مخاطر الرؤية… ومهارب المواجهة
رد على مقالات د. محمد السماحى
وفاء خليل
التزمت هذه المجلة خطا تدفع به عجلة التطور وتؤكد ضرورة اتساع دائرة الوعى ومن ثم المعرفة فالمسئولية الفعل، ولكن هذا لم يعن التحيز لفكر محدود أو انتهاج موقف خطابى ضيق ، وانما هو يعنى أبدا الحوار فى المقام الأول، وقد واصل د. السماحى “ قذائفه المضيئة” (هكذا أسميناها) ولم نحاول أن نبين انها قد تكون كواكبا ثابتة اذا هى أثارت دوائر الفكر ومسارات الرؤية، كما أنها قد تكون نيازكا لا تلبث أن تبتلعها جحافل الظلام اذا هى تقلصت ببرودة التعصب ، واستمر اصرارنا على نشر ما لا نعتقده سعيا إلى الحوار، ثم يصلنا هذا المقال الذى انتظرناه دون ان نعرف ممن سيأتى، فنرضى عما فعلنا ونفرح بالفرصة ونأمل فى الاستمرار.
والمقال الرد يتناول وسائل المعرفة كخبرة حياتية كاملة ويدافع عن مغامرة التعرى بشكل شجاع وخطر فى آن ، ولا نملك الا أن نأمل من كل ذلك مزيدا من الحيوية الأمينة تثرينا فى كل حين، دون أدنى تنازل عن الالتزام سالف الذكر، بل لعل الاختلاف هو من أعظم ما يؤكد الالتزام.
ونستأذن الكاتب فى اقتطاف ما يخص رأى التحرير فى مقالات السماحى لنرد عليه فى هذا العدد نفسه فى باب “الحوار المعايشة” ونترك ما يخص الدكتور السماحى للجميع ينهلون منه ما يستسيغون، ويهضمون ما يقدرون، ويا لهفى على كل من حاول بالعمق المخيف.
****
يبدأ المقال بمقتطف من ديكارت على جانب الصفحة هذا نصه:
(وأيا كان الأمر، ولئلا أذهب فى الفرضيات إلى أبعد من اللازم، فانى لا أؤكد شيئا، بل أخضع جميع آرائى لسلطة الكنيسة وحكم من هم أكثر منى حكمة. وأنا لا أريد أن يصدق أحد من الناس أيا من الأشياء التى قلت بها الا لو اضطر إلى ذلك بفضل قوة العقل وبديهته).
ديكارت
ثم يقول موجها كلامه للدكتور السماحى أساسا:
أنا قارئ من قراء المجلة… شبهة حب الشهرة تزعجنى وأنا أودع عالم الذهن أنا أقرا انتاج مجلة الانسان والتطور من بدء صدروها، وقرأت انتاجك فيها، الحقيقة انى شخص كسول يرهقنى الرد وتفنيد الحجج سواء فيما تنشره المجلة أو ما تكتبه أنت، أقرأ أحيانا لكنى لا أميل للكتابة حاليا، الكتابة لابد وأن تكون جزءا من قرار واختيار،(طيب، لماذا أكتب لك؟؟)
فى الحقيقة انى أكرهك وأحبك(مع الاعتذار لرائدك الروحى أرسطو وقانون عدم التناقض) وذلك بناء على رؤيتى لك (فى حدود ما هو معروض)، أحاول أن أحدس من أنت، وقد تم الأمر بالفعل، فاذا أصبت كان بها وإذا أخطات فقد أتعلم من الممارسة، تخاف من الممارسة يا محمد، أليست الممارسة انغمار للكل ومقامرة بالكل فى التجربة؟؟، من ذا الذى لا يخاف منها؟ أليست هى التى تحمل الكون للواحد منا، دعك مما نشرته المجلة، تعال نمسك بما نشرته أنت من أجل أن نتفق على المادة التى بنيت عليها وجهة نظرى ،
– أنت نشرت ثلاث مقالات عن الأساطير والتشابه بينها ونفاذها إلى العلم.
– أنت نشرت مقالا عن حاجة البشرية للتدين.
– أنت ترى أنه لا دليل مباشر على صحة الفرض بوجود العالم.
– أنت ترى أنه لادليل واحد على أن ما يمكننا معرفته عن العالم يمثل حقيقة الأشياء أى ليس مجرد ظواهر للأشياء دون جوهرها الحقيقى
– أنت تتساءل عن امكان قيام معرفة مبنية على الحس السليم وعما اذا كان هذا الحس السليم يطابق الواقع أم أنه يجرنا إلى فخ المعرفة الخاطئة (سياق التساؤل يشير إلى أكثر من التحفظ معه)
– أنت ترى أن العلم فى مرحلة جنينية أو طفولية وتبحث عن أسس جديدة للعلم التطبيقى باستبعاد المصادر الفاسدة مثل المنطق العام والحدس الشخصى والخبرة اليومية.
– أنت تستبعد فكرة الغائية فى التطور وترى ان فكرة الطفرة أقرب إلى الصواب تفسيرا للتطور.
أنت تأمل فى الفصل بين مختلف المجالات الإنسانية مثل” الأخلاق والمعرفة”، “العلم والدين” ،
“ الأخلاق والواقع المحيط”
سأحاول ان أتعرف على البعد الذاتى لمعرفتى والمختلط برؤيتى لك ولماتراه ولما أراه فيما تراه….، ستقابلك يا محمد فى خطابى جمل اعتراضية كثيرة، ومن زاوية ما ستفتقد العلاقة بينها وبين سياق كتابتى……لاتبتئس……هذا هو أنا….. تحملنى.. سأناقش مقالك حول التدين بشكل أساسى، والباقى بشكل ثانوى.
بخصوص البعد الذاتى لمعرفتى:
أولا: وقبل اى شئ وبعد أى شئ فانى أرى الجنون معرفة، معرفة مختلطة بأشياء أخرى ولكنها معرفة، واننى أتعرف حاليا على الجانب منى الذى يود أن يعرف عن هذا الطريق، وهذا الاتجاه هو ما يحدد المسافة النفسية بينى وبين الآخر، والحدود التى تفصل بين جنونى وجنون الأخر باهتة لدى، وهى تهمنى لكى لا يتورط احدنا (أنا أو الأخر) فى امتصاص جنون الكون ومعرفته ليزداد تعقلا ومعرفة… وقد يطمئنك ان أملى ان أجن وأناعاقل.
