جريدة الشروق
الخميس: 17 سبتمبر 2015
يحيى الرخاوى: يكتب رسالة إلى نجيب محفوظ حول أحلام فترة النقاهة الجديدة
كتب : سامح سامى
د. يحيى الرخاوى ــ أستاذ الطب النفسى يعتاد منذ سنوات الكتابة والقراءة فى كراسات تدريب الأديب العالمى نجيب محفوظ، وهى الكراسة التى كان محفوظ يتدرب فيها على استئناف الكتابة مرة أخرى بعد عملية اغتياله التى أثرت على حركته. وهى كنز، حسب وصف د.الرخاوى.
فى قراءته الأخيرة لصفحة من الكراسة كتب د. يحيى الرخاوى رسالة إلى نجيب محفوظ، العائش حتى الآن، حسب اعتقاد وإحساس د. يحيى الرخاوى الذى كان من أقرب أصدقاء محفوظ. بدأ الرخاوى رسالته أولا فى استعراض إحدى صفحات كراسة التدريبات التى كتب فيها محفوظ:
“بسم الله الرحمن الرحيم.. نجيب محفوظ.. أم كلثوم نجيب محفوظ.. فاطمة نجيب محفوظ.. الحمد لله رب العالمين ــ الرحمن.. الرحيم – مالك يوم الدين – إياك نعبد وإياك نستعين ــ اهدنا الصراط المستقيم ــ صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. آمين.. أيها القوم المحبون فى الأرض المجدون.. فكما أنتم كنا وكما نحن تكونون..عرفنا (+) الجزيرة حتى جاءنى خبر.. فزعت منه بمآلها (+) إلى الكذب نجيب محفوظ. وكان تاريخ الصفحة يشير إلى أنها مكتوبة فى 2 سبتمبر 1995” .
ثم كتب د.الرخاوى رسالة إلى محفوظ، قال فيها :”لا يوجد فى هذه الصفحة اليوم يا شيخنا الغالى من جديد إلا كلام فى نهاية التداعيات عن الجزيرة، لعلها قناة الجزيرة وأخبارها القبيحة المغلوطة وما آلت إليه من كذب، (كل هذا بعد محاولات فك الخط بكل الجهود لتقريب بعض هذين السطرين الأخيرين). لعل هذا يعطينى الفرصة أن أعرج إلى موضوع يخص بعض أثمن ما كتبتَ، وقد شغل الناس هذه الأيام، هذا أنه قد تعددت الآراء والرؤى حول ما ظهر أخيرا من أحلام جديدة فى “أحلام فترة النقاهة”، ومن بين ذلك ما حدث (9/9/2015) من تعقيبات كلٍ من: بهاء طاهر، أحمد مراد، حسن كمال، وحلمى النمنم، صبرى حافظ، بالإضافة إلى ما نشر بتاريخ 30 أغسطس 2015 فى جريدة الشروق، واشترك فيه: علاء الأسوانى، محمد سلماوى، زكى سالم، بالإضافة إلى شخصى.
وإليك يا شيخنا الحكاية من البداية:
تفضل الأستاذ إبراهيم المعلم بدعوتى للإطلاع على أكثر من مائتى حلم تقدمت بها كريمتاك إليه، وقالتا إنهما عثرتا عليها بين أوراقك بعد أعوام، وأنهما من إملائك للحاج صبرى أكرمه الله، وبعد تردد فى الحكم فى عجالة تفضل الأستاذ المعلم وأرسل لى كل هذه الأحلام قيد الطبع، ثم نشر بعد ذلك فى صحيفة الشروق، بإشراف الأستاذ سامح سامى تحقيقا حول هذا الموضوع سجل فيه مقابلة مع الحاج صبرى، وإذا بى أقرأ ما صرح لهم به الحاج صبرى وكيف أنك كنت تؤلف الحلم وتحفظه وتراجعه أولا ثم تمليه بعد ذلك، وهذا هو ما طمأننى على العملية برمتها.
