“يوميا” الإنسان والتطور
1- 9 – 2008
بداية السنة الثانية
العدد: 367
يوم إبداعى الخاص: يعنى ماذا؟
سنة كاملة!!! والفضل لأصحاب الفضل !
لم يصدق أحد، ولا أنا، أن هذه النشرة يمكن أن تتم عاما كاملا من عمرها تحت أى ظرف، 366 يوما بالتمام والكمال، لكن هذا هو ما حدث. حين هممت أن أختار موضوع اليوم فيما يسمى “إبداعى الخاص” الذى أتعرف من خلاله على نفسى، أو أنوه للأصدقاء عن بعض محاولاتى، قفزت إلى هذه النشرة التى صدرت لمدة عام كامل ممثلة لما أعرضه فى هذا اليوم بالذات.
وهل كانت نشرة الإنسان والتطور هذه إلا ما يشير إليه هذا العنوان،
أفليس هذا هو بالضبط ما يعيبها؟
وإن كان هو هو ما يميزها.!!!!
من حقى أن أتوقف، لأنظر إلى ما انتهت إليه الأمور، وكيف يمكن أن تستمر أو غير ذلك
قبل هذا التوقف للنظر، لا بد من الاعتراف بالفضل لأصحاب الفضل، وهنا يتجلى الحرج بالنسبة لذكر الأسماء تحديدا، من أذكر؟، ومن أنسى؟ طوعا، أو سهوا؟
أقر وأعترف انهم كلهم بلا استثناء أصحاب فضل فعلا،
بل إننى أكاد أشعر أن من لم يعقب كتابة على النشرة، ولا مرة واحدة، قد يكون هو الأقرب والأرحب، وقد يكون هو من تابع أغلب ما كتبت، فهو صاحب فضل كبير كبير، لا أعرف كيف استشعرته حتى اليقين، غالبا أنا أصـِّـبر نفسى، لمَ لا ؟.
عرفت بعض هؤلاء ممن لا يعقبون ولا بحرف واحد حين كنت ألوح جادا بين الحين والحين أننى على وشك أن أتوقف، فإذا بهم يصيحون فى، وكأنهم يهددونى، أننى ليس من حقى أنْ أفعل.
هناك فريق آخر كان يناقشنى شفاهة فيما أكتب (وفيما لا أكتب)، وكانت لمناقشاته كل الأثر فى تعديل مسارى، أو توازن الجرعة، أو التراجع عن خطأ، أو إكمال نقص.
فريق ثالث كان يرسل لى على “الميل” الخاص بى، دون الموقع، ربما ليأخذ راحته فى النقد والشجب والتنبيه وقرص الأذن والاعتراض، وكان هذا الفريق من أشجع مـَـنْ شجعنى على أن أمضى قدما،
كل هؤلاء على عينى وعلى رأسى دون ذكر أسماء، فهم بالذات لا يحتاجون لذكر أسمائهم، أعتقد أنهم ينتمون لآرائهم أكثر مما ينتمون لأشخاصهم، ناهيك عن أسمائهم.
اثنان لابد من ذكر أسمائهما تحديدا: الإبن والصديق د. جمال التركى، والإبن والصديق حافظ عزيز، الأول على انشغاله وفضله غير المسبوق فى شبكة العلوم النفسية العربية، فرِحَ، وشجَّعَ، وسمَحَ، ونشَرَ، وتابَعَ، وأمِل! ، ولعِبِ (بالتونسية وبالفصحى)، وتألـَّم لقلة المشاركة، وثابـَرَ، كل ذلك وسط هذا الانشغال الهائل الذى شغله ويشغله وهو يواصل ليل نهار محاولة تربيطنا بعضنا ببعض (نحن النفسيين العرب !!)،، برغم كل الصعوبات والخصومات والخلافات والاختلافات، ياه يا جمال!! أنت تقوم عنى بكل ما أتمناه برغم أننى – منهجيا – أكاد أكون الضد المكمل لكل ما تقوم به شبكتنا التى هى أنت،
ماذا أقول لك؟
ربنا يخليك، وينفع بك، ويجزيك عنا خيرا، يا شيخ.