ثانيا: اننى “ أقوس” على المعرفة العقلية – باستخدام المصطلحات الهوسرلية – لأختلى بنفسى الكلية بجانبها المشاعرى والغرائزى، وأتمنى أن أتعرف على هذه النفس قبل أن تتميز إلى أجزاء منها العقل، وأتمنى ألا تصطدم بهذا العقل (أريد عيونى القديمة… من ذا يعطيها لى)”هو “الأبد” – “مفهوم” – أم “احساس؟” “ أنفى تشعر أن الرفض قادم.. أنفى تخاف”، (السمكة الباخرة تريدنى منارا….والبحر عميق) (انه ينتظرنى بالكفن.. ولن يطلب ما دون ذلك) (كلهم معذورون……. يا ترى أنا أيضا؟؟)
ثالثا: ان “القيمة” المركزية فى حياتى حاليا غامضة تماما، وتلتف حول ذاتى تماما أيضا كالأخطبوط، ويبدو أنى أحتاج إلى معرفة الداخل أكثر من احتياجى لمعرفة الخارج، ويتخبط عقلى فى افساح مجال للآخر فى وجودى فلا أجد له مكانا الا فى حدود ضيقة جدا تقارب العدم ، ومع احتمال أن يكون هذا العدم مفيدا وبناء و…… فان موقفى من هذا العدم رهن بما سيتيحه من معرفة تم توضيحها فى البندالسابق. أكرر: من هذا العدم.
وعى ذهنى يقول أن اللعبة كلها فى “ سياق ممارسة اجتماعية”،
وأسمع صوتا معترضا غامضا بداخلى
رابعا:(أ) ان البناء النفسى والعقلى”الكلى” لى يلهث حاليا أمام تلاحق التغير فى الوجود من حولى، واكثر مجالات التغير لدى هى الانسان، وعلى وجوده تتلألأ الحقائق لثوان ثم تفلت. ( لم يفدنى الذهن المغترب عن ميدانه سوى فى قدرة الربط وفى تحمل الغموض – وأنا قادر فى هذا المجال وقادر على تخبئة خيوط التصور الذهنى ).
(ب) انى أرى أن الناس تتقابل لتجن أو لتعقل أو كليهما(معا أو بالتبادل أو بالتناوب) أو لتناور(مضطرة أحيانا لبشاعة الداخل ).
(ج) انى أعتقد أنه خلافا للوسائد الإنسانية والعواطف البشرية الرقيقة نخفى العلاقة التى طرفاها كل يريد أن”يعرف” فنحن نحتاج إلى التمهل فى تأملها وهى تعكس مطلق النهم الانسانى للوجود ككل فى نسبية الأشواق الشخصية لكل ، الأشواق وخاصة المعرفية فى الانسان، التمهل فى التأمل مؤلم.
… هامش فى داخل المتن:
يبدو أن من يكتب لك حاليا(أكرهه) هو “أمام” “آخر” أحتاجه،……ويبدو أن من “يعرف” لم يسعد “الآخر”….، ويبدو أن فكرة (الولاف) تنتسب إلى “من يكتب “ فهى لم تنبع من التجربة….
ولكنها من الوعى…، والأمل أمامى فى الصلح غامض…. ويبدو أنى “أضربك ظلما” وأنت “بعض نفسى” أو قل انى معتزم على ايلامك….، فهل تفهم وتتحملنى؟… هل تذكر السمكة الكبيرة التى تأكل السمك الصغير؟….، هل تطبق معى سنة81 نفس القانون وتتركنى بلا أذن صاغية، نومى شقى، ويبدو أن اشواقى تخيف”من يكتب”.. ويبدو ان الاثنان يتناوبان الامساك بيدى والكتابة بالقلم.. ويبدو أنى أخاف الانفصال بينهما وأخاف الصراع… كلمة التناقضات أرحم من لسع الصراع وفراغ الانفصال… وسيظل الفرق قائما للأزل…، هل تعرف؟ أحتاجك؟ أحتضنك؟ احتضنك من قسوة السؤال… وآمل أن تدرك أنت قسوة الاضطراب.. كلاهما له وجدان وعيون…. هناك فروق شفافة بينهما…. إذا لم تكن التجربة تستوعب ضمان الخوف وقسوة الصراع أحس بها هزيلة كما أحسست دائما…. لكل منهما تصور ضئيل للآخر وان اختلف التصوران…
“الآخر” لا يعرف قيم الخير والشر والحق…. و”من يكتب” يعرف ، وان لم يذب يعرفه فى دمه، لعل الكتابة كلها تنقلب محاولة للهرب من”الكاتب”، أستصرخك فالكاتب يبدو أنه سيلتهم الصفحات القادمة…لاتخشه… ليس هذا هو وجهى الحقيقى الشامل…. ويبدو أن الحكاية لا تقتصر على اثنان بل آلاف.
هكذا أقول لك يا محمد عفوا للاحتمال الأغلب بعدم الموضوعية..، يهيأ لى أن الموضوعية مستويات وآفاق،…لا، لاتتسكع كثيرا فى المقطم فالعفاريت والظلام لا يرحمان، هوسرل لم يحل مشكلة البعد الذاتى فى المعرفة ببحثه فى”الموضوع” كما يتجلى فى الوعى… ويبدو ان الذات لأجل أن تعتبر أن الذات التى أمامها موضوعا يجب أن تفقد بعضا من”القيمة” الإنسانية الشاملة،.. ووعيى بمن أنا لن ينجينى من الذاتية…، فالجزء المدرك ليس الكل..، بالاضافة إلى أن هذا الادراك انشقاق ولو مرحلى..، وبالداخل آلاف…، وتصور أن المايسترو قائد مستمر هو تثبيت للحركة الشاملة وتجريد سخيف.
