قصة قصيرة
طفـولة
صفية فرجانى
… تحاصرنى دائما عيونكم.. وتوصد أمامى الأبواب.. يقشعر جسدى من تلك اللمسات الخفية التى تمارسونها معي.
قالت أمى: التزمى البيت… الراحة كل الراحة فى البيت.
… نفضت كل الذرات العالقة بي، بصقت فى الأرض.. دست كل الأيدى العابثة وخرجت.. ناولتنى أمى قطعة قماش لأجفف بها عرقى المتساقط دوما وأصرت على تكرار جملتها السابقة.
.. أحس بجزء من جسدى هناك.. يذكرنى ذلك المكان البعيد.. يريد الالتصاق بى ثانية.. أعاود التذكر.. أرتجف.. أريد أن ألملم أجزاء أعضائى الخاصة جدا.
قالت أمى: السرايا المهجورة محذورة عليك
… عبثا ونحن صغار بهذه الدار التى تسمى السرايا.. كانت الترعة البحرية تمر بها.. أغتسلنا بها فى شهور
الصيف الطويل.. خرجنا عرايا… تقلبت فى التراب.. يتسخ جسدى بكل الأوساخ نعاود الاغتسال فى مياه الترعة العكرة.. قفزت بسرعة شديدة.. اندفع الجميع ورائى داخل السرايا المهجورة انزلق على السلم الخشبي.. وقعت، خرج الجميع فى خوف الى التمرغ فى الأوساخ الترابية.
.. شعاع أبيض.. أنتفض من الباب الخلفى الموحش.. ارتعشت قدمي.. تأتينى جملة أمى الناهية.. تنبعث ضحكتى من جوفى فى خوف.. سأحكى لهم ما حدث.. يقترب الشعاع الأبيض يهتز فى الاقتراب.. أجدنى محمله فى الفراغ.. منزوعة الملابس.. أنا مملوءة بالأوساخ.. تلتصق شعيرات رأسى مع أجزائى الخلفية… من طول شعرى.. أحس بغفوة لذيذة.. اتأرجح فى الهواء ينفض عنى التراب ذرة ذرة.. أنفخ فى الهواء البارد.. تلسعنى رائحة الأنفاس الحارة… أتذكر أمى وأنا أقص عليها ما حدث داخل السرايا.. تمتزج داخلى فى ضمة أنسى معها كل ما سأقصه لأمي.
.. أحس بألم ما فى جسدي.. أصرخ تحتوينى أعين بيضاء أصوات لها نبرات خاصة ناعمة تخيفنى… لا
- أريد أن أنزل… ( أقول بصراخ)…
- آريد اللعب معهم فى الترعة العكره
.. تصدمنى الأبواب الموصودة.. أتجول فى أنحاء المكان.. يتبعنى عمود النور الأبيض.. أنتفض توقعنى ساقه الطويلة.. أفلت منه.. يستلقنى.. ويحملنى
.. تجفف شعرى رائحة أنفاسه الملتهبة.. يعبث بجسدى .. آراه.. أصرخ بصوت عالي.. يقرص شفتي.. أرتخي.. أحس ببلل داخلي.. أتذكر جملة أمي
.. توعدنى أن ألعب مرة أخري.. الا الاقتراب من السرايا المهجورة.. يقذفنى عمود النور الأبيض الى الخارج.. أتمرغ فى الأوساخ الترابية.. أحس بتعب لذيذ.. أتشنج.. يحملنى الصبية الصغار.. يرمينى داخل الترعة العكره.. أفيق.. أغتسل..يتمدد شئ داخلى أخافه.. أرعب من سماع صوته.
.. تغيب شمس.. ويتكشف الظلام.. تسبقنى عاصفة كبيرة من التراب المتصاعد من هرولات الصغار يتساقط كثير من العرق اللزج.. وتتنفجر شرايين جديدة من الدماء المحملة بكل اللمسات المرتعشة اللذيذة.
.. تذكرنى أمى بجملتها المتكررة… كل اللعب لك الا السرايا المهجورة.
.. يوم الخميس من كل اسبوع موعد اغتسالنا فى الدار وموعد ذهابنا الى الترعة العكره.. يسبقنا الصبية الصغار هنا.. يغسلوا الأطباق المتسخة.. ونحمل بعض الأعشاب الخضراء الى الدجاج فى الدار وأخيرا نضيق صبرا بثيابنا.. نسقطها لنستحم..