بالرغم من إشفاقك علىّ يا جمال فى سنى هذه، وبالرغم من نصيحتك الباكرة بأن أتوقف قبل أوبعد أن أنهى السنة، هأنذا أكمل ما بدأت لمدة عام كامل بفضل تشجيعك، وبرغم تحفظك، ولست أدرى – طبعا- إن كانت أمامى سنة أخرى أم لا ، لكننى لم أكن أدرى يوم بدأت أيضا، إن كنت سأتم هذه السنة أم لا،
أعرف بوضوح أن الله سبحانه هو الذى سيقرر متى أتوقف مؤقتا أو نهائيا، فهل تسمح لى أن ندع هذه المسألة له؟ وبالتالى، فهأنذا أكمل وأنا أقرب إلى أهداف شبكتكم، شبكتنا، لأننى لاحظت مؤخرا أن النشرة أصبحت أقرب إلى النفسيين أكثر مما كنت أحسب، وبينى وبينك، مما كنت أرغب، ومع ذلك فأنا أجد نفسى أبعد أكثر مما كنت أقدر،
وهل أمامنا يا جمال إلا المحاولة والاستمرار والتصحيح؟
شكرا بجد
الإبن الصديق الثانى الذى لا مفر من ذكر اسمه هو حافظ عزيز، ليس طبيبا، ولا أريد أن اصنفه فهو – فى هذا المجال على الأقل – مجرد إبن صديق إنسان عادى جدا، ليس له أدنى علاقة بتخصص نفسىٍّ معين، وإن كانت له أوثق علاقة بالنفس البشرية كما خلقها الله
أشرف صفة تصورت أننى أستطيع أن أصفه بها هى أنه إنسان عادى، بأرقى معنى لما هو “عادى”، مع أننى اعتدت فى كتاباتى كلما اقتربت من كلمة “عادى” أو “عادية”، قفزت إلى قلمى صفات الروتين، والتوقف، والنمطية، واللا إبداع، ثم أنتبه فجأة- الآن وفى أوقات أخرى – أننى بذلك أبتعد كل البعد عما هو “عادى” وهو يعكس كل ما هو ليس كذلك،
الله لم يخلقنا بهذه الصفات التى نلحقها بالعادى، الله خلقنا لنكون كما خلقنا:
نقرأ فنفهم،
نمشى فى الأرض فنكتشف
ننظر فنرى ما ننظر إليه،
يصعب علينا الفهم فنحاول ونؤجل حتى نفهم أو لا نفهم، ولا تنهد الدنيا،
نعيش فننتج،
نخطئ فنتعلم،
يمر علينا الوقت فلا يمر، لأننا فى حالة نمو دائم، والوقت يتجدد بالنمو فلا ينقضى، ….، إلخ
ماذا فى كل ما ذكرت الآن غير عادى، هذا الإبن الصديق ظل يقرأ كل اليوميات – تقريبا- قبل صدورها، وهو بهذه الصفات العادية، لم أطلب منه صراحة تكليفا بذلك، لكن ظروف صداقتنا وعمله أتاحت له هذه الفرصة الاختيارية حتى أحبها، أو اعتادها،
كنت أتعجب حين يطلبنى فى الهاتف ليعدل – فاهما ناقدا- من وضع كلمة “قد” مثلا، أو يصحح ضمير غائب، ولم تكن قراءته لتصحيح أخطاء مطبعية، بل لما هو أكثر من ذلك مما لا أجد له اسما أو وصفا، لعل أقرب وصف لما كان يقوم به هو: “الحرص على أن تصل الرسالة التى يتصور أننى أريد توصيلها، إلى أصحابها متقنة أبلغ الإتقان لتحمل ما أقصده”، هذا ما وصلنى خلال عام، أو شىء من هذا القبيل. كان حين يبالغ فى هذا الحرص، يتمادى حتى يقترح تعديل كلمة أوجملة حتى فى تقاسيمى على أحلام نجيب محفوظ، وهنا أثور عليه ثورة غاضبة أكتمها عادة، لكنها ثورة غاضبة فعلا، وبعد أن ينصرف، أرجع مرغما لملاحظته، وقد آخذ بها، وعادة لا آخذ بها، لكننى كنت ألاحظ أن بعض ملاحظاته أكتشفها بنفسى فى المراجعة الأخيرة، وأقوم بتعديلها، ويكون هو قد استلم المسودة قبل الأخيرة، وقام بالتأشير على ما يحتاج إلى تعديل الذى أكون قد عدلته فى المسودة الأخيرة دون الرجوع إلى ملاحظته، وهكذا نطمئن أننا نكاد نتفق على شكل ومضمون ما يراد توصيله لأصحابه، أى والله.
طيب بالله عليك يا حافظ كيف أشكرك إلا أن أحرص أكثر على الاستمرار، وعلى الإتقان؟
أصدقاء بريد الجمعة لم يكونوا كلهم مختارين فى المشاركة فى هذا البريد، ذلك أنه حين افتقدت الحوار فى الشهور الأولى، جربت أن يكون التعليق على النشرة جزءا من التدريب الذى أقدمه لزملائى وزميلاتى الأصغر، لكن بمرور الوقت حدث الانتقاء التلقائى، وأصبح أغلب المشاركين متطوعين ناقدين مضيفين بما يتيسير لكل منهم ومنهن.