هل تقبل اعتذارى يا محمد؟….يا أخى لايقدر على القدرة الا الله… اتكلنا على الله
بخصوص مقال حول حاجة البشرية للتدين:
أولا: بداية أنا عندى اعتراض على وضع المقال فى القسم الأول من المجلة، ان تقديرى أن هذا المقال تغلب عليه الخبرة الشخصية أو الطرح الذاتى لموضوع الدين مهما بدا”موضوعيا”(تانى)،
ان اقتصارك على تعريف الأنثروبولوجيين للتدين هو اختيار شخصى ملموس، وتركك لعلماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء اللغات المقارنة و… هو اختيار زاوية رؤية منتقاة بعناية، فالتدين له آلاف الزوايا التى يمكن النظر اليه من خلالها، فهل أنت تدافع عن عجزك عن مواجهة الكلى؟، كما انى أعترض على تعريف الأنثروبولوجيين لأنه يسقط فترة خطيرة الأهمية فى مجرى التطور البشرى وهو”الموقف القديم”، الموقف الأول(الانسان الأول فى الكون، وفى مواجهة الكون)، هذا الموقف الذى يبدو أنك لاتعترف بأنه جذر الدين والسحر والعلم والفن و… وجذر كل شئ.
ويتضح هذا – وان كان حديثى موجه للمقال الخاص بالتدين وليس لمقالك عن المعرفة – فى محاولتك للنفاذ إلى نظرية المعرفة خارج سياقها التاريخى وبدءا من”الموقف الأول”، وكأن المشكلة واحدة من زمان إلى الأن، والاعتراض الذى يوجه للأنثروبولوجيين وتعريفهم للتدين بأنه الاعتقاد فى قوى غير طبيعية…. أن التدين بدأ بعبادة الانسان للطبيعة مباشرة ، أكرر: للطبيعة مباشرة وليس باعتبارها محل لروح مدبر أو أن وراءها خالقا قويا. فقد عبد الانسان النهر مباشرة لاحساس الانسان بأنه فى الكون هباءة صغيرة تتحكم فى مصيره قوى الطبيعة، أكرر للمرة الثالثة:
قوى الطبيعة وليس ما فوق الطبيعة..، التعريف الأنثروبولوجى يعطى للتناول شكل ومظهر التناول العلمى دون جوهره أو شموله.
ثانيا: نمسك التقديم الذى قدمته المجلة لمقالك: “نشعر أن الحديث حول الدين ينبغى أن يفتح على مصراعيه لكل صاحب فكر يتحمل مسئولية شرف وعيه”.
هل تتحمل خوفك وحيرتك يامحمد ، ستقول لست خائفا ولست محتارا ، أليس الخوف والحيرة، اذا كانا نتاج معاناة واقتحاما للغموض، يكونا هما هما شرف الانسان، أنت خائف ومحتار؟ أين اذا يا محمد والمقال كله تقريرى وقطعى؟:(يمكن القول بلا تردد، كل محاولات المعاصرين لاينبت فيها علم أبدا – وقطعا لا يغطى العلم…..الخ).
انما يبدأ شرف الوعى بالاعتراف بالوعى ونسيجه، فاذا لم تعترف بالخوف والحيرة(بدلا من هذه الثقة القاطعة) اذا كيف ستتكلم بهذه الصورة القطعية الواثقة هذه فى موضوع بمثل هذه الخطورة؟ كيف؟
لتطرح هذا الخوف وتلك الحيرة فى كتابتك، وساعتها ستتعرف على الخوف وتسير فى الظلمات، وتحتار فى الطرقات، وتبرق السماء من فوقك وأنت عاجز عن الرؤية والسواد يلف الوجود، ساعتها ستسير ورجلاك تتحسسان الأرض ويداك تتقدمان تتحسسان الفراغ، وأنفك تخترقه رائحة الخطر المداهم الذى ليس له بداية ولا نهاية ولامدى ولاسبب، ويتصبب صدغك عرقا بجانب الأذن ويجف اللعاب وتسرع نبضاتك، ستحس بالألفة لفكرة الاستمرار، مجرد الاستمرار، الألفة قبل: لماذا تستمر، حين تهبط البناءات العقلية على الخوف قد تسعفك بفكرة”لماذا تستمر”،مثلا: أستمر لأجل فائدة البشر، استمر لأن أستمتع بحياتى،…. وأنا أدعوك تتعرف على الألفة التى لم يتكون لها مفهوم بعد فى الذهن الا بعد أن انتشيت أنت بحسها، قد تكون الألفة ابنة احساسك بالارتواء من شرابك للماء مثلا، أو ابنة سعادتك وأنت تسمع خرير المياه فى النهر، أناأودك أن تنغرس فى قاع مشاعرك، لا تقابلنى وأنت فى الغرفة الكانطية المكيفة، من المجنون؟ اياك أن تكون طبيبا(بشريا)
تقول المجلة“ولايضار الدين الحق بمحاولة السعى نحو الحق”، وانت تقول ان التدين غير الديانة، وأنا أومن على كلامك وأقول ان التدين غير الديانة غير علم الأديان غير علم تاريخ الأديان المقارن…(وهذا قد يشبع ميولك التقسيمية المعرفية) لكنى أقول لك: أليس التدين هو تدين بدين، وأن هناك رابطة ليست منطقية بين التدين والدين، واذا كان التدين ظاهرة سيكولوجية – هذا الكلام على مسئوليتك أنت – فسوف تبحث عن حلها ومطلبها فى الدين نفسه الذى يحقق لها الاحتياج السيكولوجى…. فالسؤال حاليا أين كتابتك نفسها(ناهيك عن نسيج وجودك) من الدين الحق؟؟
تعال أذكرك بالعدد الأول للمجلة ص72:“… وقد تعمدت حيذاك أن أذكر الايمان بشكل خاص وأن أميزه عن مجرد” الاعتقاد” وأن أربطة بقول الأعراب آمنا… وكنت فى كل ذلك أسعى إلى ضرورة التمييز بين الايمان اذ هو خبرة معاشه وسعى متصل، وبين بعض صور التلقين إذ هو ترديد أجوف والعياذ بالله” – عشرة مرات ترددت كلمة الاعتقاد فى توصيفك للتدين وللمتدين، واختيارك للأنثروبولوجيين(أصحاب الاعتقاد) كل ذلك يجعلنى أراك تختزل التدين والظاهرة الدينية إلى مجرد اعتقاد دون ما عداه، كما يجعلنى أشك فى أنك لا تبلع حكاية “الايمان” ذلك أن الايمان هو ما بعد العلم والعقل وليس متناقضا مع العقل وليس متناقضا مع العقل ولا بمعزل عنه، وأنت حريص على العلم والمنهج العلمى، فاذا كنت حتى بالنسبة للعلم والمنهج العلمى عندك مخاوف، فهل ستنفتح للايمان؟؟.. ولا للاعتقاد وحتى هذا لا ينفع.. ان فيلسوف المعرفة فى آخر الشوط يقوم بمهامه”التحليلية” على”نسيج الاعتقاد” ليبين لنا”بطلانه من صحته”، ولا تنس أن للفظ المعرفة لفظ مرادف هو “التعرف”.. وللتعرف فرسان منهم فرسان التعرف بالقلب من “الصوفية” التى ذكرت عنهم فى حاشية مقالك(ملاحظة: وبصرف النظر عن الصوفية وما قد ينسب اليها….. وسأوافقك على كل ما تقول وما لا تقول أيضا.. ما رأيك فى التعرف بالقلب؟
خائف على المنهج؟ الحلاج المقتول..السهروردى المقتول..النفرى المقتول..يا ترى ستقوس على معرفتهم ؟؟؟).
