نشرت فى الوفد
7-6-1984
يوميات ناخب حزين
كل ما أرجوه ألا نفقد الأمل، وأن يكون هذا الصوت المحدود تحت القبة الشريفة (رغم ما تلوثت به أحيانا) هو الفرصة الجديدة للمقارنة فالرؤية فالإستعداد للإختيار الجديد، وأن يستوعب هذا الصوت أصواتا معارضة أخرى حيل بينها وبين المشاركة الرسمية بفضل حياكة القوانين ولى الذراع .
أقول ذلك وملئى الحزن على فوات الفرصة، رغم طيبة رئيس الدولة، وحسن النية، وقد عايشت هذه التجربة مواطنا مشاركا صاعدا هابطا، محاورا رافضا معتزا بصوته طول الوقت، وكأنه الذى سيرجح كفة هذا أو يخفف موازين ذاك، وحين انتهت التجربة وجدت فى قلبى مرارة، رغم كل الأمل، وفى عقلى يايا رغم العناد، خوفا من البدائل رغم كل المحاولات، وقت أكتب هذه التجربة للناس بايجاز لعلى أجد من يشاركنى فيرجح الأمل والعناد وتفيد المرادة فى التعلم والإصرار، قبل رفع الستارة:
راودنى أمل عنيد أنى انسان محترم، أعيش فى بلد محترم، وأنى أستطيع لذلك – وبذلك – أن أقول رأيى فيمن يحكمنى، بل أن أصدر قرار تعيينه، وأن أخطئ فى ذلك أو أصيب، وأن يصححنى رأى الأخرين، وحساب ضميرى، ومتابعة اجتهادى، وتوفيق ربى، كان ذلك بمناسبة عودة حزب الوفد بحكم قضائى ليحيا العدل، ولست وفديا .
الأربعاء
ولكن لماذا هذا التسرع بهذا الإتفاق؟ نعم الخطأ يكمن اساسا فى قانون الإنتخاب، ولكن لماذا الوفد بالذات والإخوان بالذات فى هذا الوقت بالذات؟ لا أوافق ولا أرتاح، فالمسألة ليست مجرد أصوات لا ولن أعطى صوتى للوفد وهو يلهث هكذا، يا … خسارة !!
الخميس
اذا كان القانون قد حرم المستقلين من الترشيح، أليس من الجائز أن يحرم الناخبين المستقلين من الإنتخابات أيضا؟ لعله كان قد أراح أمثالى ممن يأخذونها هكذا جدا صارما .
الجمعة
فتحت النار بلا هوادة، وبتدبير يبدو جماعيا، واشترك فى الهجوم غير المتكافئ كل الخائفين والمخلصين والمنافقين والمجتهدين والمخدوعين، خافوا على ثورة يوليو وكأنها طفل حديث الولادة وهم الذين كانوا يتفقون على مراسم الدفن سرا، وأطلت علينا معارنات مضحكة تقارن – وبالأرقام – بين ما كان قبل ثلث قرن وما هو الأن، ياسين – بغير أمانة – متغير الزمن الذى لا يحسب الا بعينة مماثلة – وغير مماثلة – بدون ثورة يوليو ( مثل المغرب، أو اليونان أو الهند أو كندا !!)
السبت
عجيب أمر هؤلاء الناس، أن هاجم الوفد ثورة يوليو فهو يريد أن يرجع بالعجلة الى الوراء – وكان هذا ممكن، وكأننا مجموعة من ضعاف العقول – وإن اعترف بإيجابياتها فهو يريد أن يستولى عليها، لا … لا .. هذا ملعوب ينكشف، ومع ذلك فلم أقرر لمن أعطى صوتى .
