د. يحيى الرخاوى
الموجز
فى هذا التناول يعرض الكاتب موقف هذه المجلة من قضية الدين بصفته أهم دعامات الحياة والدافع المناسب للتطور الخلاق, ويحاول أن يتجنب أغلب المعطلات النقاشية والذهنية والتبريرية, وهو يطرح قضية معاصرة فيما يختص بثورة الدين الإسلامى خاصة, ويقترح كيف يمكن أن تتوازى مسيرة العلم مع مسيرة الايمان فى توليف تلقائى حي, دون تعسف وتداخل صناعى متخلف, ولكنه لا يعرض فى النهاية حلا شافيا بل يدعنا نحاول أن نرى الخط الحقيقى للمسيرة وسط كل هذه الإيجابيات والمعوقات معا.
إن مجلة تصدر باسم “الإنسان والتطور” ولا تتعرض بجلاء إلى بعد الدين وعلاقة الفرد بربه وبكونه, لابد وأن تكون فى أزمة خاصة تحتاج الى تفسير.., وقبل هذا المقال مباشرة نجد تلخيص كتاب مؤلف غربى عن التحليل النفسى والدين, ولا شك أنه كتاب ناقد بناء, إلا أنه نابع من واقع ما يسمى بالحضارة اليهودية – المسيحية, والتى يحلو لبعض المسلمين أن يطلقوا عليها لفظا أكثر صراحة وهى الحضارة الصليبية, وكان لزاما من موقعنا المتواضع فى هذه المرحلة من نمونا التى تواكب ظهور هذه المجلة أن نبين بعض أوجه الاختلاف التى يمكن أن يدخل اللبس من إغفالها.
وقد ألمحنا فى إفتتاحية هذا العدد الأول الى عدة أمور تتعلق بهذه المشكلة ولكن دون أن نواجهها مباشرة, قلنا:
1- أخيرا كادت تتحطم الحواجز بين الأديان بفضل سعة صدر المتدينين على كل جانب نتيجة لفهمهم الأعمق لرحابة الدين ووظيفته” ص6.
2- ولا مفر أن … يصر كل صاحب دين على الإلتزام بتعاليم دينه لصالح البشر, ساعين إلى وجه الله من كل حدب وبكل لغة”.ص 7.
3- وقد لبست الدعوات الانتكاسية أحد ثوبين: الثوب السلفى وهو ثوب ضيق معوق إذا التف يخنق خلايا المخ بالحرفية والجمود, إلا أنه ثوب حام إذا كان درعا يسمح بالنزال ويسهم فى الحركة التطورية الوثابة” ص7.
ومن هذه البداية, ومع إصرارنا على تجنب معارك مضيعة للجهد والوقت, وملهية عن الذات والواقع معا, وجدنا أننا ملتزمين ببعض الإيضاح المبدئي, آملين أن يكون العمل للأحسن والأكمل والأعمق هو هدفنا جميعا ومن كل سبيل.
ضرورة الإيمان:
منذ سنوات قليلة هبط إلى القاهرة “خواجة” يدعو الى أسلوب فى التأمل التجاوزيTranscendental Meditation مبعوثا ساميا من جامعة عالمية فى سويسرا هى جامعة المهاريشي, وكتبت حينذاك فى صحيفة الأهرام مقالا تحت عنوان “الدين بالتكنولوجيا” قلت فيه “الإنسان المعاصر فى حاجة الى الإيمان ليكتمل وجوده, هذه حقيقة ما انتهت إليه المدارس الحديثة الثائرة فى العلوم النفسية (1) وهى حقيقة قديمة ولكن إعادة اكتشافها فى مجال الطب النفسى والمرض النفسى خليق بأن يذكرنا بما نسينا, ويوجهنا لما ينبغي”.
وقد تعمدت حينذاك أن أذكر الإيمان بشكل خاص, وأن أميزه عن مجرد “الإعتقاد” وأن أربطه بقول الاعراب آمنا, فى حين أنهم لما يدخل الإيمان فى قلوبهم رغم جهرهم بإسلامهم, وكنت فى ذلك أسعى إلى التنبيه إلى ضرورة التمييز بين الإيمان إذ هو خبرة معاشة وسعى متصل, وبين بعض صور التلقين إذ هو ترديد أجوف والعياذ بالله.
