الأهرام: 18/10/1994
يا شيخنا: أبى الله إلا أن يحفظك، ليشرق نوره علينا من خلالك
مثلى مثل كل المصريين, مثل كل المؤمنين, مثل كل الناس, لم أصدق, حتى على مستوى التخيل.
كيف تجرأ هذا الفتى على شيخنا هكذا…؟ كيف طاوعه قلبه؟ لم يكن له قلب…!! ليكن, كيف طاوعه بصره؟ حسه؟ ألم ينظر فى وجهك شيخى وسيدى, ألم ير انحناءة ظهرك؟ ألم تشرق عليه طيبتك؟ ألم يغمره إيمانك؟ ألم يدرك وهن بصرك؟ ألم ينتبه لضعف سمعك؟ ألم تطل عليه من خلال سماحتك ويقظتك شخوص إبداعك: إشراقة وجه الشيخ رضوان, طيبة أحمد عاكف, حيوية السيد أحمد عبد الجواد, وطنية إبنه فهمى وحياء كمال, دعوات الست أمينه أمهما, ألم يغمره نور الجبلاوى من خلالك؟ ألم تحضره حكمة وفتوة وشهامة ونبض عاشور الناجى (الكبير ثم الصغير)؟
كيف أصدق, وكيف تجرأ
حاولت- بحكم المهنة- أن أتقمص الجانى, لم أستطع أصلا, لو أنه كلب مسعور هائم محموم يعوى ويجرى على غير هدي, ثم طالعته بشاشتك لارتد على عقبيه دون أن يلمسك. لهذا وغيره فشلت فى تقمص الجانى.
فرحت أتقمص شيخنا فى محنته هذه, فحل بى غيظ مرير, ورفض حانق, وغضب حاد, واقتربت منى حسرة مهيضة, وخوف متسحب, فانزعجت من كل هذا وخفت عليك , فدعوت الله أن تكون الإغماءة اللاحقة قد رحمتك من بعض ذلك, وأن يكون التخدير اللازم قبل العملية قد هدأ روعك حتى لا تشعر بكل ذلك أو بمثل ذلك.
لكننى حين رحت أتابع أخبارك, بما هو أنت لا بما تقمصت وتصورت, اكتشفت أنى أخطأت فى محاولتي, بل أخطأت فى حقك, اكتشفت أن موقفك كان – فعلا- أكبر من كل هذا, لم تحقد, ولم تغضب, ولم تخف, ولم تنكسر, يا خبر !! ربنا يخليك تعلمنا أكثر فأكثر, تصف الانقضاض الأعمى عليك تقول””..شعرت كأن وحشا نشب أظافره فى عنقى”, إلا أنك سرعان ما تصف هذا الشاب المسكين لما تبينت بعض ملامحه وهو يجري, تصفه أنه كان “…شابا يافعا فى ريعان العمر…كان يمكن أن يكون رياضيا أوعالما أو واعظا “, ثم رحت تدعو له ولأمثاله بالهداية , وأنت تقدر جهد الدولة فى مواجهته “..ربنا معكم, وربنا يهديهم ” !!!!.
واستمرت محاولاتى التقمص – بحكم المهنة- أيضا , فتصورت أننى شاب من هؤلاء المخدوعين أتابع ما جرى لك, وأعايش موقفك, وأفهم أقوالك, فأفاجأ بك تدعو لى أنا القاتل أو المتربص للقتل, تدعو لى بالهداية, هل أستطيع بالله عليك إلى أن أقول آمين, وحين أهتدى بك شيخنا سوف أعرف الله الذى أردت أن تعرفنى به طول عمرك على مسار إبداعك, سوف أكتشف أنك لست نيتشه الذى توقف عند ” لا إله “.. ولم يكمل “..إلا الله” وومع ذلك اعتبره محمد إقبال مؤمنا رغم أنفه, ورحت أنت يا شيخنا تكمل ما توقف عنده نيتشه, رحت تفتح الآفاق لإيمان أرحب, رحت تدعو من تجرأ فادعى أن الله غير موجود (تحت وهم علم سطحي), أن يمتد بوعيه حتى تتسع معارفه ليكتشف الله من جديد , ألم يكن هذا ماقصدته وأنت تسخر بقية عمر “عرفه” كى يعيد الحياة إلى الجبلاوى؟
يا خبر !! كيف لم أتبين – أنا الإرهابى المخدوع – كل هذا أو بعض هذا من قبل؟
لماذا لم أنتبه لعمق إيمانك الذى وصلنى الآن فقط وأنت ترحب بلقاء خالقنا وخالقك؟
هل يمكن أن تقول ما قلته لمحمد سلماوى إلا أن تكون من الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه , ألست أنت الذى قلت لسلماوى “…أما إذا كان (ربنا) يريد الأخرى , فنحن أيضا نحب أن نلقاه, ما أحلى “أيضا” هذه, يا شيخنا: أستحلفك -بأن أدعو ربى – ألا تموت الآن.
مازال هؤلاء الشباب الذين طعنوك فى حاجة إليك, لن يشفيهم إلا مثل إيمانك, لن يعلمهم إلا درس مثل هذا الدرس: حين أرادوا إطفاء نورك-وهو يعكس نور الله علينا إبداعا وإيمانا- أبى الله إلا أن يحفظك ليتم بك نوره عليهم وعلينا.
يا شيخنا مازلنا فى حاجة إلى بقائك بيننا حتى يتعرف شبابنا المرتبك ماهية مصر من خلالك, ومعنى التكامل الإيمانى الحر بفضل وعيك, وشرف العطاء غير المشروط من وحى ما تمثل، إن الله سبحانه لم يغمرنا بفضله من خلالك فقط, بل من خلال ما حدث من إعجاز الطب المصرى, والجراحة المصرية, حين يتخذ الأستاذ الدكتور سامح همام. (وزملاؤه من حوله) القرار الصائب دون تردد, حين ينزعون الفقرة دون تلكؤ, فيحقق الله المعجزة على أيديهم ليحفظك, فيحفظ لنا الأمل , ويثبت أقدامنا بالعمل, نحن فى أمس الحاجة أن نظل نسمع ضحكتك المجلجلة وأنت تحور القول الشعبى المصرى “المدية صابتنى ورب العرش نجانى”.
يا شيخنا الحبيب
لا تمت الآن- ربنا يخليك لنا ولهم
وإن تمت- بإذن ربنا,لا بمديتهم- فنعاهدك ألا تموت بما تركت فينا ولنا.