اليوم السابع
الأحد: 23-3-2014
ورحلت ابنتى المبدعة الرقيقة: “نادين”
لم ألتقها إلا نادرا، برغم أنها كانت جارتى لسنوات، وزوجة ابنى د. نبيل القط، لكنها لم تغب عن وعيى إلا نادراً أيضا. مازلت أذكر “عزومة العشاء” النادرة فى بيتها التى كشفت لى عن إبداعها الآخر من خلال صنوف مائدتها، فى السنوات الأخيرة كلما رحل أحد أبنائى، أو بناتى، كدت أعتذر له، وألومه فى نفس الوقت أنه سبقنى، وقد رحل فى الخمسة أعوام الأخيرة الكثير من شباب الأصدقاء والصديقات والزملاء والزميلات، بعضهم حملته على كتفى طفلا، حتى كدت أخجل من بقائى بعدهم دونهم، وأتذكر قول الشاعر “…. وأنْعِى ولا أُنْعَى، فكمْ ذَا إلى مَتَى؟” ليس معنى ذلك أننى أتمنى الموت، أستغفر الله العظيم، لكننى أحكى مشاعر حقيقية لا يد لى فيها.
برغم ندرة لقائى معها فقد كنت أطالع وجهها فى طلعة زوجها، إبنى د. نبيل القط كلما التقيته، وحين أصيب ببعض آلام مفاصله، كنت استشعر ألمها له ومعه دون أن أسأله، فأدعو لهما معا.
وصلنى بعض إبداعها القصصى، ففرحت بجدّته ونبضه وحيوية الدهشة به، وحين كنت أسمع عن بعض مشاركتها فى سيناريو أعمال ناجحة أحاول أن أتعرف من جديد على الإبداع الذى تمثله كتابة السيناريو بالذات (لا الإخراج ولا الحوار)، وكم ناقشت شيخى نجيب محفوظ وأنا أتعجب كيف ينزل من علياء الإبداع الروائى إلى كتابة سيناريو لفيلم من رواية لإحسان عبد القدوس، ثم يجعل صلاح جاهين –مثلا- يكتب الحوار، وكم سألته فى حضور توفيق صالح، وبمناسبة أن توفيق كتب سيناريو “المخدوعون” دون الحوار، كم سألتهما بكل جهلى الفنى المخجل عن الفرق بين هذا وذاك، ويجيبانى الإثنان بطيبة وسماح، ولا أتعلم، وحين علمت أن نادين سيناريست من المرتبة الأولى، تأكدت من جهلى واعتبرت السيناريو موازيا للفن التشكيلى أكثر منه لفن الرواية أو فن الإخراج.
طوال سنين زواجهما دعوت لهما أن يرزقهما الله بمن يحافظ على هذه الجينات النادرة، وكنت واثقا من أن الله سوف يستجيب لى، لكنه سبحانه أعلم بآجالنا، وله ما شاء واختار.
وكلما كان قلبى يُعتصر بين ضلوعى عصرا على ما يمكن أن يحيق بمصر فى الفترة الأخيرة، كنت أتقمص من يشاركنى وهو يحبها “مثلى أنا” (مثلييى آنا)، وأنا أحسب أن هذا سيخفف عنى، وإذا بى أشفق عليهم مما أعانى، فيزداد ألمى.
يا تُرَى هل رحلت يا نادين لأنك لم تحتملى كل ذلك، مع أنك تعرفين أننا سنخرج فائزِين من كل ذلك؟ وسوف تعود مصر هى مصر بالإبداع بالذات.
لا عليك يا نادين: ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، وأطمئنى على هذا البلد الطيب الذى أنجبك، فهو بلد ولود، والله يحبه، ويحبك.
مع السلامة.