تميز بريد الجمعة، برغم ما فيه من ظلم على الصديق الزائر حين نختزل كلامه، أونقتطف منه، أو نحذف أغلبه أو نقلبه حوارا وهو ليس بحوار، برغم كل ذلك تميز بحيوية مفرطة، وإسهامات مضيفة، واقتراحات بناءه، ومناقشات مضيئة، واختلافات، وإبداع، ونقد، واحتجاجات، وتساؤل، وموافقة، واعتراض، وكنت أتعجب من تعقيب بعض من أعرف أنهم يميزون هذا الباب، برغم كل ما به من ظلم، وصناعة كما ذكرنا، يفضلونه عن سائر الأبواب بشكل واضح.
طبعا كان بهذا الباب الكثير الكثير مما احتاج وقفة ومراجعة وتنبيه، مع التقدير الكامل لحسن النية، والرغبة فى المشاركة، طول الوقت. كان من أصعب الصعب علىّ علوّ نبرة التصفيق أو المديح الذى كنت أتعمد أن أحذف أغلبه، لا ادعاء للتواضع، ولكن لأنه كان أكثر من اللازم من ناحية، وكنت لا أجد فيه ما يفيدنى من ناحية أخرى، مع أننى – مثل أى واحد طبعا- فى حاجة إليه، لكننى لاحظت فعلا أن هذه الجرعة من التقدير والانبهار تكاد تتناسب تناسبا عكسيا مع جرعة التعلم والتغير (آسف أننى اضطررت للتعميم، لكن ماذا أفعل؟)، حين كان يصلنى من أحد أبنائى أو بناتى تحت بند “وصلنى جديدا” (وهو أحد بنود التدريب من خلال النشرة) كنت أفرح أكثر بكثير مما لو وصلنى شىء مثل “ما هذا كله؟ إنك عظيم جئت بالتائهة!!!”،
تعلمت فى العلاج الجمعى أن أكشف هذه الآلية (الميكانزم) التى تعوق النمو من خلال هذا العلاج، والتى أسماها “بيرلز” صاحب مدرسة العلاج الجمعى الجشتالتى “ياه يا سيدى الأستاذ، ما أروعك“ وبالنص: Gee Professor, you are wonderful، بمجرد أن يصفق مثل هذا المريض للمعالج هكذا، تتأكد جرعة الاعتمادية والترييح التى يمكن أن تعوقه هكذا: ما دام هذا القائد للمجموعة بكل هذا الحذق وهذه المهارة، فما علينا إلا أن نتبعه، هذا ميكانزم، برغم أنه احتياج إنسانى عند الطرفين، إلا أنه إذا تكرر وساد، أو أصبح غاية المراد، فإنه يوقف نمو الاثنين معا: البروفيسور الرائع، والمصفق التابع،
حين كنت أحاول أن أخفف مثل هذه الجرعة، كنت أبدو – كما ذكرت حالا- كمن يدعى التواضع، فيزيد الطين بلّه (وكمان متواضع!! يا صلاة النبى!)، أنا لا أبرئ نفسى، لكننى أقر وأعترف أننى كلما وصلنى مثل ذلك أتذكر بيتى الشعر اللذين صاغهما عبد الرحمن الشرقاوى فى “الفتى مهران”، ولا أذكرهما بحروفهما إلا على قدر كفاءة ذاكرة بدأت تلاعبنى، يقول الشرقاوى (وكان أيامها يكاد يخاطب عبد الناصر)، “فاعتراض واحد ممن يحبك، لهو خير ألف مرة، من رضا كاظم غيظ يكرهك”، (أو يبغضك، لا أذكر). لم تكن الكراهية مطروحة فى البريد للأسف بقدر ما تعرت بإيجابياتها وسلبياتها فى ملف الحب والكره الذى لم يكتمل، وأيضا فى بعض ألعاب “سر اللعبة”.
