نشرة “الإنسان والتطور”
3-5-2011
السنة الرابعة
العدد: 1341
يوميات الثورة والبرامج التليفزيونية (2)
تعليقات د. أحمد الفار وبعض الرد
مقدمة:
فى نهاية نشرة أمس وعدت أن أنشر تعليقات د. أحمد الفار كاملة مستقلة، لكننى حين هممت بذلك اليوم، وأعدت قراءتها وجدت أننى لو فعلت ذلك، فقد أتراجع – مع مرور الوقت – عن الرد على بقية تعليقاته، لأن كل ما خطر لى ردًّا، ورد فى كتابات سابقة لى، هو يعرفها غالباً، ففضلت أن أورط نفسى أكمل الرد الآن بما تيسر لى، وعلى من يريد قراءة الحوار كاملا أن يبدأ بنشرة أمس.
………
………
د. أحمد الفار
2- اعترضت على الوصايا التى وجهتها للشباب والصبايا؛ إذ برغم انها جيدة جدا ومفيدة بشكل عام، فالسياق هذه المرة كان شديد الاختلاف فهؤلاء شباب وصبايا قد أسقطوا لتوهم نظاما استبداديا وفى سبيل ذلك قاموا فى التحرير وفى مختلف ميادين مصر بقراءة نصوص بشرية غير ما اعتادوا بل وضد ما اعتادوا ومارسوا نشاطا بدنيا يوميا فى بناء المتاريس وصد هجمات العدو ومارسوا رقصات الفرح وغنوا غناء التحدى وصلوا على موتاهم. وخطر لى ان استخدام نصائح عامة مفيد جدا قد نقدمها لمريض افتقد طريقه أو مراهق يتحسسه، أو لى ولغيرى عندما تفترسنا العاديه هو خروج معيب وحمدت الله انك توقفت.
د. يحيى:
ما هذا يا بوحميد؟ يبدو أنك بعيد جدا فعلا
لماذا ذكرت الوصايا ولم تشر إلى الأسئلة، ألا تعرف أن هناك ما يسمى ثقافة السؤال، ثم خذ عندك:
أولاً: هؤلاء الشباب بدأوا ما جرى، ليس بقراءة نصوص بشرية غير ما اعتادوا أو ضد ما اعتدوا، ولكن بعد أن أتاحت لهم التكنولوجيا الحديثة، تلقائيا أو بفعل فاعل دون أن يروه، أن يتواصلوا ليساهموا فى تشكيل “الوعى الكونى الجديد” فى مقابل “النظام العالمى الجديد” الذى اسميته مؤخراً “الدين المالى الكانيبالى الجديد” وهم لم يمارسوا نشاطا بدنيا يوميا، وإنما تحركوا كتلة بشرية متراصة، حيث كان الجسد وعيا جمعيا متعينا Concretized Consciousness وليس عضلات تبنى المتاريس.
أما حكاية النصائح “الجيد جدا والمفيدة” للمرضى أو المراهقين، فأنت تعلم، أو لا تعلم، أننى لا أنصح مرضاى، ولا مستمعىّ ومشاهدىّ، فأنا أرفض محتجا أن أنهى أحاديثى فى الإعلام بالنصح والإرشاد، كما يطلب أغلب المحاورين!، ثم إنى غالبا ما أوصى كل الأهل أن يكفوا عن النصائح لأولادهم وبناتهم لأنها تعيق أكثر مما تنفع فى الأغلب .. ولا أتردد فى أن أسجل ذلك على “روشتاتى” وأضرب أمثلة لما أنهى عنه مثل ممنوع كل من: “مستقبلك”، “قوى إيمانك”، “قوى إرادتك”… الخ.
مرة أخرى: لماذا لم تلاحظ يا أحمد ارتباط الأسئلة بالوصايا ارتباطا لا يجوز الفصل بينهما؟، إن ثقافة السؤال (حتى بلا جواب) هى التى تقلب النصيحة من سلوك موصى به إلى سؤال محرّك بلا جواب ملزم، لكن كل ذلك غاب عنك.
د. أحمد الفار
3- أتفهم تخوفك مما قد يتم تخطيطه للأمة من قبل عواصم النظام العالمى وشركاته، لكننى أعترض على وصفك لامتداد الثورات العربيه لبلاد أخرى بلفظ سلبى مثل “انفلونزا الثورات” وكأن أنظمة هذه البلاد عادلة وكأنهم لم يبيعوا بلادنا/بلادهم ولم يقبضوا الثمن وكأن أهليها يثورون بغير حق أو ليس من حقهم الثورة وكأن اليوم الذى نتخلص فيه من أنظمة استعبدتنا وباعتنا لا يمكن أن يأتى مبكرا….
