يحيى الرخاوى طبيب نفسى
رحلة لا مجدية
فاطمة مدكور*
أن لغتنا ليست محددة – منقوشة – ولكن نتبادلها مختلسة بقدر الاستطاعة خلف وظائف الكلام …
………. ها انذا أخيرا امسكت بالقلم ولا أدرى ماذا أريد بالفعل .. ولى رغبة خفية لأقول عن أشياء ولا أعيها تماما … أشياء ما … أو هى على الأصح شعور بوجود دوافع غير واضحة تعتمل داخلى .. وتأسر تفكيرى.
أحاول أن أعى خيطا لها – لا أدرى هل لى رغبة فى الهذيان أو لحظات تعبيرية متطرفة بالخيال الحسى …
****
حاجباى مقطبان وكأن هناك تدور داخلى موتيهات هامة .. تخرج أنفاس معبقة بالوله والميل الشديد لأن تتصاعد من صدرى وكأنها مضغوطة داخله على غير طبيعتها .. آه صدعت رأسى الآن – ظلام وطلاسم وتيارات متشابكة الاتجاهات .. نسيج شبكى سميك .. حالك ولكنه سابح الجزئيات .. بلغة ما بعد اللغة لم أع الا مزيدا من الغموض وتتزايد وقع رنين مفعول احساس بالغموض وكأنى فى هوة كلما أتجهت بالمسير فى اتجاه أجد نفسى مشقلبا بالنسبة لآخر مواجهة، وآخر جانبى وآخر مائل، وآخر منعكس وآخر وآخر …. ….. الخ ..
الآن استيقظت غفلتى ووجدت نفسى على فراش فى حجرة .. يتدلى من سقفها توهج ضوئى وبعض اشياء مرصوصة بجانب الجدران فوق ارضها لأجد نفسى نسيجا يحتوى على انفعالات متداخلة لكل شئ حولى فى هذه الأوضاع الساكنة الباردة.
وأحسست بغربتى ولم أنا أشكو وأعى .. انه عالم مقنع بالجمود يتداخل ويتراجع فى رهبة خفية خلف مفاهيم الشكل والانعكاس السطحى على عينى وملمس حسى له، على ذاك البعد والقرب لهذا وهذا وهذا ………
وأصرخ الصمت .. لقد خابت وتلاشت خطاى وعدت مرهقة بلا جدوى مما وددت أن يقال ومما استطعت أن أقوله وخفت رعب الخوف وابتسمت ببلاهة كما أشعر ولكن كانت مسحوبة بايماءة عنيدة تكشف فى حينها لتعلن تمردى…
لا يوجد خوف …. وبدأت أدلى قدمى ولمست بأخمصى عفارة الامواج المتحصبة وشعرت بوخزات سرعان ما تعودت تحملها وسرت فى جسدى قشعريرة المتعة والمجازفة وهيأت أبعادا فى نفسى أضيئت لتوها أن لا أتراجع فقد ساندتنى قوى أخرى مبهمة المعنى والمغزى ولكنى شعرت بتأثيرها وانها موجودة فعلا .. وها أنا أتزود بدوافع جريئة، آه آه يالها من جرأة فقد توجت يقينا غمرنى كضباب لم أر من خلاله الا ما يبسطه لى …. تلمست بأناملى سطح هذا اليم وغاصت قدمى وغاصت ساقى واذا بى ازداد غوصا وما أكاد أشعر بشئ حتى اختطف منى ووجدت نفسى أرفع ذراعى متجانبتين لاعلى وأصابعى متناصبة فى تلقائية تعادل أصابع قدمى .. وأغوص وأغوص وتجذبنى دون أى خلل لى وأنا أتحول عن أتجاهى مسالك وتيارات وكأن احدا يصحبنى …. هو لى ضوء متصل بضوء شعرت به الآن فقط فى مكان ما داخل جسمى بحديث صامت دون اشارة أو حركة وكأنهما واحد .. تابعان!! .. ولكن لا أرى ما بداخلى فى الوقت الذى أراه فيه موجودا بين ادراكى … هناك هذا الحديث أو هو هنا لدى لا أعى ظاهره ولكنى أشعر بنقاء .. وقد بدأت أفسر معنى “دون وعى” وكان كل شئ من خلف ستار هادئ وشعور بليغ ..