وبعد ما عرضت طريقة المهاريشى والصفقات التى يعقدها مع مهووسى الغرب حيث يبيعهم (2) صفاء الذهن ببعض الصلوات التكنولوجية الحديثة, أنهيت المقال بتساؤل يحدد حجم المشكلة – التى أتناولها هنا الآن بعد سنوات – قائلا:
”نحن – فى اعتقادى – على أبواب نهضة حضارية حقيقية, والحضارة تنشأ بعد أن يحصل الناس ذوو الأصالة على حاجاتهم الأساسية التى يليهم السعى إليها ليل نهار عن البحث فى عمق وجودهم, فإذا تم ذلك فإن الانسان الحضارى سوف يفكر فيما بعد ذاته مكانا – الناس – وزمانا – الخلود – وهنا يخرج إنتاجه أصيلا متعديا حدود كيانه الفردى الضيق, وحياته المحدودة .. فيصبح حضاريا بكل ما تعنيه الكلمة”.
وهنا أفيق على سؤال أهم من كل ما سبق من جزئيات ونوايا طيبة وآمال مشرقة إذ يصفعنى بحدة حين يرن فى عقلى أن “كيف”؟
وتتردد على أذنى بعض الإجابات التقليدية السلفية عالية الصوت حادة النبرات.
وترتفع أمام عينى حواجب سخرية الفريق الآخر منهما إياى بتوزيع الأفيون.
ولا أجد فى هذا ولا ذاك ما يغني, ليتركانى حائرا ما بين التعصب للتفاصيل الجاهزة, وبين الهروب من حقيقة الوجود خوفا من الإدمان على المخدرات.
ولكنى أقول فى النهاية: لا حضارة بلا إيمان ولا إنسان بلا تكامل, وليس أمامنا إلا التوليف – لا التلفيق – بين المتناقضات .. ونحن قادرون على ذلك.
ثم تمر الأعوام وما زال السؤال يلح على عقلى وفعلى “كيف”؟
وأتابع فى وعى باحث جل المحاولات فى هذا الاتجاه وأجد كل من وهب شجاعة التفكير ونقاء الحدس وقد أدلى بدلوه فى هذه القضية التى لم تعد ترفا عقليا أو مهربا دفاعيا, “كيف يعود الدين ليثرى وجودنا من مدخل الخبرة المعاشة و الالتزام الداخلي, لا من مدخل الترهيب والترغيب والاغتراب التنويمى؟”
هذا هو السؤال الملح.
ومن بين العلامات المشرقة فى حياتنا الفكرية صدور عدد خاص من مجلة “عالم الفكر” عن الإغتراب يتناول فيه – مثلا – الدكتور حسن حنفى الاغتراب الدينى عند فيورباخ بكل الشجاعة والتواضع (3), إذا فهناك أمل متزايد فى مواجهة أصرح وأكثر مسؤلية, هذا فضلا عن فتح أبواب “المناقشة” المرة تلو المرة بإلحاح متصل فى الزميلة العربى حتى تثار قضية نصوص القرآن ومدى اتفاقها مع نظرية التطور مباشرة على صفحات نفس المجلة بين علماء أفاضل, تلك القضية التى تناول مثلها باحثون سابقون فى محاولة توفيق (أو تلفيق) مصالحة بين نظرية التطور وسفر التكوين!!
وهكذا نجد أن المناداة بالتطور إن لم تتضح أبعادها وعمقها وسماحها وموازاتها لكل ما هو حى ونشط ومتغير فإنها قد تدخل فى دهاليز عقيمة لا نهاية لها.. دهاليز قد تستنفذ جهدنا فى الإختلاف حول تفسير آية أو تأويل حديث, فالقضية مباشرة وحيوية وملحة, وتعدد معانى “للسلالة التى هى من طين” أو صورة ما هو “فى أحسن تقويم” لن تعفى الإنسان من مصيره فى حتم “أن يكدح إلى ربه كدحا فيلاقيه..” فى رحلته التطورية كفرد.. وكجنس بأكمله.
فهل يا ترى يمكن أن نتخطى بوعى مثابر محب حواجز الخوف الجاثمة؟
هل يمكن أن نعيش بشرا كراما لا وصاية مسبقة على تفكيرنا طالما نسعى الى وجه اليقين؟
إن أى حد يحجز التفكير هو حجر ثقيل يبطيء من خطى التطور.
والدين هو التطور
ولم تقفز البشرية قفزاتها العملاقة على سلم الحضارة إلا بالثورات الدينية الأصيلة عبر التاريخ.
ولكن أصواتا أخرى دينية متعصبة تخاف أكثر ما تخاف من كلمة التطور.
