الافتتاحية
هذا هو العدد الثالث من هذه المحاولة التى مازالت تلقى من الاهتمام أكثر من توقعاتنا وحساباتنا، وقد قررنا أن نعفى القارئ هذه المرة من الحديث عن المجلة باعتبارها أصبحت واقعا ثقافيا( وحضاريا بإذن الله) لابد وأن ينمو بالممارسة وليس بالحديث عنه ونحن مازلنا نصر على دعوة القارئ إلى المشاركة بالفكروالاجتهاد ، فضلا عن النقد والتوجيه ولابد من الاعتراف بقلة ما يصلنا مما يناسب هدفنا، وقد تناقشنا – هيئة تحرير المجلة- فى هذا الموضوع بإفاضة، واضطررنا إلى الانتهاء إلى قرارت مبدئية تلزمنا – اضطرار – أن تقوم هئية التحرير وأعضاء الجميعة بالنصيب الأكبر فى التحرير إلى أن نتلقى المادة المناسبة التى لا نشك إطلاقا أنها ستصلنا فى يوم قريب وافرة مثرية بلا أدنى ريب، ذلك أننا اتفقنا على ما لا ننشره، مثلما أعلنا قبلا ماننشره، ويجدر بنا أن نحدد المادة غير القابلة للنشر وذلك فى محاولتنا نحو مزيد من الوضوح والسعى للأتفاق؛ فنحن لاننشر:
1- أى مادة لمجرد أنها تحمل إسما شائعا، مع كامل تقديرنا للرواد الأكبر وإنما نحن ننشر ما يخدم القضية التى ظهرت المجلة من أجلها دون النظر – فعلا – إلى الاسم الذى يتصدرها .
2- أى مادة يمكن أن يجدها القارئ فى (مكان آخر)، وهنا لابد أن ننوه شاكرين أننا نتلقى مواد كريمة، فيها العديد من النصائح والارشادات، أو من المعلومات الجزئية المعادة والمثبتة فى كثير من المراجع، وهذا وذاك مفيد بلا أدنى شك، ولكنا نؤكد أن هذه المجلة، بمحدودية توزيعها، ووضوح هدفها ليست هى المكان الأنسب لذلك لا أكثر ولا أقل .
3- أى مادة نشعر أن هدفها هو أن تنشر لمجرد النشر، أو لتستعمل لأى غرض أخر غير وحاولة التوصيل والتواصل المعرفى، علما بأننا لسنا ضد النشر للترقى أو التوقى أو تأكيد الذات أو غير ذلك من أهداف إنسانية وسيطة وهامة، ولكنا أعجز من أن نوفى بهذه الأغراض مع إمكانياتنا المحدودة.
ومن أجل ذلك، فنحن نصرخ فى وعى كل مفكر وشاب استطاع أن يلتقط معنى محاولتنا وغايتها أن يساهم معنا فى هذه الرسالة والتى نتمنى أن تعود على مصر والعرب والناس فى كل مكان بما هم أهل له بإذن الله .
****
وهذا العدد يحوى امتدادا للعدد السابق بالنسبة لثلاث مواضع على الأقل، وهى(الفينومينولوجيا والبحث فى الانسان)، ثم( الهبوط الحاد للمخ)، وأخيرا كتاب العدد عن الصوفى الأول عبد الرحمن أختانون، ونذكر القارئ بإمكان قراءة أى منها باعتبارها حلقة مستقله قائمة بذاتها، إلا أن هذا لا يعفينا من أن نتعهد أن يكون المجلد السنوى(المكون من أربع أعداد مرحليا) لهذه المجلة فى متناول القارئ فى نهاية كل عام، حتى يستطيع أن يلحق ما فاته إن شاء، كما أننا نتصور أن (الاشتراك) قد يضمن تسلسل وصول الأعداد متتابعة بالصورة المناسبة، مع التزامنا بصدور المجلة فى مواعيدها تحديدا حتى لايفوت من يتتبعها أى عدد منها.
كما يشمل هذا العدد كذلك رؤية جديدة لغريزة العدوان(والجنس إلى درجة أقل) تضع الغرائز عامة- وغريزة العدوان خاصة، فى مكانها المناسب من تطور الانسان المعاصر، وتتحداه لتسثيره أن يقوم بمسئولية وعيه الأشمل، كذلك نعود لنعرض مشكلة العلاج النفسى فى العالم آملين أن تستثير المتجاورين والممارسين لتقويم هذه الظاهرة فى مصرنا(هنا) فى وقتنا(هذا) .
ومازلنا حريصين على الابقاء على الجزء الثانى من المجلة باعتباره الجانب الانطباعى التلقائى المكمل للنظرة الأكاديمية الملتزمة الغالبة على الجزء الأول، وسوف نواصل نشره حتى ولو لم يشمل سوى انطباع شخصى واحد، تأكيدا على حاجتنا إلى إسهام غير المتخصص، واحترامنا للتلقائية الواعية .
وسوف نفتح الباب اعتبارا من العدد القادم لنشر حالات(تقرير حالةCase Report )
وذلك من واقع الممارسة الكلينيكية والعلاجية أساسا، لأننا نشعر بضعف فرصة النشر أمام مثل هذه ألاعمال الهامة، ومن العار أن تظل معلوماتنا الطولية والتركيبية والدماينامية عن النفس البشرية(بما ذلك النفس المصرية والعربية) مستمدة من تراجم بضعة حالات(مستوردة) و(تاريخية)(1) كأن الإنسان قد كف عن المعاناة المحلية والمعاصرة ليست على (قدر المقام) (!!) ونحن نشعر أنه قد آن الأوان أن نسجل – مهما تحملنا من مغبة العشوائية والخطأ – ما هو نحن، وكيف نحن: كيف نمرض وكيف نشفى، متخطين بشجاعة تلك القوالب المفروضة على فكرنا سواء من المنظور التحليلى، أو من التبرير القصصى الفنى، أو من التعصب الطبقى الاجتماعى، لا يحكمنا إلا رصد وتسجيل ما يحدث: حتى ولو لم ندرك للوهلة الأولى لماذا يحدث.. مع التأكيد على كيف يحدث، فإذا نجحنا فى ذلك، حتى لو خانتنا اجتهادات التفسير مرحليا- فسوف نكون قد تخطينا بعض النقص الذى يعوقنا ويحبس خبراتنا فى ذاكرياتنا الخاصة بلا فائدة.
ونحن إذا ندعو كل من سجل حالة من زملائنا الممارسين يرى أنها تضيف إلى رؤيته ورؤيتنا؛ أن يسهم فى هذا الباب بما يراه سواء أضاف إلى تقرير الحالة الذى يقدمه تفسيره أو طلب منا رأينا فى ذلك ، ونفتح فى نفس الوقت الباب لأى اجتهاد ورد من مختلف وجهات النظر ومدارس الفكر، كذلك سوف نحاول كلما أمكن أن نعرض مقالا منشورا على معلقين مختلفى الهوية، يعقبون عليه ناقدين بما شاؤوا كيف شاؤوا، كل ذلك فى إطار الإصرار على فتح حوار هادف بإذن الله .
****
وأخيرا، فقد اقترح البعض أن نبدأ من العام القادم باصدار عدد خاص كل عام يتناول موضوعا بذاته، وقد طرحت رؤوس مواضيع مثيرة نورد هنا بعضها، ونطلب المزيد من آراء القراء، ومن ذلك مشكلة علم تكوين المرض النفسى(السيكوباثولوجى)، (مشكلة الموت والنفس والتطور)،(مشكلة تعدد الذوات وصورها الشعبية والفنية والمرضية)،(مشكلة العلاج النفسى الجمعى)،(مشكلة الفصام(آلان)،(الهستيريا الآن)
(الدين والإيمان والتطور)،( الفلسفة والعلوم النفسية)،(المنهج والبحث فى الإنسان)
وكل هذه مجرد أفكار مطروحة تنتظر ترجيح وإضافات القارئ بلهفة مناسبة .
كما اقترح اعتبار من يناير1981 أن تصدر المجلة الشقيقة(مجلة الطب النفسى التطورى)باعتبارها الممثل العلمى المتخصص، وهى ستصدر باللغة الانجليزية أساسا، وسوف تكون اكثر تخصصا وتزكيرا وقد اخترنا أن نبدأ بموضوع (تكوين المرض النفسى) (السيكوباثولوجى) بمناسبة انعقاد المؤتمر العالمى الخاص بسيكوباثولوجية القلق النفسى بالقاهرة، وذلك بإسهام الجمعية العالمية للطب النفسى بالاشتراك مع الجمعية المصرية للطب للنفسى، تحت رئاسة الزميل ا.د أحمد عكاشة.
ونحن نهيب بشكل الزملاء المهتمين بهذا الموضوع (ماهية السيكوباثولوجى) أن يكتبوا لنا آراءهم وأفكارهم وأبحاثهم وخاصة وأن هذا العلم قد اختصر بشكل خطير حتى لم يعد يمثل تاريخه العظيم، وإنما أصبح مجرد مرادف لوصف الأعراض بشكلها السلوكى الظاهرى ، وتصحيح هذا الوضع من واقع خبرة حية معاصرة هو من أهداف هذه المجلة، والجميعة التى تصدرها .
وقد طرحنا فى خطاب دورى للزملاء بعض رؤوس المواضيع التى ننتظر تغطيتها فى هذا العدد الخاص وهى
1- طبيعة وماهية علم تكوين المرض النفسى(السيكوباثولوجى)
2- العرض النفسى كسلوك،ولغة ونتاج
3- مفهوم أعراض المرض النفسى: تركيبيا وديناميا وغائيا
4- البيولوجيا كنظرة كلية فى مقابل التجزيئ الكيميائى كأساس فى تكوين المرض النفسى
5- العلاقة بين تكوين الأعراض وظهور مكافئاتها فى العادات والمعتقدات الشعبية و كذلك فى العمل الإبداعى
6- سيكوباثولوجية أية زملة مرضية نفسية كما تظهر فى البيئة المصرية من واقع الخبرة الاكلينيكية والعلاجية أو وسيلة بحث أخرى
7- موضوعات أخرى. وبهذا الإسهام المتواضع نتمنى للمؤتمر التوفيق فى أن نقدم العقل المصرى بما يستحق، من واقع ما سيلقى فى المؤتمر من أبحاث تفصيلية خاصة بموضوع القلق مضافا إليها هذا الجهد المتواضع، فيسهم كل من هذا وذاك فى أن يرجع الضيوف حاملين انطباعات تتخطى الإشادة بكرم الضيافة وشمس يناير.
وبعـد:
فمازلنا أحوج ما نكون إلى الحوار الفعل، لا إلى الجدال الهرب وثقتنا فى الاستجابه لايشكك فيها تأخر الرد .
عزيزنا القارئ : شكرا.
المحرر
[1] هى حالات فرويد أساسا التى نالت من الرعاية ما يستحقه صاحبها ومالا تستحقه هى بنفس القدر