د. يحيى:
عندك عندك! كل تلك “الكأنّات” لم ترد أصلا فى أىٍّ ما قلت، أنت تركز وتنتقى ما أسميته وصفاً سلبياً بتعبير “انفلونزا الثورات”؟ لماذا أنتزعت هذا الوصف دون غيره من صفحة كاملة جاء فيها بجوار هذا التشبيه احتمالات متنوعة، ثم اعتبرت أننى وصفت امتداد الثورات بهذا الوصف دون غيره، أنا مضطر أن أعيد عليك النص يا أحمد وهو الذى جاء فى مقال جريدة الوفد بتاريخ: 6-4-2011 بعنوان: “من روضة الديمقراطية إلى المعهد العالى للدفاع التآمرى!!” والنص كالتالى:
“…التفكير الحريص على البقاء يلزمنا أن نتساءل: يا ترى ماذا جرى هكذا فجأة لشعوب المنطقة العربية ليفيقوا حتى يبدوا وكأنهم هكذا مرة واحدة انتظموا فى سلسلة متتابعة مذهلة من انتفاضات تهدف إلى أن تطيح بحكام كانوا ظلمة طوال عقود (أو قرون)، وظلوا ظلمة حتى تاريخه؟ هل هى صلاة جماعة تستجيب لأذان “حى على الحرية”؟ أم أنها أنفلونزا الطيور الثائرة تنتقل عبر موجات الأثير لتصيب ناس المنطقة بأعراض تشبه الثورة؟ وحتى لو صح هذا الاحتمال الأخير فعلينا أن نعرف أننا نستطيع أن نحولها من خلال التعرض للإصابة إلى تخليق مناعة تطورية مناسبة، ومن ثمَّ: إلى ثورة حقيقيه ممتدة”.
قلت لنفسى: لماذا يا ترى يا بوحميد لم تضع احتمال أنهم “انتظموا فى سلسلة متتابعة مذهلة من انتفاضات تهدف إلى أن تطيح بحكام” ..الخ
أو حتى: أنها صلاة جماعية تستجيب لآذان “حى على الحرية؟” خاصة
كيف انتقيت هذا الوصف دون سواه، وما دلالة ذلك أيها الإبن الطيب؟
ثم إنه قد جاء قبل هذه الفقرة مباشرة رؤيتى للثورة هكذا:
“…إن الثورة إبداع حيوى: هى حمل ناجح فولادة واعدة، ومثل كل إبداع هى معرضة لإجهاض محتمل، الثورة تعلن ولادتها باندفاعة إفاقة جماعية، ثم تتطور بقدر ما أعدّ لها قبلها، وأيضا بقدر ما يستطيع مبدعوها أن يحافظوا على توجهها حتى تكتمل. الإبداع الذى هو حمل طبيعى حتى لو كان سفاحا يظل مشروع ثورة رائعة، ثم إنه حتى لو تم الوضع طبيعيا دون مضاعفات، فلا بد من رعاية الطفل لينمو حتى يصبح ثورة يافعة قادرة محيطة؟”
ثم جاء بعدها:
“علينا أساسا أن نرعى طفل الإبداع الجماعى حتى تنمو الإنبعاثة إلى ثورة. إن المرض النفسى يمكن أن يحل محل الإبداع الثورى مالم تستثمر الخطوات الأولى للإبداع فى الحفاظ على التوجه حتى يكتمل”.
كل هذا تختزله إلى قولك أننى وصفت امتداد الثورات العربية لبلاد أخرى بلفظ سلبى مثل “انفلونزا الثورات؟!!
أفاقك الله يا أحمد، ثم سامحك، لو تألمت بعد الإفاقة بما يكفى!.
د. أحمد الفار
(بقية:3): أتفهم ما احتوته بعض اليوميات من تحذيرات من استغلال ما يحدث من قبلهم وأوافق عليه جدا ولكنى أعترض على استخدام لغة من قبيل “من دفع بهم” أو “من ورائهم” (حوار أون تى فى الأخير) بدلا من “استغلال” مثلا، وهى لغة كنت أتصور أننا عفينا منها منذ رحيل المخلوع والسيد المحترم نائبه واعتزال كتابه وصحفييه أو التحاقهم بركب مليك آخر. سيدى (أنت أكرم على من أن أزايد عليك ولا أجرؤ) ولكن شعوبنا العربيه دفعوا ويدفعوا ثمن ثورتهم بالدم والأذى كل يوم.
