نشرة “الإنسان والتطور”
2-2-2011
السنة الرابعة
العدد: 1251
يوميات الغضب والبلطجة
ولادة شعب جديد قديم (5 من ؟؟؟)
عن الغضب، والحزن، والفرحة، فالمسئولية!!
مقدمة:
المشاعر التى عشتها هذه الأيام كانت مشاعر شديدة الصعوبة، فهمت معنى تعبير كيف أن قلب أحدهم ينعصر، أنا الآن: “قلبى ينعصر”، فرحت أبحث عن هذا الشعور الجسدى المرهق الذى لا يصلح له إلا هذا التعبير وأحاول أن أترجمه إلى أقرب وجدان أو انفعال، فحضرنى “الحزن” أولا ليغلب الغضب الذى شاركت به غضبة الشباب الأولى، ثم أجتمَعَ إليه غضبى من التخريب والانفلات وغياب الدولة معاً، فتراجع الحزن دون أن يختفى أو يقل الغضب، لكننى فى نفس الوقت كنت فرحاً فرحا حقيقيا طيبا بمتابعة تطوع الشباب يحمى المنشآت والأهالى ومصر، كل ذلك وأنا أدعو الله وأحاول أن أشارك فى حمل مسئولية كل هذه الأحداث المتصادمة معاً.
كيف تجتمع هذه المشاعر هكذا؟
استيقظتْ ذاكرة حاسوبى على مقال لى فى الأهرام منذ خمس سنوات تحديداً يفسر لى بعض ذلك، لكن هذا المقال الذى نشر فى الأهرام: 20 فبراير 2006، كان يفسر وجدان الناس المزدحم بكل ذلك فى وقت متقارب جداً، لكنه ليس فى نفس اللحظة، وقد كان لكل وجدان من هذه الوجدانات سبب مختلف،
أمّا ما حلّ بى هذه الأيام هكذا فقد كان متعلقا بنفس الأحداث المركزة معاً فى نفس اللحظة تقريبا، وهذا أصعب وأروع.
وفيما يلى المقال القديم دون تعليق:
الأهرام: 20 فبراير 2006
“فى برنامجٍ ما، من تلك البرامج التى لا أعرف مدى فائدتها، سألتنى المقدمة: كيف يجتمع الحزن مع الفرح مع الغضب فى وقت واحد كما هو حادث لناس مصر حالا. الحزن لضحايا كارثة الباخرة، والغضب لإهانة رسولنا الكريم تحت زعم الحرية، والفرحة بكأس أفريقيا لكرة القدم للمرة الخامسة(1). أجبتها أننى لا أرى فى ذلك تناقضا برغم ما يبدو ظاهرا، إن النقيض لهذه المشاعر مجتمعة هو البلادة، واللامبالاة، الشعب (أو الفرد) الذى يستطيع أن يفرح هو الذى يستطيع أن يغضب هو الذى يستطيع أن يحزن. سألتْنى: لكن هل يمكن أن يجتمع ذلك فى نفس الوقت؟ توقفت قليلا لأن السؤال كان أكثر تحديدا وتحدّيا، لكننى وجدتنى أجيب بالإيجاب أنه يمكن. قالت، أو لعلها قالت: وكيف كان ذلك؟
أتذكّـر حيرتى العلمية منذ سنة 1971 أمام طبيعة العواطف (الوجدان) وتطورها، كتبت آنذاك فرضا عاملا (مشروع نظرية) عن تطور الوجدان من التهيّج البيولوجى العام، إلى “المعنى”، وما زلت أراجع هذاالفرض، وأختبره، وأنقحه حتى الآن. تأكدتْ لى بعض جوانب هذا الفرض من خلال إنجازات العلم المعرفى الأحدث، حيث أصبح التعامل مع الجسد والعواطف هو تعامل الشريك الكامل فى المعرفة، وفى القرار، وفى المسؤولية والفعل.
تُعامل العواطف الآن باعتبارها برامج معرفية موازية للتفكير، برامج قادرة على التعبير والتغيير. إذا نحن تعاملنا مع ما ظهر منا من غضب وحزن وفرحة باعتبارها طاقات فجة تم إطلاقها أو تفريغها للترويح أو التنفيس أو التحريض فحسب، فنحن نتكلم لغة علمية قديمة ربما تسمح بالسؤال : ” كيف يجتمع هذا مع ذاك؟” أما العلم الأحدث فهو يقول: أن التوظيف المعرفى للوجدان إنما يلتحم ويدعم ما يناسبه من النشاط المعرفى للتفكير، بما ينشأ عنهما من قرار مناسب قابل لاختبار التطبيق، ثم للتحقق بالتنفيذ فالمتابعة، إذا حدث ذلك فإن هذه الوجدانات الثلاثة (الحزن، والغضب، والفرح) يمكن أن تتضفـّر فى اتجاه معرفى ضامّ، يخدم القرار فالفعل. الفروق بين هذه العواطف هى من حيث النوع واللون والتعبير، وليس من حيث المعرفة والتوظيف، مثلا: إذا أبلغـَنَا الحزن على ضحايا الباخرة افتقارنا للإتقان، وأبلغتنا الفرحة بالإنجاز الكروى قدرتنا على الإتقان، ثم أبلغنا الغضب لإهانة رسولنا واجبنا نحو توصيل رسالته بأن الإتقان طاعة لله، فأين الاختلاف إلا فى نقطة الانطلاق ولون التعبير؟
حتى فى نقطة الانطلاق يمكن أن تجتمع هذه المشاعر قريبة مع بعضها إذا تكلمنا من منطلق مفهوم الزمن الأحدث.
إن واقع وحدة الزمن التى ينتقل بها أينا من إحدى هذه المشاعر للأخرى قد يتناهى فى الصغر بحيث لا يصل إلى وعينا الظاهر، لأنها (هذه العواطف) تتبادل – لا تتزامن- إلا إذا حسبناها بزمن الوعى العادى (الدقائق أو الساعات كما نعرفها).
صحوة الوجدان هكذا أثبتت أننا لسنا جثثا هامدة، وما لم تُـستثمر تلك الحيوية بتجلياتها المتنوعة فى فعل حقيقى ممتد، فالخوف أن يظن الشاكّين فينا أنها كانت تشنجات محتضر، لا حيوية بعث.
الغضب لرسول الله عليه الصلاة والسلام إن لم ينقلب حافزا للإبداع ولتجاوز الجمود لنقول لهم – بالفعل وليس بالصياح أو الانتقام – أنه لا نحن ولا رسولنا كذلك،
والحزن إن لم ينته إلى تغيير جذرى يقضى على كل برامج الغش والاستسهال والتقريب من أول امتحانات الابتدائى حتى البحث العلمى مرورا بشهادات الأمان والجودة،
والفرحة إن لم تكن حافزا على تعميق حقنا فى إطلاق لحن الجسد، ورقص الجدان، يشاركان فى النمو والمعرفة دون ترهيب أو تأثيم أو تقزيم،
إن لم يحدث ذلك، فسوف نعود إلى البلادة واللامبالاة، أكثر كسلا وتقاعسا.
هى مجرد علامة على أننا ما زلنا أحياء،
وعلينا أن نثبت أننا أهلٌ لها: الحياة.”
تعقيب:
ودِدْتُ لو ترجمتُ مشاعرى الحالية إلى مثل ذلك، لكننى أترك للقارىء الصديق أن يفعل بها مايشاء كما يشاء لعله يفعلها أحسن منى.
[1] – لاحظ التاريخ