“فرحت بهذا الوفاء من كريمتيك ــ حفظهما الله ــ كما شكرت الأستاذ المعلم والابن سامح سامى للاهتمام والمتابعة، وبعد الاطلاع على ما تفضلت الشروق ومنحتنى شرف الاطلاع على هذه الأحلام قبل النشر، كتبت لهما ما أحب أن أطلعك عليه”
ونشر د. الرخاوى رسالته إلى المهندس إبراهيم المعلم، رئيس مجلس إدارة دار الشروق، لكى يكون عند الأستاذ نجيب محفوظ علم بها!. قال الرخاوى فيها:
الأستاذ الفاضل الكريم
إبراهيم المعلم
شكرا، واحتراما، وتحية، ودعاء، جزاكم الله عن شيخنا، ومصر، والثقافة خيرا
وبعد..
تقديرا لثقتكم الغالية، وبعد نشر التحقيق المهم عن هذا العمل المهم، وخصوصا ما جاء فيه على لسان الحاج صبرى، أكرمه الله، قمت بما شرفت بتكليفى به وقرأت العمل قيد الطبع، وحمدت الله، وشكرتكم مرة أخرى على هذه الثقة، وهذه الفرصة، وإليكم شهادتى التى خلصت إليها:
1) هذا عمل من إبداع محفوظ بلا أدنى شك، مهما بدا فى ظاهر بعضه مما كان يحتاج إلى مراجعة أو تحديث أو تنقيح (منه دون غيره)
2) ما ذكره الحاج صبرى عن أن الأستاذ كان يتم صياغة الحلم بداخله حتى يكمله، ثم يحفظه، ثم يمليه، هو صدق كله، وهو ما طمأننى تماما أنها أحلام (إبداع) شيخنا الجليل فعلا.
3) ما قامت به كريمتاه الفاضلتان فى الحفاظ على ما وجدتاه ولو بعد حين، ثم تسليمه لأهل الأمانة يحتاج كل تقدير واحترام وشكر، ولعله أقرب ما يكون إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى معناه: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”، وقد أوفتا بالعهد، لتحققا المكارم الثلاث، جزاهم الله عنه وعنا خيرا.
4) حتى لو عثرنا على سطر واحد كتبه وتركه لنا، وللناس، وللإبداع، وللتاريخ، (ولو حتى أثناء تدريباته وتداعياته للعودة للكتابة) لوجب نشره كما هو، وعلى مريديه والنقاد والتاريخ بقية المهم.
5) مستوى هذه الأحلام عموما غير المجموعة الأولى (وإن كنت لا أقول دون المجموعة الأولى، ففى كلٍ خير)
6) هناك اختلاف نوعى، لكنه ليس جسيما، بين الجزء الأول، وهذا الجزء الثانى، وكل منهما له “تناسقه الداخلى” الذى يجعله عملا مستقلا، ولذلك فالأفضل أن ترقـَم هذه المجموعة كما تركها بدءا من رقم “1”، هكذا رقمها هو شخصيا، فمن ناحية هذا يحقق فكرة أنها مختلفة، ومن ناحية أخرى هو يحافظ على أمانة ما ترك حتى فى الترقيم، ومن ناحية ثالثة فهذا طبعه حتى فى كثير من رواياته (أنظر مثلا ملحمة الحرافيش حين يُعَـنأْوِن كل حكاية بعنوانها الخاص، ثم يبدأ التسلسل للفقرات “1” – “2” -…إلخ، مع أنها رواية واحدة.
7) إن الفرق النوعى بين الجزء الأول والجزء الثانى قد يرجع إلى اختلاف الأداة، فالكتابة (حتى مع الصعوبة) تختلف عن التأليف فى الوعى ثم المراجعة الداخلية، ثم الحفظ، ثم الإملاء (كما وصفها الحاج صبرى مشكورا)، وفى كلٍ خير.
8) لا شك – مثل أى مبدع متقن، ومثله هو بالذات، وهو ما كرره لى – لنا– مرارا، وهو يتحدث عن حرمانه ــ نتيجة للصعوبات الصحية ــ من مراجعة “البروفات” الأخيرة وتعديل ما شاء فيها، كما اعتاد أن يفعل مثلما كان يفعل فى سائر أعماله السابقة.
9) من البديهى أن نتوقع أنه كان يمكن أن يقوم بتعديل أو تحديث أو التخلص من بعض ما جاء فى هذا الأصل أثناء المراجعة، وهذا حقه بل هو من أبسط مبادئ حركية الإبداع عموما، حين يكون المبدع أحيانا هو أول من ينقد أعماله حتى قبل أن تظهر.