د. يحيى:
عندما اعتذرت عن الرد عليك فى بريد الجمعة أوصيتك أن تقرأ عن تعريف الثورات، وتاريخ الثورات…. الخ، لكن يبدو أنه ليس عندك وقت ثم تقول: “انت أكرم من أن أزايد عليك ولا أجرؤ”، والله العظيم لم أفهم تزايد علىّ بماذا؟
شعوبنا العربية قد يدفعون ثمنا أبهظ كثيرا مما تتصور لو أنهم لم ينتبهوا ليكملوا ما بدأوا، بوعى فائق، حتى لو كان ما حدث قد حدث بفعل فاعل وأياد خفية، فقد ذكرت مرارا أنهم – أننا – قادرون على تحويله إلى ما هو ثورة قادرة على تغيير وعى شعب تغييراً نوعيا إيجابيا ممتدا، وهذه هى الثورة وليس قبل ذلك.
كنت أحسب أنك قادر على الإحاطة بكلية الموقف، عالميا، وكشف ارتباط ما هو “محلى”، بما هو “عالمى”، والتقاط لحظة التاريخ التى نعيشها تابعين لمقدسات زائفة، من أول حقوق الإنسان المكتوبة، حتى صنم الديمقراطية المبرمجة للتقديس والتصدير، إلى أن تكتمل معالم الدين الأوحد، سابق التجهيز الذى يقرض على العالم بالوحدة المالية الواحدة (انظر المرفق لاحقا، ربما غدًا)، بوصاية البنك الدولى، والشركات العملاقة، والتى تنافس وتحاول إهلاك أى استقلال اقتصادى وطنى، حتى فى أمريكا (سواء الاقتصاد الرأسمالى أو الاشتراكى على حد سواء)، لحساب هذا الدين المالى الجديد،
ومادام كل هذا لم يصلك متكاملا فليس عندى ما أضيفه.
د. أحمد الفار
4- لم أفهم إحالتك لنموذج الصين فى حديثك عن الاقتصاد المصرى (حوار أون تى فى الأخير) وكيف أن معدل البطالة هناك 0%، ولى على ذلك عدة اعتراضات؛
صحيح أن الاقتصاد الصينى يغزو العالم ويسيطر عليه لكن الثمن المدفوع من تأثير على اقتصاديات المناطق الريفيه وتأثير حركات الهجرة الداخليه على التركيبه الاجتماعيه لا يمكن تجاهله (الصين هى الدوله الوحيده تقريبا التى يزيد معدلالانتحار فى المناطق الريفيه عن الحضريه، كما ان هذا الاتساع التصنيعى والتأكيد على تقديم أسعار تنافسيه لا يدفع ثمنه إلا العاملون بالمصانع فى شكل أجور وظروف عمل متدنية وهى جريمة أخرى لا يتم الحديث عنها ونشارك فيها كلنا
د. يحيى:
أوافقك من حيث المبدأ، لكن متى كان الانتحار هو المؤشر الأول لتدنى الوضع الاقتصادى، وما الذى يجعل ربع العالم يعمل هكذا طول الوقت ولا يثور فى ميادين التحرير، ما هى تلك الثقافة التنافسية التى امتزجت بثقافة العمل بثقافة الوقت، وكيف حدث ذلك؟ دون أن يثور هذا المليار البشرى وأكثر مثل ثورتنا فى ميدان التحرير، ألا يجدر بنا أن نتعلم منها، ثم نستعمل طاقتها وقوتها لأغراضنا نحن، نحن البشر.
د. أحمد الفار
(بقية:4): إن التوحش الصناعى الصينى بشروطه التنافسيه أدى الى تدهور واختفاء صناعات كثيره فى كثير من دول العالم النامى والمتحضر وما تلى ذلك من آثار على الاقتصادات المحليه، وأخيرا نظام الحكم الاستبدادى وسجل حقوق الانسان المتردى (كلام قبيح معلهش، لكنه حقيقي) ولا أتصور ان دولة بمفترق طرق مثل مصر تتطلع لبناء نظام سياسى واقتصادى عادل يجب ان تتطلع للصين كمثال تتبعه. وأخيرا فان بحث جوجل سريع يشير ان معدل البطالة الصينى بين (4و5 %( انظر تقرير صحيفة رسمية
http://www.chinadaily.com.cn/business/200901/21/content_7416242.htm
يا ليت!!
(يعنى زى مصر قبل الثوره!!!).
