نشرت فى الدستور
14-12-2005
…والله خير الماكرين!
…. لست من أنصارها جدا، خاصة إذا اصطبغت بتوجيهات السيد دبليو، أوالست كوندى، أو كانت من النوع “الديسبوزال” !! نعم كانت هناك صناديق، وقضاة، وفضائيات، وبلطجة، وحماس، ورشاوى، وكلام كثير، وقتل، وضحايا، ونتائج وأرقام، وبيانات، واحتجاجات، وظلم، وتظلم، وكذب وتحد..و..و.. لكن هل هى الديمقراطية؟
كررت مرار أنه لم توجد أحزاب اصلا لها الحق أن تدعى أنها تحكم باسمنا منذ يوليو 1952، وبالتالى فعلينا أن نتساءل، هؤلاء الذين نجحوا تحت ما يسمى الحزب الوطنى (أصلى واحتياطى)، الذين نشلوا أصواتنا، او اشتروها، أو لفقوها، يمثلون مَن بالضبط؟ لا أريد أن أعدد السلبيات، أو الجرائم، فقد شبعوا تعرية وكشفا، بل وسبابا وتهديدا دون أن يتعلموا أو يتغيروا. إن كان لنجاح الإخوان أية سلبيات، فهم المسؤولون عنها تماما.
إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لما يسمى الحزب الوطنى وحكومته المحظورة (عن الظهور فى وعى الشعب)، فما هو الحال بالنسبة لمن يسمون الإخوان؟. نعم هم فصيل محدد المعالم، لهم نظامهم، ومشاريعهم المعلنة والمؤجلة، والخفية، لكن ما هو مضمون هذه الكلمة فى وعى البسطاء الذين أعطوهم أصواتهم ودفع بعضهم فى سبيل ذلك حياته؟ الكلمات تصل إلى وعى الناس ليس بتعريفها الذى فى القاموس، ولا حتى القاموس السياسى، ولكن بأدائها على الأرض، حتى القرآن الكريم، تجلى سلوكا يوميا فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان خلقه القرآن)، كما تجلى فى حب مسيو إبراهيم للطفل موييس اليهودى “مسيو إبراهيم وزهور القرآن” (أعرف ما فى قرآنى). كلمة الإخوان فى وعى الناس غيرها على لافتاتهم، وهى وهم على البر، غيرها وهم على كراسى السلطة، لا نستبق الأحداث، فهم لم يختبروا على الكراسى، لكن التجارب الأحدث والجارية تقول إن من يعلنون تطبيق الشريعة ، ليسوا بالضرورة خلقهم القرآن، الجميع يعرف ما يجرى فى بيوتهم، وفضائياتهم، ومحاكمهم، وربما داخل نفوسهم، كلمة الإخوان التى نجحت فى الانتخابات تعنى ” المظاليم المنسيين المهمشين المهانين الـ”بدون جنسية” (مثل “بدون” الكويت). أما مسالة الشريعة، والديمقراطية والإسلام الحل، فهذا امر آخر، أخف ما يقال فيه أنه “لم يختبر”، مع اننى، بصفتى مواطنا قديما، وإخوانيا سابقا، حوكم فى المركز العام منذ أكثر من نصف قرن، وفصل لعلاقته بمحقق تراث فذ (المرحوم : محمود محمد شاكر!) بتهمة أنه كان يدعونا أن نعرف ديننا من أمهات الكتب لا من نشراتهم !!. بصفتى هذه أزعم أننى أعرف نتيجة حكمهم. لقد وصلنا إلى مرحلة نخاف فيها (و نكسل، ونستخسر) أن نفكر، أن نراجع، أن نبدع، أن نجتهد، فما بالك إذا تدعم كل هذا بفتوى سلطوية من صنع البشر يلصقونها بالله.
كثير من الخائفين من حكم الإخوان لا ينطلقون من نفس مخاوفى، لعل بعضهم يخاف من مراجعة أوهامه. خذ مثلا الذين يفرحون بدعوى فصل الدين عن الدولة، ماذا لو اضطروا إلى مراجعة شعارهم المقدس :”الدين لله والوطن للجميع”؟ لعلهم يخافون أن يكتشفوا أن الأمر كله لله، الدين لله، والوطن لله، والدين للجميع والوطن للجميع، والجميع لله، كل بحسب موقعه، ومستوى وعيه، ومنظومة فكره، وعلاقته بربه المفتوحة النهاية. مثل آخر يهددهم بالمراجعة، مثل تحسدهم عليه “النعامة”، هم يرددون بحماس علمانى لامع أن علينا أن نرفع خانة الديانة من البطاقة الشخصية”، لا يا شيخ؟ !!! وكأننا بذلك قد قبلنا الآخر ودمتم، وهات يا أحضان وقبلات ومآدب !! مع أن الإشكال الأساسى الذى يجب أن يتعمق على الناحيتين هو التأكيد على أن الله قد أرسل الأنبياء ليهدوا الناس إلى فطرتهم التى خلقهم عليها، ولم يعين وكلاء عنه يقهرون الناس باسمه، ويشوهون فطرتهم. كيف ننظم ذلك؟ هذه هى الحكاية.
على كل من استلم دينه واسمه وهويته من أهله، أن ينطلق من موقعه باحترام معلن، إلى ما يستطيع، فى الوقت المناسب، وعلى المجتمع أن يمنح الجميع نفس الفرصة. أى تهميش للإيمان بفصل الدين كنشاط سرى خصوصى بعض الوقت (العلمانية)، أو بتعليق لافتة دينية عليه من الظاهر، لافتة وضعها البشر دون الله، هو ضحك ومكر على الله، لا ينفع، وإلا كان نـَفَعَ الأعراب الذين قالوا اسلمنا. هل نسينا أن الله سبحانه هو خير الماكرين؟
إذا أراد الإخوان أن نصدق موقفهم من الديمقراطية –مثلا- فعليهم أن يفعلوا عكس ما صرح مرشدهم مؤخرا: عليهم أن يتبنوا فتاوى الفقهاء الشجعان الأقلية العباقرة الذين أفتوا بأنه لا حد للردة إلا فى حالة الحرب (ما يقابل الخيانة العظمى)، فإن لم تفعلوا فكيف نصدقكم – أو حتى تصدقوا أنفسكم – أنكم مع أن يختار المواطن النظام الذى يحكمه، وأنتم لا تسمحون لمبدع جاد كادح إلى وجه الحق تعالى أن يختار دينه، فيذهب ويعود، أو لا يعود، وربنا أعلم بمدى جده وكدحه إذا قبضه قبل أن يعود؟