تقول المجلة: “فكل محاولة صادقة مستمرة لابد ان تصل إلى جوهر الحق الذى يستحيل ان ينفصل عن الدين الحق”، وأنا لا ادرى بأى مقياس نعتبر هذه المحاولة – مقالتك – صادقة ومستمرة(لاحظ أنك استمررت ثلاثة أعداد فى الأساطير ثم مقالة واحدة عن التدين ثم مقالة عن نظرية المعرفة) وكيف ترى واصلة بين هذه المحاولة وجوهر الحق الذى لا ينفصل عن الدين الحق، هل هو مكافأة لشجاعة الحديث فى هذا المجال الحساس؟ أم هو فرحة بالدكتور الذى يرى خارج مجاله؟؟ أم أن السبب غير ذلك… لعله فى المقطم الجبل الصامت ؟
يقول المقال: “.. وما يميز المتدين عن غيره هو اعتقاده ايا ذا الاعتقاد” بأن ليس كل ما يحدث فى العالم يمكن تفسيره وفهمه فى اطار العلية المادية أو قوانين الطبيعة شبه الآلية”.
طيب… وما رأيك بالذى يقبل بنسبية انكشاف الحقيقة ومرحلية نموها وبالتالى يؤمن بأن هناك جزءا من الحقيقة لم ينكشف بعد وأن هذا الذى لم يفهم اليوم سيفهم غدا،(خالى بالك) وفى اطار العلية المادية أو قوانين الطبيعة شبه الآلية أو فى اطار أرحب؟ لماذا؟ لأن فهمه للمادة بالاتساع بحيث يراها صورا ومستويات منها الانسان الذى هو مادة وروح، يا ترى هل ستحرم مثل هذا الشخص من صفة المتدين نتيجة للتعريف الأنثروبولوجى المختار حتى لو أحس هذا الشخص بأن مطلق المطلق يدبر لكل شئ سببا؟ حتى لو دفع هذا الشخص ثمن ايمانه معاناة و ابصارا وتأملا وخبرة معاشة وسعيا مستمرا للوصول إلى ما هو أقرب اليه من حبل الوريد؟
ألايجعلنى الأمر أحس بأنك تفضل” الفكر” الذى يجسده “الاعتقاد” على الحياة بما تتضمنه من معاناة وتأمل وحركة؟ فاذا دفعت بأنك هاجمت الفكر فى مقال” نظرية المعرفة” وهاجمت العلم وتشربه بروح الأسطورة فلعلك هاجمت العلم لتقاعسه عن منحك السكينة الناشئة من رؤيتك بأنه بأعمق أعماق الفيزيقا ميتافيزيقا، وسأعود لهذه النقطة وان كان ما يهمنى هو الاشارة إلى شكى، ان أى باحث على قدر ضئيل من الاستنارة و الالحاد يمكنه الاعتقاد بان الانسان مثلا – ككائن فى الكون – لا يمكن فهم ما يحدث له وتفسيره فى اطار العلية المادية او قوانين الطعبية شبه الآلية.
تقول:” وبالملاحظة نجد أن هناك عنصرا آخرا فى اعتقاد المتدين وهو الاعتقاد بأن هذه الظواهر أو بعضها على الأصح يمكن منعها فور حدوثها بالتدخل فى تواضع لدى هذه القوى بالدعاء لها أو ارضائها وتقديم القرابين اليها(كدم الهدهد والأحجبة)، وربما كان هذا العنصر الأخير فى التدين وهو الخاص بالقدرة على اثناء القوى الغيبية عما يدور فى خلدها هو سر استمرار التدين نفسه.
لاحظ أننا تركنا الأنثروبولوجيين، بدأت أنت الذى يتكلم حاليا بعد أن استخدمتهم تماما، من قال ان من يعتقد فى ان الظواهر غير المفهومة كالقدر والصدفة والحسد… والتى يحاول الانسان الامساك بخيوطها من خلال تقديم دم الهدهد للاله يكون متدينا؟ لعلك تتكلم عن التدين عند الانسان الأول، لكنك تنتقل من الماضى للحاضر برشاقة، الا لو قلت: “لاجديد تحت الشمس” وهنا أرى الخوف من الحركة الشاملة التى شملت ضمن ما شملت التدين نفسه… أليس ذلك كذلك؟ أنت تجعل الأسباب القديمة للتدين صفات تسم التدين الحالى.. مغفلا أن الانسان يختار نسبيا بوعى أو بدون وعى دينه، وأن العلم ( الذى تقول أنت أنه لا ينبت فى أرض التدين) يقلص يوميا مساحة الغامض فى الكون وأن العلاقة بين الفرد وربه حاليا تتجه للخروج من شكلها الأول.. (العبد والانسان لن يدرك الحقيقة..) وتتجه الى”الانسان رب افعاله”،الانسان خالق نفسه، الله يريدالانسان خليفته على الأرض، الدين حياة قبل أن يكون آخرة.