الأحد
أنا أريد أن ينجح الحزب الوطنى، لا حبا فيه، فهو لم يوجد بعد، ولكن باعتباره الصورة المدنية للنظام وأنا أفضلها عن الصورة العسكرية، جيشية كانت أو بوليسية، فاذا كان هذا هو عين العقل من عجوز مثلى فلماذا أبحث عن أى أحزاب المعارضة أدلى لها بصوتى؟ فلا أكن أمينا وأعطى صوتى لمن قررت أن نجاحه أفضل، ورعبت رعبا شديدا، أنا؟ أعطى صوتى لحزب لم يوجد الا شللا منتفعة؟ وفى أحسن الأحوال كلافتة شبه ديمقراطية لحكم منتفخ؟ لا .. لا .. لينجح الحزب الوطنى رغما عنى، حتى لو امتنعت عن التصويت .
الخميس:
حضرت مقابلة إنتخابية فى نادى أعضاء هيئة التدريس، حضرها مندوبو الأحزاب، وتناقشوا مناقشة خرجت منها بالفخر والسعادة وبدا لى أن أملى تحقق، وأنى انسان محترم فى بلد محترم، وكانت أكثر الآراء ترتيبا ومنطقا، بل وهدوءا هو رأى ممثل حزب التجمع الذى كنت لا أحب لهجة حزبه القرصة، وتهييجه المستمر، ووعوده التكتيكية ولكن ها هو ذا الكلام مقنع والإخلاص ظاهر، فلم لا أنتخب قائمته وأخلص نفسى
الثلاثاء:
قرأت دعوة ابراهيم شكرى لإنتخاب قائمة حزبه، وأحسست أنه يجلس معى يربت على كتفى، ولكنى ماسمعت منه الا صوت مصر الفتاة لا حزب العمل، هذا رجل طيب عظيم شريف فلم لا أهديه صوتى ولو حتى لأساهم فى وصول حزبه الى الثمانية فى المائة .
الخميس:
زادت وفاضت …، هذا استخفاف بمشاعرنا واستهانة بعقولنا، الإعلام الرسمى غير موضوعى، صور الباشوات والخديوى ليست هى الوفد الجديد ولا القديم، وترن فى أذنى موسيقى أوبرا عايدة، وأتيقن بالرغم من ذلك أنى لم أحب الباشوات ولا سيرتهم، كما أنى أكره الباشوات أكثر فأكثر المتخفين تحت أى اسم اخر مهما ألغوا الباشوية، لا لا .. من يستغفلنى لا يستحق صوتى. ولكن يالصوتى هذا الذى أحمله على يدى خائفا عليه كل هذا الخوف، أن أضعه فى غير محله .
السبت:
سمعت دعوة الرئيس للشعب أن يشارك، وتصورت أنه يكلمنى شخصيا، ووصلتنى حسن نيته وهو لا يطلب الا أن يحكم كل واحد ضميره، وصدقته رغم يقينى لتعثر صوته فى داخل قنوات الحزب الذى أضطر لرئاسته، المهم شكرته فى نفسى وقلت لعله خيرا .
الأحد 27 مايو:
من السابعة صباحا وأنا هناك، أخترت الى لجنتى بالعافية أرشدت رجلا مسنا الى حقه أن ينتخب بالبطاقة دون تذكرة انتخاب أن كان اسمه مدرجا، كان الموظف المختص قد ظنه خواجة عجوزا فصرفه بمعلومة خاطئة، فخور أنا بكل ما يجرى، لم أقرر من أنتخب بعد، بعد نقاش مع زميلى قررنا أن ننتخب من سيتيح لنا هذه الفرصة أكرم وأصدق اذا ماولى الحكم، فرجحت كفة الوفد فى آخر لحظة، حتى لو كان قد أخطأ فلن يخلحه الا صوتى وصوتك، نحن اذن ننتخب الوسيلة لا المحتوى، شكرا ياسيادة الرئيس .
الإثنين:
فى زيارة الى قرية أقرب لواجب العزاء سمعت سخطا من رجال ما يسمى بالحزب الوطنى على الرئيس الذى جعل العيال نتكلمون فدعوت له بطول العمر، ورجعت وأنا أتذكر ترحم أقاربى على سلفى هذا الرئيس المغفور لهما حيث كانا يسكتان العيال بطريقة أو بأخرى، فنعفى من وجع الدماغ !!
