اليوم السابع
السبت 31-8-2013
“وَكَذَلِكَ نُوَلِّى بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ”
يمكن أن تقيس حضارة أمة أو أن تقيّم علاقة مجموعة من الناس بالله والحق وتعمير الأرض، بطريقة تناولهم أو استعمالهم، وسوء استعمالهم لهذه القيمة الجوهرية: “العدل”.
حتى نفهم أبعاد العدل بأعماقها المتداخلة يستحسن أن نتعرف عليه من ضده وهو “الظلم” سواء كان ظلم الآخر، وهذا هو الأكثر شيوعا وبهتانا، أو ظلم النفس وهذا هو الأخطر خفاء وأكثر تشويها.
الذى يسود العالم حاليا هو نوع من “الظلم المقنَّن”، بعضه تبجح حتى أصبح حقا معلنا يحمى كل المظالم الجارية عينى عينك، والبعض الآخر يجرى تطبيقه تحت ستائر من قوانين يسهل اختراقها، أو قوانين تفصيل تجرى تفسيراتها حسب الطلب والموقف والهدف الخبيث، من أمثلة الظلم المتبجح تجريم من يشكك فى الهولوكست حتى لو دعم دعوته وأبحاثه بحقائق تاريخية دامغة، وأدلة ووثائق محكمة، وليس أوضح دليل على ذلك مما جرى لروجيه جارودى باحثا أكاديميا موسوعيا مبدعا، أما المثال الأحدث جدا فهو أن يسمح مجلس الأمن، بل يوصى بضرب من يُهلك شعبه جماعةً بتحالف غربى مقنن مدعم بقرار رسمى فى حين يغض الطرف، أو على أحسن الظروف، يقرص أذن من يهلك الشعب الذى احتله خمس وستين عاما بالتمام، هذا ظلم عالمى، وغالبا غربى مقنن جدا “واللى عاجبه”!
ولهذا الظلم المقنن تحايلات أخرى مثل تبرير إبادة جماعية، أو تهيير اقتصاد قومى، بناء على تقرير مزور أو مهزوز يزعم بمخالفة بلدٍ ما لقوانين موضوعة تطبق على البعض دون الآخرين، وهات يا تضحية بآلاف الأبرياء، حتى من فريق الظالم نفسه مثل التضحية بأمريكيين فى برجَىْ التجارة العالمية تبريرا للإجراءت الإبادية والقمعية والاستعمارية اللاحقة المعدة مسبقا للتخلص من المخالفين أولا بأول، أو تبرير ضرب سوريا والتضحية بأطفالها بإطلاق الغازات القاتلة بواسطة نفس القوى التى ستقوم بضربها.
الألعن أنه قد يتم تقنين الظلم باستعمال العلم والعلماء، حين يصدر حكم – علمى!! على عقار رخيص مفيد جدا بأن له الأعراض الجانبية (الفظيعة) الفلانية، ليحل محله عقار أقل فاعلية أو على أحسن الفروض مساوٍ له فى الفاعلية وثمنه مئات أضعاف الأول،
أما الظلم الذى تستعمل فيه الأديان المزيفة المقدسة الجديدة أعنى “دين الديمقراطية الصناديقية”، ودين “حقوق الإنسان الورقية”، ودين “السوق الحرة الربوية”، فإن لها قوانينها الرشيقة أيضا، وهى التى يجرى تطبيقها لتصدر الأحكام على مخالفيها بشكل حاسم لا استئناف فيه، فتأخذ هذه البلد الفلانية صفراً على عشرة فى حقوق الإنسان وتلك البلد ثلاثة على عشرة فى الديمقراطية ثم تصدر الأحكام بالتجويع، أو التبعية أو الإبادة على عينك يا تاجر.
وأخيرا فإن هناك أنواع أخرى من الظلم أقل بجاحة لكنها أكثر خطراً تستعمل أدوات أكثر عصرية لتزييف الوعى حتى يتم الظلم بواسطة الضحية نفسه، أعنى “ظالمى أنفسهم”.
وهذا ضمن ما سنعود إليه لاحقا