تقول: “لم يكن التدين عميق الأبعاد بقدر ما كان عند اليهود ثم باقى الديانات السامية(السماوية)، وعند ما جاءت الأديان السامية التى نشأت فى منطقة الشرق الأوسط بداية باليهودية، فانها قد طورت مفهوم التدين كثيرا وأضافت اليه أبعادا لم تكن موجودة فى الديانات من قبل، وتلك هى الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية التى صيغت بهدف خلق مجتمع ملتزم وقادر على الاحتفاظ بهويته ووحدته دون تفكك أو تمزق ولافردية…”
والسؤال عن معنى عميق الأبعاد” وهل البعد العنصرى(شعب الله المختار) يسير فى هذا الاتجاه؟
وهل سبق اخناتون لليهودية فى مسألة التوحيد لا يجعلك تعيد النظر فى الأمر، خاصة مع روح الوثنية العامة؟ والنبى الذى نام مع بنتيه بعد ما أسكروه، والنبى الذى صارع الله حتى الفجر، ناهيك عن قصة ضياع الألواح” أنا أرى كلمة”عميق الأبعاد” مؤسسة على الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية هى كلمة غامضة… أكثر منها مرفوضة.
تقول: “وهذا التناقض ليس ضارا كما يبدو، اذ أنه يقدم حلولا سيكلوجية لما عجز عن تقديمه، بل ربما تسبب فى وجوده، العلم الطبيعى هو أيضا السبيل إلى المحافظة على العقيدة باستثارة عداء المؤمنين الطبيعيين وتسميتهم بالهراطقة او الزنادقة وربما بالملحدين، وهذا أسلوب فعال جدا فى زيادة تمسك المتدين بما يعتقد فيه، حتى ولو لم يجد له تأييدا علميا، فالشعور بأن الخصم لا يشاركنى الاعتقاد يجعلنى أتمسك بعقيدتى ضد الخصم ، ولكن المهم هو اثارة هذه الخصومة”.
ضحكت من فكرك وأنت تستخدم كلمة”المؤمنين الطبيعيين”.. مؤمنون بماذا ؟ ما لزوم كلمة الطبيعيين؟ “اذ تضاف إلى صفة هؤلاء المؤمنين”…، أنت خير من يعرف أن الايمان غير الاعتقاد يعنى الأصح أن تقول” المعتقدمن الطبيعيون”… وأنا أفضل أن تكون شجاعا مثلى وتطرح القضية بهذا الشكل:
هناك تناقض بين ظاهر العلم وظاهر الدين، وهناك تناقض فى كل من الفكر الدينى والفكر العلمى وهناك روح تعصب عدوانى تشمل المتعاطفين مع كل اتجاه، وهذه الروح العدوانية المتعصبة تنعكس على المحتارين من أمثالى، والعلم لم يجب اجابة حاسمة على لغز الوجود وبالتالى فهو مسئول عن اتجاهات غير علمية(حسب مفهوم العلم) تغزو الوعى الانسانى وتزيد من تمزق الباحثين عن الفهم واللذين ليسوا على استعداد للتضحية بالعلم بمفهومة الضيق والواسع.
وأكاد يا محمد اسمعك تقول:” يا اخواننا يا متدينين افسحوا لى مكانا. أناأحتاج إلى سكينتكم وإلى علمى الطبيعى معا، لاتعادونى ولاتستفزونى، أنا مؤمن بالطبيعة والعلم فلا تسموننى كافرا، لماذا الخصومة والعداء والأمل الانسانى يسير نحو تجاوز التناقض بين ظاهر العلم وظاهر الدين وباطنهما كذلك.
تقول: “ والتاريخ يعرض علينا أيضا حقيقة قائمة دائما وهى عجز البشر عن تحقيق العدالة لنفسهم بنفسهم ولذلك فنحن نلتمسها خارج العالم “.
الأرجح أن قصدك من كلمة خارج العالم يعنى فى” التصور الدينى للآخرة”، وهل ستعمل صلحا مع علماء الاجتماع والفلاسفة ونترك الانثروبولوجيين؟ طيب، وما رأيك فى الاتجاه المسيحى باقامة ملكوت الله على الأرض؟ والاتجاه الاسلامى؟
حكاية ان الدين سينتهى بانتهاء الظلم والفقر وان البشر حين يعجزون عن تحقيق العدالة يلتمسوها خارج العالم، معناها أنك تحاول أن تنظر للظاهرة بمناظير أوسع من التعريف الانثروبولوجى اليتيم والعاجز، وأن تطرح عليك هذه المحاولة الوجود كله، وأنت تحتاج إلى جهود علماء كثيرين كل يشترك فى اقتطاع جزء من الحقيقة ليفحصها ثم تخرج من الحقائق الجزئية بنظرة شاملة، فهل أنت مستعد لذلك؟ لى ملاحظة أنه حتى لو صح كلامك فسيكون صحيحا جزئيا، اى لو صح أن الانسان يسقط على العالم الآخر مالم يستطع تحقيقه فى الأرض (العدالة). فلن يكون ذلك هو سر التدين بل قد يكون عاملا فقط من ضمن العوامل التى تقف وراء التدين، أنا أرى أن المقال اذا لم يكن يستوعب تفسير ظاهرة التدين بشكل شامل( أبعد من التفسير الأنثربولوجى والتفسير الاجتماعى والنفسى) فقد كانت تكفى الاشارة بوضوح إلى موقع الدين من شجرة المعرفة الانسانية، وموقع شجرة المعرفة الانسانية من خريطة التصور الانسانى بشكل اجمالى،وأنا أرى أنه بعد أن يبنى الانسان ملكوت الله على الأرض، فلن ينتهى التدين، فقط سيتغير نسيجه.
تقول: “ولقد قامت ديانة شهيرة فى فترة انحدار الهيلينية تدعى بالرواقية تؤمن بأن العالم يسير وفقا لارادة واعية كاملة فيه، وبين ذراته ، ولا يعلو على هذه الارادة حتى أكبر الآلهة فى وقتهم “.
من قال ان الرواقية ديانة ؟ حتى بالتعريف الأنثروبولوجى؟ انها حركة سياسية سلبية نشأت كرد فعل لانحدار الهيلينية ومعها الأبيقورية (الملذات والشهوات)، ودعت الرواقية للعزلة والتقشف وفضيلة العقل، واتسمت بالجفاف الوجدانى والتقوقع فى الذات، نحمل شكوكى يامحمد، اليست الرواقية ارهاص يونانى قديم بوحدة الوجود التى تحاول ان تجمع الروح والمادة فى نظام واحد؟ وما دمت أنت تفتقد الوحدة. وحدة بين متناقضات الفكر الدينى ووحدة بين الفكر الدينى والعالمى… فأنت تكره ليس فقط وحدة الوجود بل جذرها اليونانى القديم (الرواقية)، أليست الرواقية هى التى تقول ان الكون قبس من الله( المادة والروح).
