاد، أيضا: لقد وصلنى من أطروحة جارودى عن التفسير المادى لنظرية المعرفة  قبل وبعد إسلامه، ما أفادنى أكثر مما وصلنى من تاريخه الشيوعى، أو إسلامه الصوفى، وأعتقد أن ثم رابط بينهما وصلنى وأنا أحاول سبر أغوار دوافعه للإسلام، الأمر الذى أشك أن الأزهر بذل الجهد الكافى لفحصه، فلا تطلب منى أن أفتى فيما لا أعرف.

8- بعد السقوط –للرأسمالية ومن قبلها الإشتراكية– هل العالم –من الناحية الإنسانية– فى حاجة إلى “طريق ثالث” يجنبه المعاناة تحت هذه النظريات التى ثبت فشلها؟

قلت لك إن الإشتراكية لم تسقط، وأن الرأسمالية لم تنجح أصلا حتى تسقط، ثم دعك من استسهال الحل بكلمة “الطريق الثالث”، كما شوهوا الإسلام بسوء فهمهم لما هو “أمة وسطا”، ثم أرجوك أن تتابع الطريق الثالث فى الكتاب الأخضر للمفكر الأخ العقيد معمر القذافى (!!!)،

 هل المسألة هى رص كلام والسلام؟

 وهل هو البحث عن مهرب تلفيقى؟

 ما أسهل وأقبح أن تتكلم عن “الاشترامالية”، شىء أشبه بنحت لفط “المتشائل”، أنا أكره الحلول الوسط، سواء كانت حلولا ثالثة أو رابعة، الناس تخلط بين الحل الوسط (الذى أفضل أن أكتبه هكذا “حَلْوسَطْ” للإيحاء برفضه) وبين الجدل الخلاّق،

 إن إبداع  حل جديد أصيل من تفاعل متناقضات حركية متجددة، هو أمر مختلف تماما عن عمليات القص واللزق المشوهة، (شوية اشتراكية، على شوية رأسمالية، وصلّحها).

9- البعض يطالب – مع تداعيات الأزمة – باقتصاد إسلامى؟

إهانة الإسلام باختزاله إلى هذا النظام أو ذاك، هو جريمة دينية وعبث علمى معا. الإسلام وكل الأديان تضع مبادئ عامة لعلاقة البشر ببعضهم البعض، وبأنفسهم، وبالكون سعيا إلى وجه الحق تعالى، مثلا: فى الإسلام الذى أعرفه: لا أحد يملك شيئا أصلا مهما صدرت الفتاوى المرحلية، المال مال الله، أى مال الناس، لنحقق به ما خلقنا من أجله، ولا توجد وصاية على هذه الآلية عند التنفيد من أى ممن يدعى أنه “ولى الله المكلف للقيام بهذا العمل، ولا حتى صاحب المال نفسه، أعنى أن صاحب المال ليس له حق التصرف فى ماله إلا لما خُلق له.

المفروض أن التنظيمات التى ترتب ذلك استلهاما من هذا المبدأ الأساسى توضع حسب اللحظة التاريخية موضع الاختبار لتحقيق هذا المبدأ، وتعدّل أولا بأول من واقع عملىّ (إمبريقى) أما اجتهادات التفسير الجامدة التى تعرض تفاصيل التفاصيل  لما كان يجرى فى فترة زمانية بذاتها، فهو مسئولية من يتصدى لذلك، وسيحاسبه الله عليه.

نحن البشر حملة أمانة المال لا أكثر، وعلى النظم العصرية أن تنظم إنفاقنا –حتى على أنفسنا – مما نحن مستخلفون فيه،  هذه هى كل الحكاية، فلماذا ندخل كلمة الإسلام فى تعاملات لا تختلف إطلاقا عن كل التعاملات التى سمحت بالاستغلال والتراكم والتربيطات والاغتراب واستعمال البشر للبشر؟

الأرجح عندى أن  أغلب  النظم التى استعملت كلمة الإسلام فى المجال الاقتصادى، لم تختلف عن النظم الرأسمالية المغتربة إلا فى تعليق لافتات مغايرة حسب الطلب، أم ما يجرى تحت هذه اللافتات فالأغلب أنه هو هو مثل أى نظام تراكمى مغترب خطر، أضف إلى ذلك خدعة الدعاية بالحلال والحرام، ثم سهولة تحديد وكلاء خصوصيين لله سبحانه لتشغيل ماله، الذى هو مكتوب باسم الأفراد، لكنهم لم  يقدروا  على حمل أمانته، فليتولّ هؤلاء الوكلاء ذلك باسم الله!! هذا خطر أكبر.

