نشرت فى الدستور
8- 2- 2006
يارب سترك!
مرة أخرى، ليست أخيرة فى الأغلب، أتساءل صراحة بكل دهشة: ما هذا الذى يجرى فيما يسمى الحزب الوطنى؟ عجبنا من تشكيل الوزارة هكذا، ليس رفضا لأعضائها الذين لا نعرف عنهم “ما يكفى” بقدر ما أن أغلبهم لا يعرفون عن السياسة “ما ينبغى”، وحين رأينا أعوادهم السمهرية، ولمسنا ذكاءهم اللامع، وسمعنا عن أن عيون أغلبهم مليئة بالرزق الحلال (فى الأغلب)، قلنا لعله خيراً، برغم كل ما يشير إلى احتمال غير ذلك.
ثم تابعنا الصمت الذى أعقب صدمة الانتخابات، وتصورنا أنها الدهشة التى ألجمت الألسن، أو الحكمة التى ألزمت المراجعة المتأنية، وقلنا أيضا، غصباً عن حبات أعيننا، وعن كل منطق، وعن كل آلام التجارب السابقة، قلنا: لعله الصمت الذى سيخرج بعده الكلام بشكل آخر، كلام يحمل ما يسمى “المعنى”، ليبلغ ما يسمى “الرسالة”، فتنشأ ما تسمى “دولة”، ويتحرك ما يسمى “الشعب”.
لم تطل فترة الصمت منهم، ولا فترة الترقب منا، فخرجت علينا التصريحات ” هى هى” والتفسيرات والبيانات “هى هى”، والوعود “هى هى”/ قلنا – برغم كل ذلك – خلّنا وراء الحكومة لحد باب التنفيذ، من يدرى، أخيرا صدرت تعديلات الحزب الذى لم يتكون أبدأ فرجعنا إلى خانة “الصفر”.
المسألة ليست فى ان الذى حلُّوا محل الذين ذهبوا هم أسوأ لا قدر الله، إذ يبدو أن الأسوأ قد بلغ مداه حتى لا يوجد ما هو أسوأ منه، لكن المسألة فى أن آلية التغير بدت أبعد ما تكون عن الانتخابات ونتائجها، وعن الواقع ومرارته، وعن الفشل ودروسه، وعن الناس وآلامهم وآمالهم جميعا.
مع كل احترام لكل من حل محل الذى لم يعد له محل فى جوقة الفريق، أتساءل: هل سأل أى منهم نفسه وهو يتوجه إلى كرسيه الجديد: هل يوجد حزب أصلا – بالمعنى السياسى للحزب السياسى – بحيث يستطيع أن يحدد دوره، أن أنه سوف يكتفى بالأحضان والتهانى ثم تبادل المصالح وإلقاء التصريحات؟
إذا كان هذا الحزب لم ينشأ أبدأ (هذا تقديرى منذ 1952) لأنه لم يتحرك من الشارع أصلا، وكل علاقته بالناس هو المصالح الشخصية والتسهيلات المحسوبة والوعود المؤجلة، فماذا يمكن أن يفعل هذا الذى تولى ماذا مهما كان سمهريا، أو أنيقا، أو رقيقا؟ المسألة ليست ثانوية، لأن كل المضروب فى صفر يساوى صفرا، هذه الأصفار هى المسؤولة عن إفراز الأحزاب الهامشية التى يتهمونها بالسلبية والضعف والبعد رجل الشارع ومصالح الناس، وهى المسؤولة عن أنها جعلت الانتماء الدينى الظاهرى يحل محل السياسة، كما جعلت مسابقات الكرة والجوائز والفوازير تحل محل حركية الرأى العام… والعمل العام ..الخ.
خذ واحدا من الذين عينوا مؤخر كمثال، خذه معى بكل احترام والله العظيم، وتعالى نتقمص المصرى العادى جدا ونسأل: هل يعرف المسؤولون فى هذا الحزب أو فى هذه الدولة ماذا يقول الناس عن هذا الإنسان الشاب الجميل ذو الشعر الفاحم، وهم الذين تعرفوا على اسمه أول ما تعرفوا من إعلانات حديد التسليح فى رمضان سابق، حتى سألنى حفيدى آنذاك “هوا الواحد حايعمل إيه بحديد عز ده يا جدى؟” فقلت له اشجعه على الاستذكار، “ربما هو يقوى الذاكرة يا حبيبى وأنت باجتهادك لن تحتاجه”. ليست عندى أيه تحفظات ضد واحد بالذات، بل أننى – والله العظيم ثلاثا – أكن الاحترام لأى ناجح فعلاً، لكننى أتساءل: هل هذا الناجح جدا قد تطوع أخيراً لحمل هم ناسنا البؤساء جدا لعظيم نبله الوطنى جدا جدا؟، وهل بلغت به الشهامة السياسية، والانتماء الوطنى، والتخطيط المستقبلى، والأمل الواعى، هل بلغ به كل ذلك ما جعله يتصدى هكذا بكل حديده وأمواله ووقته لحمل همنا، وهو هم لا يتلم يا سيدى، يرحمنا ويرحمك الله؟
حاولت أن أتقمصه محترماً مشفقاً كالعادة، عجزت فأنا لم أتقمص – مثل بعض مرضاى – نبيا أبدا، ولا أعرف فى يلدنا تحديدا ما هو الدافع لأى بطل هكذا ، أن يضحى بكل ما كان يمكن أن يتمتع به من رفاهية واسترخاء وملذات ووقت فراغ وحظ، ليخدم هؤلاء الناس المطحونين الذين يحتاجون لكل ذكائه الذى حقق له كل هذا النجاح، والذى يعد بأن يحقق لنا النجاح بإذن واحد أحد.
ولماذا لا؟
يارب سترك.