يحيى الرخاوى طبيب نفسى
قصة قصيرة
المشهـد
رضا الكاشف
– تلمع يا بيه….
– عندى أولاد كثيرة .
– والنبى يا… تمسح …
مشهد آخر….
كثيرا ما يتسلل على سطح ذاكرتى…. أقف الآن محاولا نسيانه…….. رغم ذلك ينساب الى مخيلتى عناء …. تبدو صورة الأب …. الوجــه الأسمر ذو الشعر الأبيض…. محنى الظهر قليلا … ويبدو اكثر انحناء فى نهاية المشهد ….. فى الجانب الآخر الأم بملابسها الرثة يظهر عليها الاعياء وهى تمسح الغبار عن النوافذ… والبيت العتيق يطلب التنظيم…. واجدنى فى ركن قصى … والبطن خاوية منتظرة ما تجود به أطباق” سيدى” مشهد يومى معاد أحاول نسيانه … أو حجب الرؤية… فلا أستطيع….. كنت أنا…. أقصد هو … قصير القامة… نحيل الجسد … يرتعش لدخول الهواء البارد من فتحات جلبابه…. ويكاد يقع فالسماء فوقه تهتز …. والرياح تداعبه …. وفتحة حذاءه تلتهم الأتربة… مشهد يغلب عليه طابع السخرية…. لذلك الجو المعتم بتتابع التفاصيل الخالية من لمسة ضوء…. توالت خطوط السنين…. لم يتغير شئ فى الموقف … أو أى ادعاء يعلمنى بلحظة برق… شعور قاتم لا استبين منه مجرد نقطة انطلاق لحياة أخرى… وكثيرا ما تقع العينان على الأشياء…. فلا تجد … فقد ترى المذيعة وهى تخبرك بسهرة مليئة بالسعادة.. الأطفال يلعبون فى حبور… والأزهار تلف المكان…. “وسيدى” جالس لم ينته بعد من عد الصفحات والأم تأمر البواب بما سوف يطهى اليوم… والهاتف يرن ليكشف عن موعد قدوم الابن من أوربا بعد شهر العسل…. وفجأة يواصل التيار الكهربائى انقطاعه… لأفيق من رؤيتى…. وكلما أحاول تذكر هذا المشهد… فلا تظهر غير صورة أمى
– تلمع يا بيه …..
– عندى أولاد كثيرة ….
– والنبى يا…. تمسح ….
جاوز الثمانين بأعوام وشهور وأيام….. يضع الصندوق بجانب خصره… رابطا بحبل يعتلى كتفه…. ليت البيه سمح لأبى أن ينظف حذائه… لكنه أبى … حز فى نفسى هذا… أبى الذى اذا رفع يده أنسلخ منكمشا….. احتواه الزمن بكل جبروته…. تشعب فيه…. وقبع داخله…. أصبح كالبيت الآيل للسقوط كثيرا ما وقف موقف الند فيه…. بل تجاوزه عندما كان يسير ويتركه وراءه….. تحرك قليلا صوب المحطة منتظرا ميعاد القطار… الأقدام تزحف نحوه متسخة الجبين……. وباصرار لا توليه اهتماما
– تلمع يا بيه…..
– عندى أولاد كثيرة …..
– والنبى يا….. تمسح ….
***