قلت لك أننى مواطن عادى، لا أفتى اقتصاديا، وكل هذا هو ما وصلنى من الرسائل التى تبلغنى أثناء ممارساتى اليومية فى مجالات الحياة المتعددة، لا أكثر ولا أقل.

10- البعض الآخر يرفض ما يسمى الاقتصاد الإسلامى، على افتراض عدم نجاحه فى ظل العولمة؟

يرفض ماذا يا سيدى؟

إن كان يرفض خدعة تعليق لافتات إسلامية على ما هو ليس إسلاما فأنا أوافق كما ذكرت حالا، فكل ما ذكرته فى الرد على السؤال السابق هو رفض.

 أما إن كان يرفض الفكر الجوهرى الإبداعى الحضارى للإسلام (وسائر الأديان) من أنه لا “أحد يملك شيئا”، واننا لسنا إلا حملة أمانة المال، وأن من يخون هذه الأمانة، هو آثم بكل المقاييس، فى كل الشرائع، وهو ما أعتبره شخصيا صلب الإسلام الذى أعرفه، فأنا أرفض رفضه،

 لا يوجد شىء اسمه الاقتصاد الإسلامى، الإسلام وغيره من الوحى السليم قدم لنا قواعد إبداعية رحبة، تحتاج لتطبيقها، المناسب من القوانين الاقتصادية، التى تحترم الواقع زمانا ومكانا، وليس الاقتصار على تفسير بشرى محدود بقصور فهم فئه من البشر للنصوص الشرعية التفصيلية التى يتحدد محتواها بالزمان والمكان ، والتى لا يمكن أن تختلف مع المبادئ الأساسية الجوهرية لأى دين جاء يحقق كرامة الإنسان، ويحفز تطوره إلى وجه الحق تعالى، ويدعو إلى تعمير الأرض.

11- هل سقوط الرأسمالية يثبت قصر نظر “فرانسيس فوكاياما” الذى توقع “نهاية التاريخ” بصعود الرأسمالية؟

يا سيدى، الرأسمالية لم تسقط ، لأنها لم تنجح أصلا، هى تتوحش أكثر فأكثر برغم الفزع الأكبر الجارى حاليا، والاشتراكية لم تسقط برغم سقوط بعض النظم التى حاولت تطبيقها أو أرغمت على تطبيقها، الصراع قائم، وأرجو أن ينقلب جدلاً، لعل وعسى.

أما فوكوياما فليس عندى تعليق عليه إلا بعد أن أقرأ كتابه من الجلدة للجلدة، لكن ما وصلنى من العنوان هو أنه ربما لا يعرف معنى كلمة “نهاية” ولا معنى كلمة “تاريخ”، والانطباع من العنوان لا يكفى.

إذا كنا نتعامل مع التاريخ والتطور وحركية الإيمان وتواصل الإبداع، فلا يوجد شىء اسمه “نهاية ” أصلا،  كل نهاية هى بداية ، حتى نمو الإنسان الفرد هو سلسلة من الولادات الجديدة طول الوقت (مثلا: حسب أوتورانك، وإريك إريكسون، والنظرية التطورية الإيقاعية للعبد لله)، بل إن النوم نفسه هو موت لبعث ، وأنا  أحب أن أردد دائما دعاء النوم والاستيقاط فى الإسلام، الذى يؤكد أنه لا نهاية إلا لبداية، حتى بالموت، نحن ننام فنستعد  للنهاية  “..الله إن قبضت نفسى فاغفر لها “، ونستيقظ فنولد من جديد “الحمد لله الذى أحيانى بعد ما أماتنى وإليه النشور”، هذا مبدأ بسيط خطير، لو حاولنا استثماره إبداعا اقتصاديا وتشكيليا تربويا دون وصاية المفسرين، فربما ساعدنا ذلك فى العثور على جديد ينقذنا من أنفسنا ومن وصاية فوكوياما وكل الذين يتعاملون مع التاريخ والموت والثروة من موقع سكونى كمى، لا يقدم لهم إلا حركة فى المحل على حساب الحياة والناس.