د. يحيى:
لقد ذكرت مرارا، وتكرارا أن الصين – مع كل غيظى وحقدى واحترامى أيضا!!- هى الوجه الآخر لامبراطورية أمريكا التى هى نفسها واجهة الدين المالى الجديد، وأظل محتفظا بحقى أن أغار من الصين غيرة شديدة مهما صدق ما قلتَ، ولو كانت مصر قبل الثورة مثل الصين، كما أنهيتَ أنت هذه الفقرة، فربما كان ذلك هو الخير كل الخير مع التأكيد على قدرتنا على تحويل مصب الإنتاج إلى ما ينفع الناس. ياليت!! إننى وأنا أمضغ الواقع مرا علقما مستعد أن أواصل الدعوة للصبر على كل ما ذكرتَ من مآخذ على الصين، لأننى آمل أننا لن نتوقف عند ذلك، لكن للأسف نحن نأخذ (أو كنا نأخذ) من كل نظام أسوأ ما فيه، نأخذ من الديمقراطية تسطيح الوعى، ومن الصين القهر، ومن الأصولية الأمريكية الجمود والتعصب نبرر به – شعوريا أو لاشعوريا- سلفيتنا البغيضة،…الخ.
لو أننا نجحنا – ولو كمرحلة- أن نصبح مثل الصين ولو بنموذج “كونفوشيوس” وليس فقط “ماوتسى تونج” لتحملتُ وكلى أمل فى من هو “نحن المصريين” ممثلين للبشر تاريخا وربما حاضرا- أن نتحول بكل هذا الانتاج إلى دين أحدث فأحدث، أعنى إلى وعى أقدر حركيا، يستطيع أن ينافس هذا الدين المالى الذى يهدد البشر بالانقراض يا شيخ.
د. أحمد الفار
5- بمناسبة المعهد العالى للدفاع التآمرى وآليات سيطرة النظام العالمى على صيرورة الأمور بالمنطقة، فانى أتفهم التخوفات، لكننى أرى ان الإغراق فى نظرية التآمر ليس مفيدا فى السياق الحالى لأن المؤامرة تعنى ان شيئا يحاك بليل والناس نيام وهذا لم يعد الوضع.
د. يحيى:
مَنْ هذا الذى وضع شرطا للمؤامرة أن تحاك والناس نيام، ألا تذكر ما جاء فى شعرى العامى:
نِكشف وَرَقنَا قبلِِ مَا الوَادْ يِتْحَرَقْ،
واللَّى يِبَصَّر “بالبِنَيَّة” يِبْقَى ذَنبِ التَّانىِ عَلَى جَنْبُهْ،
مَالوشْ يزْعلْ بَقَى.
مَا كَانْ يشْوفْ!
ما الِّلعْبِ عالمْكشْوُفْ…، أَهُهْ!!.
د. أحمد الفار
(بقية:5): ان خططهم وانحيازاتهم وانتماءاتهم واضحة لمن يحاول النظر، كما ان نجاح الخطط التآمرية يتطلب غالبا جهلا وتغييبا وعدم فعاليه من الشعوب أو الأشخاص الخاضعين، فلسنوات طوال تعامل العالم مع شعوب هذه المنطقه كمكونات خامله غير فاعلة ومغيبه يمكن التحكم بهم وتدجينهم عن طريق أنظمه أليفة وعميلة، ولعل ما حدث بغض النظر عن مآله يثبت لهم والأهم لنا أننا نمتلك زمام الفعل والمبادرة والاختيار والتأثير فى مجريات حياتنا وبالتالى مواجهة مؤامراتهم.
كما أننى أوافقك على التشكك فى عبارات المدح والتزلف الزلقة من قادة العالم فى الثورة لكن يجب أن نفرح وألا ننكر التأييد الحقيقى والصادق من شعوب العالم عبر برامج التليفزيون والراديو والانترنت، فهذا التواصل هو ما عولت ونعولعليه لتصحيح المسار.
د. يحيى:
كيف أفهم تعبيرك “بغض النظر عن مآله!!؟ هل نسيت أن مآل الإبداع المجهض هو التفسخ الجنونى يا أخى؟.
وكيف تعتبر أن ما حدث حتى الآن قادر على أن يثبت لهم أننا نملك زمام الفعل قبل أن تنجح الانتفاضة وتتشكل الدولة وينطلق الابداع فعلا، فتعلن الثورة.
