نشرت فى الدستور
26/2/1998
وتعلم: كيف تكره
كنت على وشك أن أكتب سلسلة تعتعات تذكرنا بفضائل منسية، إما إهمالا، أو استهانة، أو لأن الشائع عنها أنها رذائل، أو أنها عيب، أو ما شابه، وكان فى ذهنى أن أكتب عن فضيلة الغضب، وفضيلة الغيظ، وفضيلة حب النفس (ليست الأنانية) وفضيلة الدهشة، وفضيلة الاختلاف، وذلك مقابل أن أكتب عن رذائل شاعت وكأنها فضائل مثل: رذيلة الإجماع، ورذيلة الطيبة (الخائبة)، ورذيلة الشفقة (الفوقية)، ورذيلة المؤتمرات العلمية، ثم قفزت أزمة العراق الأخيرة، فذكرتنى بفضيلة يستحيل أن يوافقنى عليها أحد (لأول وهله) وهى فضيلة “الكراهية”.
وتقفز إلى أغنيه عبد الوهاب: “كنت فى صمتك مكره” إلى أن قال: “وتعلم كيف تكره”. فإذا اقتنعنا – وهذا ما يقوله العلم – أن الكره هو مرحلة ضرورية فى النمو، وأن الذى لا يستطيع أن يكره لا يستطيع أن يحب مهما ادعى غير ذلك، فإن علينا أن ندرب أولادنا – ومن البداية – على “حق الكراهية”، ثم على “حسن استعمال هذا الحق” ثم على مهارة تروبض الكراهية… إلخ، فكيف السبيل إلى ذلك؟
تصورت أن إسرائيل – إسرائيل نتانياهو بالذات – هى أحسن لوحة تدريب ندرب عليها سهام أولادنا ليكرهوا الظلم والغرور والاستعلاء والتعصب والقسوة، ولكنى اكتشفت أن إسرائيل ليست إلا كيان – رغم إشاعة قوته البادية – كيان حقير مقيئ يحمل مقومات فنائه مهما طال الزمن.
فكيف ندرب أولادنا أن يكرهوا كيانا حقيرا زائلا هكذا مهما بدا قبيحا منفرا.
وحين جاءت أزمة العراق الأخيرة وتبدت لنا أمريكا بهذه الصورة الفجة القاسية المغرورة، غمرتنى كراهية متزايدة أعتى من كل ما تصورته من قبل، حيث استقبلت هذه الأمريكا مثل أمنا الغولة: غبيه، مغرورة، تقيس بلا عدل، ولا رؤية، ولا بعد نظر: بأكثر من مقياس، تبصق فى وجوهنا، وتدوس بحذائها القذر على كرامتنا، ولا يهمها العالم، ولا الأخلاق، ولا حتى صورة نفسها ولا مصلحتها، ولا مستقبلها هكذا بدت لى بكل شذوذها وتفاهتها، فقدرت أنها هكذا إنما تصلح فعلا لتكون “لوحة الرماية” التى ندرب أولادنا عليها لتنمية الكراهية قبل ترويضها.
على أن كراهية أمريكا لا تعنى – بالضرورة – كراهية الأمريكان، ولا كراهية علمهم، ولا رخائهم، ولا تكنولوجيتهم…. الخ لكنها كراهية ما تمثله أمنا الغولة هذه من قيم الغباء، والظلم، والغرور.
عزيزى كلينتون
خيبك الله أكثر وأكثر