هل تستطيع أن ترجع البصر مرة ثانية؟
تقول: “تحت قيادة كبار المؤمنين الموثوق بقدراتهم ونزواتهم واللذين يضعون حلولا للمشاكل العقائدية الطارئة بحيث يمكن ازالة معظم التناقضات من الفكر الدينى مع ابقاء التناقض مع العلم الفيزيائى والعلوم الطبيعية”.
ها أنا أسمعك: “أنا عاجز عن تحمل التناقض فى الفكر الدينى (المادة والروح، المتناهى واللامتناهى،الموت والخلود،الزمان والأزل)…. لاتندفع بسرعة يا محمد.
وأسمعك أيضا تقول:(أنا عاجز عن تحمل التناقض بين الفكر الدينى والعلم الفيزيائى ولا أستطيع أن أسلم نفسى تماما لأى منهما، فبنائى(العلمى كدكتور)أساسى فى، كما أنى لا استطيع أن أفكر أن للقيمة الروحية مكانا فى الوجود “.
وأسمعك” انا أيضا أبحث عن قيمة شخصية شاملة ، ويا ليتها تتضمن القيم العالمية والقيم الروحية معا“.
يبدو يا محمد وأنت واحد من ملايين الأسر المصرية( الأب الذى يكافح فى سبيل تربية الأولاد – والأم المخلصة…) تعرف أن القيمة الروحية ضاربة فى عمق تركيبنا الوجدانى(دعك من الدين يا سيدى).
من هنا فبحثك عن قيمتك الروحية الخاصة مشروع، ولكن أنت متعلم تعليما علميا، لكن المنهج العلمى – وهو شئ تعتز به لأنه جزء من نفسك ويحتاز جزءا من اقتناعك السطحى وجزءا أقل من اقتناعك الأعمق، لايجوز التخلى عنه.
ما هو المطلب؟ السكينة؟ ما هى الغاية؟ السكينة واليقين؟ وماهى السكينة؟ علاقة شفافة مع الوجود (متضمنا الحياة والموت)؟
اذا ماهى القيم الروحية التى لا تتخلى من خلالها عن العلم الذى هو جزء من نفسك وتحقق لك علاقة شفافة مع الحياة والموت؟
هذا هو مطلبك الجنونى المستمر تحت القناع المتعقلن الذى ترتديه، برق فى ذهنى:(من منكم بلا خطيئة” ؟
من ضمن حيرتى أنا يا محمد أنى لا أود ان أبدا من “ رهان باسكال المشروع” ذلك الرهان البراجماتى الذى ارتأى أنه أكسب له، أن يفترض أن الله موجود، فاذا كان موجودا بعد ذلك فسيكسبه ويكسب دنياه، واذا لم يكن موجودا فسيكون قد كسب دنياه بمقتضى القانون الالهى الذى هو خير.
لم لا أبدا من الأكسب؟ لعل سبب ذلك يا محمد هو افتقادى لوحدة الشخوص بداخلى. افتقادى للمايسترو الداخلى الذى ينظم الكل، ولا أود أن أبدا من العجز المجرد الذى أشار اليه بايرون(أنت بنفسك عاجز وبغيرك قادر)، لعل انسانه كان تجسيدا للنقص، وأنا طامع فى اله لا يشير فقط إلى عجزى بل اله يصادقنى فى رحلتى للكون بما فيها تعرفى على نفسى. أرجح أنك تعرف جورجياس”لا حقيقة، وان وجدت فلا نستطيع ادراكها، ومن يدركها لا يستطيع أن ينبئ الآخرين عنها، ومن يحاول أن ينبئ الأخرين عنها فانه سيتحدث عن الحقيقة دون أن يدرك الحقيقة) ومن هنا تصبح اللغة ستارا يحجب الحقيقة. يلقى ذلك القول هوى فى نفسى يا محمد. لعله الحنين إلى ما قبل المفهوم. لكن الهلع موجود، هلع يقنع الهدوء ويلفه.
نرجع لك يا محمد. تناقضات الفكر الدينى ستسلمك إلى أن تحدد موقفك بوضوح من المتناقضات عموما، ومن المنطق الصورى وملاعيب هيوم وباركلى وشركاه (ليمتد).
أنظر إلى صدرى ،اشق صدرى، أحاول أن أمزقه بأسنانى علنى أجد التوحيد فلا أجده، ويقابل ذهنى القول” ان حقيقة التوحيد ليست مركوزة فى فطرة الانسان وحده، لكنها كذلك مركوزة فى فطرة هذا الوجود من حوله – وما الفطرة البشرية الا قطاع من فطرة الوجود كله “(سيد قطب، فى ظلال القرآن). اذا لم أجد التوحيد فى فطرتى هل يمكننى الانتقال إلى حقيقة التوحيد المركوزة فى الوجود من حولى؟ ام سأكتفى بالوعى بها فقط ؟ وما هى الفطرة التى تشمل الوجود ؟ والانسان هنا قابع فى قاربها التوحيد ؟
فى مسألة الفصل بين الأخلاق والواقع:
أنت تقول بوضع النظرية الأخلاقية بمعزل عن الواقع، لم أفهم عبارتك”بمعزل”، فهل بمعزل عن الواقع تساوى فوق تناقضات الواقع؟ أتصور بانك تعرف بأن النظرية سواء انبعثت فى ذهن الفكر وطبقت فى الواقع أو استخلصت من الواقع وصيغت بواسطة ذهن المفكر ففى كلا الحالتين ستعود الممارسة للواقع، أنت تشم رائحة المحاولة فى أن الفكر يستنفذ الواقع(أو على الأقل يهيمن عليه بالنظام العقلى فى الكتابة عن الأساطير).
