قصة قصيرة
أولـيـاء الله
عبد المنعم الباز
زعق أبى طالبا الغداء. وغم جوعى ضايقنى صوته. أمى عادت معنا من الغيط فى نفس الوقت. أنحنى ظهرها ساعات مثلنا بل أنه كان يتوقف عن جمع اللطع كل ربع ساعة بأى حجة. المرور على الأنفار فى الفدان الاخر، شرب الشاى، رؤية ماذا يزعج الحمار وجعله ينهق، قذف أحد الفئران بحجر ضخم، أو مجرد لعن الشمس والمهندس الزراعى والحكومة التى تأخذ القطن بتراب الفلوس.
حبا أخى نحو الطبلية ثم جلس فوقها. صرخ أبى فى أختى: ازاى تسيبه من غير بنطلون رفعت صوتها ليمر عبر صوت الوابور (بناطيله كلها هناك) أشارت الى حبل الغسيل فى الصالة. لعن لها أباها وقال أن مكان نشر الغسيل هو شمس السطوح. ملتهبا جاء الطعام. صرخ أبى (القلة). بعد الجرعة الأولى قال أن ماء الترعة أفضل بكثير من مائها الساخن.
كان يضايقنى أنه لا يترك لى شيئا ألعنه حتى نفسى. يجعلنى هذا أشعر أننى فى العاشرة، لعنته فى سرى وهو يستنكر صمت أمى( ساكته ليه؟). نفخت فى معلقة الأرز كثيرا قبل أن تعطيها لأخى. بدأ أنها تتنهد لا تنفخ. أكد أن ملح الملوخية أكثر من اللازم، لم أعارضه، الكلام أثناء الأكل يعنى ملاعق أرز مفقودة، قالت أمى فجأة( أولياء الله يأكلون من السماء) حملقت أختى قليلا فى وجه أمى الحالم قبل أن تضحك.
استمرت أمى غير مبالية. قالت أن سيدى الدمياطى كان يتحمل وقاحة زوجته دون شكوى. لاحظنا ملعقة أبى تقف فى منتصف الطريق بين الطبق وفمه. قال( لم يكن رجلا أذن) أكملت أمى أنه ألتقى ذات يوم ببعض أولياء الله واتفقوا أن يدعوا كل منهم الله يوما ليهبط عليهم الطعام من السماء وهبط الطعام كل يوم متى جاء الدور على سيدى الدمياطى. أعلن مضغنا للطعام اهتمامنا بالقصة( لم يكن يعرف بماذا يدعوا الله ليحقق هذه المعجزة الصغيرة فدعاه بحق دعاء الآخرين وهبطت المائدة من السماء) نظر أخى الى سقف الحجرة كأن دجاجة مشوية على وشك الهبوط.( واستحلفهم سيدى الدمياطى أن يخبروه بدعائهم قبل أن يفارقوه فاكتشف أنهم كانو يدعون الله بحق صبره على زوجته فذهب اليها واستحلفها أن تضربه أكثر لكنها لم تفعل فهو لم يكن يعلم أنها أيضا ولية من أولياء الله وأنها تفعل ذلك لتهذيبه) قال أخي( وبعدين) ضحكنا جميعا.
قال أبي( اذهب أنت وأمك للغيط. أنا ذاهب لأسدد للحاج زكريا ما علينا).
أدركنا أنه قبض عربون المحصول دون أن نعلم، على الزراعية سألتها لماذا تسكت له دائما. أشارت الى الترعة وقالت(مرة وقف فلاح وشاف وليا ماشيا فوق الماء فسأله كيف فقال الولى الصبر) قلت لها( الى متي؟) أكملت وكأنها لا تسمعنى( ظن الفلاح أنه يقصد نبات الصبار المر الذى ينمو وحده على امتداد الترعة فأخذ يأكل منه ويأكل منه ويأكل منه، فاذا به يجرى فوق الماء ويسبق الولى الذى قابله) تذكرت أنها مثلى لا تصلى بانتظام. كدت أسالها ساخرا هل تريد أن تصبح أحدى أولياء الله وتمشى فوق الماء. عربة نقل جعلتنى أسير خلفها، ملأ التراب عينى. بعد أن بصقت ومسحت دموعى لاحظت فجأة أن أقدامها لا تلمس الأرض. تذكرت أنها لم تمرض منذ سنوات رغم لقيمات الطعام الهزيلة، انتبهت الى ظهرها المستقيم الصلب ويديها الخشنتين الكبيرتين واحترام الجارات الغامض لها واستكانة الجاموسة ليديها عن الحلب ودهشة المهندس الزراعى من انتاج أرضنا كل عام. الأغبياء كانوا يظنون أبى السبب.
فكرت أنها لا تحاول المشى على الماء لنستطيع أن نحيا حياة عادية رغم كل شئ. وبما كانت تخشى العمدة والخفراء وسخرية المكذبين حين لاحظت تأخرى التفتت ونادتنى. جريت نحوها بأعوامى الخمسة عشر، فضحتنى ابتسامتى فهبطت أقدامها الى الأرض. دخلنا الغيط سويا وقد أصبح بينا سر مشترك. أحسست أننى فوق العشرين وأنا أحرق اللطع الأخيرة.