ثم ألم تلاحظ كيف حذرت من اليوم الرابع للحركة (نشرة:29/1/2011( وحتى أمس أن علينا أن نحقق ما جاء فى آخر تعليقك هذا؟ الذى يصبح بدون هذا الحذر ليس أكثر من “تفكير آمل”، لأنه بدون تخطيط ذكى لـ “كش مات” بغض النظر عن عدد قطع الخصم أو أنه الذى بدأ الدور، يصبح كلامك المرسل كارثة بكل معنى الكلمة.
نحن لا يمكن أن نمتلك زمام المبادرة إلا من خلال الانتاج والإبداع وثقافة العمل، وكلها مضروبة عندنا تماما بفضل النظام السابق غير المأسوف عليه، وكل هذه القيم تتراجع الآن أكثر فأكثر بفعل العواطف والتفكير الآمل والتباطؤ والاستسهال وفتح الأفواه إعجابا وانبهارا، حتى انحسر الشباب عنا، وبعضهم يتحسر على اندفاعتهم، وهو يترحم على شهدائهم.
ثم إنى احترم تأييد شعوب العالم لنا ولما حدث فى نفس الوقت الذى أحذر فيه من خبث المؤسسات الحاكمة وتحيزها وخاصة التعامل بمقياسين طول الوقت، (متى يفرضون الحظر الجوى على اسرائيل بالسلامة).
د. أحمد الفار
6- عن الديمقراطية الغربية: نظام الحكم ظاهره انسانية تطورية ومتغيره وتراكميه بالأساس مثلها فى ذلك مثل النظام الاقتصادى والاجتماعى بل والأخلاق والدين. وتبدو الديمقراطيه النيابيه التمثيليه القائمة على سيادة القانون والمساواة فى الحقوق العالمية والمساءله القانونية (والتى تمثل الديمقراطية الغربية أبرزأمثلتها) هى الشكل الذى أوصلنا إليه تطور البشرية فى هذه اللحظة، وتبنى هذا النموذج والقبول به لا يعنى اعترافا بمثاليته ولا بحتميته ولا ديمومته، لكنه يبدو الحد الأدنى لبناء دولة مدنية عادلة، وبالتالى لا أفهم اللغة العدائيه التى تستخدمها فى الحديث عنه، ولا أفهم البدائل المطروحة، خاصة ان سوء استخدام نظام ما لا يعتى بالضرورة فساده أو أننا لا يمكننا أن نستفيد من القيم الإنسانية المشتركة والعالمية.
د. يحيى:
نعم لاتوجد بدائل مطروحة حالا، وقد كتبت فى ذلك عشرات المرات، كما ظهر مثل ذلك فى مناقشاتى مع شيخى “نجيب محفوظ” طوال ما يقرب من عشر سنوات، وقد نشرت ذلك تباعا فى “شرف صحبة نجيب محفوظ”، وكررت تنبيهه لى وهو يقرص أذنى: أن أحسن الأسوأ (الديمقراطية) هو الأحسن حاليا، لذلك فأنا أقبل على مضض وفى أضيق نطاق أن استعمل الديمقراطية الحالية، ويمكنك الرجوع إلى موجز ذلك مثلا فى مقال جريدة الوفد: بتاريخ 5-8-2009 “دمَقـْرَطْ بالديمقراطية، حتى يأتيك العدلُ بالحرية!!“ وغيره مثل: ديمقراطية كى جى ون (3 من 3): من روضة الديمقراطية إلى المعهد العالى للدفاع التآمرى!! الوفد: 6-4-2011 ، – ديمقراطية كى جى ون (2 من 3) يوميات مواطن أصبح محترما برقمه القومى، ولكن..! الوفد: 30-3-2011 ، فى روضة أطفال الديمقراطية: كى جى ون (1 من 3) الوفد: 23-3-2011 ، مستر بكويك وتشارلز ديكنز، والنظام الديمقراطى الجديد، الوفد : 17-11-2010 ، الحاجة إلى إبداع “ديمقراطية” قادرة جديدة! الوفد: 15-9-2010 ، ديمقراطية : كى. جى. تو الوفد: 30-5-2002 ، – واحد ديمقراطية، وصلّحها، الوفد: 20-6-2002 ، ديمقراطية حسب مقاس الزبون !! الوفد: 11-7-2002
د. أحمد الفار
7- اعترض على معارضتك للحديث المنتشر عن مليارات وفساد النظام لأنه إن لم يكن لذلك فائدة غير تنبيه الناس لفساد نظرية الديكتاتور العادل أو الرئيس الطيب الفلاح الخ الذى أفسدته حاشيته، لكان ذلك كافيا
د. يحيى:
أنا لم أعترض على محاسبة الفاسدين منذ البداية، لكننى أعلنت مؤخرا أنه: “كفى!! بعد أن طال القضاء رأس النظام، أوصيت أن نترك الأمر للمؤسسة القضائية التى تعلن بجسارتها، (رغم عدم اكتمال الطمأنينة لها) أنها أول مؤسسة نجحت فى أن يصبح لها معالم فى عملية تشكيل ما هو دولة التى لاتصبح هذه الانتفاضة ثورة إلا إذا نجحنا فى تشكيلها.