الثلاثاء:
فرحة ما تمت، لم تكن الإنتخابات بين حزب وحزب، وأنما أحزاب وحكومة، وشعبنا بحب الحكومة!! أو هو يتقيها بادعاء حبها، فإن أساءت فهو يصبر عليها حتى ترحل أو يهزمها الذى لا يهزمه أحد، ومع كل ذلك فالنتائج الأولية توحى بأن ماسمعناه فى الشارع وما رأيناه فى كثرة من اللجان لم يترجم الى الى ما يتوقع من أرقام لعله خير، ولننتظر حتى بعد الظهر .
وأعلنت النتائج:
ياساتر!! ماذا حدث؟ وما فائدة صوتى اذن؟ وأين الأمل؟ هل قبلوا تحديك ياسيادة الرئيس وفعلوها بالجهود الذاتية؟ الى أين نحن ذاهبون؟ الويل لمن يحرمنا الأمل، الويل لمن يضطرنا الى ما لا نحب، يارب سترك .
الخميس:
أقرأ رائعة جابرييل ماركيزا، مائة عام من العزله: .. كان عدد الأوراق الزرق والحمر متساويا تقريبا لكن الرقيب لم يدع منها الا عشرة وأكمل الفرق بأوراق زرق .. قال اوريليانو سوف يحارب الأحرار فيرد عليه ممثل السلطة انهم لن يعلنو الحرب من أجل تبديل أوراق الاقتراع – ولكن الحرب تعلن، وبعد ثلاثين صفحة يقول أحد الثوار المحاربين معترضا أصلا على محاولة التغيير بالأسلوب الديمقراطى ( مادام الأمر كذلك) …. اننا نضيع وقتنا، وسنظل نضيعه ما دام اوباش الحزب ( يعنى حزبه الثائر) لا ينقطعون عن شراء مقعد فى الكونجرس (يعنى مجلس الشعب !!) وأسأل نفسى أليس هذا بالضبط ما تدفعنا اليه هذه الحكومة، أو حزب الحكومة، أو حرص وغباء المنتفعين بالحكومة؟ اليس ضد هذا هو ما حاوله هذا الرئيس فأفشلوه عينى عينك ؟؟
الجمعة:
أفظع ما سمعت وأبأسه ليس مقتل نائبة شجاعة، ولا خطف مندوب مناضل، ولا تسويد يتم ببعض رجال الجامعة، كل هذا له من يحقق فيه وليس عندى ما يحيطنى بكل أبعاده، الأفظع – لوصدق – هو حكايات بطاقات زوجات رجال القوات المسلحة التى استخرجت فى غير الميعاد والتى سود بعضها بغير حضور، اذ لو صح هذا فهو افتراض ضمنى أن القوات المسلحة توجه لتأييد حزب معين، وأن لا ذنب لأشراف القوات المسلحة فيه، أقول لوصح – وأدعو الله الا يصح فهو اللعب بالنار، وهو النكسة، وهو لعنة يوليو التى لا تريد أن تنمحى، والتى – لو صح سوف تشوه شعبية هذه الثورة بأكثر من كل تشويه مباشر أوهجوم معلل، وأدعو الله ولتدعوه الا يصح فى قليل أو كثير، يارب سترك .
السبت:
ولو …، ياسيدى رئيس الدولة: انهم يصرون على أن نيأس اذ يفشلونك، فتنبه لما يفعله عمالك، لأننا جميعا سوف ندفع ثمنه، وأنت أولنا وليتحمل مثلى الحزن ما شاء ولكن دون أن يفقد عناد التفاؤل حتى بعد الذى كان، لأن اليأس، سيدى، هو بداية الخراب بكل معنى وسلاح.
والى الجولة القادمة مهما طال الزمن