عبر عن ذلك هيجل فى الطبعة الثانية لكتابه “موسوعة العلوم الفلسفية”، قائلا ما معناه: “اضطررتُ أن ألقى فى البحر بحجارة كثيرة من حمولة السفينة، حتى تطفو وتسير”.
وكان يعنى أنه تخلص من كثير مما صعب على الناس فى الطبعة الأولى، أو مما رأى أنه يستحسن حذفه، حتى تصل الرسالة أوضح وأتقن)!.
10) فى حالتنا هذه – كما فى كل حالة – ليس من حق مخلوق آخر إلا المبدع نفسه، أن يقوم بهذه المهمة (البند السابق) وعلى ذلك فلا سبيل إلا نشر النص كما هو، ثم تأتى مراحل النقد تتكامل مع النص المبدع نقدا مبدعا أيضا، دون مساس بالنص الأساس.
11) برغم كل هذا التوضيح – وبعد أن تفضلت الشروق بإتاحة هذه الفرصة لى قبل النشر العام، فإنى أشهد أن ما وصلنى من هذا النص بعيدا قليلا أو كثيرا عن مستوى الإبداع الفائق لشيخنا الجليل، هو قليل جدا، وعموما فقد تراوحت مستويات الحلم فى هذا الجزء الثانى آكثر من الجزء الأول، وهو الأمر الذى قد يتيح تصنيف هذا العمل – نقدا فيما بعد – إلى مستويات للأحلام تكمل بعضها بعضا (انظر الملاحظة فى النهاية).
12) إن نشر هذه الأحلام بصورتها التى وصلت إلينا حرفيا مهما كان حول بعضها من تحفظات هو “أمانة واجبة”، حتى لو كان بعضها مجرد مسودات (فالمسودات شديدة الأهمية فى رصد إبداعات الأفذاذ، وهى أحيانا تفوق ما تم صقله فى الصورة النهائية، وهذه هى مهمة النقاد).
13) مازلت أقترح إضافة فقرة فى المقدمة التى يكتبها الناشر، وهى الفقرة التى أرسلتها لسيادتكم فى رسالة سابقة، والتى هى من حق الناشر لجلاء موقفه، وإعلان أمانته، وتحديد مسئوليته، ونص الفقرة المقترحة مرة ثانية يقول:
وبعد..
إلى هنا انتهت مهمة الناشر، ثم تترك كل هذه الثروة أمام النقاد، إذ لا مانع أن تكون ندرة من هذه النصوص فى مرحلة المسودة، ونشرُ مثل ذلك واردٌ ورائعٌ ومهمٌ للتاريخ، وله، وللناس”.
عزيزى الأستاذ إبراهيم
أكرر شكرى، وما زلت تحت أمركم،
وفقكم الله، وعليكم السلام..
خطرت لى مهمة لم يسمح الوقت المتاح لى “الآن” بإتمامها ولا حتى ببدئها، وهى مهمة قد توضح اختلاف مستويات أحلام هذه المجموعة، وأيضا تبيـن تنوع محتوياتها، وغائيتها الكامنة، وهى مهمة احتمال تصنيف محتوى هذا النص من حيث كل من:
“المستوى”
ثم “المحتوى”،
ومن ذلك يمكن تصنيفها (فى مرحلة النقد طبعا) – مثلا – إلى:
“الحلم الإبداع الشعرى” (قصيدة النثر)،
والحلم اللقطة القصصية السريعة،
والحلم تحقيق الرغبة،
والحلم الحكمة،
والحلم الرأى،
والحلم الذكرى،
والحلم العبثى الجميل،
والحلم النقد السياسى،
والحلم الطفولى….
إلخ… إلخ…..
شكرا مرة أخرى وعليكم السلام
يحيى الرخاوى
ثم أنهى د. الرخاوى رسالته إلى محفوظ بقوله: “استأذنك الآن يا شيخى الفاضل فى إبلاغك أننى لم أعد مهتما أن أكون من بين النقاد الذين حمَلتـُهم مهمة قراءة هذه النصوص الجديدة، فعلى قدر علمى فإن النصوص الأولى لم يتناولها النقاد بما تستحق، أما عن شخصى فقد وجدت فى نفسى عزوفا عن أن أواصل قراءتى لهذه الأحلام الجديدة مثلما فعلت بالمجموعة الأولى، وذلك بعد ما أثير حولها فى كل اتجاه، اللهم إلا إذا أمرتـَنِى أنت شخصيا بغير ذلك”.