- لا أريد الاغتسال اليوم.. أخاف.. جريت نحو السرايا دون أن يرانى أحد.. قابلنى عمود النور الأبيض.. سحقنى ضوؤه الأبيض.. نادانى يا.. أمرنى أن أخلع ثيابي
- لا أريد أن أستحم.. أخاف البلل.. أخشى الصبيه فى الخارج.. أصبت بنزلة برد.. أصر وخلعت ثيابى الخاصة.. جردنى من باقى ما أحمله من أمانات تعلقت بالهواء.. تجولت فى الطابق الثانى الطابق المسحور به طاقات كبيرة من النور الأبيض المستدير.. مجوفه.. حملنى فى احداهن.
ربط ساعدى بحزام صوف.. رفع شعرى الطويل الأسود.. ثناه على هيئة ذيل حصان قصير.. قرصنى للمرة الثانية فى شفتى السفلي.. بللنى للمرة الثانية.. أعطانى قطعة سكر… مرة… مرة… صرخت.
- اريد أن أذهب مع الصبية
- بصوت ناعم جدا.. أملس جدا.. تعالى هكذا.. قال نلعب معا… ستلحقين بالصبية الصغار
- أريد أن أتمرغ فى التراب الأسود.. وأغتسل فى الترعة.. اغتسلي.. أمرتي
وجدته ماء الترعة العكره.. يتمدد أمامى جذبنى على ظهري.. غسلني.. وخبئني.. قربنى منه حملنى بين أصابعه التى لا أراها.. جذبنى من الأرض لالتصاقى الشديد بها.
- ضمنى فى احدى طاقات الضوء المستديرة المجوفه.
.. الى دارنا عدت.. أقسمت لأمي… لن أدخل ابدأ السرايا المهجورة.. هذا السر الجميل لا يجب أن يعرفه الصبية فى الحارة حتى لا يأخذوا قطعة السكر الحلوة.
.. أتمدد فى أنحاء البيت.. فقط من أجل أن أريح ذراعى وجسدى .. لم أكل كثيرا.. اكتفيت بقطعة السكر.
.. أرتجف فى موعد كل يوم.. الساعة.. أنا وحدى أعرفها.. ابتعد عن الصبيه خشية أن يعرفوا منى السر بقطعة السكر.
.. علمت أمى أن هناك من جردنى من ثيابى الداخلية.. لم أكن أحمل يوم الخميس قطعة ملابسى الداخلية المعتادة.. ضربتني.. صرخت.. اعترفت عند أول لطمه على خدى الأيمن.
.. قررت أمى الرحيل.. بكيت عند اقتراب السرايا البعيدة المهجورة والترعة العكره.
- فى موسم الخريف دائما تذكرنى القطعة الباقية من جسدى هناك.. أحس أننى مشدودة الى شئ يريد الالتصاق بي.. تنتابنى أحيانا نوبات برد شديدة احتاج فيها الى مياه الترعة العكرة.
.. تذكرنى الآن الأبواب الموصدة.. القرية الأخرى الشمالية بلا سرايا مهجورة. أتذكر العيون المخدره فقط كل خميس.. أريد الاغتسال أن أسبح فى ذلك الضوء الأبيض.. أريد محاصرتى فى طاقة النور الأبيض.
.. تجذبنى أمي.. أزف اليه.. آرتعش.. يحاصرنى فى كل الوجهات.. أصرخ.. أصرخ أعدو من الباب الأمامي.. أفتحه يعدو ورائى بين الدور البعيدة يتبعني.. بشعرى الطويل المعكوف الى الوراء على هيئة ذيل حصان.. وفى فستانى الأبيض أتذكر جملة أمي.. أياكى الـرمهرة.. يسقط.. أقف وحدى دون الصبيه.. على الباب.. تلفحنى رائحة رقيقة.. ناعمه.،. أ جرى أجوب المكان… أتساق السام الخشبي.. يأخذنى عمود النور الأبيض… أرتعش.. أتعلق فى الهواء.. أتعلق فى الهواء.. أتمرغ فى التراب الأسود… أتسخ… أزعق فيه.. أحس فقط بملمس يديه… يقرصنى من شفتاى معا.. أحس بالبلل يحملنى فى طاقتى الخاصة.. يربط يدى بجزام صوف.. ويربط وسطى بحزام صوف آخر يربط قدمي.. يجذبنى ارتاح اليه.
.. يغشى علي.. أفيق على اتساع الترعة العكره وأنا أسبح فى بحور عمود النور الأبيض.. وبين جنبات الرمهرة.
.. أنسى كل كلمة تفوهت بها أمي.
.. ذلك يوم الخميس عندما أحس جسدى بجزئه الترابى الباقي.. يريد الالتصاق.