ومع ضعف علم النفس واهتزاز موقفه المتزايد تظهر دعوة تبدو وكأنها تتصف بالإيجابية للبحث عن بديل أعمق ينبع من جوهر الاسلام المتطور, إلا أنى ألمح من خلال ما جاء فى دعوتى إلى “ندوة علم النفس والإسلام” فى الرياض فى ديسمبر الماضى ما يحتاج الى وقفة واعية محذرة فأنتهز الفرصة وأرسل إلى الزميل الكريم الداعى خطابا أجد من المناسب تماما أعيده هنا بنصه.
القاهرة فى 18 مايو 1978 الموافق 11 جمادى الآخرة 1398
الاستاذ الدكتور محمد أحمد الرشيد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبعــد
فقد وصلتنى رسالتكم الكريمة الخاصة بدعوتى للاشتراك والمساهمة فى الندوة الخاصة بعلم النفس والاسلام, وإنى إذ أعتذر عن تأخرى فى الرد أرجو أن تقدروا أن الرسالة الكريمة قد تأخرت فى الوصول إلى بلا سبب واضح, وإنى إذ ألتمس العذر ابتداء عن المشاركة فى الندوة بسبب الميعاد, أود ايضاح ما يلى أمانة ومسئولية من موقعى:
أولا: فانى أوافقكم على أن علم النفس كما يتناول حاليا هو علم يحبو على أربع, وانى – وكثير من العلماء فى كل أنحاء العالم – نعيد النظر فى مفهوم هذا العلم الجديد من حيث هو “علم” بالقيم المعروفة, كما نعيد النظر فى معطياته من حيث هى معطيات يمكن الاعتماد عليها, أم أنها اجتهادات مرحلية مقولة بالتشكيك, كما أن وسائل البحث فى هذا العلم قد هوجمت بلا هوادة من كل عشاق الحقيقة وحمال الأمانة.
ثانيا: إن الأديان بما تدعو إليه من جوهر الإيمان والتواصل مع الكون الأعظم فيها من العمق والتآلف والاتساق ما يغرى بفحص إمكانيات التوازن بمعناه الشامل, والتوازن النفسى بمعناه المحدود, كمنطلق نحو مفهوم إيجابى وموضوعى للصحة النفسية وأن علم النفس الإنسانى ثم علم النفس عبر الشخصية قد بدآ هذه المحاولة بجد ومثابرة حين تخطى الأول الدوافع الأولية إلى الدوافع البعدية فى تكامل متصل, وتخطى الثانى محدودية الذات الى شمولية الوجود.
ثالثا: إن ديننا الحنيف باعتباره جماع مسيرة الأديان جميعا لم يأخذ حقه بشكل مباشر أو غير مباشر فى الإسهام فى تعميق القيم الإنسانية وإرساء التوازن الموضوعى رغم ثرائه غير المحدود فى جوهره وتفاصيله, ولا أود أن أستطرد فى ذلك تفصيلا إلا أنى أعرض هذه الحقيقة مجردة بما تسمح به هذه العجالة.
رابعا: توقفت طويلا أمام الخطاب المرفق الذى يوضح أبعاد الندوة وقبلت منه مرحبا فكرة البحث عن منطلق علمى إيمانى جديد يسهم فى تفسير السلوك الإنسانى لكنى أثير هنا بعض ما خطر لى من مخاوف, أرجو أن تكون محل اعتبار المجتمعين:
1- إن إتجاه إعادة النظر فى أسلوب البحث فى علم النفس يجب أن يكون اتجاها حرا شجاعا, إذ لابد أن يسير احترامنا الواجب لأساتذتنا وعلمائنا فى التفسير والفقه والشريعة جنبا إلى جنب مع إطلاق العنان للتفكير العلمى للمخلصين من العلماء لا يحدهم إلا إيمانهم وضمائرهم, فيكون القياس والتقويم أساسا من واقع القيم العلمية ومدى الموضوعية ودرجة التناسق مع جوهر الدين وأهداف المسيرة البشرية لخلق الله إما أن تكون هناك مسلمات تفصيلية مسبقة يتحرك العلماء المؤمنون فى حدودها فإنى أرى أن هذا سيحد من حرية التفكير الإبداعى الذى هو ألزم ما يكون للعالم والمؤمن والإنسان الحضارى معا.