كنت أنوى، فى هذا اليوم وهو الاثنين المسمى، يوم إبداعى الخاص، والذى قد يختفى فجأة أو بالتدريج فى العام القادم،(كما سنرى) كنت أنوى أن أتناول ما جاء فى هذه الأيام الـ 366 تقسيما وتبويبا ومراجعة، لكن السكرتارية عندى لم تتم التصنيف، وقدراتى المعلوماتية والإحصائية لم تسعفنى، فتصورت التالى:
- إن الأفضل أن يقوم بهذا العمل غيرى ممن يحذق هذه المسألة بأساليبه الإلكترونية الأحدث من حيث الشكل، وبحسه النقدى الأقدر من حيث الموضوع (لا أريد أن أذكر الإبن جمال التركى خشية أن يتصور أننى أرغب أن يقوم بهذه المهمة، وعنده ما عنده من مشغوليات، لكننى أتصور أن عنده برنامجا ما قد يعيننا فى ذلك)
- أن اركز على تصوراتى للعام القادم طالبا المشورة فعلا بعد هذه المحاولات المتعددة المتشعبة التى كادت تصل إلى عَرَض “طيران الأفكار” Flight of Ideas
- أن أعـِـد – لأورط نفسى- بأن أقدم قبل نهاية هذا الشهر ما يشبه الفهرس أو المحتويات لما صدر من يوميات، مع الإشارة لما توقف منها، وللوعود التى لم تف بها، وللملفات التى ما كادت تـُفتح حتى أغلقت …إلخ إلخ
وفيما يلى بعض تصوراتى للعام الثانى لهذه النشرة إن كان فى العمر بقية، بعد كل هذا التجريب والاستكشاف
1) أن ترجح كفة كل من:
- العلوم النفسية، وبالذات الطب النفسى والعلاج النفسى
- ما يفيد فى التدريب وشحذ المهارات الإكلينيكة، وبالذات أن يزيد عرض ما هو “حالات وأحوال“ مهما بلغ طولها، ويستمر باب “الإشراف عن بعد“ مهما بلغ قصره، ويتواصل باب “استشارات مهنية”مهما صعب تناوله.
2) أن تتراجع جرعة كل من:
- التنظير البحت، والفروض غير المدعمة بالشواهد العملية (على أن تصدر فى كتب لاحقة متكاملة، مدعمة – أو غير مدعمة- بما نشر من حالات عملية، وعينات حية – مثل ملف الحب والكراهية دون ألعاب…أو بألعاب..الخ)
- ألعاب سر اللعبة إلا إذا ارتبطت بمقارنات هادفة بألعاب المرضى فى العلاج الجمعى أو غيره
- التعليق على آراء وأفكار ليس لها علاقة مباشرة بنوعية ما سوف يغلب من جرعة ذات صبغة طبنفسية أو علاج نفسى (مثل باب: مقتطف وموقف)
3) أن يستمر باب “تعتعة” مشاركة فى الإسهام فى تحريك الوعى العام، خاصة بالنسبة للقضايا العامة
4) أن يزيد الاهتمام بالأعمال النقدية ،التى لم تنشر، والجارى العمل بها، حتى لو نشرت مسلسة، وذلك مع، أو بعد، الانتهاء من التقسيم على أحلام نجيب محفوظ (علما بأننى أنوى العودة إلى استكمال ما أسميته “فى شرف صحبة نجيب محفوظ”، وما لم أنشره من نقده، وبالذات: حديث الصباح والمساء، وابن فطومة، -مقارنة بساحر الصحراء، كويهلو،- وحضرة المحترم، …إلخ)
5) أن يحذف باب “الإبداع الشخصى“، وعلى من يريد أن يتابع بعض ذلك أن يرجع إلى الموقع بعد تحسينه، (على فكرة: هذه الزاوية عن الإبداع الشخصى قد أقحمتُها مؤخرا، لتريحنى يوما فى الأسبوع من ملاحقتى ذاتى لأكتب جديدا كل يوم!!، وقد آن الأوان أن أتحمل مسئوليتى أكثر).
وبعد،
ما هذا؟
يبدو أنه قد طغى تخصصى على ما هو أنا؟
انقلبت المسألة إلى تدريب وعرض حالات، وإشراف عن بعد، وتحسين ممارسة،
لماذا وكيف؟ مع أن الأطباء النفسيين، والنفسيين عموما، هم أبعد ما يكونون عن المنهج الذى أتناول به التخصص، وما يصلنى من الأصدقاء غير المختصين هو أكثر ثراء وإثراءً وقبولا مما يصلنى من الزملاء النفسيين (علما بأنه لم يصلنى منهم شىء فى واقع الحال إلا من بعض أبنائى وبناتى من زملائى الأصغر، الذين أشك فى مدى حرية اختيارهم، وزملائى الأبعد الذين شغلهم انشغالهم)
ما العمل؟
لست أدرى.
أطلب المشورة، ولا أعد أن أعمل بها،
وذلك لسبب بسيط،
هو أننى أحترم حدسى المتصل بالتاريخ من جهة، وبمن هو ليس قريبا منى من جهة أخرى
“حالة مستعصية”، “أنا”، أليس كذلك؟
ليكن، لكنها أصدرت هذه النشرة 366 يوما دون انقطاع
دعونا نرى ماذا سوف يكون فى الـ 365 يوما القادمة
إن كان ربنا الكريم المتعالى سوف يسمح بها
وكل عام وأنتم بخير،
ونفع،
وصبر،
وألم خلاق
فإبداع مغامر
ورؤى محتملة
وغير محتملة
واجتهاد مثابر
رمضان كريم
والله – فعلا – أكرم
لهذا،
وبهذا:
نستمر.