يحيى الرخاوى طبيب نفسى
قصة قصيرة
الطـوفـان
محمد يحيى
ولكن ماذا حدث فى منتصف الطريق؟
ماذا حدث من سور الكوبرى حتى سطح الماء؟
كانت آخر نظرة لسطح الشارع ، وللأنوار الكهربائية وكأنها قد حوت كل ما سبقها منذ بدء الخليقة .
كيف امتلأت فخرا فى هذه اللحظة بكل ما احتوته تلك النظرة؟
وأهم ما فيها دورتى الخاصة وكأننى أتراجع عن التخلى عن كل هذا التاريخ ولكن دون أى تراجع أو تخلى عن القفزة نفسها .
وعندما اختفت الأضواء وتوارى الشارع بعيدا عن ناظرى(حيث أنى كنت أنظر بخط أفقى مواز لسطح الماء الذى كنت اهبط نحوه بخط رأسى مخترق) عندما اختفت هذه الأضواء وغرقت فى ظلام ما تحت البناء الخرسانى …….،
ماذا يحدث؟
أشعر بخفقان قلبى وتحرك أحشائى وسريان الدم، وانقباض الشرايين فى العقل، كل هذا تجمع وأصبحت وكأننى أرى تماما ما أنا مقبل عليه، وكأنه هو هذا الوعى بكل خلية فى داخلى …. ازداد اقترابى من الماء، وشعرت برطوبته وبرودته، ولكن ما علاقة هذا بما روادنى من شعور بكل محتويات الكون لحظتها، وكأنى توحدت معها فى نبض متكامل متفاعل فأصبحنا كلا واحدا .
ولكن فليتركنى هذا الصياد فى مركبه الفقير ،ليتركنى لأواصل المحاولة وحيدا قويا، فلن تعطينى مساعدته سوى رغبة فى التراجع قد تتمثل فى رغبتى هذه فى الارتماء فى أحضانه، ثم يخذلنى كما خذلنى الجميع، أو اخذله أنا كما خذلنى الجميع .
– (أنا عايز أعيش)
انطلقت تحمل قدرا عجيبا من الخوف مما تحتويه ممتزجا برغبة فى التمسك بما وعيت فى هذه الرحلة الرأسية .
– (ما تعيش)
صاعقة اخترقت أذنى تحمل الفرح وخيبة الأمل معا، وكأننى كنت بقدر ما انتظرت هذه الكلمة بقدر ما خفت منها .
وأردت منه أن يأخذنى فى أحضانه حتى أنام فيقذفنى برفق لأعماق النهر، ولكن فلألحق نفسى بسرعة وأغتنم هذه الفرصة التى لم تكن لتتكرر لولا صدق الحيرة الجديدة .
****
لم يهتز الرجل الطيب فى مركبه لرؤيتى كما يرتعد هذا الطبيب الغبى الذى لا أره يريد الا أن يقنعنى بالرجوع الى النيل، عيناه تقولان انه سيعطينى من الصحة ما يمكننى من أن تكون قفزتى القادمة نهائية لا تمكن منى أى صياد كان فى اعماق الظلام ولكنى لا أقبل صفقتك أيها الطبيب، فأنا أعلم بما فى أحشائى، وبأنى عنصرى الماء سيخرجان فقط بعدما أستخلص منها محتويات الكون، لتتركنى الآن، ولكنك للأسف لاتجرؤ أن تفعلها ، ان رعبك هذا ليملؤنى فخرا بالفشل، فخرا بالمحاولة، فخرا بالماء وحتى بالموت .
أنا لا أحتقرك كما تدعى أنت الاشفاق على، فلو احتقرتك لاحتقرت الناس جميعا، ومع أننى قد أكون أفعل، الا أننى أتمنى أن تحاول هذه المحاولة ، أتمناها لك وللناس جميعا .
كم أتمنى لكل الناس ان يحاولوا هذه المحاولة، ان يسعوا فى طلب الزلزال، أن يحدثوا الطوفان الثانى، ولكن باختيارهم دون أى نوح جديد أو قديم .