2- إن البحث فى إمكان الاستفادة من أساليب علم النفس الحديث فى الدعوة للمباديء الإسلامية قد يثير نقطة ينبغى أن نستوعبها إذا كان لنا أن نساير العصر ثم نسبقه ثم نقوده إلى الخير بإذن الله, هذه النقطة هى أن القضية الحضارية ينبغى أن يكون تناولها إيمانيا على مراحل متصاعدة واعية هادفة:
(أ) الدعوة إلى البحث فى النفس البشرية بالمواجهة الفطرية النقية التى تدعم العمق الموضوعى للباحث كأداة مباشرة لكشف الحقائق بما يتفق مع المعنى الجوهرى للفطرة السليمة دون قيود مسبقة.
(ب) البحث فى طبيعة التكوين الإنسانى وحاجة الإنسان الأساسية للإيمان بما يستتبع ذلك من مظاهر سلوكية ليست سوى الفضيلة.
(جـ) البحث فى القيم الإيمانية بصفتها الشمولية, وتمييزها عن الإختلافات السلوكية التدينية فى مختلف الأديان.
(د) بحث القيم الإسلامية جوهريا قبل الدخول فى تفاصيل سلوكية.
(هـ) بحث التفاصيل السلوكية الدينية والنظر فى وظيفتها كوسيلة إلى تحقيق التوازن الأشمل.
وبهذا الترتيب يمكن أن نحقق أهدافنا الحضارية ونساير العصر ونتحداه ونتخطاه ونرشده اذا تكلم لغة شاملة لا تعصب فيه ولا مخاوف, كما أننا سنتدرج بموضوعية ووعى من المركز إلى الأطراف دون أن نسجن عقولنا فى تفاصيل معوقة فى المرحلة الحالية, وبذلك يكون نشاطنا العلمى الحضارى نابعا من نظرة إيمانية شاملة نؤكد بها أننا لا نتكلم أنفسنا، وبذلك تكون الدعوة لمبادئ الأسلامية هى دعوة حضارية موضوعية فى المقام الأول, وليست فكرا ضيقا فى منطقة بذاتها, أو مرحلة زمانية بعينها.
خامسا: بالنسبة للاقتراحات بشأن أعمال الندوة أو الدراسات التى تسهم فى تحقيق أغراض الندوة كما أتصوره أتقدم لسيادتكم برؤوس المواضيع التالية:
1- بحث معنى “الفطرة” فى علاقتها بالبيولوجى بصفة عامة وفى تطورها كمادة حية لها غايات متصاعدة, وذلك من منطلق علمى موضوعى جديد, وبالتالى بحث معنى الإلحاد فى مفهومة النشازى المخالف للتآلف البيولوجي.
2- بحث التوحيد (لا إله إلا الله) من منطلق تحرير الإنسان, ومعنى الحرية الداخلية وأهميتها ودلالتها فى التوافق النفسى والعطاء الإبداعى البشري.
3- بحث بعض المعانى الصوفية مثل “السعى الى وجه الله” من منطلق علم النفس النمو وتصاعداته “الهيراركية” فى محاولة التوافق والتكامل مع التزايد المستمر فى درجات الوعى البشرى ومداه.
4- بحث معنى الولاف الذى يتميز به الإسلام بوجه خاص سواء فى موقفه تطوريا بين الأديان, أم فى تخطى الفصل الإنشقاقى بين الخير والشر داخل النفس, أم فى مسيرته التوحيدية نحو التكامل, وكل هذه الولافات إنما تتسق مع مسيرة تطور الإنسان وترقيه الى التوافق المتصاعد مع الكون الأعظم ورب الأكوان.
وأنى حين أضع هذه المقترحات كعينات نموذجية أنبه مرة أخرى – وعذرا للتكرار – أن البعد الذى أتصوره فى هذه المباحث العميقة الأصيلة ليس مجرد إثبات سطحى أن هذا المعنى أو ذاك قد ورد هنا أو هناك, فديننا فى عمق أصالته لا يحتاج الى هذه المرافعات الهزيلة المعطلة والمسطحة, ولكنى أعنى عمقا إيمانيا موضوعا يبحث فى عمق الحقيقة فى اتجاه الحق مباشرة فى تواز تركيبى وليس فى تعليل خطى مهتز.
ولعل خطوط المسيرة كما صورتها تحدد لنا أعداء التوازن ومعوقى المسيرة وكأننا نواجه فرق تشويه الطبيعة البشرية على الجانبين سواء كانوا من المتعصبين ضيقى الأفق أم من الماديين بالمعنى السطحى الخائف أو المسطحين متعجلى الحلول اللذية القاصرة.
