بيت العنكبوت
محمد محمود عثمان
عبر الممر الطويل. جاءت خطواته البطيئة. كانت الساعة تشير الى موعده اليومي. حيث يسود الصمت. وتنتظم الطرقات فوق البلاط.
أيام ثلاثة.. قضيتها.. ثقيلة.. خانقة فى هذا المكان. لم أميز خلالها تماما الا خبط أقدامه آتية ذاهبة. وغير ذلك لا شئ.
ضغط الجرس. رشفت ما تبقى من الشاي. من الباب الجانبى دلفت الى حجرته وتحت أبطي. تقبع آوراقي. تطلعت الى وجهه السمين.
كان شاخصاً ببصره الى اللوحة المثبتة داخل الاطار المزركش. حين لمحنى أخفى ضحكته المبهمة. القيت بتحية الصباح. كالمعتاد لم يرد. ابتلعت خجلي. بسطت الأوراق أمامه. جرى بقلمه فوقها. ولما فرغ لملمتها وخرجت أعدو. تهاويت فوق الكرسى . بعيون زائغة فحصت محتويات الملف الأنيق.
وجدت أحدى الأوراق تنقصها تآشيرته. اندفعت الى مكتبه. خلف النافذة الزجاجية وجدته واقفا مستغرقا فى الضحك. التمع الضوء المنعكس على زجاج نظارته السوداء. اخترق عيني. اهتزت رموشي. اقتربت منه مددت يدى بالورقة همست اجتماع مجلس الادارة اليوم يافندم.
فى تكلف وتعال قال انتظر.
فى عجالة خلع نظارته. وضعها فوق المكتب الفخم. صنع من كفه حاجزا للضوء أعلى عينيه توراى داخل دورة المياه الملحقة بمكتبه. فى تلصص جلت ببصري. لأول مرة أصبح وحيدا فى حجرته. تفرست بدقة أجهزة التكيبف التى تئن.. الستائر الفاخرة .. الاطار الذى يحوى لفظ (الديمومة). فوق المكتب كانت ترقد نظارته. زجاجها السميك وشكلها غير المألوف أثار فضولي. اقتربت منها وضعتها فوق عيني. نزعتها بشدة. بين الشك والدهشة ارتديتها مرة أخري. مذهل ما يحدث مذهل.. الأشياء تصاغرت من خلال عدساتها الى حد مخيف . أجهزة التكييف..
الاطار.. اتجهت الى النافذة. من هول المفاجأة تراجعت الى الوراء خلعتها ـ مسحت عيناى جيدا. أعدتها الى وجهى غير مصدق .البيوت . الأشجار بدت صغيرة. العربات دقيقة والناس.. متناهين فى الصغر. كدمي. قصيرة الخطو بلا ملامح. لقد كان يضحك وهو يقف فى هذا المكان. تللك اللعينة. ر أيته مندفعا الى المكتب بينما آبعدها عن عينى كانت يده مازالت فوق حاجبيه. مد الأخرى يبحث عن النظارة. قلب الأوراق. بعثرها. فتح الأدواج. بحذر حاولت تلمس الطريق الى الباب, فى حركته الدائبة اصطدم بي. رفع وجهه. تراجع للوراء. بتفحص وفزع شديد قال.. من أنت مد يده يحاول انتزاع النظارة. عدوت. جرى خلفي. أمسك بى .. القيتها الى الأرض. أحدث سقوطها دويا غير مألوف. دهستها بقدمي. ابتعلت النظارة ضرباتى المتلاحقة. صرخ الرجل السمين فى وجهي. تجمع كل من بالمبني. تلفت ناحيتهم. علت دهشته. ارتعش. صاح . من أنتم .. ماذا تريدون .. أخرجوا.
مرقت من الجمع. لهثت حتى بلغت مكتبي. أحسست باختناق شديد. اتجهت الى الستائر. أزحتها. قبل أن أمد يدى لأفتح النافذة بهت. ضغطت رأسى بكفي. كانت الدمى تتحرك ببطء فى الخارج. حطمت الزجاج. عاد مسرعا الى المكتب المجاورة. من خلف الألواح الشفافة رأيتها بحركتها المقيدة. رفعت يدي. هشمت الزجاج. أصبح كل شئ أمام عينى بحجمه الطبيعي. تدفقت فرحتى بغزارة . غمرت مواضع انبثاق الدم والأيدى التى تنهشنى بكل قواها.