المنطقة الزلقة فى تناول موضوع الأساطير هو أن الفكر المسمى بالعلمى والأساطير والخرافة نبتا كليهما على شجرة المعرفة الانسانية – وهناك تداخل بينهما – وقد دعت المجلة للبحث فى هذا التداخل بالحاح. وتصرخ هيئة التحرير داعية لتحديد ماهو “علم” وما هو “خرافة” ألايكفيهم مصيبة الذاتية والموضوعية؟ ولا يفلت تناولك للأساطير فى الثلاث مقالات من تهمة الهروب الصريح من المشكلة(كيف كانت الأساطير جزءا من المعرفة).
فى مقالة(أيسوب) نموذج للأسطورة، فى مقالة” نفس الأسطورة…..” تقول: “لا أدرى(حتى فى الأساطير يا محمد) سر تواتر الأساطير فى مناطق وتواريخ متباعدة وفى مقال”تأملات فى الأساطير”
تقول:(تداخلت الأساطير مع الفكر العلمى (مع ابداء أسفك لذلك ).
بخصوص تواتر الأساطير يقال يا محمد ان الخرافة ليست شطح خيال، وان بناء الخرافة له قواعد نظرية بالفعل ، وأن البناء الأساسى لمجموع أساطير العالم كله واحد(اقعد مكانك ولا تقفز كالملوع).
وأنه من هنا يتشابه الفلكلور من شعب لشعب. وبالمناسبة: التنين هذا حيوان خرافى، فى حين أن الديناصور حقيقى. أصحابك الانثروبولوجيون يقولون ذلك، والتين رمز للشر وتجسيد للشيطان فهو ينفث النار من أنفه، والبطل الذى يقتله لا يقتله بقدرات فوق بشرية، لانه يستحيل التصدى للتنين بقوة البشر، فهل لو كان بناء الخرافة واحدا ، والبناء الأساسى لمجموع أساطير العالم واحد فهل ستختار من قتل التنين مليون مرة فى مليون مكان.
تضايقت يا محمد ، ها هى الأسطورة تصبح علما…….
ما سبق مضافأ اليه مقالك عن نظرية المعرفة:
عالم غير مثبت منطقيا على وجوده، واذا وجد فلن نعرف سوى مظاهره، واذا عرفنا مظاهره فليس بذلك العلم الذى يتوسط بين الوجود وبيننا نحن ذوى الحواس المحدودة والعقل الطرى كثير الدهن والماء، وقوانين عمل ذهننا فى الوجود غير مأمونة، هذا الوجود الوديع الذى يرسم عليه الذهن خطوطا فاصلة كالتى ترسمها مصلحة المساحة: هنا الأخلاق، هنا الدين، هنا المنطق، هنا الفن ليتمكن الذهن بعد أن قام بالتخطيط الفاصل بين المجالات دفعا لاختلاطها(وكأنها كان ينقصها مزيد من الخلط) أن يقوم بعمله.
ويصفعك الوجود بأنه موجود ليسر فقط وجودا فيزيقيا بل ترقد فى أعمق أعماقه الميتافيزيا،فتجن،(سقراط شرب السم، لماذا تترادف السكينة مع الموت؟ ألاتوجد سكينة الحياة؟
سألت نفسى فى أى حلفية تم ما تم؟).
تدعو الفينومنولوجيا إلى مغامرة معرفية مشترطة التقويس على وجود العالم، فهل ستغامر وتقوس على ماضيك العلمى لتعرف من جديد؟ من غير ما تطمئن على القيمة الروحية الخاصة بك على ما بعد علمك لن تتخلى عن علمك، لكنك لا تطمئن أيضا لعلمك فتطعن علمك، ودوخينى بالمونة.
أبحث عن الله فى داخلى، الذهن جبار يا محمد، جبار جبار، لكن لو لم يخرج عن طريقة، هل الكون غامض؟ صحيح ،كيف؟ ليس مهما الطفل”أو الناضج”، المهم البكارة المهم الضربة الأولى، وليس مهما متى، المهم أن تستعيد الضربة والقدرة(وسط صيرورة الأحداث).
تحت، هناك بعيدا، يخيل لى أن كل الناس هناك… وكل شئ، ولا موجود أى شئ، ما هى علاقتك بالفن؟ ؟(عالم الرؤى،الأشواق..الأحلام…الصرع…الكوابيس.. اللهات…المدن المسحورة).
اخواننا فى المقطم ينحتون فى الصخر، أقصد فى ممارسة المنهج الفينومينولوجى بعد هيدجر (الوجود والزمان1932) وسارتر (الوجود والعدم سنة1943). يطبقونه فى مجال الانسان فى السواء والمرض…… وأنت تأتى تقول الوجود غير موجود، طيب قل الانا الترنسدنتالى الخاص بى لم يعط الوجود حقه فى الوجود. حتى تسير المسائل ،
ماذا أفعل؟ أجرب؟ أجرب ماذا؟ أن تسمعنى؟ كيف أتصور أنا احتمال أن تسمعنى اذا لم تخف؟ (الخوف عاطفة مدمرة) خوف يضاف إلى خوفك. واذا بشرتك بصحبة فى “الجانب الآخر”
أقصد صحبة لاتلغى الخوف ولكن تصبح حقا مؤقتا ساعات الهول. ساعتها سيموت الأمل الساذج فى أن يهيمن العقل على الوجود ويداخلك حزن ابن السماء والأرض، وتهدأ محاولاتك المضنية للجرى وراء الوجود بعقلك وأبنيته الذهنية، وتسلم بأن جزءا هائلا من الحقيقة فى الخارج لم تبلغه تصوراتنا ووعينا بعد.
وحزن آخر وأنت ترى الحقيقة كذلك هناك فى الداخل ( حتى لا يزعل هوسرل)، وأنك وأنت تتجه اليها ستحتاج للآخرين(بذواتهم العالية وليس التجريبية، هذه من أجل مجدى ) اشارات فى الطريق..
محطات اشارات واضحة وباهتة.. محطات راقية ومريحة، وأخرى أقل.
هل انتظرت الأتوبيس الأخير فى الليل الأخير فى شتاء بارد؟
****
كفى ياعم… ما يلى هو تصور للخطوط العريضة التى وراء هذا الفكر(ما نشرته أنت بالمجلة)
– خوف طبيعى من تلك الحركة الشاملة التى لا تهدأ ولا تنقطع ولا تتوقف ثانية، شاملة الوجود والوعى.
– أمل أرسطى سحيق القدم فى أن يهيمن العقل على الوجود.