أما الاستمرار فى التركيز على تعرية الفساد طول الوقت مع أقل أمل فى استرداد ما سُرق منا، فإنه لن ينفع فى تصحيح اقتصادنا هنا والآن، إن كل ما علينا الآن فى هذا المجال هو أن نطمئن إلى أن من يثبت أنه لص عليه أن يدفع الثمن، سجنا أو غير ذلك، أنا لا يهمنى أن يسجن اللص بقدر ما يهمنى أن أسترد أموال شعبى وهذا مطلب بعيد المنال من الناحية الواقعية، ليس لأن الأموال هربت ولكن لأنهم لصوص أذكياء عرفوا أنهم لصوص من البداية. وعلينا الآن أن نحسبها بمسئولية الواقع ونحن نضع أعيننا على طمأنة أموال المستثمرين الجدد الذين لا يستثمرون أموالهم إلا فى دولة لها معالم، وبها أمن، وهل توجد دولة بلا أمن مركزى وطرْفى وهامشى، ومرورى و”اسكتلندريارى”؟ مركزى وغير مركزى (أنا لا أعرف الفرق بينهما، هل تعرف الفرق أنت بالله عليك؟
د. أحمد الفار
8- عن الشرطة والنظر للمستقبل: فى برنامج مصر النهاردة مع تامر أمين، كررت ما نشرته عن دموع رجل الشرطة بالمطار وعن مريضك الشرطى الذى لا يستطيع ان يرفع عينه فى مواجهة ابنه ووجهت كلامك للشعب أن “عيب ” وأننا يجب أن نرفع أيدينا ومشاعرنا عنهم ونرحب بهم بقلوب مفتوحة وأننا يجب أن ننسى الماضى ونركز على المستقبل، والخلل فى ذلك سيدى أنك لم تذكر النصف الأكبر!! من الحقيقة وهو علاقتهم السابقة بالشعب وإذلالهم له وانهم أدمنوا ذلك فلم يعودوا يعرفون وسيلة أخرى للتعامل معه، وأنهم هم الذين انسحبوا وأنهم هم الذين يرفضون العودة وأن بعضهم قد أضرب عندما قبض على بعض زملائهم ممن أطلقوا النار على المتظاهرين بل وساهموا فى تهريب بعضهم. نسيان الماضى والبداية من جديد ليسا ممكنين فى سياق ما جرى خلال ال30 عاما الماضية وما حدث منذ25 يناير. أنا أدعم تجربة العدالة الانتقالية كحل وحيد بناء وحقيقى (انظر تجربة جنوب أفريقيا بعد سقوط النظام العنصرى) والتى تقتضى اما اعترافا واضحا وشخصيا ممن أجرموا فى حق أبناء الوطن موجها للضحايا أو لأقاربهم فى لقاءات مفتوحة وتعهدات شخصية بعدم الرجوع إلى ما فات والتغير الإيجابى وإلا المحاكمه على ما اقترفت أيديهم…. وأترك لك الحكم هل أبدى أى من هؤلاء ما يقارب ذلك.
د. يحيى:
انت تعيش يا أحمد فى بلد له معالم وبه دولة يحتفل ناسها بزفاف حفيد ملكتهم بمليونية زائطة، ثم تنصحنا أن نحذو حذوها أو حذو جنوب أفريقيا… الخ
ثم كيف بالله عليك، وأنت الطبيب النفسى الحاذق، الذى يعمل فى نقد النص البشرى لإعادة تشكيله أن تقول بكل وثقانية هكذا بعدم التغير لفئة بذاتها، ثم دعنى أذكّرك أن ثقافتنا قد لا تجعل للاعتذار نفس القيمة مثل ثقافات أخرى كاليابان أو حتى جنوب أفريقيا،، كما أذكرك أن شعبنا هو رحيم بقدر ما هو صبور، وهو قادر على المبادأة بالرحمة حتى لمن أساء إليه، أو على الأقل هو قادر على عقد صفقة جديدة فى ظروفنا الجديدة، بدلا من الإصرار على اجترار الشعور بالجرح على حساب أمان الأطفال والضعفاء، داخل البيوت كما فى الشوارع ليلا ونهاراً، يبدو أنك تخليت عن تحمل مسئولية ناسك أو على الأقل الاحساس بما يعيشونه، واكتفيت بما يصلك فى التليفزيون أو الإعلام القِشرْى، مما جعلك ترسل الأحكام هكذا، وأنت تتمطى فى بلاد الفرنجة تحت مظلة اسكتلنديار ومداعبات حقوق الإنسان
معظم القادرين الآن عندنا يا عم أحمد قد استأجروا حرساً خاصاً أمام منازلهم، أما عامة الناس فهم يترحمون على البوليس الذى جرحهم وأهانهم
الحل ليس فى الرجوع، وإنما فى البدء من الأقوى، وشعبنا هو الأقوى والأرحم، وهو يستطيع أن يبدأ بالتى هى أحسن، بدلا من التركيز على الثأر ليخسر هو فى النهاية.