ما دامت هناك حياة، فالحركة مستمرة، وبالتالى لا يوجد شىء اسمه نهاية التاريخ، إلا يوم القيامة،

 أتصور أن كلمتى الاشتراكية والرأسمالية أصبحتا كلمتين متحفيتين، أنا آمل – كمواطن عادى- أن تنجح سلطة راشدة أن تخدع أصحاب المال (وليكن تحت اسم الرأسمالية) أن  يوظفوا ما يتصورون أنهم يملكونه، عبر عدد أكبر من النشاطات الانتاجية ليعود على أصحابه – عامة الناس – بما يحقق العدْل فيطلق الإبداع، هذه الرأسمالية لم توجد بعد. وعندى أمل أن توجد  بشكل أفضل، وساعتها سنكتشف أنها الوجه الأقدر للإشتراكية، وربما يستحسن أن نجد أسماً لائقا بدلا من التلفيق والحل الثالث.

لكننى أشك فى إمكان تحقيق تفسيرى الخيالى الآمِلِ هذا حتى الآن.

يقول نجيب محفوظ فى ملحمة الحرافيش ” لا دائم إلا الحركة …”، ويقول ” …لو أن شيئا يدوم، فلِمَ تتعاقب الفصول”، فأى نهاية وتاريخ يتكلم عنهما فوكوياما؟!

12- هل من تدابير تتبعها الدول لتجنب الآثار النفسية التى قد تحل – وسوف تحل – على الناس؟

نفسية ماذا يا سيدى؟ برجاء الرجوع إلى إجابتى عن سؤال رقم (4) لقراءة تحفظى على ما يسمى “الآثار النفسية”.

13- ما السبيل أمام البشرية – عن طريق المنظمات الدولية – كى تتجنب مثل هذه الكوارث التى أدت بالعالم من قبل إلى “حرب عالمية” ثانية استمرت لــست  سنوات بعد أزمة “الكساد الكبير” عام 1929.

أنا لا أثق فى هذه المنظمات الدولية، وأعتقد أنها تدار بقوى خبيثة نعرف بعضها ولا نعرف أغلبها، كما أعتقد أنها هى نفسها – هذه المنظمات – مثلنا، لا تعرف تحديدا من يديرها، أو إلى أين؟

14- فى تقدير حضرتك هل سيتأثر المواطن العادى فى الشارع المصرى، وقد رأينا الرجل الذى انتحر من تداعيات إنهيار البورصة مع بداية الأزمة؟

هذه الصور التى تتصدر الصفحات الأولى فى مهرجانات الإعلام قد تكون ضارة تماما حين تحاول أن تختزل أزمة بهذا الحجم إلى وجه ينعكس ألما أو إلى دموع تجرى جزعاً، إنها تذكرنى باختزال أزمة التعليم إلى دموع البنات، والأهل التى تعلن صعوبة امتحان من امتحانات الثانوية العامة، لماذا هذا التسطيح هكذا؟ لإثارة من؟ ليعمل ماذا؟ دعونا نواجه المسئولية بدلا من الدموع والنفسية والفتاوى السهلة.

 البشرية كلها تنتحر يا سيدى – دون صور أو دموع- إذا هى استسلمت لهذه القوى الخبيثة حتى لو نجحت فى حل هذه الأزمة .

15- هل تنصح – كما يقول البعض– أن يكون لدور العبادة “المسجد والكنيسة”، دور تنويرى، زهدى، يحض الناس على الرضا، والقناعة والترشيد، فى ظل الأزمة الحالية؟

الله يخيب كل من يتمادى فى خداع الناس يا شيخ، حتى الدين قلبوه حسبة رأسمالية بالتركيز على الترغيب والترهيب والتسكين والتسويف، دون جهاد المعرفة أو حركية الإيمان،

 أنا واثق أن الله سبحانه وتعالى سيحاسبهم حسابا عسيرا عسيرا إذا استمر الخداع كذلك!، زهد ماذا وقناعة ماذا؟

نحن نرضى عن الله إذْ يرضى عنا حين نحقق العدل، ونأبى الإهانة، ونواصل الثورة لصالح الأكثر فالأكثر.

أستغفر الله العظيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *