يحيى الرخاوى طبيب نفسى
– 1 –
فاعلية الدواء: والخطة العلاجية
نحن نعيش الآن فترة عصبية فى إعادة ترتيب فهمنا لماهية المرض النفسى، والحياة فى ظل أغارة شركات الدواء [1] على عقول الأطباء فالمرضى، مما أدى – للأسف – الى اختزال المرض النفسى، واختزال علاجه الى فساد كيميائى، واصلاح أو معادلة هذا الفساد.
ولا شك أن الدواء هو محور هام من محاور علاج الاضطرابات النفسية.
ولا شك أنه قدم ويقدم خدمات جليلة فى كل مجال بدون استثناء، من أول الاقلال من مضاعفات المرض العنيفة خاصة، وحتى الاسراع بضبط الأعراض الظاهرة والمعيقة.
ولكن الافراط فى الاعتماد عليه، وعليه وحده، اختزل الظاهرة الانسانية ومن ثم المرض النفسى وعلاجه الى ما اسلفنا.
والاتجاه الأسلم، والأشمل هو أن نضع الدواء الطبنفسى فى مكانه الأنسب فى خطة علاجية شاملة ملتزمين: مرضى واطباء، بمفاهيم عامة نورد خطوطها بلا تحديد على الوجه التالى:
1- أن الدواء – وحده –لا يزيل سبب المرض فى أغلب الأحوال.
2- أنه لا ينبغى أن نتعاطى الدواء طول الحياة طول الوقت، فما أن أغلب المرض النفسى يأتى ويذهب، فان التدواى عادة يكون مواكبا لذلك: يعطى، ويمنع (بضم اليائين).
3- أن الدواء ينبغى أن يكون عاملا مساعدا فى خطة علاجية طويلة وهادفة، فالهدف الأول لأى علاج هو ازالة الاعاقة (وليس مجرد اختفاء الأعراض)، والدواء يساعد فى بعض مراحل الخطة العلاجية الشاملة.
4- أن على المريض – والطبيب – ألا ينظر الى الدواء باعتباره مسكنا أو مطمئنا أو مريحا، بل باعتباره علاجا مساعدا يسمح للمريض والطبيب معا بدفع الحياة الى هدف العلاج لتجاوز الاعاقة واستعادة الفاعلية.
5- وعلى ذلك فالحذر واجب تماما من تلك الأدوية الشائعة التى تؤخذ كنوع من الترويج (الهرب) والتى أخذ الناس عندنا يتبادلونها، و”يعزمون بها” على بعضهم البعض وكأنها سيجارة أو قطعة شيكولاته: مثل عقاقير الفاليوم والليبريوم والأتيفان…. ذلك لأن هذا “الادمان” الطبى الحديث هو خطر حقيقى على مسار الانسان مريضا وصحيحا على حد سواء.
6- ان على الطبيب – مع المريض – أن يعتبر الدواء (وغيره) هو الآلة الموسيقية التى تصدر من خلاله لحنه الاساسى، فى محراب فن المداواة، والآلة وحدها لا تصدر لحنا أصيلا جميلا فى الادة، لكن الملحن (المخطط للعلاج) ثم العازفين (فريق العلاج) هم المسئولون عن ابداع العلاج / الحياة.
[1] – انظر اصلا: التفسير الدوائى للفكر الطبنفسى الحديث. الانسان والتطور.