د. أحمد الفار
9- لى تعليقان على المداخلات التليفزيونية خاصة بالتليفزيون المصرى؛ الأول أكثر آنية وهو متعلق بالرسالة التى تصل المتلقى البسيط أمام الشاشة، وإذا وضعنا بالاعتبار النقاط السابقة والسياق التاريخى خاصة ظهورك الأخير فى “مصر النهاردة” مع تامر أمين فإن التخويف من الفوضى والتحلل الاقتصادى واللغة الواثقة الأبوية يصبون جميعا فى مصلحة النظام القديم ولا أريد أن استخدم مصطلحات سخيفة مثل الثورة المضادة ولكن ممارسات هذا البرنامج وبرامج أخرى مماثلة كانت حتى وقت قريب تصب اما بشكل مباشر أو غير مباشر فى مصلحة النظام القديم، وكما أسلفت فإن اللغة والمحتوى وآداء التوصيل لا يؤدون الرسالة التى أعلم شخصيا تمام اليقين أنك تبتغيها.
د. يحيى:
كيف سمحت لنفسك بهذا التعميم وأنت تعيش فى بلد غريب لا تعرف ماذا يحدث فى بلدك الأصلى هذه الأيام كما ذكرت لك حالا؟ إن هذا التعميم لا يخدم أى هدف بناء، وبرغم أنه يريح من يلجأ إليه مثلك، فهو يعوّق التقاط أية إيجابية يمكن أن تساهم فى تشكيل وعى شعبى جاد وربما جديد، وربما الاسهام فى إبداع دولة مؤسسية قادرة، ثم إنى ليس عندى غير لغتى وأدوات توصيلى، وما يصلنى من آثارها وما يتبقى منها عند عامة الناس أكبر بكثير مما تتصور، ومما ذكرت وأنت على مسافة آلاف الأميال هكذا، لقد كنت فى عزاء ليلة أمس فى قرية صعيدية قريبة، ورحت أنظر حولى فى المعزين وتذكرتك وتأكدت أنك بعيد بعيد، وأيضا كثيرون ممن كانوا فى ميدان التحرير يا رجل!! (دعنى أتوقف الآن عن الاسترسال..)
د. أحمد الفار
التعليق الثانى قديم قليلا وهو يتعلق برأيى فى اختيارات البرامج التى تظهر والتى اعتقدت منذ عملت بالمقطم ومازلت أعتقد انها لا تليق فى أغلبها بمكانتك الإنسانية والثقافية والعلمية وكان تهافت الأسئلة وانفصالها عما هو انت يثير غضبى وكنت أتساءل كل مرة إذا كنت راضيا عن مجرى الحوار، عشر سنوات مرت ومازلت أتساءل، وأعتقد أنك تحتاج (إذا أذنت) لمراجعة مردود هذه السنوات العشر وترشد ظهورك قليلا وتكثفه فيما يليق بقدرك.
د. يحيى:
أنا لا أختار برنامج دون آخر، أنا أستجيب عادة لكل ما يطلب منى، على شرط ألا أقول إلا ما أريد أن أقوله، ومنذ أن قال أفلاطون أن عقاب من يتعالى عن مثل ذلك فى موقع إرشادى أو قيادى هو أن يتولى نفس الموقع من هو أدنى منه، أو أكثر إضرارا، وإن كانت هذه رؤيتك لمحاولاتى، التى لا تليق بمكانتى، فلعل مكانتى أدنى مما تظن، وهذا يرضينى أكثر، ولك ما وصلك إليه، وليس عندى اعتراض،
أما ما يصلنى ممن هم أطيب منك وأهم، فهو ما يعيننى على الاستمرار على حساب مايبدو لك –ولى أحيانا- أولى بالوقت والجهد وجميعها هى تشكيلات لحمل الأمانة لا أملك إزاء الاختيار فيما بينها إلا أن أدعو الله أن يعيننى “أن أملأ الوقت بما هو أحق بالوقت” “دون استعلاء أو استغناء أو منظره.
وبما أنك تتابع كل ما أكتب بما فى ذلك التعتعات فقد عثرت على إحداها نشرت فى الدستور بتاريخ 24-6-2009، بعنوان: “إنفلونزا الخنازير: بين الإرعاب والإلهاء…!! “
وسوف أقتطف لك بعضها لعل ما أريد توصيله يبلُغك من أيهما.
“رجل فى منتصف العمر، يبدو طيبا يقظا، قال لى بعد أن ناولنى ما طلبت من محله المتواضع (سوبر ماركت صغير)”.. أنا متابع لأغلب حواراتك، وأكاد أحفظ بعضها”، سألته أى حوارات تعنى؟ فقال كلاما طيبا، فشكرته، وسألته مثل ماذا؟ قال ، مثل قولك ” أنا مش فاهم ليه الناس حريصة قوى كده على حياة همّا ما بيعيشوهاش من أصله؟؟؟!!، تعجبت، وسألته متى كان ذلك؟ قال: منذ عامين، أيام هيصة إنفلونزا الفراخً تعجبت أننى نسيت، مع أن نفس الخاطر قد خطر لى بمناسبة هذه الاحتفالية الإعلامية الإرعابية الإلهائية الجارية حول ما يسمى” إنفلونزا الخنازير”، وانصرفت أفكر.
……..
……..
وجدت أن ما وصل هذا المشاهد اليقظ من سنتين ينطبق الآن أكثرعلى ما يسمى إنفلونزا الخنازير، بل وعلى ما يسمى فيروس “س” الذى صدعونا به ليل نهار، مع أنه لم يستدل على وجوده شخصيا حتى الآن، اللهم إلا إشارات لأجسام مضادة غامضة افترضته فرضا”…الخ
ويمكنك الرجوع إلى بقية التعتعة (إن كان لديك وقت!) ، والتى انتهت هكذا:
“فى كتاب “جاك إيلول” عن “خدعة التكنولوجيا” (ترجمة د. فاطمة نصر) تفاصيل مهمة عن دور تكنولوجيا الإعلام فى تحويل انتباه عامة الناس إلى ما لا يهمهم، حتى يتفرغ الكبار لإنهاء حياة أغلب البشر بمعرفتهم لصالح تكديس أموالهم، وبقاء صفوتهم دون غيرهم”.
ذكَّرتنى يا أحمد بتعليقك هذا بموقف صديق أنت تعرفه – كان ابنا مثلك– ثم شد الرحال إلى أمريكا، وقد قاطعنى لأنه رفض أن أظهر لعامة الناس مع مقدم برامج لا يستلطفه فى برنامج “لا يليق بمكانتى” أيضا.
د. أحمد الفار
10- وأخيرا، أعتقد أن النقاش الأهم الذى يجب أن نخوضه كأفراد وكمجتمع هو صلاحية نظم الحكم الأبوية بأى من صيغها للتعبيرعن طبيعة المجتمع العربى فى هذا الزمن وعن تطلعاته؛ واضعين فى الاعتبار خبرة شعوبنا وشعوب العالم بذلك.
وختاما معذرة للإطالة وعذرا، وحتى نلتقى تحية الثورة ومحبة الأبناء
د. يحيى:
أظن أن الإطالة كانت مفيدة لنا، على الأقل نحن الأثنين، وربما لكل من تحمَّل مشاركتنا.
لا يا أحمد، المسألة ليست مسألة نقاش، ولا هى ثورة إلا بعد أن نوفق إلى أن تكون كذلك،
هل تذكر يا بوحميد أننا نبدأ جلسة العلاج الجمعى بسؤال يقول “مين اللى عايز يشتغل” فالنقاش إذا التزم بما هو “هنا والآن” ينقلب “شغلا” حين نتحمل مسئولية الكلمة “فعلا”، فلا نستسهل ولا ننتقى آملين أو خائفين، ولا نتوقف، ونواصل.
أشعر أنه علىّ بدورى أن آسفُ للإطالة
ثم استأذنك أن أؤجل بعض الملاحق إلى نشرة الغد (على حساب مواصلة مناقشة إشكالة الظل)
وليعذرنا أصدقاء الموقع.
لست متأكدا.