تواتر الاكتئاب: أرقام مفزعة:
(التنبؤ بخط سير مرض الاكتئاب ونتيجته)
سواء كان الاكتئاب هو عرض أو مرض واحد، أو عدة أمراض، أو هو “طيف” يضم العديد من الظواهر البيولوجية – النفسية – الاجتماعية، فانه يمثل فى الوقت الحاضر أكثر الاضطرابات النفسية شيوعا فى كل المجتمعات الصناعية المتمدينة بل ويبدو ان معدله آخذ أيضا فى الازدياد فى البلدان النامية.
ويلاحظ كليرمان Klerman أن العالم يدخل الآن، بعد أن اجتاز “عصر القلق”، عصراً آخر هو عصر الكآبة والانقباضية وتؤيد الدراسات تلك الملاحظة بما تظهره من وجود اتجاه واضح نحو ازدياد معدلات حدوث وانتشار امراض الاكتئاب.
فقد قفز معدل اتشاره من 0.3 – 2.7 لكل الف نسمة فى الثلاثينات، الى 13.1 فى الالف خلال السبعينات.
كما تظهر الدراسات الحديثة بالولايات المتحدة أن انتشار الاضطرابات الوجدانية (تم تشخيصها طبقا للتقسيم الامريكى الثالث 1980 DSM III خلال مدة 6 شهور قد بلغ معدل 46 – 65 الألف، ويبلغ معدل الاصابة بالمرض خلال عام واحد 0.4 الى 2.7 بالمائة، ومعدل حدوث الاصابة المرضى خلال فترة العمر 6.1 الى 9.5 بالمائة.
وتشير الدراسات الحديثة ايضا أن هذا المعدل آخذ فى الازدياد منذ عشرين أو ثلاثين عاما، وأنه مازال فى تصاعد مستمر.
نحن نقول اذا تصورنا أن معدل حدوث المرض فى مصر، وانتشاره يتقابل فى اتجاه ما توضحه تلك الدراسات، فان المشكلة تبدو أضخم مما يمكن أن نتصوره فبتطبيق تلك القراءات، يمكن لنا تصور الآتى:
أن معدل انتشار المرض فى مصر قد بلغ 6.500000 (ستة ملايين ونصف) شخص خلال 10 سنوات، وأن عدد الذين قد يصابون بالمرض خلال مدة ستة شهور قد يصل الى 3.250.000 (ثلاثة مليون وربع)، وخلال مدة عام قد يبلغ عدد من يصابون بالمرض الى 1.150.000 شخص وأن 4.500.000 معرضون للاصابة بالمرض خلال حياتهم.
ثم نقول:
ان ظاهرة بهذا الحجم – كما وردت فى الارقام السالفة الذكر لا يمكن أن تكون كلها مرضية، وعلينا أن نعيد تحديد الحد الفاصل بين ما هو اكتئاب مرضى، وما هو اكتئاب عادى، بل وما هو اكتئاب جيد رافع، ثم ان علينا قبل ذلك – ومعه – الانستسلم لهذه الأرقام المستوردة دون تحفظ، فما هو عند الغرب ليس بالضرورة هو هو الذى عندنا، وكذلك فان الاعتماد على هذا الدليل الأمريكى الثالث هو آخر صيحة فى الاغارة الشاملة على ترتيب أفكارنا من حيث تصنيف الأمراض النفسية، وقد صدرت مؤخرا الطبعة الثالثة لهذا الدليل وبها من المراجعات ما لم يضف جديدا وان كان قد نبهنا الى أن كثرة المراجعات هكذا تدل على ضرورة الحذر من التسليم والحماس لهذا التوصيف المحكم، وان كان لا يلم بأبعاد ظواهر ما نرى وما نعيش لاختلاف المواقف ومنطلقات الوجود.