وإنى إذ أختتم كتابى هذا أدعو الله جلت قدرته أن ينير بصائر المجتمعين وأن يوفق خطاهم, وعلى الله قصد السبيل.
اللهم فاشهد.
ولنا ولكم من الله الرحمة والرشاد
(انتهى بنصه)..
امضـاء
وقد تعمدت إلى نشر الخطاب بنصه كاملا لما وجدت فيه من خطوط عامة ومحاذير واضحة آمل أن نكون على أتم الوعى بها.
****
ولكنى بعد أن كتبت كل ما سبق رحت آتردد وأقول لصديق لى “لقد وجدت أنى – مثل كل الذين يحاولون هذه الأيام – لم أقل شيئا, وأن قاريء هذا الكلام من الجانبين سيأخذه على حسب ما يستطيع هو, لا ما أعنى أنا” وأقترح عليه ألا ننشر المقال برمته التزاما منا بتجنب المعارك الجانبية فى مرحلتنا هذه من ناحية, وبألا نقول إلا ما يمكن أن يصل إلى أصحابه بحجمه المتواضع, فيثير فيهم فعلا متواضعا مستمرا.
وأعود فأرد عليه (وكأنه يرد علي) أننا لسنا أوصياء على القاريء نصدر له أحكاما مسبقة على ما يفهم وما لا يفهم, فلنقل كلمتنا ولنتحمل مسئوليتنا ونحدد خطوط مسيرتنا ولو كانت عريضة عريضة حتى تسع كل المختلفين وها هى ذي.
1- إن التطور الحتمى لا يتعارض مع أى دين وينبغى أن يعاد النظر فى التفسيرات السطحية المؤيدة والتفسيرات الخائفة المعارضة.
2- إن خط العلم الحقيقى – بعد التأنى فى تعريفه والتعميق فى فلسفته – هو خط مواز متآلف مع التطور الإيمانى الواعى العميق.
3- إن التمسك بالدين الفوقى والإغترابى لا جدال فى أنه خطوة لازمة ومفيدة للوصول الى المعايشة الإيمانية حتى اليقين الواعى بكيان الإنسان وتناسقه مع الكون الأعظم بالتزام واقعى يومى نحو الناس والحياة سعيا إلى وجه الله, وهذا التقبل المرحلى يساير تماما ضرورة الإنشقاق فالالتحام اللولبى فالانشقاق الأقل فالتوليف الأعلى فى مسيرة النمو.
4- إن الاعتراف بضرورة الإيمان بالمعنى التكاملي, واستحالة الإلحاد لاستحالة النشاز البيولوجى مع استمرار الحياة, كل هذا يتطلب فتح أبواب الفكر واحترام الخبرة الإنسانية المباشرة بكل محتوياتها وغموضها فى بعض مراحل ترجمتها إلى أفكار أو ألفاظ.
5- إن ذلك يتضمن إعاد النظر فى غرور العقل العلمى المتضخم على حساب العقل الفنى المتواري, مما يفتح أبواب البحث والدراسة لكل ما سمى خوفا واستسهالا “بالخرافة” بمنظور أكثر احتراما وأعمق مسئولية.
6- إن موقفنا الخاص, تاريخا وتكوينا وأملا, يلزمنا بأن تكون الخبرة الإيمانية المعاشة, والإلتزام الدينى الشخصى الواعي, من أهم وقود مسيرتنا الحضارية, ومن أهم علامات فكرنا الأصيل.
ثم مرة ثانية أتساءل كيف ؟
ومرة أخرى لا أجد الجواب إلا فى هذه المحاولات المستمرة لتقبل كل محاولة, ورفض كل استسلام سهل, والسير حثيثا فى خط علمي, موازى يجعلنا أهلا لما ألقى علينا من قول ثقيل, وما حملنا من أمانة الوعي
وصدور هذه المجلة هى بعض ما نقدر, وينبغي, كخطوة فى هذا السبيل.
الهوامش
(1) راجع موقف بعضها من هذه المشكلة فى مقال الزميل د. مجدى عرفة عن علم النفس الانسانى فى هذا العدد.
(2) منذ شهور وصلنى كتيب فى نفس الموضوع ألفه الزميل الدكتور محمد شعلان تحت عنوان “تصوف للبيع” يتناول نفس المشكلة.
(3) مثل لكونت دى نوى فى كتابه “مصير الانسان” 1946 ترجمة د. خليل الجر 1967