– وحدة مرة، فلأن الخوف موجود فالاقتحام بالممارسة مخيف والعلم التقليدى لا ينفع، فتظل وحدك. وييزغ أمل فى علم يعفى من الممارسة والاقتحام بأن يحاول الهيمنة على الوجود واحتوائه، أو, على الأقل استيعابه. وتدور الدائرة يزداد الخوف…. يكبر الأمل….. بلا أمل…، تزداد الوحدة،
يزداد الخوف، ولا يحتوى الوعى الوجود أبدا……أبدا.
– بحث مضن عن السكينة، بحث يأمل فى عدم التضحية بالوسائل(العلم) على مذبح الغاية(اليقين أو حل اللغز الوجودى) مع فسحة داخلية ميتافيزيقية تشمل تصورك للسكينة ونوعها ووسيلة الحصول عليها….و….مسحة ترفضها أنت من داخلك.
– شك معذب فى المنهج العلمى وهو يتطاول على الظاهرة الانسانية بأدواته الطبية ومناهجه التجريبية……، وهذا الشك يخف بأن يوجد فى وجودك آخرين (شاكين).
لو الطبيب يقتنع بأن عمله وبحوثه ومعمله……. تهتدى إلى الحقيقة بفضل الله وهداه،لواقتنع بذلك لآخر خلية من خلاياه فسينطبق صدره على السؤال: وما هو الطريق إلى الله؟ وأنا بكل وجودى رهن قراره ومصيرى بين يديه؟ وستشرق أشواقه للتعرف إلى الله….. ما هو…؟
وكيف أفعل بحياتى لى وله ؟
كلمة قبل النهاية:
“ فى النهاية أقول لك انى أبحث عن الكل “ فى دراما الانسان وعلى ان أرى ضعفه كما أرى شوقى. ويبدو أن الهروب فى الجنون أو الفن “ملعوب”،ويبدو أن بحثك عن الايمان هو”شئ عام) ولا أتصورك وأنت تشحذ اليقين سعيدا، ولن أسعد أنا بشقائك الروحى والعقلى، فى الصباح هلع وفى المساء هلع وفى النهار هروب من الهلع، وفى وسط النوم سقوط تحت أرجل الهلع، أو طيران فى المساء هربا من الهلع. والشبق النهم للحياة يتراوح بين الاستعداد لدفع ثمنه حتى الموت أو الأمل فى محفات ذهنية جاهزة: تحقق الكل.
وأسال نفسى: هل يمكن مد بصرى من خلال انتاجك المكتوب أكثر منذ ذلك؟ ماذا يود لنا الكاتب أن “نفعل بحياتنا” وليس ما يريده أن “نؤمن” به؟ وهل فى ما نشر دفع لنا فى اتجاه أنفسنا؟ ها أنت أمامى…. فهل هو أنت أو هو أنا؟ وهل سمعت صوتى ولو من بين السطور أتشمم دمك والعقه وأضربك وأركلك؟ فهل خرجت أنا من دائرة الصراع الجهنمى التى حدتثك عنها فى البداية؟ وأين سكينتى أنا؟ وأين “لا ادريتى وشكى”؟ وهل خرجت من نفسى؟ أم أن الأمر كله كان وهما فى وهم؟
ويلفنى الظلام… والاثنان لا يبكيان. فالهلع هلع.. ويبقى الأمل بسيطا معلقا بمحاولتك فأكرهك وأحبك. وآمالى تزداد فأدفنها…. أتذكر حكاية”من يكلم من؟”…. الغفران والفهم واليقين كلهم هلع، ليتنى لم أخفك لتحرك قدماك من حيث أنت.
لو الاخلاص صوفى لكسرت القلم، كنت آمل أن أقابل بداخلى ومن عمق الصراع، أقول بثقة تجعل وجهى يشرق نوعا ما، انه يبدو أن الهى أكبر وأرحب، قابلت شبيها له يوما من زمان…. لم ألمح الا وطأة فى المكان، لم يكامنى ولم أحس به، فقط أدركت أنى وحيد، وأن هناك معنى مزروعا فى عمق الحقيقة وليس فى الذهن. وأن فض الاشتباك أقرب إلى وأكثر الفة من الولاف فالصراع. والاشتباك واقعى، والولاف نتاج وعى ذهنى… الذى كثيرا ما ضل وحاربنى.
هناك فى الأفق الرحيم يكون الله الرحيم…. تقابله فتقول لك ذراعيه أهلا، تجئ اليه محملا خفيفا معك الآخرون وأنت الآخرون.
تحت وابل النيران أسالك: هل أكسر القلم؟ وأى آخر والآخرون هناك بالداخل ما بين “لبق”و”شرير)و”مكمم”و “مقاتل” و “عارف” و “شاك” و…….
وأنت يا سى محمد تسأل “ هل الوجود موجود……..” ،
تشرب شايا؟ أعمل لك شايا ؟ كم قطعة سكر ؟
العدل أنى أرحم….. يصبر منطقى( حتى لا تزعل) أنى خائف أن الكون كله يدخل…..، الصمت فضلية.
نسيت الضحك….، فى صدرى من أعماق الأعماق كلمة”يارب” وفوقها كل ضباب الكون، أتوهم فى المستقبل الذى لا يأتى أبدا ، ربى يتركنى للكون الرحيم، يفارقنى فى وداعة، بين الحقيقة والخيال، بين الواقع والحلم، أرى الأنثى بداخلى حبلى بالوجود، فقد اجتاحها نهر الطمأنينة، وداخلها الهدوء والسكينة، نهر الطمأنينة به سمك و قواقع، وأنثاى تلعب على الشاطئ، والموت يلف المكان.
ما زالت طبقات صوتى وطبقات صدرى طبقات تعلو طبقات ، أنهكت، أكره فيك من أكرهه فى، “لا تقرأ لتتعلم…… ولكن اقرأ لتتعلم ما سقط منك سهوا”.
آلمتك؟ كنت أولم نفسى، لابد من غلق الباب فورا فقد يدخلون، أتعرف بك على من أكرهه، الضعف القديم، المعرفة فى الداخل.
اياك أن تسقط فى معركة تكوين المفهوم، وكف عن حكاية” الثنائى” هذه.
اياك أن تسقط فى معركة تكوين المفهوم ، وكف عن حكاية”الثنائى” هذه.
لا دموع.
أشكرك