اننى احتوى على سرى ولكنى أمنت عليه رغم أننى أجهل ما بسرى وتركت خلفى ذكائى – لقد بطلت وظيفته – لم أعد أريدها .. لأننى استشعر الآن متعة ذابت فيها رغبة التفسير غير أن أظل أشاطر نفسى بهذا الوعى المتلاحق البرق .. صفارات الاعتراف المتمنع – واهتزاز اللحظة فى رهبة هذا التاج المتوج .. واذا بى أنا !! يفرط العطاء بمغزى شعرت بقيمته ولكن لم أع له تفسيرا .. ولم التفسير .. لا يوجد الا ما يجعلنى أتكاثف بادراك دفين … وعى يليه وعى ويضئ على آخر كسحب رقيقة تتلاحم – فلا نهاية؟
ومن أين .. فأنا لم ابدا من بداية .. قلت هكذا .. أنا أوجد دون أن أعى ما لا وعيته خلف رغبتى ..
وظللت فى رحلتى، تتوالى اللحظات وتتضخم عظمتى .. وبدأت – وبدأت فى كل ومض سريع أشعر به تغوص سهامه فى أجزائى .. فى هذا الحديث اللجب، أتوصل لبدء بداية ترتكن على قمة شعور بالومضة السابقة .. وأيقنت بادراكى أيضا أنى فى حضرة مسيرة داخل بحر سرداب النور السرى خلف موسيقى نبض شريان أنفاسى السابحة … وعندما وجدت اجزائى .. ذابت أمام مرآى، ولكنى أشعر بها وكأنها لم تذب .. تقلصت براءة النور على جبينى وشعرت ببرودة ثقيلة وكأنى تحملنى قطعان كثيفة الزحام .. من من لديهم قدرة على حملى .. وشعور يسرى بقشعريرة متصاعدة واذا بى أرتطم فأفتح عينى ..!!
وأتجول بنظرى المثبت على هذا التكتل المنتصب على رقبتى وشعور أخذ بى فى العظمة من هول الاستغراب الفاجع من دوامة المفاجأة الدائمة .. وأتحسس فى مرارة دفء غطائى الذى فوقى وقد علمت بعودتى واننى غنمت بمعرفة عميقة ..
وعندما وددت أعيد تفاصيل وعيى لم أع ماذا أريد أن أعى وابتسمت ..
والبسنى كائن ما خمارا، أسماه بجانب أذنى ما وعيت منه أنه الحزن .. وتحركات من مرقدى وبين حين وآخر أشعر بوخز رقيق يقول اننى الفرح .. أمس بطرف أشعاع طرفى، خمارك هذا الرزين، الحكيم .. يصبح حورية تسمى السعادة وكأنك فى رحلة اسطورية فى جزء من اللحظة .. تعى أنك خلقت من جديد .. من عبر أزمان سحيقة فى بعدها .. بقدم تخلق حيوان مادتك المبتدئ منذ بدأ يتحرك حركته الاولى المعجزة مسيرته الغامضة وتبرق سرك، وتجذب اليك نياشين غموضه بشرة تكلسه هذا الاصرار العنيد فهيا مرة أخرى عش تجربة خلقك لتعى فوق ما وعيته شيئا جديدا فأنا السعادة واننى ايضا جئت ولا أعلم لاى فتح اجئ كما لا أعلم من أين أظل اجئ .. وأتهادى فى كل برقة حياة بالمجئ! حبى حبى انى احيا بك ايها النبض العنيد .. وهل ضرورة التكامل أن أسعى اليك لأجعل منك هذا السعيد .. آه حقيقة؟؟ وما هذا السعيد سيكون !! هل هو نور المستقبل .. هذا هو الفضول …. فلأستمر أيها المخلوق الفريد.
* فنانة تشكيلية تمارس فن النحت تعمل بهيئة الآثار – مرممة – رسامة تكتب منذ 1965 ولم تنشر من قبل .